إرهابية الإمبراطورية الأمريكية – 23 -
إعادة بناء العراق في المخطط الأمريكي
بقلم :د. مفيـد الزيـدي
قد يفكر البعض ان احتلال العراق في
آذار (مارس) ـ نيسان (ابريل) 2003 هو بداية حقيقية لهذا المخطط الامريكي في العراق
أو في منطقة الشرق الأوسط، ولكن الحرب علي هذا البلد الغني والاستراتيجي بدت منذ
خمسة عشر عاماً، وكانت مرحلتها الأولي حرب الخليج 1991، والمرحلة الثانية قصة
الحصار والعقوبات القاسية خلال اثني عشر عاماً واكثر، والمرحلة الثالثة فهي قصف
وغزو واحتلال العراق في عام 2003، وتشير المرحلة الرابعة التي بدأت مع الاحتلال
الي غزو الشركات الامريكية بدعوي اعادة بناء العراق .
وتعني اعادة بناء العراق Reconstruction أي البناء من
جديد، أو التأسيس من جديد، ولكن الخطة الأمريكية هي أبعد من معني هذه الكلمة بكثير
فهي تسعي الي تغيير هياكل الاقتصاد العراقي، وتغيير البنية الاجتماعية العراقية،
وتغيير السياسة الرسمية والحكومية العراقية، ومن ثم فان اعادة البناء هنا أوسع إذ
تعني تهديم البناء ثم إعادة صياغته من جـــديد برؤية مغايرة جـــذرياً عما سبق.
وقد اعلن الحاكم المدني للعراق بول
بريمر في ايار (مايو) 2003 ان العراق مفتوح امام رجال الاعمال والصفقات التجارية،
واكد أحد اهم مقومات السياسة الامريكية في العراق هي ابعاده عن تحكم الدولة في
اقتصادياته، ويتطلع مع قادته الي سوق حرة في العراق أي تحويل الاقتصاد والبلاد علي
اساس انه موجه نحو السوق ويري فيه المحافظون في إدارة بوش تدفقاً لعمليات تغيير
مصاحبة في الوطن العربي والشرق الأوسط خاصة لكون بوابته الرئيسية بغداد.
وهذه الخطط تنسجم مع طموحات بوش في
إقامة تجارة أمريكية ـ شرق أوسطية أي سوق مفتوحة أمام الهيمنة الاقتصادية
الاسرائيلية والامريكية، أي فرض الاحتلال الاقتصادي علي المنطقة العربية.
وفي الواقع المعاش في العراق تقوم
قوات الاحتلال ببيع الخدمات التي تقدمها الحكومة العراقية الي الشركات الخاصة،
وصرح المسؤولون الامريكيون انهم يريدون البنك الدولي هو المهيمن علي عائدات النفط
العراقية بدل الامم المتحدة التي تشرف علي برنامج النفط مقابل الغذاء وعلي العكس
من ذلك فان البنك الدولي أدي بسبب سياسة الخصخصة الي إفقار كبير للشعوب.
وأعلن بريمر أيضاً ان البنك المركزي
العراقي والمصارف الخاصة ستباشر تقديم قروض كبيرة لتمويل بيع سلع معينة للوزارات
العراقية والشركات والمصانع الخاصة والرسمية، ومن المتوقع ان تكون الشركات
الامريكية من اوائل المستفيدين من هذه القروض.
وكشفت العقود الهائلة في مجالات
مختلفة في الصناعات العراقية الي ان الشركات المتعددة التي تملكها الدولة العراقية
حسب اعلان أحد المسؤولين الامريكيين علي الصناعات العراقية سوف تخصص خلال عام
واحد، وهي بحدود (48) شركة يعمل فيها 96 ألف موظف من مصانع الانسجة والغذاء
والملابس والمواد الهندســــية والكيمـــياء والسيراميك، وسيباع عدد كبير من
المصانع الاخري الي شركات أجنبية.
وصرح بريمر في المنتدي الاقتصادي
العالمي في دافوس بأن الهدف الاستراتيجي للادارة المدنية في العراق خلال الشهور
القادمة هو تحريك سياسات تؤدي الي نقل الاشخاص والموارد من المؤسسات الحكومية الي
المؤسسات الخاصة الاكثر انتاجية، وعلي رأس أهم هذه البنود هو اجبار المؤسسات
الحكومية علي مواجهة ضوابط مالية صعبة، بتخفيض الاعانات والصفقات الخاصة بها، وفتح
الحدود من اجل زيادة التنافس علي الشركات العراقية المحلية ولخص بريمر أولويات هذا
التحول الاقتصادي بالخطوات التالية:
1 ـ البدء باصلاح شامل للقطاع المالي
من اجل توفير سيولة وقروض للاقتصاد العراقي.
2 ـ تبسيط الاجراءات بحيث تخفض
الحواجز امام دخول شركات جديدة محلية واجنبية.
3 ـ إعادة النظر في القانون التجاري
العراقي من اجل تحديد التغييرات الواجب اتخاذها لتشجيع الاستثمارات الخاصة.
4 ـ رفع القيود غير المعقولة عن حقوق
الملكية.
5 ـ إنشاء قوانين مقاومة للإحتكار.
6 ـ إنشاء سياسة تجارية مفتوحة تتيح
للفرقاء الاقليميين تنافساً شريفاً.
7 ـ تشجيع تبني قوانين واجراءات تضمن
ان تكون للعراق معايير عالية من التحكم بالشركات.
8 ـ إنشاء برامج تدريب مكثفة لمديري
الاعمال تراعي افضل الممارسات واخلاقيات العمل.
والهدف بذلك هو تحويل الاقتصاد
العراقي الي اقتصاد يكون اكثر ترحيباً بالشركات الاجنبية، وسحب البساط من تحت
اقدام الشركات المحلية ورجال الاعمال العراقيين والقطاع العام العراقي.
إن سياسة قوات الاحتلال الامريكية
تعيين مستشارين لكل قطاع صناعي عراقي كبير، ففي مجال النفط تريد واشنطن ان ُتدار الصناعة
النفطية العراقية عبر رئيس مجلس إدارة امريكية، ولجنة اداريين امريكيين، وعيّنت فيليب ج كارول رئيساً للجنة الاستشارية لقطاع النفط
وهو رئيس سابق لشركتي نفط شل و فلود ، وهو لاعب مالي أساسي في تكساس، ورأي ان
العراق يجب أن يترك الاوبك وهذا ماتستفيد منه الولايات المتحدة، وان يتم التوسع في
الصناعة النفطية العراقية بفضل رؤوس أموال أجنبية وبشكل تدريجي في المستقبل.
أما في الزراعة، فسيكون القطاع الزراعي تحت ادارة دان امستوتز المدير الاعلي السابق لشركة كارغيل اضخم
شركة تصدير للحبوب في العالم، ورئيس جمعية تصدير الحبوب في أمريكا الشمالية، وان
تكليف هذا الشخص بادارة الزراعة العراقية سوف يتيح له هذا المركز الترويج للمصالح
التجارية لشركات الحبوب الامريكية وفتح الاسواق العراقية علي مصراعيها، ولكن
الاوساط الامريكية تري انه سييء السمعة في امكانية ادارة دولة من العالم الثالث.
في الاعلام،
ُعهدت ادارته الي روبرت رايلي المدير
السابق لاذاعة صوت امريكا لاصلاح الاذاعة العراقية، والصحف والمجلات والتلفزيون
أيضاً، وادارة وسائل الاعلام العراقية والترويج للسياسة الامريكية هناك، وهو من
الاتجاه المحافظ والمؤيد للحرب علي العراق ويؤمن ان نشر الاخبار لا يكفي بل يجب
نشر طبيعة الشعب الامريكي لكي تتضح المباديء الاساسية للحياة الامريكية، وهكذا فان
المخطط الامريكي هو مواصلة ادارة وسائل الاعلام في العراق لصالح الدولة، وقد فرض
بريمر قوانين صارمة ضد الصحافة من خلال الرقابة وجري التهديد بغلق الصحف التي تنشر
مواد دعائية أو استفزازية ضد الاقليات والطوائف، أو تثير العنف ضد قوات الاحتلال،
وهذه المواد الاستفزازية أوردها بريمر وتشمل:
1 ـ التحريض علي الكراهية العنصرية او
الأثنية أو الدينية.
2 ـ الدعوة الي عودة حزب البعث
المحظور.
3 ـ نشر مواد مغلوطة ومصممة لاثارة
المعارضة علي قوات التحالف او لتقويض العمليات الشرعية التي تريد ان يحكم
العراقيون أنفسهم.
4 ـ علي كل وسائل الاعلام ان تكون
مرخصة وسيتم نزع الترخيص ومصادرة المعدات من وسائل الاعلام التي تخرق القوانين.
5 ـ يمكن ان ُيحتجز الافراد الذين
ينتهكون هذه القوانين وان تحكم عليهم السلطات المختصة في حالة ادانتهم بالسجن
عاماً علي الأكثر وبغرامة مالية ألف دولار ولا يكون الاحتكام الا لبريمر وحده
وقراره هو النهائي.
أما شبكة الاخبار العراقية التي أنشئت
بعد الاحتلال لتحل محل وزارة الاعلام العراقية، فتحكمها قوات الاحتلال ويديرها
رايلي ويحتفظ بريمر بتقديم النصائح للشبكة في برامجها وانشطتها وله سلطة توظيف
العاملين فيها أو طردهم.
أما في مجال الشركات الامريكية ومصالحها مع البنتاغون وعلاقاتها
والتي أهلتها للدخول في السوق العراقية في إطار الخصخصة، فابرزها:
1 ـ هاليبرتون:
منحت الدفاع للامريكية هاليبرتون عقداً سرياً (بليون دولار) وكان تشيني رئيس مجلس
ادارتها، من اجل السيطرة علي حقول النفط العراقية وتوزيعها.
2 ـ بيكتل، ومجالها خصخصة مياه العراق وحصلت
علي عقد من الوكالة الامريكية للتنمية العالمية لاصلاح وتأهيل موارد الطاقة وشبكات
الكهرباء وانظمة المياه والمجاري والمطارات واصلاح الموانيء والمستشفيات والمدارس
وخطوط المواصلات، وقد وصل العقد من 680 (مليون دولار) الي 1000 مليون دولار وهو
اكبر عقد في اعادة اعمار العراق.
3 ـ معهد تراينجل للابحاث، وقد منحت الوكالة الامريكية للتنمية
العالمية عقداً بقيمة (7.9 مليون دولار) وتصل الي (167.9 مليون دولار) بعد عام
واحد، ويشمل تقوية المهارات الادارية والطاقة الادارية المحلية والخدمات البلدية
من ماء وصحة ونظافة عامة والتحكم الاقتصادي، وبرامج الدورات الاتصالية، وحل
الازمات والقيادة والتحليل السياسي، ورئيسة المعهد فيكتوريا فرانشيتي هافيز تؤكد
انه وسيلة للترويج لمصالح الشركات، وهدفه حسب زعمه (المعهد) بناء حكومة ديمقراطية
قوية من ابناء البلد، اي دعم اشخاص موالين لواشنطن وجعل السياسة العراقية اكثر
تعاملاً مع المصالح الامريكية.
ويدعم المعهد الخصخصة، وجعل المصالح
الحكومية بيد الشركات، وتلقي المعهد عقداً أيضاً من الوكالة الامريكية لاصلاح
النظام التربوي ووضع خطط لاعادة كتابة الكتب المدرسية العراقية أي جعلها اكثر
موالاة للولايات المتحدة. والحق ان الوكالة الامريكية للتنمية USAID هي الذراع
الاقوي للحكومة الامريكية، وتقوم بالكثير من المشاريع التي تتوافق مع المصالح
السياسية والعسكرية الامريكية، وعلاقات الوكالة مع الشركات الاجنبية لكي تساعدها
في دخول الاسواق الجديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق