مؤامرة الثورة ؟ كيف يحتقر
( البعض ) دمائكم فى الخارج !
د.حمزة عماد الدين موسى
فى
تركيا منذ أشهر , فاجئنى بعض ( المحللين و المثقفين ) بتحليل فى غاية البراعة و
الإتقان و الذكاء الخارق : ( الثورة المصرية مؤامرة أمريكية ) , صدمنى هذا التحليل
, خصوصا ان بعض هؤلاء ممن يستبقون ( عسل ) الكلام و رونق الحديث بالأدب الهادئ , و
الكلام المنمق الموزون و الأحرف الرنانة , يصدمك الوضع أكثر عندما تستفزة لتبتز
منه ما يعرف عن ثورتك , ليتضح جهله و سطحية تفكيرة و تحليلة و ربما للاسف ( لا مصداقية
المعلومات التى إستقى منها أول مره ) , او ربما يستكثر على العرب أن ( يثوروا )
ليغيروا .
قد
أقبل هذا التحليل من القومجيين , أو العلمانين أو حتى اللإسلاميين ,
الذين يعتبرون أنفسهم ابعد عن العرب ( الخونة ) و أعلى منهم مرتبة , و لكن الحقيقة
و الحق يقال أن هذا سمعته من الإسلاميين و معظمه من ( الأخوان المسلمين ) الاتراك
أكثر من غيرهم .
ليس
من كل الأسلاميين , فبعض الإسلاميين يعرفون الحقائق جيدا و يتابعون الساحة أولا
بأول خصوصا الشباب , لا جيل الديناصورات , الذين يميلون للتفسير الإيرانى ( أن
أمريكا وراء كل شئ ) و لا ينفكون يضعون ( المؤامرة الكونية ) على المسلمين فى كل
عمل ليقودهم للتحليل الغريب العجيب المضحك هذا .
هذا
التفسير القاصر , للوضع فى المنطقة العربية ككل لا إرتكان له , إلا لضعف القدرة
على إستقراء الوقائع و إنفصال ( المحلل ) عن الواقع , و تشبعهم بنظرية المؤامرة
التى لغت التوكل على الله فى أى شئ .
هم
لا يستقون مصادرهم من الصحافة التركية فقط , أو التحليلات الغريبة لكتاب صحفيين
تشبعوا بمرض المؤامرة على كل شئ , حتى قال أحد أصدقائى الصحفيين الأتراك يوما :
بعضهم قد يخيل إليه أن زوجته و زواجه ( مؤامرة ) أمريكية .
يدهشونك
و هم يقولون بملئ الفم و هو ينظر إليك بطرف عينية , بصوت خافت هادئ : الثورة
المصرية مؤامرة أمريكية , و يتابع قوله بتكرار نفس ما يقوله إعلام مبارك , كأنما
أنت أمام ( مذيع من ماسبيرو يتحدث بلغة أخرى ) .
الإعلام
التركى هنا , مرهون و ينقل من الأعلام الغربى الذى سوق الثورة المصرية على أنها
مدعومة أمريكيا , و الأتراك لا غبار عليهم نقلوا و ترجموا ووفوا , حتى فى الثورات
العربية , اصبحت ( الربيع العربى ) مثلما ذكر ممثلى أمريكا السياسيين ليبرروا
تدخلهم فى الساحة العربية بحجة الدعم الفارغ ( الكذاب ) .
لا
نلوم على الاعلام التركى و لا على حتى وجود الكثير من العرب و الناطقين بالعربية و
العالمين باللغة العربية و الدارسين لها و الممارسين لها فى صفوف هذا الاعلام
خصوصا السوريين منهم حتى أتت الثورة السورية . لا نلوم عليهم النقل و الترجمة .
و
لكننا نلوم على بعض هؤلاء الإسلاميين الحاملى للقب أستاذ , و هو لقب تعظيم و تكبير
بنشر هذا الهراء االديناصورى المدسوس المخترق من إيران و أمريكا بدون أن يعملوا
عقلهم لثانية واحدة به .
لذا
لا عجب ان يتخذ العديد من قيادات الإخوان المسلمين فى تركيا , موقفا مؤيدا لبشار
الأسد , بإعتبار الثورة السورية على هذا الطغيان ( مؤامرة أمريكية على الممانعة و
المقاومة ) .
الشباب
التركى فى المظاهرات التى حدثت أمام السفارة السورية التابع للنظام الأسدى اظهروا
أعلام الإخوان المسلمين فى تركيا , ردا على تصرف هذه القيادات التى ذهبت لتحتفى
ببشار الاسد و تقول أنها معه ضد المؤامرة .
بالنسبة
لليبيا : يراها الكثير من هؤلاء المثقفين ثورة الناتو , كما يراها بعض المعارضة
السورية ايضا فى الخارج , متجاهلين مذابح شعب أودت بعشرات الالاف من المدنين فى
مواجهة طاغية مجنون , بالنسبة للمعارضة السورية , أنه تبرير العجز و الفشل
لإستجداء الغرب ليأخذ موقفا , و بالنسبة للمثقفين الاتراك , ما هو إلا تسريبات
المؤامرة ( الايرانية ) و تمحور فكر المؤامرة حول كل الهواء الذى يتنفسونه .
أحد
أصدقائي الاتراك , قال ان مصدره لهذه المعلومة هو أحد الإخوان المسلمين فى مصر , (
أن الثورة مؤامرة أمريكية ) , لم أشكك فى ما قال الإثنين , و لكنى أقول لم ؟؟؟؟؟
لولا ان قالها لى أحد رجال الأخوان المصريين قبلا منذ أشهر فى مصر , ثم
كررها أحد رجال الاخوان السوريين , ليصيح بها رجال الاخوان المسلمين الأتراك فى
مؤتمراتهم ! لما صدقت .
المرجعية
المريضة التى تبرر ثورة شعب ضد حكم طاغية بأنها مؤامرة من سيد هذا الطاغية عليه ,
إما أنهم جهلة أو أنهم كذبة ! فى جميع الحالات , لا تبتسم و تتبسم فى وجهي و تدعى
أنك تساند الثورة المصرية ( بحرية ) و أنت تكن فى نفسك أنها لم تكن إلا مؤامرة ,
فانت لم تضح و لم تكن معنا فى الشوارع و لم تشاهد او تشهد الدماء تسيل فأنت (
كديناصور ) أضعف ان تستحمل دقائق معدودة معنا فى مواجهة زبانية مبارك فى الشارع .
دواعي
الابتسامة و التكلف , ما هى و لم تكن إلا مجاملة كاذبة لا تستدعى إلا أن نرى شكلها
الحقيقى لنعلم حقيقة المضمون . فلا تدعى تأييد ثورتنا و أنت تتآمر عليها
بفكرك ( المؤامرة ) .
لا
نريد مدعين ليدعوا أنهم ساندوا ثورتنا و دعموها و هم يتآمرون عليها , إذا لازالت
شبهة التآمر تدغدغك فإتق مواطن الشبهات و تجنبنا و أعلن عن ما بنفسك بلا مواربة أو
خجل و أتح طريق التعاون لصادق النية مخلص قوى الإيمان غيرك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق