12 مايو 2012

إرهابية الإمبراطورية الأمريكية - 21 – كتاب الجريمة الأميركية المنظمة في العراق --3 –


 إرهابية الإمبراطورية الأمريكية - 21 –

كتاب الجريمة الأميركية المنظمة في العراق --3 –
بقلم الباحث والكاتب العربي حسن خليل غريب - لبنان



الفصل الأول
التكوين الإيديولوجي تغليب مصلحة النخب الرأسمالية
أولاً:الجريمة الأميركية مثال للاستعمار الاستيطاني
تدل طبيعة التكوين الإيديولوجي الأميركي على جملة من الحقائق لا يمكن إغفالها في كل دراسة تتناول هذه القضية أو تلك، هذا الجانب أو ذاك، من جوانب السلوكات الأميركية ضد الخارج الأميركي. ولأن كتابنا يتناول جانب الجريمة الأميركية في العراق، نرى من المناسب أن ننظر إلى طبيعة تكوين منهج الجريمة في النظام الأميركي.
قام النظام الأميركي، منذ تأسيسه، على قاعدة تفوُّق العرق الأبيض. ويمتد خيط من مفاهيم الرجل الأبيض في التعامل مع الأعراق الأخرى عبر التاريخ إلى الوقت الحاضر، هو خيط مفهوم نظرية التميز والتفوق العرقي للرجل الأبيض. وقد انبثق عن ثنائية (العرق الأبيض في مواجهة الأعراق الأخرى)، ثنائية أخرى (السيد والعبد)، فالسيد هو الأميركي الأبيض أما العبد فهو كل شعوب العالم الأخرى. ولأن نظرية السيد تعني «الإنسان المتحضر»، ونظرية العبد تعني «الإنسان المتوحش»، يحق في أعراف «السيد» أن يتخلَّص من «العبد» بأية وسيلة. ولهذا انغرست في الإيديولوجيا الأميركية مفاهيم «إبادة الوحوش» لتخليص البشرية من شرورها، ودافعهم هو وضع ثروات العالم في خدمة «الرجل الأبيض المتحضر».  فكانت الولايات المتحدة الأميركية، ومازالت، الدولة «الأشد دموية وعدوانية عبر التاريخ الإنساني كله ،منذ أن بدأت تتشكل وحتى الآن، أي منذ إبادة الهنود الحمر إلى العدوان على العراق». وامتلأ  تاريخها «بالجرائم المروعة التي لا تريد لها تاريخاً وتوثيقاً بما يكشف للعالم، وللأمريكيين أنفسهم، أن تاريخهم ليس إلا تاريخ إبادة للشعوب والحضارات الأخرى، وكيف أن تقدمهم العلمي والاقتصادي قام على سلب الأمم ثرواتها العلمية والبحثية والاقتصادية».
تواصلت الإيديولوجيا الأميركية ، منذ ما يُعرَف بالاستقلال حتى اللحظة الراهنة، بتحديد سياسة الولايات المتحدة الأميركية على النسق ذاته، استناداً إلى ثنائيات (العرق الأبيض والأعراق الأخرى، و(السيد والعبد)، و(الإنسان المتحضر والإنسان المتوحش). واستمرت أيضاً آليات الصراع بين تلك الثنائيات على قاعدة تشريع مبادئ: «إبادة الأعراق الأخرى: العبيد والمتوحشين، رسالة إنسانية وإلهية»، بحيث ارتقى مفهوم الإبادة إلى مفهوم «الاستعباد»، ويعني أنه لأجل تأمين اليد العاملة التي تخدم «الإنسان المتحضر» تسمح الإيديولوجيا الأميركية باسترقاق الأعراق الأخرى لوضعهم في خدمة الأسياد البيض. وتستند تلك المفاهيم إلى عمق تاريخي سادت فيه «نظرية ترويض العبيد» التي احتلَّت حيزاً واسعاً من تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وتعود أصولها إلى بداية (النهضة الأمريكية) التي قامت «على جثث ودماء وجهود الأفارقة الذين تم اصطيادهم مثل الحيوانات من الغابات والمنازل، أو تمَّ شراؤهم من الأسواق». وهي بالإجمال «قضية وجود مفهوم نظري، يرى فيه الأمريكي أن من حقه إبادة الشعوب الأخرى، واسترقاقها وتخويفها وإرهابها ،باعتباره (رجل ابيض)  متفوق حضارياً على الآخرين». ليست تلك الإيديولوجيا إلاَّ مثار فخر وتباهي، عند الأميركيين، بالوحشية والدموية([1]).
وتذكر بعض التقارير على أن «أبوات الرأسمالية الأميركية» قد جنوا ثرواتهم على جماجم الشعوب، وعلى أنهار من الدماء([2]). وان القيام بارتكاب أعتى الجرائم، وأشدها دموية في تاريخ البشرية ،لا يعنى أبداً التبجح بها، وإنما يعنى بالقدرة ذاتها على ارتكابها، وتتوفر آلة إعلامية كاذبة ومخادعة للتغطية عليها ،وتصويرها على أنها «أعمال إنسانية متحضرة» ضد بدائيين، كما كان الحال في الزمن القديم، أو ضد أناس يقفون ضد المبادئ الإنسانية، من إرهابيين وديكتاتوريين أو حتى معادين لحقوق المرأة والطفل. فهو يُغلِّف جرائمه بعُدَّة عمل إعلامية تظهرها بأنها شرعية وأخلاقية، بل واجب إنساني، وإلهي أحياناً. وهناك مبادئ إعلامية عشر يطبقها الإعلام الأميركي([3]).
لم تقتصر الإيديولوجيا الأميركية على تُراث تاريخي طويل، وإنما عقد تحالفات مع ما يسميه (فرانك براوننغ) في كتابه (الجريمة على الطريقة الأمريكية) بـ«السلطة السادسة». وهي ليست إلاَّ تلك التي يمارسها عالم محترفي إجرام يعملون في خدمة الصناعيين والسياسيين من غير الشرفاء. وإن الأفراد الذين ينتهكون القانون، يعرفون أن باستطاعتهم الاعتماد على حماية (المنظمة)،  وعلى ضمان أموالها. إن (السلطة السادسة) تستعلي على تحالفات الطبقات وعلى الصداقات السياسية التقليدية... وهي تلك الجريمة المتمأسسة. ووظيفتها ليست إفساد القوى الاجتماعية الأخرى وحسب. بل إنها تؤلف سلطة مستقلة تقاوم السلطات الأخرى أيضاً.  
ولكل هذه الأسباب لا يمكن لتاريخ الجريمة في الولايات المتحدة إلاّ أن يكون تاريخ الولايات المتحدة الذي تنتشر فيه مغامرات الخارج على القانون، وقاطع الطريق والمتمرد والمبتز. وقد وظّف الساسة  الأميركيون كل النظريات التي يطلقها الموتورون في العالم، بعد أن أسبغوا عليها مسحة أمريكية ووضعوها في قوالب مقننة أنتجت سيلاً من الجرائم. وليست تلك السلطة إلاَّ سلطة عصابات المافيا في نيويورك([4]).
ثانياً: العالم يواجه الجريمة الأميركية المنظمة بتأسيس «المحكمة الجنائية الدولية»
شهد القرن العشرون أفظع الأحداث التي ارتكبتها السلطات الأميركية في تاريخ الإنسانية. وفي العديد منها ارتكبت جرائم تحت غطاء الحصانة. الأمر الذي شجع الآخرين على السخرية من القوانين الإنسانية. فهنالك حاجة ملحة لمحكمة مثل المحكمة الجنائية الدولية للتخلص من الانتهاكات الفظة للقانون الإنساني الدولي تحت غطاء تلك الحصانة. وتأسست بناء على تشريع روما حيث تبنته 120 دولة في 17 تموز/يوليو من العام 1988. إنها أول محكمة جنائية دولية دائمة تقوم على أساس ميثاق موقع تكون مهمتها إعلاء سلطة القانون والتأكد من أن الجرائم الدولية البشعة لن تمر من دون عقاب. وتمت المصادقة عليها، في الحادي عشر من نيسان/أبريل 2002. ووفقاً لذلك أصبح ساري المفعول منذ 1/ 7/ 2002. وأي شخص يقوم بارتكاب أي من الجرائم المدرجة في لائحة التشريع، بعد هذا التاريخ، سيكون عرضة للوقوف أمام هذه المحكمة(*).
شعرت الدول الأعضاء بأهمية إدراج جرائم العنف في تشريع المحكمة الجنائية الدولية, إلا أنها لم تتمكن من الاتفاق على وضع تعريف لها. ولا يزال قيد المحادثات بإشراف اللجنة الابتدائية للمحكمة. ومع أنها كانت صعبة, إلا أن تقدما ملحوظاً بدأ يبدو عليها. وعند الوصول إلى اتفاق بشأن تعريف جرائم العنف, سيتم إدراجه في تشريع المحكمة, عند تعديل التشريع بعد سبع سنوات.
فالمحكمة الجنائية الدولية محكمة مكملة للمحاكم الوطنية, لتتمكن هذه المحاكم من التحقيق في جرائم القتل الجماعي وجرائم الحرب. لكنه عندما تتولى حكومة ما التحقيق في قضية كهذه, لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تتدخل إلا عندما ترفض الحكومة التحقيق، أو عندما لا تملك القدرة عليه.
هناك فروق بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية: فمحكمة العدل الدولية لا تملك سلطة قضائية جنائية يمكنها بواسطتها مقاضاة الأفراد. لأنها محكمة مدنية مهمتها الأساسية حل النزاعات بين الدول. وهي الجهاز القضائي الرئيسي في الأمم المتحدة بينما تعمل المحكمة الجنائية الدولية بشكل مستقل عن الأمم المتحدة.
ويمكن لمجلس الأمن إحالة قضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية بغض النظر عما إذا كانت الدولة المعنية عضواً من أعضاء الدول الموقعة على تشريع روما، أم لم تكن.  وتشمل سلطة المحكمة الجنائية الدولية جرائم القتل الجماعي, والجرائم بحق الإنسانية، وجرائم الحرب. وتستطيع مقاضاة الأعمال الإرهابية إذا كانت تدخل ضمن هذه الجرائم. ويتوجب على الدول القيام بواجباتها في وجه الإرهاب وإحضار المتهمين به إلى العدالة([5]).

ثالثاً: الولايات المتحدة الأميركية توقِّع ثم تلغي توقيعها على المعاهدة، والكيان الصهيوني يرفض التوقيع عليها
وقَّع الرئيس الأميركي بيل كلينتون على معاهدة «المحكمة الجنائية الدولية»، بتاريخ 31 كانون الأول / ديسمبر من العام 2000، لكنه لم يقدمها لمجلس الشيوخ للتصديق عليها. إلاَّ أن لتوقيعه أهداف لا تمت بصلة إلى فرض العدالة الدولية، بل هي أهداف لم يخفها، وعبَّر عنها، في 31/ 12/ 2000، قائلاً: «إن التوقيع الأميركي يسمح البقاء في (اللعبة) للتأثير على طريقة عمل المحكمة المقبلة، وإن هذا لا يعني التخلي عن تحفظات واشنطن». فأهداف الولايات المتحدة الأميركية هي المحافظة على القيادة المعنوية للعالم([6]).
حاولت الولايات المتحدة الأميركية أن تخفف من أضرار «المحكمة الجنائية الدولية» على رعاياها، وعندما وجدت أن التعديلات لن تمنع محاكمة قادتها أمام المحكمة، أعلنت انسحابها من معاهدة تشكيلها، وأبلغت الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بأن واشنطن لن تعتبر نفسها ملزمة بالمعاهدة، ثم استصدرت، من المنظمة الدولية، قرارًا باستثناء ملاحقة جنودها بواسطة هذه المحكمة لمدة عام، وجدد في العام من يوليو 2003 إلى يوليه 2004. كما برر وزير الخارجية الأمريكي كولن باول الانسحاب في ذلك الحين بادعاء أن المحكمة «ستقلل من شأن السلطات القضائية الأمريكية وسيكون بمقدورها مراجعة الأحكام التي تصدرها المحاكم الأمريكية ضد أشخاص مثلوا أمامها»، معتبرًا أن ذلك يضر بالقوات والدبلوماسيين والقادة السياسيين الأمريكان([7]).
ولذلك، عندما أنشئت محكمة الجرائم الدولية، رفض الأمريكيون الاعتراف بسلطتها بدعوى أن منح سلطة لمحكمة دولية لا يضمن أن القرارات في القضايا الدولية ستتخذ من قبل قضاة مستقلين عن التأثير السياسي، مما قد يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة([8]). وهددت واشنطن باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار تجديد مجلس الأمن الدولي لعمل قوات حفظ السلام بالبوسنة إذا لم يتم استثناء قواتها العاملة في مهمات حفظ السلام والمسؤولين الأميركيين من سلطة المحكمة الدولية([9]).
واستنكرت منظمات لحقوق الإنسان منع المحكمة الجنائية الدولية من ملاحقة المواطنين الأميركيين. وقالت ايفون تيرلنغن من منظمة العفو الدولية إن إعفاءهم غير مقبول أبداً، ويجب استبعاده من كل قرارات مجلس الأمن. فالإعفاء يخلق معايير مزدوجة للعدالة ويتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية روما والقوانين الدولية الأخرى. ومن جانبها قالت هيذر هاملتون، نائب رئيس «منظمة مواطنون من أجل حقوق عالمية» إن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة تقييم سياستها نحو المحكمة الجنائية الدولية لضمان إعطاء الحياة الإنسانية أولوية على الاعتراضات السياسية. وانتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، الإعفاء الذي يمنع المحكمة الجنائية الدولية من ملاحقة المواطنين الأمريكيين والرعايا الأجانب في السودان الذين ينتمون إلى دول لا تعد طرفاً في المحكمة([10]).

والكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة يمتنع عن توقيع المعاهدة:
قال المستشار القانوني لحكومة العدو الصهيوني، إلياكيم روبنشتاين، «إن إسرائيل لا يمكنها التصديق على المعاهدة التي أقيمت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية بسبب إمكانية (تسييس) هذه المحكمة». وعبَّر عن خشيته من ملاحقة الدولة العبرية بتهمة ارتكاب «جريمة حرب» بسبب استمرار سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. كما أن «السلطات «الإسرائيلية» تخشى أن يتم اعتقال ضباط ومسوؤلين في أجهزة الأمن، أو مسؤولين سياسيين «إسرائيليين» وملاحقتهم في الخارج بأمر من هذه المحكمة»([11]).

رابعاً: جريمة الحرب نهج إيديولوجي قبل أن تكون مسؤولية فردية
1-الجريمة نهج لرأس الهرم السياسي:
لما تسلَّم بوش الإبن الرئاسة ألغى التوقيع على المعاهدة. وأعلن المبعوث الأمريكي الخاص بجرائم الحرب، بيير ريتشارد بروسبر: «إن الولايات المتحدة لا تعتزم أن تصبح عضواً في معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، وعلى هذا فلا يوجد أي التزامات قانونية لها ناتجة عن توقيعها في 31 ديسمبر في العام 2000». وسبب الإلغاء يعود إلى أن إدارة بوش تعتبر المعاهدة «وثيقة معيبة. وهذا إخطار رسمي بأننا لا نريد أن تكون لنا أية صلة بها».
وتقول إدارة بوش إن المحكمة يمكن أن تثير الفوضى للولايات المتحدة وتعرض الجنود والمسئولين الأمريكيين لمحاكمات ناتجة عن دعاوى تستند إلى أهواء ونوايا شريرة. بحيث فسَّر وزير الخارجية الأميركية، في الولاية الأولى لجورج بوش، في برنامج (ذيس ويك) على شبكة (إيه.بى.سى. إن)، قائلاً: « إن الولايات المتحدة وجدت أن المعاهدة ليست مناسبة لرجالنا ونسائنا في القوات المسلحة أو دبلوماسيينا أو قادتنا السياسيين»([12]).
وإذا كانت الأهداف واضحة من وراء إلغاء إدارة بوش الإبن للتوقيع على المعاهدة، إضافة إلى تصريحات بعض المسؤولين فيها، إلاَّ أننا للمزيد من الإضاءة على الأسباب والأهداف، نضيف أن الدول العظمى تبعث الحياة في محاكمة «مجرمي الحرب» عندما تقتضي مصالحها ذلك، وتلغيها عندما تتعارض مع تلك المصالح. ولهذا السبب شكَّلت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية محكمتين دوليتين لمحاكمة ما يسمي بـ (مجرمي الحرب) في نورمبرغ والشرق الأقصى، لتكريس هيمنة القوى الغاشمة التي تريد استثمار مكتسبات الحرب الثانية ونتائجها لتمرير أهدافها والانتقام من القوى المضادة المنهزمة بالحرب، وتحديداً اليابان وألمانيا، متناسية ومتغافلة عمداً ما ارتكبه الحلفاء أنفسهم من جرائم ضد البشرية وضد القانون الدولي أبان الحرب الثانية، وبخاصة جرائم إلقاء القنبلة الذرية على الأبرياء في هيروشيما وناغازاكي وإبادة أسرى الحرب الألمان وقصف المدن الألمانية الآهلة والمكتظَّة بالسكان أبان الحرب. ولهذا   نرى أن «الولايات المتحدة مازالت تصر على استصدار قرار لحماية قادتها وجنودها من الإحالة (كمجرمي حرب) أمام المحكمة الجنائية الدولية لأنها تعرف مسبقاً أنهم مجرمون وأدلة إدانتهم متوفرة»([13]).
وتشير أصابع الاتهام طبقا للوثائق، التي حصل عليها الاتحاد، إلى الرئيس بوش كونه أصدر أمراً تنفيذياً أجاز فيه اللجوء إلى أساليب معينة غير إنسانية في استجواب المعتقلين العراقيين. ويقول أنثوني روميرو المدير التنفيذي لاتحاد الحريات المدنية إن الوثائق الجديدة تعني أن مسؤولين كباراً لن يكون بإمكانهم بعد الآن أن يتواروا من المسؤولية ومن تساؤلات الرأي العام بإلقاء اللائمة على جنود من ذوي الرتب الصغيرة([14]).
وعلى الرغم من تعنتها حول حماية جنودها من ملاحقات «المحكمة الجنائية الدولية» فقد سخَّرت مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار، بتاريخ 30 حزيران/ يونيو من العام 2002م، يعفي جنودها من تلك الملاحقات، وذلك بمنحهم حصانة لمدة سنتين. وقبل انتهائها في 30/ 6/ 2004م، وقبل مناقشة طلب تجديد الحصانة في مجلس الأمن، سُرِّبت فضائح التعذيب في سجن أبو غريب في العراق، السبب الذي أجبر الإدارة الأميركية إلى سحب مشروع قرار تمديد الحصانة لعام آخر، خوفاً من رفض المجلس الذي كان يعيش تحت وطأة الرهبة مما حدث من فضائح([15]).
وتصف منظمة (هيومن رايتس وتش) انعكاسات خرق الولايات المتحدة الأميركية لحقوق الإنسان على إمكانية تشجيع دول العالم الأخرى على خرقها، قائلة: «إنه عندما تنتهك دولة كالولايات المتحدة حقوق الإنسان علناً، فهي تدعو غيرها لذلك، وإن اعتداءاتها أضعفت قدرة العالم على حماية هذه الحقوق... فأمريكا لا يمكنها الدفاع عن مبادئ تخرقها بنفسها»([16]).
2-رأس الهرم في وزارة العدل الأميركية:
لعلَّ ما ورد على لسان رئيس المحكمة الأميركية المكلَّفة بالنظر في قضية معتقلي (غوانتامو) يعطي دليلاً واضحاً على الرفض الأميركي للقوانين الدولية. وهو إن دلَّ على شيء، وهي الدلالة الأخطر، فهو يدل على أن القضاء الأميركي، كمؤسسة للعدالة، يتجاوز القوانين الدولية، ويضرب بها عرض الحائط. وعن ذلك أجاب رئيس المحكمة المذكورة عندما طالب أحد المعتقلين بحقه في الكلام والدفاع عن نفسه: «أنا لا أهتم بالقانون الدولي، ولا أريد أن أسمع عبارة القانون الدولي ثانية،نحن هنا لا نكترث به»([17]).
تؤيد وثائق نشرها البيت الأبيض في 22/ 6/ 2004م، ما ذهب إليه رئيس المحكمة. وفيها جاء قول جورج بوش: «أقبل استنتاج وزير العدل والوزارة بأنني أملك وفقاً للدستور الحق في عدم الالتزام باتفاقيات جنيف في أفغانستان». فكان كلامه مستنداً إلى ما جاء في مذكرة صدرت عن وزارة العدل الأميركية في العام 2002م: «إن أوامر الرئيس الأمريكي وفقاً للدستور تتقدم على القوانين والمعاهدات الدولية المناهضة للتعذيب»([18]).
ليس تعيين مدع عام لدولة كبرى، كمثل الولايات المتحدة الأميركية، يعمل من أجل تبرير جرائم التعذيب في سجون العراق وأفغانستان وغوانتانامو، هو من صلاحية أفراد الشرطة، أو حتى من الضباط الكبار، بل هو من صنع الإدارة كلها بالتكافل والتضامن. فبعد نجاح ألبرتو جونزاليز (49 عاماً)، المدعي العام الأميركي، في مهمة استنباط الخدع القانونية، رشَّحه جورج بوش لفترة ثانية في منصبه. ومن أهم إبداعاته القانونية كان تورطه في صياغة السياسات المسئولة عن تفشي إساءة معاملة الأسرى سواءٌ أكان بسجن أبو غريب بالعراق أو في قاعدة جوانتنامو بكوبا أو في أفغانستان. وبوصفه مستشاراً للبيت الأبيض، منذ العام 2001، كان مسئولاً عن تسهيل مهمة المحققين في الجيش الأميركي والمخابرات المركزية الأميركية المتعلقة بالحصول على معلومات من المساجين. ومن خدعه القانونية أنه قال: «إن نشطاء القاعدة لا يقعون تحت حماية معاهدة جنيف». وهو المسؤول عن تمرير مذكرة التعذيب التي سُمِّيَت باسم مذكرة بيبي نسبة لجاي بيبي الذي رأس مكتب المستشار القانوني لوزارة العدل، التي جرى تمريرها في آب/أغسطس من عام 2002. وبموجبها فإن ما يعرف بأنه تعذيب ينبغي أن يندرج تحت تصنيف أفعال «ذات طبيعة شديدة التطرف». وهي «أفعال معينة ربما تكون قاسية أو غير إنسانية ... لكنها مع ذلك لم ينتج عنها ألم أو معاناة شديدة». فالتعذيب يتضمن «ألماً جسدياً يضاهي الألم الذي ينتج عن إصابة خطيرة أو تعطل عمل أحد أعضاء الجسد أو الموت». وتختتم المذكرة بالنتيجة التالية: «نخلص إلى أن هناك أساليب فنية متنوعة ... لا يمكن باستخدامها الوصول إلى مستوى التعذيب»، خاصة في «الحرب الحالية ضد تنظيم القاعدة وحلفائها»([19]).
3-رأس الهرم في وزارة الدفاع وقاعدتها:
وخلافاً لكل الادعاءات التي روَّجت لها وسائل إعلام الإدارة الأميركية، التي حمَّلت الأفراد مسؤولية جرائم التعذيب في المعتقلات الأميركية في العراق، فقد أثبتت الوثائق الأميركية المنشورة أن الإدارة تتحمَّل تلك المسؤولية. فالوثائق تشير، بشكل واضح، إلى مسؤولية دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي، حيث إنه المرجعية المخوَّلة بتحديد وسائل التحقيق، ومن ضمنها أنواع وسائل التعذيب المسموح للمحققين بأن يستخدموها([20]). وعن ذلك اعترف أحد ضباط المخابرات المركزية الأميركية بأن الإدارة، بما فيها رئيسها جورج بوش، يتحملون المسؤولية عن جرائم التعذيب التي يمارسها المحققون في المعتقلات([21]).
وأقام عدد من المحامين الأميركيين دعوى ضد دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي، وجورج تينيت مدير الاستخبارات الأمريكية السابق والجنرال ريكاردو سانشيز(*) القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق. ولأن محاكمة مجرمي الحرب ممنوعة في أميركا للأسباب التي أشرنا إليها أعلاه، رفع المحامون دعوتهم في ألمانيا قائلين إنهم اختاروا ذلك البلد لأن به تشريع يسمح بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان من خارجها([23]).
واتَّهم «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» الجنرال سانشيز، قائد القوات الأميركية السابق، بناء على تقريره، بتاريخ 14 أيلول/ سبتمبر 2003، كان قد وقَّعه الأخير سمح باستخدام 29 تقنية استجواب «منها 12 تتجاوز بشكل كبير الحدود الواردة في دليل الجيش للعمل الميداني»، وتنتهك بوضوح اتفاقيات جنيف التي توفر الحماية لأسرى الحرب. و يسمح خصوصاً باستخدام كلاب عسكرية لبث الذعر لدى المعتقلين عبر «استغلال خوف العربي من الكلاب» والعزل وتسليط الضوء الساطع والموسيقى الصاخبة وجعل المعتقلين يتخذون وضعيات مؤلمة. كما تقدم الاتحاد المذكور بشكوى ضد الجنرال سانشيز مؤكداً أنه يتحمل مسؤولية مباشرة في عمليات التعذيب وسوء المعاملة التي ارتكبها عسكريون أميركيون ضد معتقلين عراقيين في سجن أبو غريب([24]).
وقال أمريت سينج المحامي باتحاد الحريات المدنية في تصريح للاتحاد: «خُوِّل الجنرال سانشيز بأساليب للاستجواب تنتهك بشكل واضح معاهدات جنيف ومعايير الجيش نفسه». وأضاف: «يتعين أن يتحمل هو وغيره من المسؤولين الكبار المسؤولية عن الانتهاكات الواسعة للمحتجزين»([25]).
كما قدَّم الاتحاد نفسه دعوى قضائية، أمام المحكمة الفدرالية في ولاية إيلينوي، بحق وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد متهماً إياه بالمسؤولية المباشرة في قضية تعذيب المعتقلين في أفغانستان والعراق، وفشله في اتخاذ أي تدابير لوقفها بعد أن تداولتها وسائل الإعلام في العام 2004. ويقول المدعون إن رامسفيلد خالف التعديلين الخامس والثامن من الدستور الأمريكي وجملة من الاتفاقيات الدولية التي تحرّم التعذيب والمعاملة القاسية للسجناء. وأضاف المدعون أن رامسفيلد شخصياً وافق على استخدام تقنيات جديدة قاسية لاستجواب المعتقلين في أفغانستان وفي معتقل غوانتنامو في كانون الأول (ديسمبر) 2002. وكان الجيش الأمريكي قبل ذلك التاريخ ممنوعاً عليه بشكل صارم استعمال التعذيب أو غيره من وسائل الإهانات الإنسانية. والتقنيات التي وافق عليها رامسفيلد والتي جاءت في الدعوي المقامة ضده مشابهة لتلك التي انتقدها بيان الخارجية الأمريكية عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها حكومات مختلفة حول العالم التي وردت في التقرير الذي أصدرته الخارجية قبل عدة أيام من إقامة الدعوى ضده([26]).
وتدليلاً على تحميل المسؤولية للنهج الذي اختطته الإدارة الأميركية في التشجيع على جرائم الحرب وحماية مرتكبيها، قدَّم وزير الدفاع الأميركي استقالته، ولكن رئيسه، جورج بوش، رفضها حماية له([27]). وادَّعى بأن ما حصل في سجن أبو غريب كانت «تصرفات فردية». وهو السبب الذي دفع بإحدى منظمات حقوق الإنسان في أميركا إلى تكذيبه ودحض ادَّعاءاته. وقد جاء في تقرير لمنظمة (هيومان رايتس وتش) أن «التعذيب والإساءة اللذين تعرض لهما أسرى عراقيون بسجن أبو غريب على أيدي جنود أمريكيين مورسا بناء على قرار بالتحايل على القانون الدولي... وكانت إفرازاً لسياسة ترمي إلى الضرب باتفاقيات جنيف عرض الحائط»([28]).
والدلائل الأخرى حول تحميل القيادات العليا مسؤولية الجريمة تتمثَّل بنصوص إدارية تحويها لوائح التعليمات التي يستند إليها مديرو السجون. أي بما له علاقة بـ«الاستجواب الاستراتيجي للمحتجزين والمعتقلين في العراق». وحول ذلك صرَّح الميجور جنرال جيفري ميلر: «إن وسائل حرمان السجناء من حواسهم لن تستخدم إلا بعد تصديق جنرال من القوات العراقية عليها». وركَّز تقرير، أعدَّه الميجور جنرال انطونيو تاجوبا بشأن الانتهاكات في سجن أبو غريب، على ثلاثة محاور هي «التكامل» و«التزامن» و«الاندماج» بين أجهزة المخابرات وعمليات الاستجواب وعمليات الاحتجاز، على أن تكون عمليات الاحتجاز «عاملاً مساعداً في عملية الاستجواب». وتعني أنه يتعين على الضباط إعداد السجناء للاستجواب بإخضاعهم لأساليب تحطيم المعنويات. وللحراس دور في الإعداد، نصَّ عليه التقرير ذاكراً أنه «من الضروري أن تنخرط قوة الحراسة في توفير ظروف تضمن نجاح عملية استغلال المعتقلين»([29]).
وتؤكد بعض المعلومات على أن ما جري في أبو غريب لم يكن من فعل حفنة من الجنود غير المنضبطين، ولكن كان سياسة واسعة، ولعل الإطاحة بريكاردو سانشيز، أكبر جنرال أمريكي في العراق محاولة لطي الملف([30]). وبالفعل صدر تقرير عن البنتاغون، بتاريخ 24/ 4/ 2005م، تمت فيه تبرئة جميع القيادات العسكرية وكبار الضباط من القيام بأخطاء أو المسؤولية عن قضايا التعذيب للمعتقلين في العراق وأماكن أخرى. ولم يحمل تقرير البنتاجون الجنرال ريكاردو سانشيز و4 قيادات غيره أي مسؤولية([31]).
وانتقد الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية، الأدميرال ستانفيلد تيرنر، سوء معاملة السجناء في العراق، مشيراً إلى أن الانتهاكات تعكس سياسة الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جورج بوش وهي تجاهل معاملة الآخرين بشكل لائق([32]).
وجه الجيش الأمريكي توبيخاً لستة من كبار الضباط وضباط الصف فيما يتعلق بانتهاك حقوق السجناء في سجن أبو غريب خارج بغداد([33]).
وتتكرر الشهادات لتثبت أن ما يجري في السجون الأميركية ليست أعمالاً فردية، بل هي نهج تأمر به أعلى القيادات في البيت الأبيض. ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الجندية سابرينا هارمان(*)، من العسكريين الأميركيين المتهمين بالإساءة للأسرى العراقيين صرحت أنها تصرفت بهذه الطريقة بأوامر مباشرة من الاستخبارات العسكرية التي تريد زعزعة معنويات المعتقلين قبل استجوابهم. ولما ندبت للعمل في سجن أبو غريب قالت إنها كلفت بكسر معنوياتهم قبل استجوابهم. و«إن مهمتها كانت تحويل السجن لجحيم» بالنسبة لهم كي يتكلموا. وأوضحت أن «مهمة الشرطة العسكرية كانت الإبقاء عليهم متيقظين وجعل حياتهم لا تطاق ليدلوا باعترافاتهم». وأكدت أن وحدة الشرطة العسكرية كانت تتلقى أوامرها من ضباط الاستخبارات العسكرية الذين يديرون السجن ومن المدنيين الذين يجرون عمليات التحقيق([35]).
وتظهر الشهادات واضحة في أثناء محاكمة الجندي الأمريكي تشارلز جرينر المتهم بتزعم تعذيب سجناء معتقل أبو غريب العراقي، وهو الذي ظهر بشكل متكرر في الصور التي نُشرت حول القضية.  وقد نفى مسئوليته الفردية، وقال إنه «كان فقط ينفذ أوامر تلقاها من قادته في معاملته للسجناء»، وأيَّده ضابط الاستخبارات روجر بروكاو، شاهداً: «إنه تم ممارسة أساليب تعذيب جسدية على المسجونين من أجل الحصول على معلومات، بعد ضغوط من مسؤولين بارزين»([36]). وأيدَّه محاميه مدافعاً: « إن الجنود كانوا يواجهون ضغوطاً لاستخدام العنف الجسدي من أجل تجهيز المعتقلين لجلسات الاستجواب. وقد وصف العريف جرانر وزميليه الآخرين بأنهم كانوا كباش فداء قُدمت للمحاكمة لحماية ضباط كبار بالجيش الأمريكي». بينما راحت الإدارة تأتي بشهود، ربما جنَّدتهم، لحصر جريمة التعذيب بالأفراد. فأصدرت المحكمة حكماً حصرت المسؤولية بالمتهم. وكان حكماً لحماية كبار الضباط في جيش الاحتلال، والمسؤولين السياسيين في الإدارة الأميركية([37]).
4-الجريمة وظيفة من أهم وظائف المخابرات المركزية الأميركية:
وهل السجون السرية التي تديرها المخابرات الأميركية المركزية (سي آي إيه) هي قرارات فردية لحراس أو حتى لضباط كبار؟
أكدت مصادر صحفية أمريكية, أنه لم يتم بعد مواجهة أخطر انتهاكات ترتكبها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش ضد حقوق الإنسان وأكثرها منهجية, التي ارتكبت، ولا تزال، داخل ما وصفتها بشبكة المعتقلات العالمية السرية التي تديرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. فهي تحتجز في أفغانستان، وفى غيرها في كثير من الدول، العشرات من المعتقلين دون إخضاعهم لأي عملية قانونية, ودون علم أسرهم أو حتى مراقبة الصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى([38]).
ليست وسائل «الإذلال الجنسي» أفعالاً فردية منعزلة خلال فترة تبديل النوبة الليلية. بل هي أمر مركزي يستند إلى دراسات نفسية اجتماعية ترشد ضباط المخابرات لوضع قواعد للتحقيق تسهِّل تطويع المعتقل للتجاوب مع المحقق والاعتراف أمامه. أما الأسس النفسية الاجتماعية فتعود إلى أن التعري يعتبر ممارسة مخزية تماماً في الثقافة الإسلامية، وانتهاكاً للمبادئ الدينية. وكانت كراسات التدريب للمخابرات المركزية من الستينيات حتى الثمانينيات تُعلِّم تعرية السجناء كوسيلة في التحقيق. كما كانت هناك تقارير عن التعري والإذلال الجنسي في سجون أميركية حيث كان يعمل بعض من حراس سجن أبو غريب. وظهرت شكاوى حول الإذلال الجنسي في أفغانستان أيضا. فقد قال سبعة من الرجال السجناء في مركز الاعتقال الرئيسي في باغرام، حيث يجري التحقيق في موت اثنين من السجناء واتهامات بممارسة انتهاكات، قالوا في مقابلات أجريت معهم إنه خلال فترات مختلفة من ديسمبر 2002 إلى أبريل 2004 أخضعوا إلى فحص أعضائهم التناسلية وأرغموا على تغيير ملابسهم والاستحمام أمام مجندات([39]).
كما أن وضع الشرطة العسكرية الأميركية، المكلَّفة بحراسة السجون، تحت سيطرة المخابرات العسكرية، ليست أعمالاً فردية. بل هي مسؤولية القيادات العليا. ولهذا صرَّحت النائبة الجمهورية (هيثر ويسلون) في جلسة الاستماع، التي جرت في مجلسي الشيوخ والنواب، أنها تعتقد أن وضع الشرطة العسكرية تحت سيطرة المخابرات العسكرية يتعارض مع نظم الجيش([40]).
وقد ألقت جانيس كاربينسكي، القائدة السابقة لسجن أبو غريب، اللوم على جيفري ميلر الضابط الأعلى في إجبار السجناء على تشكيل شكل هرمي بأجسادهم، ووضع أطواق كلاب حول رقابهم. إن الجنرال ميلر أعطاهم الأفكار وأعطاهم التعليمات بشأن التقنيات التي تستخدم. وأجابت على سؤال: «أقول لك بثقة أن الشرطة العسكرية لم تصمم تلك الأساليب وأنها لم تذهب إلى أبو غريب أو إلى العراق بأطواق كلاب»([41]). ولكن هل تُعفى جانيس كاربنسكي من المسؤولية؟
إن من واجبات أي قائد معسكر للأسرى واجب أن يعرف حدود مسؤولياته، ومنها تعريف الأسرى بحقوقهم، ومنها نصوص اتفاقية جنيف الثالثة. فمن واجبات كاربنيسكي، كقائدة لمعسكر أسرى حرب، أن تعرف نصوص الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بمهمتها. وتأتي اتفاقية جنيف الثالثة من أهم تلك الاتفاقيات. فهي تنص في المــادة (39) على ما يلي: «يوضع كل معسكر لأسرى الحرب تحت السلطة المباشرة لضابط مسئول يتبع القوات المسلحة النظامية للدولة الحاجزة. ويحتفظ هذا الضابط بنسخة من هذه الاتفاقية، وعليه أن يتأكد من أن أحكامها معروفة لموظفي المعسكر والحراس، ويكون مسئولاً عن تطبيقها تحت إشراف حكومته». وعليها أن تُعرِّف الأسرى على حقوقهم كما تنص المــادة (41) على ما يلي: «يعلن في كل معسكر نص هذه الاتفاقية وملاحقها وأي اتفاق خاص مما تنص عليه المادة 6، بلغة أسرى الحرب، في أماكن يمكن فيها لجميع الأسرى الرجوع إليها. وتسلم نسخ منها للأسرى الذين لا يستطيعون الوصول إلى النسخة المعلنة، بناءً على طلبهم.
تبلغ جميع أنواع اللوائح والأوامر والإعلانات والنشرات المتعلقة بسلوك أسرى الحرب بلغة يفهمونها، وتسلم نسخ منها لمندوب الأسرى. وكل أمر أو طلب يوجه بصورة فردية لأسرى الحرب يجب كذلك أن يصدر إليهم بلغة يفهمونها».
وتأتي شهادة المكلفين مباشرة بالتحقيق والتعذيب لتحمِّل الإدارات العليا مسؤولية ارتكاب الجرائم التي حصلت في سجن أبو غريب. وتحديداً وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.اي.ايه) التي أشرفت أحيانا على الانتهاكات([42]).
5-تلزيم الشركات الخاصة مهمة تنظيم الجرائم وارتكابها:
ولا يفوتنا، هنا، أن نذكر دور الشركات الأمنية الخاصة التي تعاقدت مع البنتاغون للمشاركة في التحقيق والاعتقال. ولأن التقارير الرسمية الأميركية تشير إلى تورط بعض موظفي الشركات الأمنية الخاصة في التعذيب، لا يسعنا إلاَّ أن نضيف دليلاً آخر لتورط القيادات العليا في ارتكاب جرائم لا علاقة لها بالتصرفات الفردية. لأنه ليس من صلاحيات عناصر الشرطة العسكرية، أو حتى قياداتها، بالتعاقد مع تلك الشركات. وحول دورها أشارت تقارير إلى تورط بعض الموظفين الأمنيين المتعاقدين من شركة سي أي سي آي انترنشونال انك من ارلينغتون في فيرجينيا في هذه الممارسات وسوء إدارة التحقيقات. وتتولى الشركات الخاصة معظم الوظائف الأمنية للجيش الأمريكي في العراق، ومن ضمنها العديد من العمليات الأمنية والاستخباراتية([43]).
إن استقدام محققين متعددي الجنسية، لم يكن قراراً أو تصرفاً فردياًً. بل يتحمل مسؤوليتها أعلى رأس سياسي في الإدارة الأميركية.  «إنه كان معروفًا أن هناك محققين غامضين لا يستطيع أحد الوصول إلى حقيقتهم ومنهم من يحمل أكثر من جواز سفر»([44]).
إن المتهمين بعمليات التعذيب لا ينتمي معظمهم إلى الجيش النظامي الأمريكي، بل هم عناصر مرتزقة ينتمون إلى ما يعرف بـ(شركات الأمن الخاصة) التي من ضمن مهامها انتزاع الاعترافات والمعلومات من المعتقلين بوسائل تعذيب مختلفة لصالح قوات الاحتلال. ونلاحظ في كل أحاديث مسؤولي الإدارة الأميركية أنهم لم يلمحوا مطلقاً للدور الذي لعبه المرتزقة التابعون لشركات الأمن الخاصة الأمريكية في هذه القضية، لأنها لا تريد أن تكشف للعلن موقعها المتنامي أمنياً وعسكرياً في مختلف المجالات إلى جانب تشكيلات الجيش الأمريكي النظامية.
ولا يشكل تعاون الشركات الأمنية الخاصة، التي تستخدم المرتزقة المسلحين المأجورين، مع القوات النظامية أمراً جديداً بالنسبة للإدارة الأمريكية، فقد بدأ هذا التعاون منذ حرب فيتنام في الستينيات، لا سيما من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وذلك ضمن برنامج سري عرف باسم (العمليات السوداء). وكان المرتزقة يرسلون لتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب ضد مواقع معادية لا تريد واشنطن التورط فيها بشكل مباشر، فهي لم تعترف بأي من المرتزقة ممن اعتقلوا أو قتلوا في تلك العمليات. وتعتبر الولايات المتحدة وبريطانيا وجنوب أفريقيا مراكز عالمية لتلك الشركات التي تنفذ سياسة (خصخصة الحروب)، والتي يرجع ازدهارها إلى النظام العالمي الجديد الذي أرسى دعائمه الرئيس الأمريكي بوش (الأب) في أوائل التسعينيات.
نتج استخدام المرتزقة عن خفض حجم الجيوش النظامية في الولايات المتحدة وغيرها وتخفيض ميزانياتها العسكرية، ومن تفاقم حجم الفراغ في الأمن الدولي مع ظهور المنظمات الإرهابية وعصابات المافيا على مستوى العالم. ولقد كان هذا الفراغ فرصة سانحة لشركات الخدمات العسكرية لكي تملأه، فقد بدأت بتجنيد جنود وعملاء وقوات خاصة من بين ملايين الجنود الذين أصبحوا عاطلين عن العمل بعد تقليص الجيوش النظامية، كما قامت بتجنيد جواسيس سابقين من جنسيات مختلفة، شملت بالإضافة للعناصر الغربية، عناصر من البلقان ونيبال وجنوب أفريقيا، ومن الشركس، ومن وكالة المخابرات السوفيتية السابقة (كي. جي. بي). وكان رائد عمليات خصخصة الحروب، وداعيها وراعيها في الولايات المتحدة، دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي، وكذلك نائب الرئيس ديك تشيني، ففي ظلهما وتحت رعايتهما جرى التوسع في بناء وتطوير شركات الخدمات العسكرية والأمنية الخاصة، ففي منتصف العام 1992 أثناء إدارة بوش الأب، تم تكليف شركة Services Root Brown بوضع خطة لتنفيذ خصخصة الخدمات العسكرية في مناطق الحرب، وحصلت على خمسة ملايين دولار أخرى لتحديث خطة الخصخصة، وتعتبر هذه الشركة إحدى الشركات الفرعية التابعة للشركة الأم الكبرى هاليبورتون Halliburton التي كان يرأسها ديك تشيني منذ العام 1994.
وكانت شركة Login Foreign رائدة في سد الفجوة بين احتياجات السياسة ومطالب تخفيض الجيش بما قدمته من متعهدين مرتزقة، فقد انتقل مئات من العسكريين المتقاعدين إلى العمل فيها.  وطبقاً لمركز الإحصاء العام في الولايات المتحدة، أنفق البنتاجون 300 مليار دولار في تعاقدات بلغ عددها 3016 عقداً لشراء خدمات عسكرية من 12 شركة خاصة، وذلك خلال الفترة ما بين العامين 1994 و2002. (أكثر من ثلث ميزانية الجيش المخصصة لأفغانستان والعراق) تذهب إلى تلك الشركات.
مؤكداً أن استراتيجية «الصدمة والرعب» التي ترتكز على فكرة استخدام كم هائل من الأسلحة دقيقة التوجيه للقضاء على أهداف محددة وبارزة بشكل حاسم وسريع، تحتاج أيضاً القوات البرية من عناصر مقاتلة لتوفير الخدمات اللوجيستية والإمداد الإداري، وفرض السيطرة الأمنية على المناطق التي يتم الاستيلاء عليها. وتلك الخدمات تؤديها عناصر من شركات الخدمات العسكرية الخاصة.
والعراق هو مثال واحد بين خمسين دولة تعمل فيها هذه الجيوش الخاصة التي تنظمها وتديرها مئات من الشركات العاملة في مجال الخدمات العسكرية. وتعتبر الولايات المتحدة من أكبر الدول اعتماداً عليها، بعد أن قلصت إنفاقها العسكري إلى 30% مما كان أثناء فترة الحرب الباردة. وكانت هذه الشركات حتى بداية الحرب في العراق تعمل بحذر شديد، فيما كانت المعلومات عنها نادرة. ولكن مع بداية الحرب في العراق أخذ دورها يتضح ويتضخم شيئاً فشيئاً، لا سيما أنها تتقاضى مبالغ مالية هائلة، يؤكد المطلعون على كواليسها أنها قد تتعدى 100 مليار دولار سنوياً. وأنها أصبحت تشكل المساهم الثاني لقوات التحالف في العراق بعد القوات الأمريكية النظامية.  وإن بريطانيا تحتفظ في العراق بحوالي 9900 جندي، بينما عناصر شركات الخدمات العسكرية الخاصة تفوقها عدداً. وأنه  من بين 87 مليار دولار المخصصة في العام 2005 لتمويل الحملة العسكرية، التي تشمل العراق وأفغانستان وآسيا الوسطى، يُصرف ثلثها (حوالي 30 مليار دولار) تقريباً على عقود مع الشركات الخدمات العسكرية الخاصة.
يؤكد (بيتر سنجر) محلل الشئون الأمنية في معهد بروكنجز بواشنطن أن: «خصخصة الحرب، آخذ في النمو، وقد بلغ في حرب العراق أعلى نقطة له». ويقول: عندما شنت الولايات المتحدة حربها ضد العراق، كانت السفن الحربية في الخليج تحمل بجانب جنود البحرية الأمريكية عناصر من المدنيين تابعين لأربع شركات خاصة. ولدى أكبرها DynCorp  عقود مع البنتاجون قيمتها أكثر من بليوني دولار لتدريب وحدات الشرطة، وكسبت عقداً آخر قيمته 505 ملايين دولار لمدة خمس سنوات لبناء قوة بوليس خاص في عراق ما بعد صدام حسين.
وفي بريطانيا أصبح الجدل حول الخصخصة العسكرية أمراً شائعاً وحساساً، منذ أحرجت شركات الخدمات العسكرية الخاصة الحكومة البريطانية في أواخر التسعينيات نتيجة أنشطتها غير المشروعة. ولقد ثبت أنه لا توجد دولة لديها سياسة واضحة المعالم لتنظيم عمل هذه الشركات والإشراف والسيطرة على ممارستها. وفي الولايات المتحدة غالباً ما يخفون ملاحظات هذه المراقبة، إلا إذا تعرض أحد موظفي هذه الشركات العاملة في المناطق الساخنة في العالم إلى الخطف أو القتل.
إن شركات الخدمات العسكرية الخاصة أصبحت مساعداً فاعلاً لأجهزة صنع السياسة الخارجية الأمريكية على نطاق واسع، لتجنب فحص وتدقيق من جانب الكونجرس، إلا أن الخطورة تتمثل في تسرب متعلقات الأمن القومي الأمريكي والدفاعي على أيدي متعهدي الشركات لجهات معادية لأميركا. فهي تشكل في جوهرها صفقات تجارية مزدهرة تتضمن أن يُستبدل بالجنود النظاميين مدنيون ذوو أجور عالية وأسلحة مؤجرة، لا تخضع لإجراءات المعايير القياسية العسكرية النظامية كلما كان ذلك ممكناً. وقد صار معلوماً أن آلاف المرتزقة العاملين في العراق وغيره من مناطق العالم يحظون بتغطية من البنتاجون الذي تعاقد معهم من خلال عشرات الشركات العاملة في مجال الارتزاق([45]).

6-أدلجة الجريمة الأميركية تتعرض إلى انتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان:
وحيث إن الأوامر بالتعذيب، كجريمة حرب، تؤكد دور القيادة العليا، والضباط الكبار، وصولاً إلى الحراس، منصوص عليها، يصبح حصر التهمة بالأفراد أمراً غير صحيح. لذا تتحمَّل المؤسسة السياسية العليا في الولايات المتحدة الأميركية، مجتمعة أو منفردة، مسؤولية كل خرق لحقوق الإنسان يرتكبه أي أميركي سواءٌ أكان واضعاً للتشريعات، أم آمراً بتطبيقها، أم منفِّذاً لمضامينها.
أكَّدت منظمة «هيومان رايتس وتش» أن الإساءة التي تعرض لها المعتقلون في سجن أبو غريب هي إفراز لسياسة أمريكية تتحايل على القوانين الدولية. وأوضحت أن «مظاهر الرعب» التي صورت في السجن كانت ترمي إلى الضرب باتفاقيات جنيف عرض الحائط. وقال ريد برودي أحد محاميها: «كان الفكر السائد هو أن أي شيء يمكن عمله».  كما أن هذا القرار دفع الولايات المتحدة لتشييد سجون خارج البلاد تخرج عن حدود المعقول بما فيها معتقل جوانتانامو وإرسال المعتقلين إلى دول أخرى حيث تنتزع منهم المعلومات بالقوة. وإن الإدارة قررت تجاهل القوانين الأمريكية ذاتها وقوانين حقوق الإنسان وذلك من خلال ممارسة التعذيب والإذلال على المعتقلين للحصول منهم على معلومات([46]).
إنه بحسب القوانين الدولية، كما قال  فادي القاضي المسؤول في المنظمة الحقوقية «هيومن رايتس ووتش»: إن المسؤول يُحاسب عن أي جرائم يرتكبها آخرون تحت إمرته، ولا تجوز هنا حجة أو مبرر أنه كان لا يعلم، لذا فالمسؤولية عن التعذيب مسؤولية قيادية تتحملها القيادات، وبالتحديد وزير الحرب دونالد رامسفيلد ورئيس الاستخبارات الأسبق جورج تينيت والجنرال ريكاردو سانشيز والجنرال جيفري ميللر([47]).
كما أشارت منظمة «هيومان رايتس» إلى أنه من الواضح أن القرارات والسياسة التي انتهجها رامسفيلد وغيره من المسؤولين الكبار شجعت عمليات التعذيب بحق المعتقلين في انتهاك فاضح لاتفاقية جنيف، وذكرت عدداً من العناصر التي  تظهر أن هؤلاء المسئولين الكبار كانوا يعرفون أو كان يجدر بهم أن يعرفوا أن تلك الانتهاكات كانت تحصل ولم يتخذوا أي إجراء لمنعها([48]).
في مقابلة صحفية نشرتها صحيفة (لفت هووك الأمريكية)، يقول نعوم شومسكي: «طبقاً لمبادئ محكمة نورمبرغ، التي أطلقتها الولايات المتحدة، لم يُحاكموا الجنود، ولم يحاكموا قادة الفصائل والسرايا العسكرية، أنهم حاكموا وأعدموا من كانوا في أعلى هرم القيادة. مثل وزير الخارجية الألماني الذي تم إعدامه. بسبب المشاركة في الجريمة الدولية الكبرى التي تشمل كافة الفظاعات التي تعقب الغزو»([49]).

خامساً: التهمة جنائية بحق المجرم، وأخلاقية بحق محامي الدفاع، وإنسانية بحق الجهاز الطبي وتشريعات وزارة العدل الأميركية:
1-محامي الدفاع مشارك في أدلجة الجريمة:
إذا كان من واجبات الدفاع عن المتهم أن يُظهر كل الأسباب التي تثبت براءته، وهي واجبات مشروعة، فهل من العدالة أن يشرِّع محامي الدفاع التهم التي تتنافى مع الذوق والأخلاق والكرامة الإنسانية وشرائع حقوق الإنسان يبررها ويدافع عنها، على الرغم من أن المتهم اعترف بها، وهي مثبتة بحقه بالدليل غير المرتد، ويعتبرها إنسانية ومشروعة؟
تلك الإشكالية فرضتها وقائع محاكمة: تشارلز جرينر،المتهم بالإساءة للمعتقلين العراقيين، والمجندة ليندي إنجلاند، التي أنجبت طفلاً منه. والمستغرَب فيها أنه بينما الادعاء الأميركي اعتبر أن أفعالهما مشينة وتخضع لقانون العقوبات الأميركي، يبادر محامي الدفاع ليس إلى نفي أن تشكِّل تلك الأفعال جريمة فحسب، ولكن إلى اعتبارها «أداة مشروعة» أيضاً. فيصبح «الهرم البشري لمعتقلين عراة»، وجر معتقل آخر بـ«حبل مربوط حول عنقه»، أعمالاً مشروعة لمجرد أن الجنود التقطوا صوراً لبعضهم البعض، ولمجرد «أن أحداً منهم لم يفعل شيئاً يعتقد أنه خطأ».  أو لمجرد أنه «تلقى المديح عن تنفيذه لها». وفي إشارة إلى الصور التي تظهر جرانر وهو يقف بجوار مجموعة من السجناء العراقيين العراة، وقد ألقوا فوق بعضهم البعض على شكل كومة، قال محاميه إن الأهرامات يمكن استخدامها بشكل مشروع «كأساليب للسيطرة». وقال إن القيود حول العنق «أداة مشروعة» في التعامل، ليس فقط مع السجناء، بل مع الأطفال أيضاً. وأضاف: «ربما أمكنكم رؤية أطفال مربوطين بالقيود في المطارات أو المجمعات التجارية»([50]).
تلك مسألة تمس أخلاقية المهنة، وبها يتساوى كل من المجرم والمدافع عنه. فإذا كان المحامي عن حقوق الإنسان قد انحطَّ إلى مستوى تبرير الجرائم، ليس بتبيان ما يبرئ المتهم، بوسائل الدفاع المشروعة، بل بتشريع الجريمة ذاتها لإثبات براءة موكله؛ فهذا منهج جديد ومستغرب ومستهجن، وصلت إليه أطراف العدالة في الولايات المتحدة الأميركية.
وإذا كان تشريع محامي الدفاع للجريمة، واعتبارها حق من حقوق المجرم، من أجل إثبات براءة موكِّله. فإن الوجه الآخر للنهج الذي تتبعه الإدارة الأميركية هو العمل على تجريم الصغار وتحميلهم المسؤولية من أجل تبرئة الكبار منها.
وتشارك وزارة العدل الأميركية في تسويغ الجرائم من «مكتب التشريعات القانونية في وزارة العدل الأمريكية»، التي تنص على أن جميع الأساليب التي لا تسبب عجزاً دائماً أو تؤدي لاقتلاع أحد الأعضاء الجسدية مسموح بها([51]).

2-وطبيب السجن مشارك في الجريمة:
هناك دلائل على أن الأطباء والممرضين والعاملين في المهن الصحية كانوا متواطئين في جريمة تعذيب السجناء، وغيرها من الأعمال غير الشرعية، في العراق وأفغانستان وغوانتنامو. وأنّ الموظفين الطبيين أخفقوا في إبلاغ السلطات الأعلى بالجروح التي حدثت بشكل واضح بسبب التعذيب، وبأنّهم أهملوا اتخاذ الخطوات لإيقاف التعذيب. بالإضافة إلى أنهم سلّموا سجلات السجناء الطبية إلى المستجوبين الذين استخدموها لاستغلال نقاط ضعف السجناء. ومع أن التدخّل الطبي، في تأخير وتزييف شهادات وفاة السجناء الذين قضوا أثناء التعذيب، أصبح واضحاً إلاَّ أنه لم يُعرف حجمه الحقيقي.
في 22 أيار نشرت النيويورك تايمز «أن معظم أدلة الانتهاكات في سجن أبو غريب جاءت من الوثائق الطبية». وأن تلك السجلات والبيانات «تبين أن الأطباء قدموا تقارير في منطقة السجن حيث حدث التعذيب بشأن خياطة الجروح، ومعالجة السجناء المنهارين أو زيارة المرضى الذين رضت أعضاؤهم التناسلية أو جرحت». وطبقا للصحيفة فإن الطبيبين اللذين أعطيا مضاد آلام إلى سجين خلع كتفه وأرسل إلى مستشفى خارجي أقرا بأنّ الجرح كان سببه تقيّيد ذراعيه من الخلف وتعليقه لفترة طويلة، ولكنهما لم يبلغا عن التعذيب. وقد رأت الممرضة، التي دعيت لمعالجة سجين من حالة رعب أصابته، عراقيين عراة مكومين في هرم إنساني ورؤوسهم مغطاة بالأكياس لكنها لم تبلغ عن ذلك إلا في تحقيق أجري بعد عدّة أشهر.
التقارير الأخرى تقول بأنّ شهادات وفيات السجناء بسبب التعذيب وسوء المعاملة لم تؤخّر فقط لكن لربما زيفت باعتبار أن سبب الوفيّات يرجع إلى مرض أوعية قلبية .
إن الاتفاقيات الطبية المختلفة، وبشكل خاص: إعلان الرابطة الطبية العالمية، في طوكيو في 1975، يمنع كلّ أشكال التواطؤ الطبي في التعذيب. علاوة على ذلك، فإن قَسَم أبقراط ينص على «سوف أستعمل العلاج لمساعدة المرضى طبقا لقدرتي وحكمي، لكن ليس بهدف التسبب بالإيذاء أو الضرر مطلقاً».
وبلا ريب كان الأطباء الأمريكان في أبو غريب وفي أماكن أخرى على وعي بمسئوليتهم الطبية لتوثيق الإصابات، وإثارة الأسئلة حول سبب الإصابات. لكن الأطباء والموظفين الطبيين كانوا جزءًا من تركيب القيادة الذي شجّع، ونظّم التعذيب أحياناً إلى درجة أن يكون التعذيب تقليداً عادياً في بيئة السجن .وبهذا يكون الأطباء قد وفروا مكوّناً طبياً نفسياً يضاف إلى «حالة الفظاعة في السجن». فحتى بدون مشاركة مباشرة في التعذيب اعتاد الأطباء بيئة التعذيب بل قد يكونون ساعدوا بخبراتهم الطبية على تحمّله.
وقد أثبتت دراسة تاريخية الموضوع أن الأطباء الأمريكان، قد يتعرضون إلى الضغوط المؤسساتية لانتهاك ضميرهم الطبي. وكانت أكثر الأمثلة المذكورة هي حالات أطباء السجون الذين أداروا، أو وجّهوا الآخرين في إعطاء الحقن القاتلة لتنفيذ عقوبة الموت، والأطباء العسكريون في فيتنام الذين ساعدوا الجنود على أن يصبحوا أقوياء بما فيه الكفاية لاستئناف مهامهم في الأوضاع التي تشجع على ارتكاب الفظاعات([52]).
كتب البروفسور ستيفن مايلز، من جامعة مينسوتا، في دورية لانست الطبية، يقول إن بعض الأخصائيين الطبيين تواطأوا مع حراس السجن في ارتكاب انتهاكات. ودعا إلى فتح تحقيق في الدور الذي قامت به الطواقم الطبية في الانتهاكات. خاصة وأن ما يماثلها كان مطبقاً ضد السجناء في أفغانستان وفي جوانتانامو. وأضاف أن هناك أدلة على أن بعض الأخصائيين الطبيين شاركوا في الانتهاكات. وأوضح أن الوثائق الحكومية تظهر أن النظام الطبي العسكري الأمريكي فشل في حماية حقوق المعتقلين، وفي بعض الأحيان تواطأ مع المستجوبين أو الحراس المنتهكين لهذه الحقوق. وقال إنه في أحد الأمثلة قام جندي بربط معتقل بعد تعرضه للضرب، في أعلى باب الزنزانة وقام بسد فمه. وأضاف أن شهادة الوفاة أوضحت أنه مات لأسباب طبيعية خلال نومه، لكن بعد التغطية الإعلامية للحدث، قام البنتاجون بمراجعة الشهادة ليقول في النهاية إن وفاته كانت بسبب «القتل».
وقال مايلز إنه بالرغم من أن الخدمات الطبية بالقوات المسلحة الأمريكية تتشكل في الأساس من موظفين يتميزون بالإنسانية والمهارة، فإن هذه المخالفات لا تنتهك فقط المعايير الطبية، لكن بعضها يمثل أيضاً انتهاكاً خطيراً للقوانين الدولية والأمريكية([53]).

سادساً: تزوير الوقائع وسيلة  الإدارة الأميركية في حماية نفسها من  جريمة الحرب؟

1-وسيلة تزوير النتائج في تقارير لجان التحقيق:
أظهر ما يُعرف بتقرير «الجنرال جورج فاي»، عن تحقيقات فضائح وانتهاكات معتقل أبو غريب، الذي لم يتم الإعلان عنه رسمياً، تورط الجنرال ريكاردو سانشيز، القائد الأمريكي السابق للقوات الأمريكية في العراق، بإصدار أوامر توافق على أساليب استجواب المعتقلين في أبو غريب تخرق بشكل واضح اتفاقية جنيف لمعاملة الأسرى. كما انتقد الجزء السري في التقرير الجنرال سانشيز الذي وافق على استخدام طرق تعذيب تعد  انتهاكاً واضحاً وخرقاً لاتفاقية جنيف لمعاملة الأسرى والمعتقلين. وخلص إلى أن سانشيز والقوات الخاصة ومحققي وكالة الاستخبارات مسؤولون عما حدث. وأن سانشيز قام ثلاث مرات بإصدار أوامر خاصة بقواعد استجواب المعتقلين([54]).
ولما كانت نتائج تقرير «الجنرال جورج فاي» تدين القيادات العليا في الإدارة، ومن أجل تأمين حماية استراتيجية لهؤلاء، كلَّف رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي، في أيار / مايو 2005م، لجنة، برئاسة وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس شليزينجر، للنظر في الانتهاكات التي وقعت في السجن ما بين أكتوبر/ تشرين أول وديسمبر/ كانون أول 2003. وكأن الغرض منها رفع المسؤولية العامة عن الإدارة. لذا جاء في تقريرها: «لم تكن الانتهاكات مجرد إخفاق من جانب بعض الأفراد في اتباع معايير معروفة، وهي تتجاوز مجرد إخفاق قلة من القادة في تطبيق الانضباط السليم... ثمة مسؤولية مؤسسية وشخصية على مستويات أعلى». ويتلطى التقرير تحت نتائج الإدانة العامة ليس ليبرئ وزير الدفاع من المسؤولية فحسب، بل ليمتدحه أيضاَ. وليعتبر أن استقالته «مكافأة تفيد أعداء الولايات المتحدة، وستكون، مدعاة للأسف لو قدر لها أن تحدث»([55]).

2-الإدارة تستخدم وسائل الترهيب ضد الشهود:
وتنتقد تقارير صادرة عن أجهزة مخابرات أوروبية الإدارة الأميركية لأنها تستخدم وسائل شتى لإثبات المسؤولية الفردية عن استخدام وسائل التعذيب، ومن وسائل حماية نفسها، تستخدم الضغوط ضد بعض الضباط والشهود لمنعهم من تسريب أنباء التعذيب. كما تعرَّض المفتش الأميركي الذي كُلِّف بالتحقيق في فضائح سجن أبو غريب في العراق إلى ضغوط كبيرة لتمييع التحقيق، وإغفال النتائج والتوصيات التي يتم التوصل إليها([56]).

3-قياديو الإدارة يحمي بعضهم البعض الآخر:
وفي هذا الإطار يحمي أعضاء إدارة جورج بوش بعضهم البعض الآخر. يترأسهم جورج بوش رئيس الإدارة ذاتها. وظهر ذلك جلياً عندما طالبت بعض الأصوات بمحاكمة دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي، بسبب مسؤوليته عن جرائم سجن أبو غريب. وفيها سارع الرئيس الأمريكي ليدافع عن وزير دفاعه، وقال: «أنا فخور بالخدمات التي قدمها رامسفيلد لهذا البلد، فهو عضو مهم في فريق الأمن القومي الأمريكي، وأنا فخور بوجوده معي»([57]). وقد جاء دفاع بوش عنه على الرغم من أن وزيره في مقابلة أجرتها معه محطة سي ان ان قال إنه كان مستعداً لتحمل المسؤولية بسبب الفضائح التي أثارتها صور الانتهاكات في السجون العراقية، ولكن الرئيس بوش كان يثنيه عن عزمه في كل مرة([58]).

4-المحاكم الأميركية تزور الأحكام الحقيقية:
وعلى الرغم من أن (جاك سافيل)، الضابط الأمريكي المتهم(*) كان يستحق عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة لوجود الأدلة الدامغة ضده، فقد خففت محكمة عسكرية أمريكية الحكم  بحيث يواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى عامين. إلاَّ أن قاضي المحكمة العسكرية الكولونيل(تيودور ديسكن) حكم عليه بالسجن 45 يومًا فقط، على أن يتم استقطاع 2000 دولار شهريًا من راتبه لمدة ستة أشهر. وتجدر الإشارة إلى أن العقوبات التي تقرها المحاكم الأمريكية ضد أفراد الجيش الأمريكي المتورطين في ارتكاب انتهاكات في العراق لا ترقى إلى مستوى الاعتداءات، بل تبدو أحكامًا مخففة لا تتناسب مع فداحة الذنب([59]).

5-منع منظمات حقوق الإنسان من القيام بدورها:
كما تستخدم الإدارة الأميركية نفوذها من أجل منع منظمات حقوق الإنسان من الحصول على معلومات عن المعتقلين في سجونها، وعن أساليبها في الاعتقال والتحقيق، حتى لو أدى إلى طرد أو إقالة من لا يستجيبون لضغوطها. وفي هذا الإطار طُرِدَ من منصبه مُحقّقٌ دوليٌ يدعى شريف بسيوني، كانت قد أنيطت به مهمة التحري عن أوضاع حقوق الإنسان في أفغانستان، بسبب انتقاده احتجاز القوات الأمريكية للمشتبه بهم الأفغان في سجون سرية دون محاكمة، ومنعه من زيارتهم. وجاء طرده، بعد أيام قليلة فقط من تقديمه تقريراً من 24 صفحة لاجتماعات الدورة الـ61 لهيئة حقوق الإنسان في جنيف([60]).
سابعاً: إهمال الجانب العربي الاستفادة من وظيفة المحكمة، و كيف يمكن الاستفادة تلك الوظيفة؟
لم يستفد العرب في العام 1975 من «قرار إدانة الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية»، الذي اَّتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهو كان واحداً من أكثر قراراتها جرأة.  وكان وثيقة إدانة تاريخية وسياسية وإيديولوجية للصهيونية توصل إليها المجتمع الدولي بعد 78 عاما من مؤتمر بازل الذي أعلن تأسيس الحركة الصهيونية العالمية، إلا أنه لم يتضمن إنشاء آلية دولية لمعاقبة الحركة الصهيونية وقادتها ومجابهة عنصريتها وعدوانيتها. وفيما لو حصلت، لكانت الجرائم التي ارتكبتها الصهيونية إحدى أهم الممارسات التي تطولها اتفاقية «المحكمة الجنائية الدولية»، التي وُضِعت أسسها في العام 1998م([61]).
وعلى الرغم من أن نصوصها لا تشمل الجرائم بمفعول رجعي، إلاَّ انه يمكن العمل من أجل تعديلها.
أولاً: إن للاجتهاد والفقه دور رئيسي في تفسير النصوص والقوانين. وهو أمر منوط بمدى كفاءة أطراف العملية القضائية وبشكل خاص المحامي، المدعي العام المستقل، الخبير القانوني،المدعي، الشاهد..الخ... ولأن الجرائم الإسرائيلية، منذ العام 1948، مازالت قائمة و مستمرة، وآثارها باقية ومجسدة مادياً، وضحاياها مازالوا أحياء ويعانون من ارتكاب الجرائم  بحقهم، يمكن الاستفادة، باستحضارها، من المحكمة الجنائية الدولية.
ثانياً: كما أن ارتكاب الجرائم و الانتهاكات الخطرة مازال عملاً يومياً بحق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يجعل منها جرائم موصولة.
ثالثاً: أنشأ مؤتمر روما هيئة دائمة اسمها «جمعية الدول الأطراف» ومن بين وظائفها النظر في تعديل النظام الأساسي للمحكمة، لذا يستطيع المندوبون المثابرون للدول العربية اقتراح تعديل لهذه المادة وحشد التأييد لها([62]).

ثامناً: الجرائم التي تقع ضمن صلاحية المحكمة الجنائية الدولية

1-الإبادة الجماعية:
 وتعنى أي من الأفعال الآتية: إذا ارتُكِب الفعل قصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً: الإبادة الجماعية بالقتل. أو بإلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم. أو بفرض أحوال معيشية يقصد بها التسبب عمداً في إهلاك مادي. أو بفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب. والإبادة الجماعية بنقل الأطفال قسراً.

2-الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية:
 من أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي وتبرر نشوء المسؤولية الجنائية الفردية وتستتبعها، وتتطلب حصول سلوك محظور بموجب القانون الدولي. وتعتبر جريمة ضد الإنسانية تلك التي ترتكب ضد أية مجموعة من السكان المدنيين. وبرغم وجود بعض التشابه بين أفعال الجريمة ضد الإنسانية وجريمة الإبادة ا لجماعية، إلا أن الأولى أضيق نطاقاً في أنها ترتكب ضد جماعة عرقية أو إثنية أو دينية...الخ.
ومن أمثلة الأفعال التي تشكل جريمة ضد الإنسانية: القتل العمد، والإبادة. والاسترقاق. وترحيل السكان. والسجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية. والتعذيب. والاغتصاب. والاستعباد الجنسي. والإكراه على البغاء. والحمل القسري. والتعقيم القسري. والعنف الجنسي. والاضطهاد. والاختفاء القسري. والفصل العنصري.

3- جرائم الحرب:
وللمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولا سيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم.  وتعنى جرائم الحرب:  الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف وأي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة مثل:
 القتل العمد. والتعذيب. والمعاملة اللاإنسانية. وإجراء التجارب البيولوجية. والتسبب عمداً في المعاناة الشديدة. وتدمير الممتلكات والاستيلاء عليها. والإرغام على الخدمة في صفوف قوات معادية. والحرمان من المحاكمة العادلة. والإبعاد أو النقل غير المشروع. والحبس غير المشروع. وأخذ الرهائن. والهجوم على المدنيين. والهجوم على الأعيان المدنية. والهجوم على موظفين مستخدمين أو أعيان مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام. وتكبيد الخسائر العرضية في الأرواح والإصابات وإلحاق الأضرار بصورة مفرطة. والهجوم على أماكن عزلاء. وقتل أو إصابة شخص عاجز عن القتال. وإساءة استعمال عَلَم الهدنة. وإساءة استعمال عَلَم الطرف المعادي أو شارته أو زيه العسكري. واستعمال علم الأمم المتحدة أو شاراتها أو زيها العسكري. وإساءة استعمال الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف. وقيام دولة الاحتلال، على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل بعض من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو بعضهم داخل هذه الأرض أو خارجها. والهجوم على أعيان محمية. والتشويه البدني. وإجراء التجارب الطبية أو العلمية. القتل أو الإصابة غدراً. إسقاط الأمان عن الجميع. تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها. وحرمان رعايا الطرف المعادي من الحقوق أو الدعاوى. والإجبار على الاشتراك في عمليات حربية. النهب. واستخدام السموم أو الأسلحة المسممة. واستخدام الغازات أو السوائل أو المواد أو الأجهزة المحظورة. واستخدام الرصاص المحظور. واستخدام أسلحة أو قذائف أو مواد أو أساليب حربية مدرجة في مرفق النظام الأساسي. والاعتداء على الكرامة الشخصية. والاغتصاب. والاستعباد الجنسي. والإكراه على البغاء. والحمل القسري. والتعقيم القسري. والعنف الجنسي. واستخدام الأشخاص المحميين كدروع. والهجوم على أعيان أو أشخاص يستخدمون الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف. والتجويع كأسلوب من أساليب الحرب. واستخدام الأطفال أو تجنيدهم أو ضمهم إلى القوات المسلحة. والقتل العمد. والتشويه البدني. والمعاملة القاسية. والتعذيب. والاعتداء على الكرامة الشخصية. وأخذ الرهائن. وإصدار حكم أو تنفيذ حكم الإعدام بدون ضمانات إجرائية. والهجوم على المدنيين. والهجوم على أعيان تستعمل أو أشخاص يستعملون الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف. والهجوم على موظفين مستخدمين أو أعيان مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام. والهجوم على الأعيان المحمية. والنهب. والاغتصاب. والاستعباد الجنسي. والإكراه على البغاء. والحمل القسري. والتعقيم القسري. والعنف الجنسي. واستخدام الأطفال أو تجنيدهم أو ضمهم إلى القوات المسلحة. وتشريد المدنيين. والقتل أو الإصابة غدراً. وإسقاط الأمان عن الجميع. والتشويه البدني. وإجراء التجارب الطبية أو العلمية. وتدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها.

4-جريمة العدوان
تراوغ بعض الدول في التحديد النهائي لمضمون جريمة العدوان وأركانها. وكان من المفترض أن تناقش الدورة التحضيرية الثامنة، التي عقدت في سبتمبر 2001. وقد أثَّرت أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة على الموضوع وعطلت حسم مسألة العدوان. واشتملت الاقتراحات على وجود دور لمحكمة العدل الدولية في تحديد مفهومه، ووجود دور لمجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب فتوى من محكمة العدل الدولية.
ويذكر أن الدول العربية والعديد من دول العالم الثالث يعدون من أهم المدافعين عن وجود تحديد قاطع لجريمة العدوان. ومن أبرز النقاط التي تقترح الدول العربية إدخالها جريمة الاستيطان بوصفها أحد أشكال العدوان وليس الغزو المسلح فقط. كما أن بعض الدول الكبرى ( مثل الولايات المتحدة الأمريكية) ترى في وجود هذا التعريف القاطع خطورة على رجالها العسكريين([63]).

ليست هناك تعليقات: