كيرلس عمود الدين..قديس له أنياب
روبير الفارس
روز اليوسف
ربما لم تستطع الرواية أن تحسم الجدل حول شخصيته.. لكنها على أقل تقدير حددته، بعد أن كان قابعا داخل كتب التاريخ! .. كانت هذه هى الحال التى أثارتها رواية «عزازيل» للدكتور يوسف زيدان من أكثر من جانب، سواء على مستوى الأحداث أو مستوى الشخوص التى كان أبرزها بلا استثناء، شخصية البابا «كيرلس» - عمود الدين - الذى قدمته الرواية كـ «مهيج» للجماهير ضد الفيلسوفة «هيباتيا»، فهل هناك أثر لهذا الجانب من شخصيته فى المصادر المسيحية التى تحدثت عن البابا كيرلس؟!
الصورة التى تقدمها موسوعة «ويكبيديا» عن البابا كيرلس عمود الدين نقلا عن كتاب الكنيسة «السنكسار»: «كيرلس الأول (160 للشهداء - 444 ميلادية) البابا رقم ,24 والملقب بـ «عمود الدين ومصباح الكنيسة الأرثوذكسية» كان ابن أخت ثاوفيلس بابا الإسكندرية رقم 23 وتربى عند خاله فى مدرسة الإسكندرية وتثقف بعلومها اللاهوتية والفلسفة اللازمة للدفاع عن الدين المسيحى والإيمان الأرثوذكسى وأقوال الآباء، وروض عقله بممارسة أعمال التقوى مدة من الزمان. ثم بعد أن قضى فى البرية خمس سنوات أرسله البابا «ثاوفيلس» إلى الأب «سرابيون» الأسقف، فازداد حكمة وعلما وتدرب على التقوى. وبعد ذلك أعاده الأسقف إلى الإسكندرية، ففرح به خاله كثيرا ورسمه شماسا وواعظا فى الكنيسة وكاتبا له! لكن بعد ذلك - وفقا للموسوعة - فإن البابا كيرلس عمود الدين بعد أن أصبح بطريركا قام بالتحريض على قتل اليهود وكهنة الديانات الأخرى والمتعبدين فى المعابد الوثنية القديمة وسرقة التماثيل الذهبية منها.. وأوحى بقتل أصحاب الفكر غير الأرثوذكسى، حتى تمكن من قفل كنائسهم والاستيلاء على مقتنياتها الذهبية! ثم أمر بطرد اليهود من الإسكندرية، فقام قتال وشغب شديد بين اليهود والمسيحيين، وتسبب ذلك فى اتساع النزاع بينه وبين الوالى، وقد أشارت الموسوعة إلى أن مصدرها هو كتاب السنكسار للكنيسة القبطية. وهو كتاب يحتوى على سير قديسى الكنيسة حسب أيام السنة، ويقرأ منه فى القداسات، ولكن كتاب السنكسار وتحت يوم 3 من شهر أبيب وهو موعد نياحة - رحيل - القديس كيرلس عمود الدين لا يذكر التفاصيل التى جاءت بالموسوعة حول التحريض، حيث استخدم لغة أكثر هدوءا! وبحسب المذكور فإن الكنيسة استضاءت بعلومه حيث وجه عنايته لمناهضة العبادة الوثنية والدفاع عن الدين المسيحى، وبدأ يرد على مفتريات الإمبراطور يوليانوس الكافر فى مصنفاته العشرة التى كانت موضع فخر الشباب الوثنيين بزعم أنها هدمت أركان الدين المسيحى، فقام البابا كيرلس بتفنيدها بأدلته الساطعة وبراهينه القاطعة وأقواله المقنعة، وطفق يقاوم أصحاب البدع حتى تمكن من قفل كنائسهم والاستيلاء على أوانيها، ثم أمر بطرد اليهود من الإسكندرية فقام قتال وشغب بين اليهود والنصارى وتسبب عن ذلك اتساع النزاع بين الوالى والقديس!
وإذا ما بحثنا فى مصدر مسيحى آخر ذى ثقل كبير عند الأقباط وهو كتاب «تاريخ الكنيسة القبطية» للمؤرخ الكنسى القس منسى يوحنا نجده يقول: وقت تولى هذا البطل كرسى البطريركية كان فى مدينة الإسكندرية كثيرون من الهراطقة واليهود الذين عظمت شوكتهم وصار لهم نفوذ عظيم.. فالهراطقة تقووا بسبب تظاهرهم بالعبادة الشاقة حتى صار لهم أسقف خاص يدعى «ثيويمتوس» واليهود جعلت لهم الرشوة مكانة عند الولاة والقضاة. فبدأ هذا البطريرك جهاده باضطهاد النوفاسيين اتباع نوفاسيانوس الهرطوقى الذين كانوا يأبون أن يحلوا الناس من خطاياهم فناصبهم وأوضح لهم سوء معتقدهم الذى يجعل الله جلت قدرته عديم الرحمة؛ ولما لم يرتدعوا عن غيهم ألزمهم بالخروج من المدينة وطرد أسقفهم وجرده من جميع أملاكه ومقتنياته وأخذ منه ذخائره التى كانت تحت يده. أما اليهود فمع أنهم أفرغوا كنانة جهدهم حتى يفسدوا عقول الحكام والولاة بالهدايا، لكنهم لم يفحلوا. وبالنسبة لكراهيتهم الشديدة للبابا كيرلس أشاعوا ذات ليلة أن النار اشتعلت فى كنيسة القديس إسكندر فالتزم المؤمنون بناء على هذا الخبر أن يبادروا إليها من كل جهة زاحمين الشوارع كبارا وصغاراً مسرعين لإطفاء النار.
فانتهز اليهود هذه الفرصة وشرعوا يفتكون بهم ويهدرون دماءهم بقسوة ووحشية، ولما اتضحت جلية الأمر صباحا قامت قيامة المسيحيين وعزموا على الانتقام من اليهود، ولما لم يقدر البابا أن يمنعهم تنازل لهم بعد عناء شديد بأن يكتفوا بطردهم من المدينة دون أن يمسوا أحدا بضرر فطردوهم وهدموا كل مجامعهم واستولوا عليها وعلى ما فيها!.. ولما بلغ الأمر لـ «ورستا» والى المدينة، لام البطريرك على ذلك، فأخبره أنه لولاه لجرت دماء اليهود فى الشوارع كالأنهار، وفى هذا الحين أيضا جرت حادثة الفيلسوفة «هيباتيا» الشهيرة التى غدر بها بعض الطائشين دون تروى، ودون علم البابا كيرلس مطلقا!.. وهذه الحوادث جرت فى بدء رئاسة البابا كيرلس ثم اشتغل بعدها بوضع مقالات وميامر حتى إن أكثر رؤساء الإسكندرية استخدموا نساخا لينقلوا إليهم ما وضعه هذا البطريرك! ونلاحظ هنا أن القس منسى يوحنا يبرئ البابا كيرلس تماما من حادثة مقتل «هيباتيا» لكن هذا يقودنا فى المقابل لشهادة مثقف كبير له قدره ومكانته، هو نيافة الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمى والدراسات القبطية. حيث كان قد أثار هذه القضية الدكتور زكى نجيب محمود فى مقال له بالأهرام، مما جعل أحد الأقباط يسأل الأنبا أغريغوريوس حول تسبب البابا كيرلس عمود الدين فى قتل واحدة اسمها هيباتيا وكان ذلك فى 25 يناير ,1984 حيث قال الأنبا أغريغوريوس:
هذه القصة وردت فى بعض كتب التاريخ، أنا قرأت هذا المقال قبل ذلك، والدكتور زكى نجيب مر على القصة بسرعة، وهو فى الواقع يذكرها ضمن ما ورد فى بعض كتب التاريخ، أنه نسب إلى البابا كيرلس الأول عمود الإيمان أنه تسبب فى قتل واحدة فليسوفة اسمها هيباتيا. وهذا الكلام أيضا ورد فى بعض الكتب، لكن هل هو حقيقى أم لا؟ نحن نستبعد أن يكون البابا كيرلس تسبب فى قتل هذه الفيلسوفة أو هذه المفكرة، أو هذه الإنسانة التى اسمها هيباتيا. وإن كان من الصعب أن يرجع الإنسان إلى التاريخ، وبالتالى من الصعب أن يقيم الإنسان الأحداث التاريخية ويعرف ظروفها وملابساتها، ومن الصعب أيضا أن الإنسان يتحقق من أى اتهام يكتبه بعض المؤرخين، أو بعض الناس، فالدكتور زكى كان يتكلم عن الناس المتشددين أو الذين يتعصبون لأفكارهم، ونتيجة لهذا لايعطى فرصة لآخرين منا يرون رأيا آخر، غير الرأى الذى يكون فى أزمنتهم. هو يتكلم عن قضية إنسانية عامة وأشار إليها إشارة خفيفة، لأنه هو فى الواقع لم يقصد هذه المسألة فى ذاتها. إنما هو قصد أن يعالج الأمور الحاضرة فى مصر، فى الواقع الذى يقرأ سلسلة المقالات التى يكتبها الدكتور زكى نجيب محمود، يعرف أن الرجل يعالج قضية عامة فى مصر، وهى قضية التطرف الدينى، وما أصابه هو شخصيا من اتهامات، فالذى قرأ عددا من هذه المقالات يلاحظ أن الرجل فى عدد من المقالات وليس مقالة واحدة، يمس قضية التطرف الدينى الخاص فى مصر، وتشدد بعض الشخصيات الدينية القيادية، وأنهم مسئولون فى تصريحاتهم عن تأليب الجماهير، وهذا الكلام واضح.. الإنسان منا قادر أن يفهم لماذا قال هذا الكلام، فهذه الإشارة فى موضوع البابا كيرلس الأول عمود الدين وإلى هيباتيا، وكل ما يمكن أن يقال أنه فى العصور القديمة الأولى تعرضت المسيحية لمهاجمات من الوثنيين كثيرة جدا، ولذلك وجدنا أن آباء الكنيسة الأوائل كتبوا كتبا، كلها فى هذا الوقت بالذات كانت عبارة عن ردود ودفاع عن المسيحية ضد الاتهامات التى وجهت إليها، ولذلك نجد عددا من الدفاعات.. فمثلا أثيناغوراس كتب كتابا يدافع فيه عن المسيحيين، ويوستينوس، كتب كتابا يدافع عن المسيحيين وأوريجينوس كتب كتابا ضخما موجودا الآن فى ثلاثة مجلدات كبيرة يرد على فيلسوف اسمه كلسس الأبيقورى، والحمدلله استطاع أن يصمت صوت كلسس، بل زاد على ذلك أن كلسس نفسه اقتنع بما قاله أوريجينوس وتحول إلى الديانة المسيحية وألف فيها كتبا، وكان يرد على أمونيوس السقاص، المسيحية كانت ديانة ناشئة، فكان طبيعيا أن تكون هناك تيارات فكرية تهاجمها وكانت تسخر منها، ومن ضمن موضوعات السخرية على المسيحيين على سبيل المثال، موضوع «قيامة الأموات»، خصوصا فى زمن كان فيه العلم قد وصل لمرحلة يشعر فيها المراقبون أنه من المستحيل علميا أن الجسد بعد أن يتحلل ويعود إلى عناصره الأولية يقوم من جديد، فالفكرة الآن عندنا ردود عليها وواضحة فى أذهاننا، لكن فى العصور القديمة كانت موضع نقد وسخرية، فكانت موضوع هجوم على الديانة المسيحية، اليوم نحن نرددها فى قانون الإيمان وأصبحت حقيقة، خصوصا أن جميع المصريين يؤمنون بقيامة الموتى سواء كانوا مسيحيين أو غير مسيحيين، إنما فى هذا الوقت كان موضوع قيامة الموتى موضوع مجالا للسخرية، بأى عقيدة، فيقولون كيف يبلغ المسيحيون من الغباء بحيث يمكن أن يتصوروا أن الجسد بعد أن يتحلل إلى عناصره الأولية، ويتحول إلى تراب يقوم من جديد. ولذلك كتب أثيناغوراس كتابه الثانى وأخذ يرد على هذه الاتهامات والأسانيد التى كان يستند إليها الساخرون من الديانة المسيحية على موضوع قيامة الموتى، وحتى فى عصر قسطنطين الملك بعد المنشور الذى قرر فيه الاعتراف بالديانة المسيحية، واعتبارها إحدى الديانات التى تعترف بها الدولة، لم تكن المسيحية هى الديانة الوحيدة أو ديانة الدولة، بل كانت إحدى الديانات التى تعترف بها الدولة، فبعد أن كان المسيحيون يمارسون عباداتهم فى الخفاء وتحت الأرض، وكانوا يطاردون، أصبحت الدولة تعترف بأن هناك ديانة اسمها الديانة المسيحية، ومن حق المسيحيين أن يعبدوا إلههم بالطريقة التى يرونها. لكن حتى بعد قسطنطين كانت هناك مناكفات كثيرة واتهامات كثيرة، فكل حياة أثناسيوس الرسولى 50 سنة، كلها قضاها فى الدفاع ضد مذهب الأريوسيين، وأثناسيوس فى مقاله كان يرد على الأريوسيين واليهود الذين انضموا إليهم، وأيضا من الموضوعات موضوع التثليث، لأن اليهودية تعتقد بالتوحيد، فظنوا أن مبدأ التثليث مبدأ يتعارض مع التوحيد فانضم اليهود إلى أريوس وإلى الأريوسيين ضد الديانة المسيحية، أو ضد أثناسيوس الرسولى أو ضد الكنيسة الأرثوذكسية، وأيضا الوثنية كانت لاتزال قوية جدا فى أيام أثناسيوس الرسولى، لأن شعبنا خصوصا فى الصعيد كان تمسكه شديدا بديانة الآباء لاتتصورا أنه فى القرن الرابع للميلاد كانت مصر كلها مسيحية أبدا، كانت المسيحية لاتزال قليلة جدا، بل على العكس الأريوسية اجتذبت كثيرا من المسيحيين، لذلك نحن نعتبر أن أثناسيوس الرسولى وهو البابا العشرون من بطاركة الإسكندرية وهو مؤسس المسيحية الثانى، ولذلك قالوا له إن العالم كله ضدك، وسمى الرأس العنيد الذى وقفت ضده كل هذه التيارات العظيمة، ولعل هذا عذر قسطنطين لأنه كحاكم للعالم فى ذلك الوقت، كان مضطرا أمام الموقف الصعب الذى أصبح فيه أثناسيوس، فماذا يصنع الإمبراطور الذى يحكم ملايين من الناس وإمبراطورية ضخمة جدا، أغلبهم ضد أثناسيوس الرسولى، فعلى الرغم من إعجابه الشخصى الذى دفعه فى مرة أن يمسك يده ويقول له «أنت بطل كنيسة الله» على الرغم من هذا اضطر قسطنطين أن ينفى أثناسيوس الرسولى خمس مرات، أنت نفسك عندما تجد فى أى مكان واحدا تجمع عليه الناس وأخذوا يضربون فيه، فأفضل خدمة يمكن أن تؤديها لهذا الإنسان، أن تأخذه منهم وتعزله فى مكان بعيد لتخلصه من الجماهير، فأثناسيوس الرسولى أول من نفاه هو قسطنطين، ولكن قسطنطين كأمبراطور بلاشك - وإن كان هذا أنت اليوم تقول على ذلك أن هذا خطأ - أنا أقول أنه كان معذورا لأنه كحاكم للبلد يهمه الأمن والاستقرار، ودائما الحاكم يهتم برأى الأغلبية، فهو لا يستطيع أن يحكم العالم بالأقلية، وفى نفس الوقت يعتبر نفى أثناسيوس خدمة لأثناسيوس نفسه، لأنه عندما يتركه للجماهير قد تفتك به الجماهير، فكان أفضل طريقة لإنقاذ أثناسيوس هو أن ينفى أثناسيوس ويعزله من وسط الجماهير.
أريد أن أقول صعب جدا أن ترجع التاريخ وتحيا التاريخ، أنت فى القرن العشرين، فليس من المعقول أبدا أنك تقدر أن تعيش الحقيقة فى القرون الأولى ولاتقدر أبدا أن تقدر مدى الكفاح والنضال الذى عاشوه هؤلاء الأبطال، أريد أن أقول أنه يصح جدا أن هيباتيا هذه كإنسانة أو فيلسوفة وكمفكرة، كانت من ضمن الناس الذين هاجموا المسيحية أو تكلموا ضدها، فالبابا كيرلس الأول عمود الإيمان، وكان أيضا أمامه تيارات كثيرة جدا، ومنها تيارات نسطور، والبابا كيرلس الأول يعد هو البطل فى زمن نسطور، وهو الذى قضى على البدعة النسطورية، وكانت هناك أيضا تيارات مختلفة، والوثنية كانت مازالت موجودة، فقد يكون البابا كيرلس عمود الإيمان رد على هيباتيا التى قد تكون تعرضت لإهانة الدين أو السخرية منه، فتهيج الشعب فقامت الجماهير وقتلتها، أى أن البابا كيرلس نفسه، لم يأمر بأن تقتل.. هذا أمر مستبعد تماما، إنما كل ما هنالك أنه رد عليها، فهناك البعض من الجماهير هى التى تهيجت وهى التى قامت بهذا العمل، وهذا يحدث فى كل وقت من الأوقات، وفى أى عصر من العصور، القيادة الكبيرة تقول كلمة، فيحدث أن تندفع الجماهير، ويحدث تطرف وخطأ من الأفراد، وينتج عن هذا فعل، أن هذا الإنسان يقتل أو يعذب، لكن ليس معنى ذلك أن كيرلس الأول هو الذى قتلها، إنما المؤرخون السطحيون نسبوا إلى الرأس ما يمكن أن ينسب إلى الناس، مثل كلمة بنى الأمير المدينة، فالأمير لايبنى المدينة، إنما الأمير يأمر فيقوم المهندسون والبناءون بالعمل، إنما الرئيس دائما هو الذى ينسب إليه كل شىء. وعندنا قوانين الكنيسة نقول قوانين أثناسيوس الرسولى، وهى ليست قوانين البابا أثناسيوس الرسولى إنما هذه قوانين المجمع برئاسة البابا أثناسيوس الرسولى، فيستبعد طبعا أن كيرلس الأول هو نفسه الذى قام بتعذيب هذه السيدة، وربما فى ردوده عليها، كما كان يحدث فى العصور القديمة نتج عنه أن أحدا من الشعب تطرف واندفع وأصاب هذه السيدة. وهذا يحدث فى كل وقت من الأوقات!! ومن هذه القراءة فى المصادر المسيحية نكتشف أن الكتب الكنسية التزمت الحياد.. فعلى الرغم من منحها لقب القداسة للبابا كيرلس، إلا أنها تحدثت عن جوانب متعددة فى شخصيته من منطلق أنه لا يوجد إنسان معصوم وهو المبدأ الذى تقوم عليه المسيحية، حيث لاتوجد عصمة حتى للأنبياء فى الكتاب المقدس «بعهديه القديم والجديد»، فالوحيد الذى بلا خطيئة هو السيد المسيح، والكتابة عن الإنسان بإيجابياته وسلبياته يعطى للإنسان العادى الرجاء فى إمكانية التوبة عن خطيئته. لذلك فمن الطبيعى أن يكتب الأستاذ ملاك لوقا فى مرجعه «الأقباط النشأة والصراع» صفحة 242 واصفا القديس كيرلس عمود الدين: «ومع أنه كان حليما واسع الصدر. إلا أنه كان كالسيف القاطع مع المبتدعين»!
لكن أكثر ما كشفت عنه رواية عزازيل هو تحول غريب فى فكر بعض المسيحيين يميل إلى «تأليه البشر» وإضفاء الـ «قداسة» على التاريخ!
روبير الفارس
روز اليوسف
ربما لم تستطع الرواية أن تحسم الجدل حول شخصيته.. لكنها على أقل تقدير حددته، بعد أن كان قابعا داخل كتب التاريخ! .. كانت هذه هى الحال التى أثارتها رواية «عزازيل» للدكتور يوسف زيدان من أكثر من جانب، سواء على مستوى الأحداث أو مستوى الشخوص التى كان أبرزها بلا استثناء، شخصية البابا «كيرلس» - عمود الدين - الذى قدمته الرواية كـ «مهيج» للجماهير ضد الفيلسوفة «هيباتيا»، فهل هناك أثر لهذا الجانب من شخصيته فى المصادر المسيحية التى تحدثت عن البابا كيرلس؟!
الصورة التى تقدمها موسوعة «ويكبيديا» عن البابا كيرلس عمود الدين نقلا عن كتاب الكنيسة «السنكسار»: «كيرلس الأول (160 للشهداء - 444 ميلادية) البابا رقم ,24 والملقب بـ «عمود الدين ومصباح الكنيسة الأرثوذكسية» كان ابن أخت ثاوفيلس بابا الإسكندرية رقم 23 وتربى عند خاله فى مدرسة الإسكندرية وتثقف بعلومها اللاهوتية والفلسفة اللازمة للدفاع عن الدين المسيحى والإيمان الأرثوذكسى وأقوال الآباء، وروض عقله بممارسة أعمال التقوى مدة من الزمان. ثم بعد أن قضى فى البرية خمس سنوات أرسله البابا «ثاوفيلس» إلى الأب «سرابيون» الأسقف، فازداد حكمة وعلما وتدرب على التقوى. وبعد ذلك أعاده الأسقف إلى الإسكندرية، ففرح به خاله كثيرا ورسمه شماسا وواعظا فى الكنيسة وكاتبا له! لكن بعد ذلك - وفقا للموسوعة - فإن البابا كيرلس عمود الدين بعد أن أصبح بطريركا قام بالتحريض على قتل اليهود وكهنة الديانات الأخرى والمتعبدين فى المعابد الوثنية القديمة وسرقة التماثيل الذهبية منها.. وأوحى بقتل أصحاب الفكر غير الأرثوذكسى، حتى تمكن من قفل كنائسهم والاستيلاء على مقتنياتها الذهبية! ثم أمر بطرد اليهود من الإسكندرية، فقام قتال وشغب شديد بين اليهود والمسيحيين، وتسبب ذلك فى اتساع النزاع بينه وبين الوالى، وقد أشارت الموسوعة إلى أن مصدرها هو كتاب السنكسار للكنيسة القبطية. وهو كتاب يحتوى على سير قديسى الكنيسة حسب أيام السنة، ويقرأ منه فى القداسات، ولكن كتاب السنكسار وتحت يوم 3 من شهر أبيب وهو موعد نياحة - رحيل - القديس كيرلس عمود الدين لا يذكر التفاصيل التى جاءت بالموسوعة حول التحريض، حيث استخدم لغة أكثر هدوءا! وبحسب المذكور فإن الكنيسة استضاءت بعلومه حيث وجه عنايته لمناهضة العبادة الوثنية والدفاع عن الدين المسيحى، وبدأ يرد على مفتريات الإمبراطور يوليانوس الكافر فى مصنفاته العشرة التى كانت موضع فخر الشباب الوثنيين بزعم أنها هدمت أركان الدين المسيحى، فقام البابا كيرلس بتفنيدها بأدلته الساطعة وبراهينه القاطعة وأقواله المقنعة، وطفق يقاوم أصحاب البدع حتى تمكن من قفل كنائسهم والاستيلاء على أوانيها، ثم أمر بطرد اليهود من الإسكندرية فقام قتال وشغب بين اليهود والنصارى وتسبب عن ذلك اتساع النزاع بين الوالى والقديس!
وإذا ما بحثنا فى مصدر مسيحى آخر ذى ثقل كبير عند الأقباط وهو كتاب «تاريخ الكنيسة القبطية» للمؤرخ الكنسى القس منسى يوحنا نجده يقول: وقت تولى هذا البطل كرسى البطريركية كان فى مدينة الإسكندرية كثيرون من الهراطقة واليهود الذين عظمت شوكتهم وصار لهم نفوذ عظيم.. فالهراطقة تقووا بسبب تظاهرهم بالعبادة الشاقة حتى صار لهم أسقف خاص يدعى «ثيويمتوس» واليهود جعلت لهم الرشوة مكانة عند الولاة والقضاة. فبدأ هذا البطريرك جهاده باضطهاد النوفاسيين اتباع نوفاسيانوس الهرطوقى الذين كانوا يأبون أن يحلوا الناس من خطاياهم فناصبهم وأوضح لهم سوء معتقدهم الذى يجعل الله جلت قدرته عديم الرحمة؛ ولما لم يرتدعوا عن غيهم ألزمهم بالخروج من المدينة وطرد أسقفهم وجرده من جميع أملاكه ومقتنياته وأخذ منه ذخائره التى كانت تحت يده. أما اليهود فمع أنهم أفرغوا كنانة جهدهم حتى يفسدوا عقول الحكام والولاة بالهدايا، لكنهم لم يفحلوا. وبالنسبة لكراهيتهم الشديدة للبابا كيرلس أشاعوا ذات ليلة أن النار اشتعلت فى كنيسة القديس إسكندر فالتزم المؤمنون بناء على هذا الخبر أن يبادروا إليها من كل جهة زاحمين الشوارع كبارا وصغاراً مسرعين لإطفاء النار.
فانتهز اليهود هذه الفرصة وشرعوا يفتكون بهم ويهدرون دماءهم بقسوة ووحشية، ولما اتضحت جلية الأمر صباحا قامت قيامة المسيحيين وعزموا على الانتقام من اليهود، ولما لم يقدر البابا أن يمنعهم تنازل لهم بعد عناء شديد بأن يكتفوا بطردهم من المدينة دون أن يمسوا أحدا بضرر فطردوهم وهدموا كل مجامعهم واستولوا عليها وعلى ما فيها!.. ولما بلغ الأمر لـ «ورستا» والى المدينة، لام البطريرك على ذلك، فأخبره أنه لولاه لجرت دماء اليهود فى الشوارع كالأنهار، وفى هذا الحين أيضا جرت حادثة الفيلسوفة «هيباتيا» الشهيرة التى غدر بها بعض الطائشين دون تروى، ودون علم البابا كيرلس مطلقا!.. وهذه الحوادث جرت فى بدء رئاسة البابا كيرلس ثم اشتغل بعدها بوضع مقالات وميامر حتى إن أكثر رؤساء الإسكندرية استخدموا نساخا لينقلوا إليهم ما وضعه هذا البطريرك! ونلاحظ هنا أن القس منسى يوحنا يبرئ البابا كيرلس تماما من حادثة مقتل «هيباتيا» لكن هذا يقودنا فى المقابل لشهادة مثقف كبير له قدره ومكانته، هو نيافة الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمى والدراسات القبطية. حيث كان قد أثار هذه القضية الدكتور زكى نجيب محمود فى مقال له بالأهرام، مما جعل أحد الأقباط يسأل الأنبا أغريغوريوس حول تسبب البابا كيرلس عمود الدين فى قتل واحدة اسمها هيباتيا وكان ذلك فى 25 يناير ,1984 حيث قال الأنبا أغريغوريوس:
هذه القصة وردت فى بعض كتب التاريخ، أنا قرأت هذا المقال قبل ذلك، والدكتور زكى نجيب مر على القصة بسرعة، وهو فى الواقع يذكرها ضمن ما ورد فى بعض كتب التاريخ، أنه نسب إلى البابا كيرلس الأول عمود الإيمان أنه تسبب فى قتل واحدة فليسوفة اسمها هيباتيا. وهذا الكلام أيضا ورد فى بعض الكتب، لكن هل هو حقيقى أم لا؟ نحن نستبعد أن يكون البابا كيرلس تسبب فى قتل هذه الفيلسوفة أو هذه المفكرة، أو هذه الإنسانة التى اسمها هيباتيا. وإن كان من الصعب أن يرجع الإنسان إلى التاريخ، وبالتالى من الصعب أن يقيم الإنسان الأحداث التاريخية ويعرف ظروفها وملابساتها، ومن الصعب أيضا أن الإنسان يتحقق من أى اتهام يكتبه بعض المؤرخين، أو بعض الناس، فالدكتور زكى كان يتكلم عن الناس المتشددين أو الذين يتعصبون لأفكارهم، ونتيجة لهذا لايعطى فرصة لآخرين منا يرون رأيا آخر، غير الرأى الذى يكون فى أزمنتهم. هو يتكلم عن قضية إنسانية عامة وأشار إليها إشارة خفيفة، لأنه هو فى الواقع لم يقصد هذه المسألة فى ذاتها. إنما هو قصد أن يعالج الأمور الحاضرة فى مصر، فى الواقع الذى يقرأ سلسلة المقالات التى يكتبها الدكتور زكى نجيب محمود، يعرف أن الرجل يعالج قضية عامة فى مصر، وهى قضية التطرف الدينى، وما أصابه هو شخصيا من اتهامات، فالذى قرأ عددا من هذه المقالات يلاحظ أن الرجل فى عدد من المقالات وليس مقالة واحدة، يمس قضية التطرف الدينى الخاص فى مصر، وتشدد بعض الشخصيات الدينية القيادية، وأنهم مسئولون فى تصريحاتهم عن تأليب الجماهير، وهذا الكلام واضح.. الإنسان منا قادر أن يفهم لماذا قال هذا الكلام، فهذه الإشارة فى موضوع البابا كيرلس الأول عمود الدين وإلى هيباتيا، وكل ما يمكن أن يقال أنه فى العصور القديمة الأولى تعرضت المسيحية لمهاجمات من الوثنيين كثيرة جدا، ولذلك وجدنا أن آباء الكنيسة الأوائل كتبوا كتبا، كلها فى هذا الوقت بالذات كانت عبارة عن ردود ودفاع عن المسيحية ضد الاتهامات التى وجهت إليها، ولذلك نجد عددا من الدفاعات.. فمثلا أثيناغوراس كتب كتابا يدافع فيه عن المسيحيين، ويوستينوس، كتب كتابا يدافع عن المسيحيين وأوريجينوس كتب كتابا ضخما موجودا الآن فى ثلاثة مجلدات كبيرة يرد على فيلسوف اسمه كلسس الأبيقورى، والحمدلله استطاع أن يصمت صوت كلسس، بل زاد على ذلك أن كلسس نفسه اقتنع بما قاله أوريجينوس وتحول إلى الديانة المسيحية وألف فيها كتبا، وكان يرد على أمونيوس السقاص، المسيحية كانت ديانة ناشئة، فكان طبيعيا أن تكون هناك تيارات فكرية تهاجمها وكانت تسخر منها، ومن ضمن موضوعات السخرية على المسيحيين على سبيل المثال، موضوع «قيامة الأموات»، خصوصا فى زمن كان فيه العلم قد وصل لمرحلة يشعر فيها المراقبون أنه من المستحيل علميا أن الجسد بعد أن يتحلل ويعود إلى عناصره الأولية يقوم من جديد، فالفكرة الآن عندنا ردود عليها وواضحة فى أذهاننا، لكن فى العصور القديمة كانت موضع نقد وسخرية، فكانت موضوع هجوم على الديانة المسيحية، اليوم نحن نرددها فى قانون الإيمان وأصبحت حقيقة، خصوصا أن جميع المصريين يؤمنون بقيامة الموتى سواء كانوا مسيحيين أو غير مسيحيين، إنما فى هذا الوقت كان موضوع قيامة الموتى موضوع مجالا للسخرية، بأى عقيدة، فيقولون كيف يبلغ المسيحيون من الغباء بحيث يمكن أن يتصوروا أن الجسد بعد أن يتحلل إلى عناصره الأولية، ويتحول إلى تراب يقوم من جديد. ولذلك كتب أثيناغوراس كتابه الثانى وأخذ يرد على هذه الاتهامات والأسانيد التى كان يستند إليها الساخرون من الديانة المسيحية على موضوع قيامة الموتى، وحتى فى عصر قسطنطين الملك بعد المنشور الذى قرر فيه الاعتراف بالديانة المسيحية، واعتبارها إحدى الديانات التى تعترف بها الدولة، لم تكن المسيحية هى الديانة الوحيدة أو ديانة الدولة، بل كانت إحدى الديانات التى تعترف بها الدولة، فبعد أن كان المسيحيون يمارسون عباداتهم فى الخفاء وتحت الأرض، وكانوا يطاردون، أصبحت الدولة تعترف بأن هناك ديانة اسمها الديانة المسيحية، ومن حق المسيحيين أن يعبدوا إلههم بالطريقة التى يرونها. لكن حتى بعد قسطنطين كانت هناك مناكفات كثيرة واتهامات كثيرة، فكل حياة أثناسيوس الرسولى 50 سنة، كلها قضاها فى الدفاع ضد مذهب الأريوسيين، وأثناسيوس فى مقاله كان يرد على الأريوسيين واليهود الذين انضموا إليهم، وأيضا من الموضوعات موضوع التثليث، لأن اليهودية تعتقد بالتوحيد، فظنوا أن مبدأ التثليث مبدأ يتعارض مع التوحيد فانضم اليهود إلى أريوس وإلى الأريوسيين ضد الديانة المسيحية، أو ضد أثناسيوس الرسولى أو ضد الكنيسة الأرثوذكسية، وأيضا الوثنية كانت لاتزال قوية جدا فى أيام أثناسيوس الرسولى، لأن شعبنا خصوصا فى الصعيد كان تمسكه شديدا بديانة الآباء لاتتصورا أنه فى القرن الرابع للميلاد كانت مصر كلها مسيحية أبدا، كانت المسيحية لاتزال قليلة جدا، بل على العكس الأريوسية اجتذبت كثيرا من المسيحيين، لذلك نحن نعتبر أن أثناسيوس الرسولى وهو البابا العشرون من بطاركة الإسكندرية وهو مؤسس المسيحية الثانى، ولذلك قالوا له إن العالم كله ضدك، وسمى الرأس العنيد الذى وقفت ضده كل هذه التيارات العظيمة، ولعل هذا عذر قسطنطين لأنه كحاكم للعالم فى ذلك الوقت، كان مضطرا أمام الموقف الصعب الذى أصبح فيه أثناسيوس، فماذا يصنع الإمبراطور الذى يحكم ملايين من الناس وإمبراطورية ضخمة جدا، أغلبهم ضد أثناسيوس الرسولى، فعلى الرغم من إعجابه الشخصى الذى دفعه فى مرة أن يمسك يده ويقول له «أنت بطل كنيسة الله» على الرغم من هذا اضطر قسطنطين أن ينفى أثناسيوس الرسولى خمس مرات، أنت نفسك عندما تجد فى أى مكان واحدا تجمع عليه الناس وأخذوا يضربون فيه، فأفضل خدمة يمكن أن تؤديها لهذا الإنسان، أن تأخذه منهم وتعزله فى مكان بعيد لتخلصه من الجماهير، فأثناسيوس الرسولى أول من نفاه هو قسطنطين، ولكن قسطنطين كأمبراطور بلاشك - وإن كان هذا أنت اليوم تقول على ذلك أن هذا خطأ - أنا أقول أنه كان معذورا لأنه كحاكم للبلد يهمه الأمن والاستقرار، ودائما الحاكم يهتم برأى الأغلبية، فهو لا يستطيع أن يحكم العالم بالأقلية، وفى نفس الوقت يعتبر نفى أثناسيوس خدمة لأثناسيوس نفسه، لأنه عندما يتركه للجماهير قد تفتك به الجماهير، فكان أفضل طريقة لإنقاذ أثناسيوس هو أن ينفى أثناسيوس ويعزله من وسط الجماهير.
أريد أن أقول صعب جدا أن ترجع التاريخ وتحيا التاريخ، أنت فى القرن العشرين، فليس من المعقول أبدا أنك تقدر أن تعيش الحقيقة فى القرون الأولى ولاتقدر أبدا أن تقدر مدى الكفاح والنضال الذى عاشوه هؤلاء الأبطال، أريد أن أقول أنه يصح جدا أن هيباتيا هذه كإنسانة أو فيلسوفة وكمفكرة، كانت من ضمن الناس الذين هاجموا المسيحية أو تكلموا ضدها، فالبابا كيرلس الأول عمود الإيمان، وكان أيضا أمامه تيارات كثيرة جدا، ومنها تيارات نسطور، والبابا كيرلس الأول يعد هو البطل فى زمن نسطور، وهو الذى قضى على البدعة النسطورية، وكانت هناك أيضا تيارات مختلفة، والوثنية كانت مازالت موجودة، فقد يكون البابا كيرلس عمود الإيمان رد على هيباتيا التى قد تكون تعرضت لإهانة الدين أو السخرية منه، فتهيج الشعب فقامت الجماهير وقتلتها، أى أن البابا كيرلس نفسه، لم يأمر بأن تقتل.. هذا أمر مستبعد تماما، إنما كل ما هنالك أنه رد عليها، فهناك البعض من الجماهير هى التى تهيجت وهى التى قامت بهذا العمل، وهذا يحدث فى كل وقت من الأوقات، وفى أى عصر من العصور، القيادة الكبيرة تقول كلمة، فيحدث أن تندفع الجماهير، ويحدث تطرف وخطأ من الأفراد، وينتج عن هذا فعل، أن هذا الإنسان يقتل أو يعذب، لكن ليس معنى ذلك أن كيرلس الأول هو الذى قتلها، إنما المؤرخون السطحيون نسبوا إلى الرأس ما يمكن أن ينسب إلى الناس، مثل كلمة بنى الأمير المدينة، فالأمير لايبنى المدينة، إنما الأمير يأمر فيقوم المهندسون والبناءون بالعمل، إنما الرئيس دائما هو الذى ينسب إليه كل شىء. وعندنا قوانين الكنيسة نقول قوانين أثناسيوس الرسولى، وهى ليست قوانين البابا أثناسيوس الرسولى إنما هذه قوانين المجمع برئاسة البابا أثناسيوس الرسولى، فيستبعد طبعا أن كيرلس الأول هو نفسه الذى قام بتعذيب هذه السيدة، وربما فى ردوده عليها، كما كان يحدث فى العصور القديمة نتج عنه أن أحدا من الشعب تطرف واندفع وأصاب هذه السيدة. وهذا يحدث فى كل وقت من الأوقات!! ومن هذه القراءة فى المصادر المسيحية نكتشف أن الكتب الكنسية التزمت الحياد.. فعلى الرغم من منحها لقب القداسة للبابا كيرلس، إلا أنها تحدثت عن جوانب متعددة فى شخصيته من منطلق أنه لا يوجد إنسان معصوم وهو المبدأ الذى تقوم عليه المسيحية، حيث لاتوجد عصمة حتى للأنبياء فى الكتاب المقدس «بعهديه القديم والجديد»، فالوحيد الذى بلا خطيئة هو السيد المسيح، والكتابة عن الإنسان بإيجابياته وسلبياته يعطى للإنسان العادى الرجاء فى إمكانية التوبة عن خطيئته. لذلك فمن الطبيعى أن يكتب الأستاذ ملاك لوقا فى مرجعه «الأقباط النشأة والصراع» صفحة 242 واصفا القديس كيرلس عمود الدين: «ومع أنه كان حليما واسع الصدر. إلا أنه كان كالسيف القاطع مع المبتدعين»!
لكن أكثر ما كشفت عنه رواية عزازيل هو تحول غريب فى فكر بعض المسيحيين يميل إلى «تأليه البشر» وإضفاء الـ «قداسة» على التاريخ!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق