من
يحكم مصر و لحساب من ؟ -32 -
نظرة
على ملف الأهوال "2"
فهمي هويدي
هما
جريمتان من العيار الثقيل.
أن
تستباح آدمية وأعراض وأموال أكثر من 22 ألف مواطن، وتتحول حياتهم وحياة أهليهم إلى
جحيم،
وأن
يسكت الجميع على الجريمة البشعة، خصوصا بعض المنظمات الحقوقية لمجرد أن هؤلاء
«إسلاميون» لا كرامة لهم ولا بواكي عليهم.
أمس عرضت للخطوط العريضة التي أسفرت عنها عملية توثيق وتسجيل ما جرى لعناصر الجماعة الإسلامية وأسرهم خلال سنوات الإرهاب والدم خصوصا في تسعينيات القرن الماضي.
ولنا
موعد اليوم مع بعض تفاصيل عملية التوثيق.
وأحب
أن أنوه قبل الدخول في تلك التفاصيل بأنها لا تمثل التاريخ، لكنها شهادة للتاريخ.
بمعنى أنها رؤية الطرف
المجني عليه، التي لا ينبغي أن تعد تاريخا إلا إذا خضعت للفحص والتحقيق والمقارنة
مع شهادات الطرف أو الأطراف الأخرى.
وعملية الفحص هذه ميسورة بصورة نسبية، لأن شهود المرحلة لا يزالون أحياء، إن لم يكونوا بأشخاصهم فبأهليهم من زوجات وآباء وأبناء.
وأزعم
في هذا الصدد أن عملية الفحص إذا أريد لها أن تجلي الحقيقة، فينبغي أن يقوم بها
طرف محايد، وأن يعطى الأمان للشهود.
ذلك
أن أكثر الذين تحدثت إليهم من أولئك الشهود طلبوا ألا تذكر أسماؤهم حتى لا يتعرضوا
لضغوط وإرهاب ضباط «الأمن الوطني» الضالعين فيما جرى، ولا يزالون يباشرون مهماتهم،
كما
أنهم حذروا من أن يؤدي فتح الملف وفضح حقائقه إلى ابتزاز وإساءة معاملة 16 من
إخوانهم الذين لا يزالون في السجون، وتحتفظ بهم الأجهزة الأمنية كرهائن للتحذير
وتأديب الجميع حتى لا يتحدثوا عما جرى لهم
(هناك
ناشطون إسلاميون آخرون من خارج الجماعة الإسلامية لم يطلق سراحهم بعد، عددهم 23
شخصا).
من
المعلومات التي كشفت عنها عملية المسح والتوثيق ما يلي:
ــ إن أكبر عدد من القتلى كان بين أبناء المنيا، الذين قتل منهم أكثر من ألف شخص
بينهم
500 من مركز ملوي
ومنهم
5 نساء من قرية الروضة التابعة للمركز
ــ
وثلاث نساء من قرية نواي،
ذلك
بخلاف 27 شخصا من قرية بني وركان مركز العدوة.
ــ من محافظة سوهاج قتل 500 شخص.
وأحد
أعضاء الجماعة في أسوان (اسمه عيسى طاهر) تم قتله في عام 1993 عن طريق إلقائه من
الطابق السابع لمبنى مديرية الأمن.
ــ في قرية الراوية بمحافظة بني سويف قتلت عناصر أمن الدولة 4 أشقاء تتراوح أعمارهم بين 17و21 سنة هم: عادل يحيى وأحمد يحيى وطه يحيى ويحيى يحيى.
ــ أكبر نسبة إعدامات كانت من بين أبناء محافظة قنا التي نفذ الحكم في 28 من أبنائها.
ــ لأجل الضغط على المتهمين كان ضباط أمن الدولة يحضرون نساءهم ويجبرونهن على طلب الطلاق من أزواجهن. وقد تمت 400 حالة طلاق إجباري من هذا القبيل في أنحاء مصر. بينها 50 حالة في القاهرة والجيزة. والأخيرة وقع فيها 26 طلاقا في حي العمرانية وحده.
ــ حكم على خمس من السيدات بالسجن لمدة تراوحت بين 5 و15 سنة، وقد حكم على السيدة جيهان إبراهيم من حي إمبابة بالجيزة بمدة الـ15 سنة لأنها استضافت في بيتها رجلا كان مطلوبا للأمن ومعه زوجته.
التفاصيل المماثلة لا حصر لها. ولابد أنك لاحظت أنني لم أتحدث عن وسائل التعذيب التي استخدمت، ولم تؤدِ فقط إلى قتل البعض وإصابة البعض الآخر بالأمراض والعاهات المستديمة، وإنما أفقدت آخرين عقولهم.
ولولا
الحرج لأوردت أسماء نفر منهم.
وفي
شوارع مدينة منفلوط يسير واحد منهم ذاهلا وتائها طول الوقت.
ملف الأهوال أكبر من أن يختزل في الحدود المتاحة للنشر. ولا أعرف متى يمكن أن تجمع هذه المعلومات في كتاب أسود يفضح ممارسات تلك المرحلة البائسة. خصوصا أن الناس اعترفوا بخطئهم وصححوا موقفهم وانتقدوا أنفسهم علنا.
ومن
ثم فلا تثريب عليهم إن هم أطلعونا على ما جرى لهم، علما بأن ذلك ضروري، ليس فقط
تسجيلا للتاريخ، لكن أيضا لمحاسبة الذين ارتكبوا بحقهم تلك الجرائم، التي أفهم
أنها لا تسقط بالتقادم، باعتبارها جرائم ضد الإنسانية. إلا إذا ارتأى البعض أن
منسوبي الجماعات الإسلامية مستثنون من أحكام القانون الدولي بهذا الصدد، بدعوى
أنهم من طينة أخرى أدنى من البشر العاديين.
سألت الدكتور صفوت عبدالغني، الذي أكمل تعليمه وحصل على الدكتوراه في القانون وهو في السجن، لماذا لا تحتكم إلى القضاء فيما جرى لكم لمحاسبة المسؤولين وتعويض المضرورين،
فقال
إن الظرف غير مواتٍ الآن، والمجتمع مشغول بالثورة وبشهدائها وضحاياها، وحين يتم
تجاوز هذه المرحلة يمكن بعد ذلك اللجوء إلى القضاء.
وحزبنا
(البناء والتنمية) مشغول في الوقت الراهن بإنهاء عملية التوثيق والتدقيق في
الوقائع والشهادات، إلى جانب حرصه على المشاركة مع القوى السياسية الأخرى فيما هو
مطروح من عناوين المرحلة.
وختم
كلامه قائلا إن الحزب يحاول أيضا إزالة آثار سنوات الجمر والدم التي خلت، وبعض
أعضائه الناشطين في المجال الاجتماعي يعملون الآن على تجهيز وتزويج 19 واحدة من
بنات أعضاء الجماعة الذين قتلوا، ففقدن آباءهن وتيتمن في سن الصغر.
صحيفة الشرق القطريه الأحد 1 جمادى الأخرى
1433 – 22 أبريل 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق