النص الكامل لملخص تقرير لجنة تقصي الحقائق حول ثورة 25 يناير
–7-
)الجزء السادس(
التوصیات
بعد نجاح الشعب المصري في تغییر نظام الحكم الذي استمر أكثر من ثلاثین عاماً و بعد قیام
لجنة التحقیق وتقصى الحقائق بإتمام أعمالھا ،تجيء
لحظات الحساب مع النفس ،
لمعرفة ،
كیف یمكن لمصرنا الحبیبة أن تسمو فوق جراحھا و أن تجنى من تضحیات أبنائھا ،
مستقبلا
عریضا ملیئا بالآمال و الطموحات . و ھناك سؤالان أساسیان ستدور إجابة و توصیات لجنة
تقصى الحقائق حولھما وھما ،
لماذا حدث ما حدث ،
و ما ھي التوصیات المقترحة.
و قبل سرد مرئیات اللجنة القومیة لتقصى الحقائق تود اللجنة التنویھ إلى أن ثورة ٢٥
ینایر
أعطت الأمل لكافة المصریین في المستقبل و بأن الآتي أفضل من الفائت و أن بإمكان شباب
مصر النھوضبھا إلى أعلي علیین. ولقد تبدى ذلك في السلوك المتحضر للمتظاھرین في
میدان التحریر ،
من شباب و شیوخ و رجال و نساء ،
في تحمل الصعاب و الإصرار على
تحقیق مطالبھم و إسقاط النظام وذلك بعزم لا یكل وبشكل سلمى وفى تلاحم الجمیع مسلمین و
مسیحیین وكذلك في تنظیم المعیشة و تنظیف المكان و العمل على إزالة المخلفات و في علاج
المصابین و إنشاء المستشفیات المیدانیة التي تطوع لھا خیرة أطباء مصر أكد كل ذلك على أننا
قادرون على فعل الأفضل. لقد كانت ثورة ٢٥
ینایر في میدان التحریر وطنا مصغرا یسیر إلى
الأمام حاملا تراث ھذه الأمة الحضاري و الثقافي و الروحي و مداعبا آمال المصریین
في النھوضمرة ثانیة كما فعلوھا في السابق.
لقد أكد ھؤلاء الثائرون تلاحم عنصري الأمة و أرسوا المواطنة فكرة و تطبیقاً في أرقي
درجاتھا بحیث یكون الولاء مؤسسا على الوطن. ولقد ابرز من تواجدوا مع الثوار في میدان
التحریر كیف كان الأقباط المسیحیون یشكلون سیاجا حول المسلمین ،
لیتمكنوا من تأدیة
الصلاة في ھدوء نظرا لشدة الزحام وروى البعض أنھم رأوا شابا یصب الماء على ذراع آخر
یتوضأ، و تكون المصادفة التي لم تكن مفاجأة للراوي أن یلاحظ صلیبا طبع على رسغ الشاب
الذي یصب الماء.
و لقد جاءت ثورة الشباب في لحظة استرخاء كانت الدولة تتحسب إلى أن بعضالممانعة من
الممكن أن تعلن عن نفسھا لو أن النظام طبق التوریث كما كان متوقعا في شھر نوفمبر القادم ،
ورغم ذلك فلم یكن احد یتوقع ھذه المساحة من الغضب الشعبى الكامن في قلوب الجماھیر . و
لا شك أن القراءة الخاطئة للرأي العام و عدم الاستجابة لھ في الوقت الملائم من الأسباب
الھامة لثورة ٢٥
ینایر ٢٠١١
ومن ھنا تبرز أھمیة الرأي العام في إرشاد القیادة السیاسیة إلى
مطالب الجماھیر المشروعة.
إن من أبرز الأسباب المتراكمة التي أدت لثورة ٢٥
ینایر ،
إھمال الحكومات المصریة
المتعاقبة الرأي العام و قراءة منحنیاتھ وقیاسھ و اتخاذه ھادیا و مرشدا لھا في وضع سیاساتھا
العامة و تحدید القواعد الدستوریة التي تتسم و الروح السائدة للنظام السیاسي، وكیفیة
مشاركة الجماھیر في العملیة السیاسیة ،
إذ أن نتائج تلك المشاركة تعكس - عادة - آراء
شرائح المواطنین الذین لدیھم الرغبة و القدرة على المشاركة الفعلیة ،
ویكون الرأي العام
مرشداً للقیادة السیاسیة ،
ومؤشراً للتأیید الشعبي أو الرفض الشعبي ،
وھادیا للساسة نحو
الطریق الذي یحقق للشعب السعادة و الرفاه. ولذلك تعمل الأنظمة الدیمقراطیة المعاصرة على
تمكین الجمھور من الاطلاع على الوثائق و المستندات الحكومیة و قواعد البیانات و
المعلومات المتاحة لدیھا، ما لم تكن في ذلك خطورة على الأمن القومي للدولة . و یعانى النظام
المصري من حجب المعلومات بدون سبب واضح ،
مما أدى إلى عزوف المواطنین عن
المشاركة السیاسیة ،
و تعرضالدولة لحركات سیاسیة مفاجئة كالذي حدث في ٢٥
ینایر.
ومع ارتفاع الأسعار و ضعف الأجور زادت الوقفات الاجتماعیة و المطالبة بزیادة الأجور
لمواجھھ المتطلبات الضروریة للحیاة ،
فكانت مؤشرا صادقا لسخط الجماھیر التي سارعت إلى
المشاركة في الثورة حتى و أن كانت قد بدأت لأسباب سیاسیة.
و یمكن تقسیم الأسباب الدافعة إلى ثورة ٢٥
ینایر ٢٠١١
- حسبما تداولتھ وسائل الإعلام
المرئیة و المقروءة و المسموعة - إلى أسباب اجتماعیة / اقتصادیة و أخرى
سیاسیة / إعلامیة.
أولا : الأسباب الاجتماعیة- الاقتصادیة لثورة ٢٥
ینایر
لا شك أن الجماھیر المصریة لم تتحرك بوحي من مطالب التغییر السیاسي فقط ولكن بإلحاح
من ظروفھا المعیشیة ووضعھا الاقتصادي الصعب أیضا . و یرجع الاقتصادیون أسباب تنامي
الفجوة بین الأغنیاء و الفقراء إلى التوزیع غیر العادل للناتج القومي فقد توسع دور القطاع
الخاصكبدیل عن القطاع العام ،
لكن الملاحظ أن القطاع الخاصأھمل تماما البعد الاجتماعي
للتنمیة و قصر نشاطھ على القطاعات الخدمیة و التسویقیة و أنشطة الاستیراد و ظھرت طبقة
اجتماعیة مصالحھا تتعارضمع وجود صناعات وطنیة ،
ولقد حصل القطاع الخاصعلى ما
یعادل ٧٥
% من إجمالي إقراضالبنوك المصریة علاوة على الاستثناءات و الإعفاءات
الضریبیة . و انحسر دور القطاع الحكومي في أن یكون دورا تكمیلیا أو تسھیلیا أو تخدیمیاً
للقطاع الخاص، إذ لم یزد الإنفاق الاستثماري الحكومي عن ١٠
% من إنفاق الموازنة.
بخصوصھذه الطائفة من الأسباب یلاحظ أن الاقتصاد المصري نما بشكل جید إلا أن أغلب
المصریین لم یشعروا بأنھم قد نالوا حصتھم العادلة من نتیجة ھذه النمو. بدلا من ذلك رأوا
رجال أعمال أثریاء لھم علاقات بالحزب الحاكم تخولھم اغتراف ثروات البلاد وساد الفساد
الحیاة المصریة فقضى على كل بارقة أمل. و لا ینكر منصف انھ في عھد الرئیس الأسبق
اتسعت الھوة أو الفجوة بین من یملكون ومن لا یملكون اتساعا مھولا. و لو أن أموال الأثریاء
صرفت في داخل مصر لخلق وظائف جدیدة أو منتجات جدیدة لھان الأمر. لكنھا للأسف كانت
تنفق على المظاھر و الأبھة في الوقت الذي یقف المواطن الشریف في طابور الخبز ،
و في الوقت الذي یجنى فیھ عدد كبیر من النخبة الرأسمالیة دخولاً ضخمة دون عنت ،
لا یجد
الموظف العام أو العامل العادي قوت یومھ أو قوت عیالھ فھل ھناك ما یبعث على الثورة أكثر
من ذلك؟ فضلا عن أن معظم ھذه الأموال قد ھربت إلى بنوك أوروبا و الشرق الأوسط ،
فحرمت الجماھیر من فرصة عمل تقیم أودھم ،
بإعادة استثمار ھذه الأموال داخل الدولة.
و قد ساعد على اتساع الھوة بین من یملكون و من لا یملكون عدة عوامل أھمھا:
1- سوء توزیع الناتج القومي.
2- انتشار الفساد الاقتصادي و الادارى.
3- بیع القطاع العام وما صاحبھ من إھدار المال العام.
4- البطالة التي تزایدت بتزاید عدد السكان و ضعف الاستثمار.
5- ضعف التعلیم و انخفاضإعداد العمالة المھنیة المدربة و استبدال عمالھ مدربة غیر مصریة
بالمصریین.
و في تقدیر اللجنة أن ثورة ٢٥
ینایر لھا أسباب ترتبط بمظالم حقیقیة یعیشھا قطاع عریضمن
الشباب بسبب البطالة و الفساد و التفاوت الحاد في الدخول و الثروات و لم تكن تلك الأسباب
بحاجة إلى سبب مباشر و ھو أن یعرف الشعب أن النظام – أي نظام - لن یستطیع قتل كل
مواطنیھ و انھ لیس مجدیا في شئ قتل معارض أو أكثر لأن خلفھم الآلاف من المتظاھرین
الذین سیزدادون شراسة لو قتل أحد منھم ،
و ھذه القاعدة البسیطة ھي جوھر انتصار أي
حركة شعبیة تسعى للتغییر على أرضاٍلواقع( لأنھا تحمل عدة دلالات ): فالعنف لھ حدود و لم
یعد یصلح أداة لقھر الشعوب.
ثانیا : الأسباب السیاسیة - الإعلامیة لثورة ٢٥
ینایر
أما عن المجموعة الثانیة من الأسباب و ھي الأسباب السیاسیة والإعلامیة لثورة ٢٥
ینایر ،
فأبرزھا:
1- قانون الطوارئ و انتھاك حقوق الإنسان و المواطن
دأبت الحكومة على مد العمل بقانون الطوارئ . فكل عامین یأتي الموعد السنوي المحدد بتمدید
حالة الطوارئ و تخرج مصر إلى الشوارع لتقول لا لمد حالھ الطوارئ ومع ذلك یصر
الرئیس و نظامھ و مجلس شعبھ على مخالفة رأى الشعب و تمدید حالة الطوارئ و
كأن شعبا بأكملھ لم یعترض أو لا وجود لھ. و ربما یكون قانون الطوارئ ھو السبب الأكبر
لسخط الناس . فعلى أساسھ تتم الاعتقالات و یشعر المواطن المصري دائما بأنھ تحت رحمة
ضباط أمن الدولة ،
و أباطرة الحكم وحملة مباخره. فلقد عاشت مصر تحت قانون
الطوارئ رقم ١٦٢
لعام ١٩٥٨
منذ ١٩٦٧
، باستثناء فترة انقطاع لمدة ١٨
شھرا في أوائل
الثمانینات . و بموجب ھذا القانون توسعت سلطة الشرطة، و علقت الحقوق الدستوریة، و
فرضت الرقابة . وقید القانون بشدة أي نشاط سیاسي غیر حكومي مثل: تنظیم المظاھرات و
التجمعات السیاسیة (غیر المرخصبھا)، و حظر رسمیا أي تبرعات غیر مسجلة . و
بموجب ھذا القانون احتجز كثیر من المواطنین و لفترة غیر محددة لسبب أو بدون سبب واضح
،
و بمقتضى ھذا القانون أیضا لا یمكن للمواطن الدفاع عن نفسھ و تستطیع الحكومة أن تبقیھ
في السجن دون محاكمة .و تعمل الحكومة على بقاء قانون الطوارئ بحجة الأمن القومي ،
و
تستمر الحكومة في ادعائھا بأنھ بدون قانون الطوارئ فإن جماعات المعارضة یمكن أن یصلوا
إلى السلطة في مصر . ویرى مؤیدو الدیمقراطیة في مصر أن ھذا یتعارضمع مبادئ و أسس
الدیمقراطیة و التي تشمل حق المواطنین في محاكمة عادلة و حقھم في التصویت
لصالح أي مرشح أو الطرف الذي یرونھ مناسبا لخدمة بلدھم.
2- ضعف الأحزاب السیاسیة و النقابات و منظمات المجتمع المدني و سیطرة الدولة علیھا
تعد الأحزاب السیاسیة الحقیقیة – لا الورقیة- خیر معبر عن اتجاھات الرأي العام فالأحزاب
السیاسیة تعمل جاھدة على تكوین قاعدة للمعلومات الصحیحة عن القضایا الجماھیریة المثارة
. و لا شك أن تنافس الأحزاب السیاسیة ،
یؤدى إلى كشف الحقائق ،
حتى و لو حاول
المسئولون إخفائھا . و من ثم فان النظم السیاسیة التي لا تسمح بتكوین الأحزاب السیاسیة –أو
تسمح بتكوین أحزاب صوریة - تفقد كثیراً من حیویات و فعالیات المنافسة ،
و بذلك یتكون
فیھا رأى عام مضلل ،
أو مغرر بھ ،
یكون في المحصلة النھائیة و بالا على النظام السیاسي
نفسھ . و إذا كان للأحزاب السیاسیة ھذا الدور المؤثر في تكوین الرأي العام و تحدید اتجاھاتھ
فلا شك أن ھناك منظمات أخرى لھا تأثیر كبیر أیضا في تشكیل الرأي العام من بینھا النقابات
على شتى أنواعھا و قد نالھا الوھن ھي الأخرى فالنقابات العمالیة سیطرت علیھا الحكومة و
الحزب الحاكم بكافة الوسائل ،
و النقابات المھنیة أضعفھا القانون رقم 100 لسنة
٢٠٠٠ - الذى قضى بعدم دستوریتھ مؤخراً- كما أضعفھا التشاحن بین قیاداتھا
فتقلصأداء بعضھا ووضع البعضالآخر تحت الحراسة ،
و أصبحنا لا نسمع إلا
صوت الحزب الوطني . و بعد الانتخابات الأخیرة لمجلسي الشعب و الشورى و
استبعاد القوى المعارضة - مھما كانت شكلیة أو رمزیة - تحولت مصر- واقعیا- إلى نظام
الحزب الواحد كما أصاب الضعف أیضا منظمات المجتمع المدني بالتضییق علیھا ووصمھا
بالعمالة للخارج و الحیلولة بینھا و بین رصد الحقائق عن النظام السیاسي المصري.
لقد قامت ھذه الثورة بسبب انسداد القنوات الشرعیة للتعبیر عن الرأي الأمر الذي یعنى
ببساطة أن أي غضب على أوضاع مصر لا مجال أمامھ إلا أن تخرج الناس إلى الشارع للتعبیر
عن غضبھا لان جمیع آلیات التعبیر السیاسي الفاعلة الأخرى لم تعد مجدیة ،
كل ذلك في ظل
ثورة المعلومات ووسائل الاتصال التي أصبح بإمكان ھذه الجماھیر الغفیرة أن تجیش أعدادا
ھائلة من الشباب عن طریق "الفیس بوك" شبكة التواصل الاجتماعي و من ثم أصبحت ھي
البدیل عن الأحزاب السیاسیة وھى المكون الفاعل فى تكوین الرأي العام خاصة المنصف منھم
. وھو ما قاد إلى التقاء الرؤى و توحدھا في ثورة ٢٥
ینایر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق