14 يوليو 2009

الانسحاب الأمريكي.. رحيلٌ فعليٌّ أم انتشارٌ تَكتيكيٌّ؟!!








الانسحاب الأمريكي.. رحيلٌ فعليٌّ أم انتشارٌ تَكتيكيٌّ؟!!

الاثنين 20 رجب 1430 الموافق 13 يوليو 2009


الانسحاب الأمريكي.. رحيلٌ فعليٌّ أم انتشارٌ تَكتيكيٌّ؟!!


بغداد / الإسلام اليوم

مما لاشك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تحتل العراق وتُنفق نفقات كبيرة وتخسر الخسائر التي خسرتها في العراق لكي تنسحب منه بعد ذلك، وما يوجد في العراق من خيرات وثروات يسيل لها لعاب المحتل الأمريكي تحول دون أن نثق بحقيقة ما حدث في العراق من أنه انسحاب للقوات الأمريكية، بل هو عدم الانتشار في المدن, فالانسحاب التدريجي الذي حدث لا يعدو كونَه خطوةً تَكتيكية، وإن كنا نتمنى أن يكون انسحابًا حقيقيًّا، ولعل التاريخ الأمريكي يؤكد أن أمريكا من بعد الحرب العالمية الثانية لم تحتل بلدًا ثم انسحبت منه، باستثناء كوريا الشمالية وفيتنام؛ لأنها لم تحتلهما بشكل كامل، ولم تسيطر على كل أجزائه كما حدث في كثير من البلدان التي احتلتها أمريكا وبقيت فيها تحت أشكال ومسميات مختلفة، فالقوات الأمريكية اليوم تنتشر في أكثر من 135 دولة في العالم وبأكثر من 70 بالمائة من دول العالم، وهذه الدول لا تشكِّل الثِّقَل الذي يشكِّله العراق قياسًا لموقعه وأهميته الاستتراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن خيراته، وأنَّ آخر قطرة نفط في العالم عندما ينضب النفط ستكون في العراق.

إذن لماذا هذا الانتشار التكتيكي؟ ولماذا هذه الأضواء الإعلامية على ما يسمى بالانسحاب الأمريكي من العراق؟ وما جدوى ذلك؟

لقد أنفقت أمريكا في العراق الكثير من ميزانيتها التي أثقلت كاهل دافع الضرائب الأمريكي، وجاءت الأزمة المالية العالمية لتضاعف من حقيقة الأزمة الاقتصادية التي لحقت بالاقتصاد الأمريكي من جرَّاء حربيْ العراق وأفغانستان، ناهيك عن ضربات المقاومة العراقية التي أوقعت ما أوقعت من خسائرَ بشريةٍ ومادية، فضلًا عن ضغط الشارع الأمريكي إزاء جدوى تلك الحروب، ووجود أعداد كبيرة من أبنائهم في صفوف الجيش الأمريكي في العراق، إضافةً إلى ذلك ضغط الديمقراطيين المتزايد في الكونغرس الأمريكي باتجاه سحب الجيش الأمريكي أو تخفيض عدد أفراده, وتجلَّى ذلك في شهادة جون مارثا، شيخ النواب الديمقراطيين في الكونغرس وخبير شؤون الأمن القومي والمحارب القديم في فيتنام والذي شن حملة نارية على الحزب الجمهوري الأمريكي وعلى إدارة بوش أيام حكم الرئيس السابق بوش، فضلًا عن أن الحملة الانتخابية للرئيس الحالي أوباما أكدت على أهمية الانسحاب الأمريكي من العراق.

لكن الذي حدث هو سحب القوات الأمريكية من شوارع العاصمة بغداد وبقية المدن العراقية والبقاء في قواعد أمريكية على أطراف بغداد والمدن الأمريكية؛ لأن البنتاجون حرص ـ منذ اللحظة الأولى لاحتلال العراق ـ على بناء قواعد أمريكية دائمة في العراق، وعكف على بناء نظام اتصالات عسكرية مستديم في العراق، وهو أساس ضروري لأي وجود عسكري دائم بشبكة تسمى "نظام ميكروويف العراق المركزي"، نفذتها شركة غالاكسي ساينتفك كوربوريشن بكلفة 10 ملايين دولار، وهذه الشبكة الدائمة تعني أنه حتى لو انسحبت القوات الأمريكية فإن أعدادًا كبيرة منها ستبقى في قواعدها التي أحصاها موقع "غلوبل سيكيوريتي" العسكري الأمني بـ12 قاعدة دائمة في كافة أنحاء العراق، وبالتأكيد فإن هذه القواعد لن تكون فارغة من القوات والجيش الأمريكي، ولذا عندما طرح الرئيس أوباما قضية الانسحاب أكد على أنه سيتم سحب جزء من هذه القوات حتى نهاية عام 2011، وحدد عام 2011 موعدًا لإنهاء العمليات القتالية، لكنه أعلن أن ما بين 35000 إلى 50000 عسكري أمريكي سيبقون في العراق؛ أي أن أكثر من 35% من عدد القوات الأمريكية المتواجدة الآن بالعراق سيبقى بعد ذلك فيه, وسيبقى الآن في العراق 131 ألفًا من القوات الأمريكية، منها 12 فرقة مقاتلة، ومن غير المتوقَّع أن ينخفض العدد عن 128 ألفًا حتى ما بعد الانتخابات العراقية في يناير المقبل، وهو حجم ليس بالقليل، وبالتأكيد فإن الإدارة الأمريكية تستطيع في أية لحظة زيادة هذا العدد أو إنقاصه، وفقًا لاستراتيجياتها الخاصة، متى ما دعت حاجتها لذلك، بل إن القوات الأمريكية تتدخل بسرعة متى ما طلبت الحكومة العراقية ذلك، والمعروف أن هذه الحكومة لا تملك أي سيادة على الوضع في العراق، وأنها تَبَعٌ للقرار الأمريكي؛ لذا فإنَّ مسألة تدخُّل وانتشار القوات الأمريكية في العراق أمر محسوم، وما يؤكد ذلك عدم جاهزية القوات العراقية وكفاءتها في السيطرة على الشارع العراقي، وقد أشارت التقارير الأمريكية الخاصة بتأهيل القوات العراقية إلى أن 10% فقط من هذه القوات مؤهلة طيلة السنوات الماضية للاحتلال، وقد أشار الجنرال 'جورج دبليو كيسي' إلى أن "هناك كتيبة عراقية واحدة ـ أقل من 1000 جندي ـ هي التي تستطيع القتال دون مساعدة من الولايات المتحدة, علمًا بأننا بحاجة إلى 40 كتيبة إضافية على الأقل كي تستطيع قيادة عمليات مكافحة التمرد بمساعدتنا"، على حد قوله، إضافة إلى ولاء عناصر تلك القوات لبعض الأحزاب والجهات في العراق مابين تنظيم بدر والصدريين وقوات البيشمركة الكردية.

الحكومة العراقية اعتبرت يوم إعادة ترتيب وضع القوات الأمريكية في العراق يومًا لعودة السيادة العراقية؛ حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المناسبة عطلة رسمية، واعتبر يوم 30 يونيو يوم السيادة الوطنية، وتسلم الجنرال عبود قمبر، قائد عمليات بغداد، مفتاحًا رمزيًّا من الجنرال الأمريكي دانيل بولجر قائد القوات الأمريكية في بغداد على أنه مفتاح بغداد وعودة السيادة للعراقيين على العراق، في حين أشار وزير الداخلية العراقي جواد البولاني في مقال نشرته له صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بالقول: "بينما تحوِّل الولايات المتحدة اهتمامها عن العراق إلى أفغانستان وقضايا أخرى بالغة الأهمية, لا ينبغي لأحد منا أن يركن إلى الاعتقاد بأن المهمة في العراق قد أُنجزت، فذلك إحساس زائف فعلًا", ووصف أحداث العنف التي شهدتها البلاد مؤخرًا بأنها مؤلمة, مشيرًا إلى أنها تنبئ بتحديات مقبلة.

وهذا يؤكد بالفعل أن القوات العراقية لا يمكنها السيطرة على الوضع إذا تزايد العنف والتفجيرات في العراق، مما يستدعي تدخلًا سريعًا من قبل القوات الأمريكية الموجودة في العراق. إذن الذي حدث هو إعادة انتشار لتلك القوات داخل العراق وليس انسحابًا منها.


ليست هناك تعليقات: