مرحلة
ما بعد التحرير...للعلامة الشيخ الصادق الغرياني حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
مرحلة ما بعد التحرير
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
فإن هناك جملة أمور ينبغي أن لا تغيب عن أذهاننا في غمرة الاحتفال بيوم التحرير والنصر المبين، وهي كالآتي:
1 ـ نَصَرَ الله عز وجل الشعب الليبي في مرحلة التحرير الطويلة لأخذه بالأسباب، وعلى رأسها التوكل على الله، والاستعانة به، وجمع الكلمة ووحدة الصفوف وتكاثف الجهود، فالنصر تحقق بعد عون الله تعالى بالجهود مجتمعة؛ جهود كل الناس، الكبار والصغار، الرجال والنساء، وعلى رأسهم الثوار حملة السلاح، أسود الوغَى وفرسان اللقاء، شارك فيه معهم كل الليبيين؛ التجار رجال الأعمال والحرفيون، الأساتذة والطلبة والمدرسون وحملة الأقلام وذوو الرأي والمفكرون، شارك فيه المهندسون والأطباء والمهنيون والموظفون، شارك فيه الآباء والأمهات والأخوات والأزواج، بالأحباب وفلذات الأكباد، شارك فيه النخب والسياسيون والمعارضون، والموفدون والجاليات الليبية بالخارج، كما شارك فيه الشرفاء من الضباط والجنود والمخابرات الذين انشقوا عن النظام السابق، أو لم يعلنوا انشقاقهم وكانوا عونا للثوار، وبفضل هذا التكاثف والتعاون وجمع الكلمة ألان الله للشعب الليبي قلوب الأصدقاء والأعداء، فكان لقطر والإمارات وبعض الدول العربية الأخرى موقف، بل مواقف في النصرة والعون والتأييد لا تُنسى، وكان لمجلس الأمن قرار تاريخي في نصرة ليبيا يعز نظيره، لولا توفيق الله ما تحقق، فقد أخرس الله لسان المعترض من أعضاء المجلس حين كان اعتراضه يضر، وأطلقه حين صار كلامه لا ينفع، حتى إنهم قد ندموا أن أمرُّوه وأجازوه، وربما لن يعيدوه، فالمنة لله وحده مالك الأرض ومن عليها، والآخذ بناصية كل من فيها، وحده الذي يعقد العزائم وينقضها، فالأمر أمره والحكم حكمه، إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، ولا يملك أحد رده.
2 ـ النصر الذي تحقق لا شك أنه من عند الله، وذلك حين علم إخلاص النوايا وصدق العزائم في إحقاق الحق وإماتة الباطل، قال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم) (آل عمران آية 126)، وهذا النصر يحطنا في موضع الاختبار والابتلاء، فهل نكون بعده ممن يستحقه فيبارِك الله له فيه ويزيده خيره، أم ممن نكص عن عقبيه وأعطاه ظهره فيُسلبه، قال تعالى: (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فينظر كيف تعملون) (الأعراف آية 129).
النصر نعمة من الله علينا جليلة، والنعم تستوجب مزيد الشكر لله، وبالشكر والأعمال الصالحة وطاعة الله يحصل التمكين والأمن، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور آية 55)، وتكثر خيرات الأرض وتنزل بركات السماء، قال تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم آية 7).
وبالمعاصي والجحود والمحادة لله تعالى ترتفع النعم وتنزل النقم، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل آية 112)، فالعزة لا تكون إلا بطاعة الله، لا بمعاصيه، ومن عاند الله بالمعاصي أذله، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) (المجادلة آية 20).
فشكر الله على النصر يكون بإعلان إلغاء الربا من المصارف، وبالإعلان أن كل قانون يتعارض مع الشريعة باطل، كما سمعنا من رئيس المجلس الوطني الانتقالي في كلمة التحرير.
ويكون بانقياد الثوار واستجابتهم لأمر المجلس الوطني الانتقالي بتجميع السلاح وانضمام من يرغب منهم إلى الجيش الوطني أو الداخلية، فإن استجابتهم لذلك مما يحقق الاستقرار والأمن للبلد، فتنفيذه بالصورة الصحيحة واجب وطني وشرعي يؤهلنا لشكر نعمة النصر.
ويكون بالتشمير على سواعد الجد والإخلاص في العمل لبناء الدولة وقيام المؤسسات ،لا بالتنافس على الكراسي والمناصب والصراع على المقارِّ والإدارات!
ولا يكون شكر النعمة بالمجاهرة بالمعاصي كالربا، والزنا، والخمر، والحشيش، وترويع الآمنين باستعمال السلاح في غير موضعه، والعبث به في الاحتفالات، وإطلاقه في الهواء، الذي كثيرا ما حصد أرواح بريئة.
شكر النعمة لا يكون بالتفاخر بالبلد والجهة والتعزز بالقبيلة والغارات على القرى وإنزال عقوبات جماعية بأهلها لمجرد الإشاعة والتهمة والظِّنَّة.
ولا بالتجوال بسيارات الدفع الرباعي المسلحة التي لا تحمل لوحات وإيقاف سيارات المارة وتهديدهم بالسطو عليهم، ثم اللواذ بالفرار، فذلك كله من التعدي على الحرمات والأموال، الذي يهدد الأمن ويفسد ما بين الناس ويخلق الفتن ويؤدي إلى القتل وسفك الدماء، ومن المحرمات الغليظة في شرع الله وحكمه.
شكر النعمة التعبير عنه يكون بالتكبير والتحميد والشكر لله والانقياد لأمره، كما أرشدنا الله تعالى إلى ذلك في أعيادنا وأفراحنا، في قوله تعالى: (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) (البقرة آية 198)، وفي قوله عز وجل: (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) (الحج آية 34)، وبالأشعار والأهازيج والأناشيد الوطنية التي تبعث الحماس وتقوي الوحدة واللحمة الوطنية، ولا يتحول التعبير عنه إلى مظاهر من المخالفات الشرعية بالرقص والغناء في الميادين من الرجال والنساء.
لا يكون شكر النعمة باستغلال الدعوة إلى الحرية وحقوق المرأة في التعدي على حدود الله، فنقحم المرأة في المعاصي من التبرج والعري وكشف العورات، ونورطها فيما لا يليق بها وكرمها الله عنه.
فلا يكون بإقامة حفلة عرض أزياء كما حصل منذ أيام في برج طرابلس، هذا ليس من حرية المرأة ولا حقوقها في شيء، وإنما هو من استغلالها وجعلها سلعة في سوق النخاسة لشراء عري جسدها بالمال.
(عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
03 – ذو الحجة – 1432 هـ
الموافق: 30 ـ أكتوبر – 2011 م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
فإن هناك جملة أمور ينبغي أن لا تغيب عن أذهاننا في غمرة الاحتفال بيوم التحرير والنصر المبين، وهي كالآتي:
1 ـ نَصَرَ الله عز وجل الشعب الليبي في مرحلة التحرير الطويلة لأخذه بالأسباب، وعلى رأسها التوكل على الله، والاستعانة به، وجمع الكلمة ووحدة الصفوف وتكاثف الجهود، فالنصر تحقق بعد عون الله تعالى بالجهود مجتمعة؛ جهود كل الناس، الكبار والصغار، الرجال والنساء، وعلى رأسهم الثوار حملة السلاح، أسود الوغَى وفرسان اللقاء، شارك فيه معهم كل الليبيين؛ التجار رجال الأعمال والحرفيون، الأساتذة والطلبة والمدرسون وحملة الأقلام وذوو الرأي والمفكرون، شارك فيه المهندسون والأطباء والمهنيون والموظفون، شارك فيه الآباء والأمهات والأخوات والأزواج، بالأحباب وفلذات الأكباد، شارك فيه النخب والسياسيون والمعارضون، والموفدون والجاليات الليبية بالخارج، كما شارك فيه الشرفاء من الضباط والجنود والمخابرات الذين انشقوا عن النظام السابق، أو لم يعلنوا انشقاقهم وكانوا عونا للثوار، وبفضل هذا التكاثف والتعاون وجمع الكلمة ألان الله للشعب الليبي قلوب الأصدقاء والأعداء، فكان لقطر والإمارات وبعض الدول العربية الأخرى موقف، بل مواقف في النصرة والعون والتأييد لا تُنسى، وكان لمجلس الأمن قرار تاريخي في نصرة ليبيا يعز نظيره، لولا توفيق الله ما تحقق، فقد أخرس الله لسان المعترض من أعضاء المجلس حين كان اعتراضه يضر، وأطلقه حين صار كلامه لا ينفع، حتى إنهم قد ندموا أن أمرُّوه وأجازوه، وربما لن يعيدوه، فالمنة لله وحده مالك الأرض ومن عليها، والآخذ بناصية كل من فيها، وحده الذي يعقد العزائم وينقضها، فالأمر أمره والحكم حكمه، إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، ولا يملك أحد رده.
2 ـ النصر الذي تحقق لا شك أنه من عند الله، وذلك حين علم إخلاص النوايا وصدق العزائم في إحقاق الحق وإماتة الباطل، قال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم) (آل عمران آية 126)، وهذا النصر يحطنا في موضع الاختبار والابتلاء، فهل نكون بعده ممن يستحقه فيبارِك الله له فيه ويزيده خيره، أم ممن نكص عن عقبيه وأعطاه ظهره فيُسلبه، قال تعالى: (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فينظر كيف تعملون) (الأعراف آية 129).
النصر نعمة من الله علينا جليلة، والنعم تستوجب مزيد الشكر لله، وبالشكر والأعمال الصالحة وطاعة الله يحصل التمكين والأمن، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور آية 55)، وتكثر خيرات الأرض وتنزل بركات السماء، قال تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم آية 7).
وبالمعاصي والجحود والمحادة لله تعالى ترتفع النعم وتنزل النقم، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل آية 112)، فالعزة لا تكون إلا بطاعة الله، لا بمعاصيه، ومن عاند الله بالمعاصي أذله، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) (المجادلة آية 20).
فشكر الله على النصر يكون بإعلان إلغاء الربا من المصارف، وبالإعلان أن كل قانون يتعارض مع الشريعة باطل، كما سمعنا من رئيس المجلس الوطني الانتقالي في كلمة التحرير.
ويكون بانقياد الثوار واستجابتهم لأمر المجلس الوطني الانتقالي بتجميع السلاح وانضمام من يرغب منهم إلى الجيش الوطني أو الداخلية، فإن استجابتهم لذلك مما يحقق الاستقرار والأمن للبلد، فتنفيذه بالصورة الصحيحة واجب وطني وشرعي يؤهلنا لشكر نعمة النصر.
ويكون بالتشمير على سواعد الجد والإخلاص في العمل لبناء الدولة وقيام المؤسسات ،لا بالتنافس على الكراسي والمناصب والصراع على المقارِّ والإدارات!
ولا يكون شكر النعمة بالمجاهرة بالمعاصي كالربا، والزنا، والخمر، والحشيش، وترويع الآمنين باستعمال السلاح في غير موضعه، والعبث به في الاحتفالات، وإطلاقه في الهواء، الذي كثيرا ما حصد أرواح بريئة.
شكر النعمة لا يكون بالتفاخر بالبلد والجهة والتعزز بالقبيلة والغارات على القرى وإنزال عقوبات جماعية بأهلها لمجرد الإشاعة والتهمة والظِّنَّة.
ولا بالتجوال بسيارات الدفع الرباعي المسلحة التي لا تحمل لوحات وإيقاف سيارات المارة وتهديدهم بالسطو عليهم، ثم اللواذ بالفرار، فذلك كله من التعدي على الحرمات والأموال، الذي يهدد الأمن ويفسد ما بين الناس ويخلق الفتن ويؤدي إلى القتل وسفك الدماء، ومن المحرمات الغليظة في شرع الله وحكمه.
شكر النعمة التعبير عنه يكون بالتكبير والتحميد والشكر لله والانقياد لأمره، كما أرشدنا الله تعالى إلى ذلك في أعيادنا وأفراحنا، في قوله تعالى: (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) (البقرة آية 198)، وفي قوله عز وجل: (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) (الحج آية 34)، وبالأشعار والأهازيج والأناشيد الوطنية التي تبعث الحماس وتقوي الوحدة واللحمة الوطنية، ولا يتحول التعبير عنه إلى مظاهر من المخالفات الشرعية بالرقص والغناء في الميادين من الرجال والنساء.
لا يكون شكر النعمة باستغلال الدعوة إلى الحرية وحقوق المرأة في التعدي على حدود الله، فنقحم المرأة في المعاصي من التبرج والعري وكشف العورات، ونورطها فيما لا يليق بها وكرمها الله عنه.
فلا يكون بإقامة حفلة عرض أزياء كما حصل منذ أيام في برج طرابلس، هذا ليس من حرية المرأة ولا حقوقها في شيء، وإنما هو من استغلالها وجعلها سلعة في سوق النخاسة لشراء عري جسدها بالمال.
(عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
03 – ذو الحجة – 1432 هـ
الموافق: 30 ـ أكتوبر – 2011 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق