من يحكم مصر و لحساب من ؟؟؟ - 19
-
مبارك"
عمل مع ال C.I.A
للإطاحة بالسادات
في تقاریر مخابراتیة تسربت منذ ٣٠ عاماً
محمد عبداللطیف
نزعت ورقة التوت الأخیرة من فوق نظامھ، وكشفت » حسني مبارك « الاتھامات التي تطارد
عورات معاونیھ، وصبت اللعنات علي سنوات حكمھ فلیس أقلھا تضخم ثروتھ بطرق غیر
مشروعة، وتسھیل استیلاء أسرتھ ، وشلة نجلھ علي ثروات البلد.. مروراً بالحدیث عن
ضلوعھ في اغتیال أنور السادات، ولم یكن أكثرھا خطورة، ھي المرتبطة بالمعلومات المتداولة لأن ما خفي كان أعظم! ..C.I.A عن عمالتھ لصالح المخابرات الأمریكیة ال
ھذه الاتھامات وغیرھا ربما تتجاوز ما ینوي مبارك تقدیمھ من اعتذارات، فھي اتھامات لا
تمحوھا الكلمات العاطفیة بغرض الحصول علي عفو والإفلات من المحاكمة، فمعظم ما یجري
تداولھ من معلومات لم یكن أسراراً جدیدة تخرج إلي الفور أول مرة، لكنھا معلومة ظلت
لسنوات طویلة مناطق ملغومة، محاطة بسیاج من الخطوط الحمراء الممنوع الاقتراب منھا..
الآن تغیر كل شيء.. ولم یعد بمقدور أحد إغلاق حنفیة الاتھامات والمعلومات المثیرة، وما كان یدور ھمساً في جلسات النمیمة والغرف المغلقة.. صار علناً وعلي كل لسان، باعتباره مادة دسمة لوسائل الإعلام المختلفة محلیاً وعالمیاً.. فمبارك لم یعد رئیساً بل متھم ورھن الحبس الاحتیاطي علي ذمة التحقیقات في تضخم ثروتھ، وھذا الاتھام لم یكن بعیداً أو منفصلاً بأي حال من الأحوال، عن المعلومات الأكثر خطورة، باعتبارھا أموراً تخص الأمن القومي، وربما یقود التشابك والتداخل، إلي مطالبة أسماء وشخصیات بارزة لعبت دوراً حیویاً، في الحیاة العامة والسیاسة الدولیة لتدلي بدلوھا، أو تبوح بما لدیھا من معلومات ثمینة تحفظ بھا في خزانة أسرارھا، وجمیعھا یتعلق بثروة مبارك وصفقات البیزنس، والعمولات التي كان یتقاضاھا، وأین یودعھا، وعلاقاتھ بالمخابرات الأمریكیة.
أبرز الشخصیات المطالبة الآن وقبل أي وقت آخر بالكشف عن الأسرار التي بحوزتھا..
أشرف غربال سفیر مصر السابق في واشنطن، ومنصور حسن وزیر الثقافة والإعلام وشئون رئاسة الجمھوریة في عھد أنور السادات. فكلاھما یعرف الكثیر لأنھما شھود عیان علي وقائع جرت مسئولیة الرئاسة.. غربال بحكم عملھ سفیراً، كان یحضر لقاءات « مبارك » قبل أن یتولي مبارك في واشنطن، ویعرف تفاصیل كاملة عن لقاءاتھ مع رجال وقیادات المخابرات الأمریكیة، وكذلك رجال الأعمال، لأن البیزنس في كثیر من الأحیان یكون غطاء لعملیات مخابراتیة، ینفذھا بدقة بعض رجال الأعمال للحصول علي المعلومات.
لم تكن ولیدة الظروف الحالیة لكنھا قدیمة، وجري التعتیم علیھا » مبارك « الاتھامات الموجھة ل
كثیراً، وعلم بھا الرئیس السادات قبل اغتیالھ بتسعة أشھر كاملة وتناولتھا عدة تقاریر رسمیة
من السفارة المصریة بواشنطن.. وسربت بعض معلوماتھا وتفاصیلھا مصادر مخابراتیة، لعل
ولید » أبرزھا تلك التي خرجت علي السطح، ووجدت طریقھا إلي النور التي كشف عنھا
قبل ٣٠ سنة من الآن
.. في العدد ٢٠٦ بتاریخ ٢٣ینایر ١٩٨١ « الوطن العربي »« من مجلة » « أبوظھر
، وتأتي أھمیة ما جاء فیھ من معلومات من ارتباطھا بأھمیة الشخص الذي روي
التفاصیل باعتباره قریباً من أجھزة الاستخبارات الدولیة، وصاحب علاقات واسعة في دوائر
صناعة القرار، في مقرات الحكم الأمریكیة والمصریة علي حد سواء، وھو الأمر الذي كان لھ
صدي واسع في جمیع الأوساط.
التقریر رصد المعلومات الدقیقة، وتناول بالأسماء ما كان یجري من صراعات بین مراكز
وعلاقة الأخیر » حسني مبارك » القوي في القاھرة، وتوتر العلاقة بین السادات ونائبھ
بالمخابرات الأمریكیة، وتفاصیل الانقلاب الأبیض، الذي كان یعد لھ مبارك للإطاحة بالسادات
وكیف خطط السادات للتخلص من نائبھ، بالاعتماد علي منصور حسن وسید مرعي.
أما التفاصیل التي تسربت من المخابرات الأمریكیة، تقول إن حسني مبارك، حزم حقائبھ
واستعد للسفر إلي واشنطن في ینایر ١٩٨١ ، وقبل مغادرتھ للقاھرة، عقد اجتماعاً مع الرئیس،
لیعرف التوجیھات منھ، فیما یتعلق بالمباحثات مع الإدارة الأمریكیة، وفي واشنطن حرص
مبارك أشد الحرص، علي عقد اجتماع مع ریتشارد آلن الذي كان یستعد لمنصب مستشار الأمن
القومي في الإدارة الجدیدة التي سیتولاھا رونالد ریجان، بالإضافة إلي اتصالات مكثفة مع عدد
من رجال الأعمال الأمریكیین والعرب، وكانت ھذه الاجتماعات تدور علي مستویین، أحدھما
رسمي بحضور الوفد المرافق لھ في الزیارة وأشرف غربال سفیر مصر في واشنطن، والثاني
كان شخصاً، وینفرد فیھ مبارك مع رجال الأعمال ورجال المخابرات.
المثیر في الأمر، أن أشرف غربال رغم علمھ بجمیع اللقاءات إلا أنھ أرسل للسادات تقریراً
یتضمن ما جري في الاجتماعات الرسمیة.. ولم یتطرق من بعید أو قریب للقاءات الشخصیة
التي أجراھا مبارك مع بعضالشخصیات النافذة في واشنطن، وھذا یمثل لغزاً محیراً في الأمر،
ویدفع لطرح تساؤل مشروع، لماذا تجاھل غربال المعلومات المحیطة بھذه اللقاءات؟
لكن المعلومات التي لم تتضمنھا تقاریر السفیر المصري، سرعان ما عرفت وانكشف أمرھا
ومن بینھا أن نائب الرئیس حرص علي أن یبلغ ریتشارد آلن بأن أوضاع الجیش غیر مطمئنة،
یتولي بصفة شخصیة، الإشراف علي تنظیم خاص واحد الحزب » أي مبارك « وأنھ شخصیاً
الحاكم، بھدف المحافظة علي النظام، سواء رحل السادات أو اعتزل أو تخلي.
مبارك كان یبعث برسائل مھمة عبر أقوالھ بغرض توصیل أنھ یعد نفسھ رئیساً للبلاد، وكان
یقصد رسائلھ بمعلومات عن مرض السادات وعدم قدرتھ علي تولي المسئولیة، لأن أمراض
القلب وقرحة المعدة والكلي یسببون لھ متاعب كثیرة. لكن الأمریكان بطبیعتھم لا یفوتون
فرصة تمر دون تحقیق مكاسب، خاصة أنھم شعروا بعد أحادیث مبارك أن الوضع خطیر في
مصر، لكنھم طلبوا منھ، توضیح مدي العلاقة التي تربطھ بأبوغزالة، الذي كان یتولي مھمة
الملحق العسكري في السفارة المصریة، ومدي التوافق بینھما، ولم یتوان مبارك في إثبات
الجدیة.. فتوجھ في الیوم التالي مباشرة للقائھم ومعھ أبوغزالة، الذي كان یقوم بزیارة
لواشنطن في ذلك الوقت، وأكد الاثنان انھما متفقان تماماً.. ونتیجة لھذه اللقاءات جرت
وأسفر ذلك » باكتل الأمریكیة « اتصالات بین الإدارة الأمریكیة ورجال أعمال عرب، ومؤسسة
عن قبول التعاون مع مبارك شریطة إبعاد السادات عن المشھد، لأن دوره نفد، وعلاقاتھ ساءت
مع العرب، وجري الحدیث عن انقلاب أبیض علي السلطة.
بعد عودة مبارك طلب السادات من أسامة الباز تقریراً عن الاتصالات الھامشیة التي جرت، فیما
أشار إلیھ بأنھ لم یحضر سوي الرسمیة منھا.. فاستدعي مدیر المخابرات الفریق محمد
الماحي، وطلب أدق التفاصیل من اتصالات ولقاءات مبارك، خاصة فیما یتعلق بالتنظیم
العسكري الذي كلف السادات نائبھ بالإشراف علیھ مع التنظیم الحزبي، وعندما تسلم السادات
أصیب بصدمة صعقتھ، وكأنھ لا یصدق ما یقرأ.. فقد تضمن أن تجمعاً مدنیاً » الماحي « تقریر
أما المفاجأة الأكثر درامیة في ذلك، ولم یتوقعھا السادات ..» مبارك « وعسكریاً، یمسك بخیوطھ
أن النبوي إسماعیل وزیر الداخلیة، ساعد مبارك بأجھزتھ البولیسیة للوصول إلي التنسیق
العسكري الحزبي، ولم یكن أمام السادات إلا استدعاء نائبھ لإفھامھ بأن مؤامراتھ في واشنطن
معلومة، وقال لھ: أنا صنعتك وأنت من دوني لا تساوي شیئاً.. لأنك مخلوق بلا وفاء، فأنا
اعتبرتك ابني.. وكنت أعدك لمتابعة المسیرة من بعدي، فإذا بك تتصرف ھذا التصرف.. أنا الآن
وواصل !» أستطیع أن أطیح برأسك.. لكن سأعطیك فرصة أخري وسأختبر ولاءك من جدید
لقد تبین لي أن التقاریر التي كان یرفعھا لي منصور حسن صحیحة.. وإن كنت أثق « السادات
فیك أكثر منھ والآن علیك التخلي عن مسئولیاتك ما جاء بھذا التقریر یشیر إلي أن منصور
حسن یعلم الكثیر، فقد كانت لدیھ تقاریر عن مبارك، وكان یرفعھا للسادات، فلماذا لم یتحدث،
ومثل ھذه الأمور أمانة تاریخیة ستكشف النقاب عن الكثیر من الأسرار التي ظلت غائبة.
وبالعودة مرة أخري للصراع بین السادات ونائبھ.. نجد أن الأول أحبط محاولة الانقلاب الأبیض
» التنظیم الخاص « الذي كان یعد لھ مبارك، بإبعاده تماماً علي أن یتولي الشئون الحزبیة
منصور حسن، والتنظیم العسكري للفریق الماحي، لكن سرعان ما تلاشي نفوذ منصور حسن
وفي تلك » الرئیس « لدي السادات بعد تقدیمھ تقریراً عن فضائح عثمان أحمد عثمان صھر
الأثناء تقدم ٦٠ ضابطاً من الجیش بعریضة للسادات یعترضون فیھا علي وجود تنظیم داخل
الجیش یعمل تحت إشراف مبارك، وطالبوا بحلھ بالإضافة إلي عدم الاعتماد الكامل في التسلیح
علي الولایات المتحدة الأمریكیة.. فتحفظ علیھم السادات إلا أن زملاءھم أجبروا السادات علي
الإفراج عنھم، ما جاء في تقریر المعلومات المسربة، یشیر بوضوح إلي أن مبارك عرف مبكراً
المؤامرات ومغازلة أجھزة الاستخبارات في سبیل البقاء علي الكرسي، خاصة أن تلك الأجھزة
ھي التي أدارت علاقاتھ مع رجال البیزنس من العرب والأجانب.
ومن المفارقات العجیبة أن الأشخاص الذین یعرفون جمیع التفاصیل، عن العلاقات الغامضة مع
المخابرات وعلاقات البیزنس والعمولات، یقفون خارج دائرة الأحداث المشتعلة، والتاریخ لن
یغفر لمن عرف والتزم الصمت فھل یتحدث كل من أشرف غربال ومنصور حسن.. أم ستموت
الحقائق بالصمت؟ أم أن الأمر مرتبط بعلاقات خاصة بین مبارك والذین یعرفون الحقائق
ویصمتون.
اللافت للنظر، قبل غضب السادات وأسرتھ، عقب تناول منصور حسن لتقریر عن عدد من
الفضائح، لم یسترد مبارك قوتھ مرة أخري، والصراع بین الرئیس ونائبھ وصل لمنطقة
ضبابیة.. السادات لا یرید إحداث بلبلة بإخراج مبارك بشكل سریع.. والأخیر یدیر لعبتھ وفق
اتفاقاتھ مع ریتشارد آلن.. لكن ھذه الفترة الشھور التسعة الأخیرة من حكم السادات.. شھدت
عودة قویة لسید مرعي الذي نصح الرئیس السادات بالتروي قبل اتخاذ قرار بشأن نائبھ..
وقرر السادات وفق نصائح صھره مرعي، تشكیل ھیئة مستشاري الرئیس لتقلیص سلطات
منصب وزیر شئون » وزیر الثقافة » مبارك، أما منصور حسین فتولي إلي جوار منصبھ
الرئاسة، وحصل علي صلاحیات واسعة، بحیث لا تصل ورقة من الحزب أو الحكومة أو الجیش
إلي الرئیس قبل وصولھا لمنصور حسن، وفرض الرقابة علي حسني مبارك، وھذا یساعد علي
التخلص منھ وبالتالي المشیر أبوغزالة وبدأت الكراھیة تعرف طریقھا من السادات وزوجتھ
إلي النبوي إسماعیل، لكن كان التخلص من النبوي مشوباً بالمخاطر، لأن لدیھ قوات أمن
مركزي، التي تشكلت للحفاظ علي النظام وھي تأتمر بأمره.. لكن الأمر كان یحتاج لبعض
الوقت، وزادت الكراھیة نتیجة للرقابة الصارمة علي تصرفات أسرة السادات من النبوي
إسماعیل.. ھذه التقاریر المسربة من أجھزة الاستخبارات عرفت طریقھا إلي النشر منذ ٣٠
عاماً، وتناولت الكثیر من المعلومات التي تخص الأمن القومي، تحتاج للنظر إلیھا والتحقق
منھا، فھي أخطر بكثیر من تضخم الثروات أو تھریب الملیارات، لأن الأمر یطرح تساؤلاً في
غایة الأھمیة.. ھو كیف كانت تحكم مصر.. ومن الذي كان یحكمھا.. خاصة إذا ما علمنا، أن
إلي آخرین في عھد مبارك، وھو ما C.I.A الأمر لا یتعلق بمبارك نفسھ، فقد امتدت أیادي ال
كشف عنھ الستار، بوب وود ورد في كتابھ عن الحروب الخفیة للمخابرات.. وأشار فیھ إلي
تجنید أحد المقربین من دائرة الرئیس وفي مكتبھ بمعرفة المخابرات المركزیة الأمریكیة..
منفذي ضرب الباخرة « وكشف فیھ قصة الابلاغ عن الطائرة التي أقلت المجموعة الفلسطینیة
ولأن مبارك یعرف لغة المؤامرات، أوصي بأن من أبلغ المخابرات الأمریكیة ھو ،» إیفلي لاورو
أبوغزالة لحرقھ!
إذن القصة مرتبطة بالثروة والتخابر للوصول إلي السلطة وتحقیق الثروة عن أجل ذلك استغل
مبارك سوء العلاقات بین السادات والأنظمة العربیة، وغضب واشنطن منھ، فأراد تصعید
الصدام بطریقة غامضة.. خاصة أن بدایة الانھیار في علاقات السادات داخلیاً وصلت مداھا..
لكن انھیار العلاقات في مؤسسة الرئاسة ھو الذي كان مؤشراً خطراً علي السادات، استثمره
نائبھ لصالحھ.. فقد وصل مدي ھذا الانھیار إلي الدوائر الأخري المحیطة بالرئاسة، وھو مجلس
مع نواب المعارضة ،» الموالین لتنظیم مبارك « الشعب إذ تمرد ٣٥ نائباً من حزب السادات
وإبراھیم شكري لمقاطعة إحدي جلسات البرلمان، التي قرر السادات أن یستضیف فیھا
رئیس إسرائیل أثناء زیارتھ للقاھرة، وأجبر السادات علي إلغاء خطاب فانون » إسحاق فانون «
من مجلس الشعب من برنامج الزیارة.
كان تمرد نواب حزب السادات مرحلة أولي لنجاح مبارك في تكتیكھ ضد الرئیس، كنوع من
الاستفزاز والبدء في حملة اعتقالات لتأدیب المعارضة، والخارجون عن طوعھ من أعضاء
حزبھ.. وھو ما جري لتلتف الدائرة حول عنق السادات، وینتھي الأمر بعدھا بشھور قلیلة، لأن
یغتال.. ومبارك وأبوغزالة بجواره، ھذا ھو مبارك الذي حكم مصر ٣٠ سنة، وقبل أن یحكمھا
تسربت تلك المعلومات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق