التحالف الإيراني السوري إلى أين؟
بوزيدي
يحيى – باحث جزائري
خاص
بالراصد
بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على بداية الثورة السورية وصمودها في وجه كل محاولات القمع من طرف النظام، بل واتساعها وتزايد زخمها طرديا مع تشديد النظام قبضته الأمنية طُرحت الكثير من التساؤلات حول مستقبل الثورة الشعبية وما قد يترتب عنها من تطورات إقليمية ودولية نظرا للأهمية الاستراتيجية لسوريا في المنطقة.
استمرارية الثورة من جهة، وجرائم النظام بحق شعبه من جهة أخرى، والتي أصبحت الخبر الرئيس لمعظم وسائل الإعلام، دفعت بحليفيه الروسي والصيني إلى تغيير لهجتهما التي أصبحت تقترب شيئاً فشيئاً من الموقف الأمريكي والأوربي. كما شهدت المواقف العربية أيضا حراكا يندد بممارسات النظام ممثلة في خطاب الملك عبد الله في المملكة العربية السعودية الذي عبر فيه عن رفضه لما يجري في سوريا، وأعلن عن سحب بلاده سفيرها من دمشق للتشاور، تبعته دول خليجية أخرى بخطوات مماثلة، هذه المواقف لا شك أنها مؤشر على مزيد من الضغوطات والعقوبات على النظام السوري في المستقبل القريب أو حتى تدخل عسكري دولي أو تركي في المستقبل البعيد نسبيا رغم أنه مازال أمرا مستبعداً للرفض الداخلي والخارجي له.
ويبقى الموقف الإيراني الوحيد الثابت في دعمه للنظام السوري، ليس فقط سياسيا ودبلوماسيا وإنما بمشاركة عناصر من الحرس الثوري وحزب الله في قمع الاحتجاجات، ناهيك عن الدعم بالأسلحة وغير ذلك. وهذا ما يطرح تساؤلات عن اتجاهات التحالف السوري الإيراني وهل من الممكن أن يصل إلى مستوى المواجهة العسكرية مع أي (اعتداء) على النظام السوري خاصة وأن النظامين يرتبطان بمعاهدة دفاع مشترك([1])وقد سبق لطهران أن هددت باستهداف القواعد الأمريكية في تركيا إذا ما شنت هجوما على سوريا.
انطلاقا من عمق التحالف بين الطرفين والمكاسب الاستراتيجية التي حققتها إيران من خلال تحالفها مع سوريا طيلة الثلاثة عقود الماضية والخشية من أن يكون أي هجوم عسكري على سوريا خطوة أولى قبل شن هجوم على إيران كما صرح بذلك السفير الروسي لدى النيتو([2]) قد تذهب طهران في تحالفها مع دمشق إلى النهاية، ولكن هذا الأمر يبقى مستبعدا للأسباب التالية:
1- تميز النظام الإيراني باعتماد وسائل غير مباشرة أو بالأحرى أذرع خارجية لتحقيق المكاسب في الدول الأخرى أو لدفعها لاتخاذ مواقف ما لصالحه، والأمثلة على ذلك عديدة لعل أبرزها تحريك بعض القوى الشيعية التي تأثرت بالخميني ونظرية ولاية الفقيه للقيام بأعمال إرهابية في دول الخليج العربي لتغيير أنظمتها إذا أمكن ذلك أو لثنيها عن دعم العراق خلال حربها معه (1980 – 1988)، وكان للحرس الثوري دور في تجنيد وتدريب تلك التنظيمات، وتحريك مجموعات موالية له لمحاولة اغتيال أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح سنة 1985 وقبلها تفجير السفارة الأمريكية في الكويت سنة 1983 ثم اختطاف طائرة كويتية سنة 1988 والتي أُتهم عماد مغنية بالتدبير والتخطيط لها للضغط على الكويت للإفراج عن المتهمين في التفجيرين السابقين، أو تفجير الرابطة الأرجنتينية الإسرائيلية المشتركة في الأرجنتين سنة 1994 واختطاف الرهائن الغربيين في لبنان وتبادلهم في صفقات عسكرية وغيرها من الأعمال.
وما تناقلته وسائل الإعلام من حث حكومة المالكي في العراق لدعم اقتصاد سوريا وقيام إيران بتزويد القوى الأمنية السورية بمعدات تكنولوجية لمساعدتها لوقف الاحتجاجات ومشاركة عناصر من الحرس الثوري في القمع وحتى تجنيد جنود من الأحواز ناطقين بالعربية([3])كلها تؤكد ممارسات النظام الإيراني السابقة التي يجيدها ويحقق بها مكاسب استراتيجية دون أن تترتب عليه خسائر أو أضرار كبيرة، وتترك إيران دائما بعيدة عن المواجهة المباشرة مع الغرب لذلك يعول خامنئي من خلال توجيهاته لدعم النظام السوري على هذه الأساليب لتحقيق أهدافه وإنقاذ النظام قبل أن تتطور إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب.
ومن جهة أخرى فإن تصريحات الناطق باسم الخارجية الإيرانية التي اعتبر فيها ما يجري في سوريا شأناً داخلياً وتحذيره من المشاكل الكثيرة إذا ما حدث أي تدخل خارجي، وتحذيرات إيران وسوريا وحزب الله من زعزعة استقرار دول الخليج كلها مؤشرات على إمكانية تحريك إيران خلاياها النائمة لتنفيذ عمليات إرهابية في هذه الدول، وليس المواجهة المباشرة والزج بجيشها في المعركة.
2- السبب الرئيس الذي اضطر الخميني لتجرع سم وقف الحرب مع العراق كان بسبب الإنهاك الذي لحق بالاقتصاد الإيراني الذي هدد بقاء النظام نفسه ودخول الحرب مرحلة جديدة بعد إسقاط القوات الأمريكية طائرة ركاب مدنيين إيرانية رداً على استهداف إيران لسفن كويتية كانت ترفع العلم الأمريكي لحمايتها فيما كان يعرف يومها بـ (حرب الناقلات)، ونظرا للهزات التي لحقت بالنظام في أعقاب الانتخابات الرئاسية سنة 2009 والعقوبات الاقتصادية المتتالية بسبب برنامج طهران النووي والخسائر المتوقعة من وقوف إيران إلى جانب النظام السوري في أي مواجهة عسكرية مباشرة مع أي هجوم دولي مهما كان شكله فيستبعد أن تزج إيران بجيشها في حرب تدرك أنها محسومة ضدها بنسبة كبيرة.
3- في حرب 2006 رغم الدمار الكبير الذي ألحقته الآلة العسكرية الإسرائيلية بجنوب لبنان والخطر الكبير الذي تهدد الحزب حينها الذي كان القضاء عليه هو هدف إسرائيل من الحرب، ورغم الروابط الدينية التي تجمعها بحزب الله اقتصر الدور الإيراني على الحراك الدبلوماسي دون التدخل المباشر لإنقاذ الحزب، ولا يتوقع منها أن تقوم بدور مختلف في الحالة السورية أيضا خاصة أن الطرف الآخر ليس إسرائيل والأسباب مختلفة أيضا.
4- تصريحات أمين عام حزب الله، حسن نصر الله التي أكد فيها على قوة الحزب وتماسكه واستمراريته ودفاعه عن ثروات لبنان في مياهها الإقليمية، كرد غير مباشر على التحليلات التي تحدثت عن الانعكاسات السلبية لسقوط النظام السوري على الحزب، هي في حد ذاتها تأكيد منه على عدم دخوله في مواجهة عسكرية شاملة إلى جانب سوريا لاعتبارات عديدة تتعلق في جزء منها بتعقيدات الوضع الداخلي اللبناني والمعارضة التي جعلت من نزع سلاح الحزب إحدى أولوياتها السياسية وأي توظيف لسلاح الحزب في مواجهة خارجية وليس للدفاع عن لبنان فقط سيفقد الحزب مصداقيته اللبنانية.
وأقصى ما يمكن أن تقوم به إيران هو حث الحزب على فتح جبهة إسرائيل وهذا الأمر مستبعد أيضا، حيث اقتصر على تنظيم مظاهرات على الحدود مع إسرائيل وفي الجولان في ذكرى النكبة فهمت على أنها تطبيق عملي لتصريحات رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، التي تحدث فيها عن عدم الاستقرار في إسرائيل بدون الاستقرار في سوريا، كما أن استهداف القوى الأمنية السورية لمخيم للاجئين الفلسطينيين في اللاذقية والصمت التام لحركة حماس من الأحداث كلها معطيات تصب في هذا الاتجاه، إضافة إلى ذلك فإن إسرائيل تدرك خلفيات أي تصعيد ضدها وحتى إذا ردت عليه فسيكون في حدود معينة.
5- لازالت إيران تمتلك الورقتين الأفغانية والعراقية للمساومة مع الولايات المتحدة خاصة مع نفوذها القوي هناك وقرب موعد الانسحاب الأمريكي من العراق، وقد تحدثت بعض التقارير عن أن إيران بدأت تهيئ العراق ليكون هو الحليف الوثيق في المنطقة في حال سقط النظام بسوريا. ولذا يلحظ اليوم تصاعد الدور الذي تقوم به الميليشيات المدعومة من قبل إيران في العراق([4])، ومع أن هذا الخيار غير عملي نظرا للفوارق الكبيرة بين البلدين وأهداف إيران في المنطقة العربية والشعبية التي اكتسبتها من خلال تبنيها الظاهري للقضايا العربية وتحقيق مصالحها الاستراتيجية على حساب تلك القضايا بما في ذلك نفوذها في بلاد الرافدين والسلطة المتواجدة الآن في العراق في نظر الرأي العام العربي لا تعدو أن تكون مجرد عميل أتى على ظهر الدبابة الأمريكية ساهم في تخريب العراق وتدميره ولم يسجل له أي موقف من إسرائيل، ويسير وفق أجندة طائفية.
وهذه الخلفية لا مجال لمقارنتها بما كان يروجه النظام السوري عن نفسه كنظام ممانع ومقاوم يدعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان إلى جانب الجمهورية الإسلامية. وضم العراق إلى محور الممانعة كان مجرد محاولة لإقحامه للتغطية على الدور الإيراني هناك، وذلك لأن تصنيف العراق في محور المانعة كان في سياق ما تقوم به المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي في حين أن الدور الإيراني يعتمد على الحكومة العراقية العميلة له وليس المقاومة.
وحديث الإدارة الأمريكية عن دور إيراني في العمليات الأخيرة ضد جنودها إذا ما صح والتفجيرات التي شهدتها عدة مدن عراقية في الأيام القليلة الماضية قد تدخل ضمن المحاولات الإيرانية لمساعدة سوريا حتى تجنبها مزيداً من الضغوط الدولية، وفي حالة انهيار النظام السوري فإن المصلحة الإيرانية مع بقاء الحكومة بهذا الشكل كحاجز لمنع استهدافها وليس قاعدة لتحقيق مكاسب شبيهة بمحور الممانعة السوري.
6- في ظل ما أصبح شبه حقيقة مؤكدة عن وجود علاقات بين الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل ومفاوضات وصفقات مباشرة أو غير مباشرة حتى وإن لم ترتق إلى الاتفاقية، وما تردد أخيرا على سبيل المثال لا الحصر عن علاقات تجارية طيلة العشر سنوات السابقة بين إسرائيل وإيران وفي ظل المصالح الدولية المتضاربة والمتداخلة فلا يستبعد أن تعقد إيران صفقة من هذا القبيل بوساطة روسية وصينية، ولعل التحذير الروسي من أن يكون الهجوم على سوريا مقدمة للهجوم على إيران الذي سبقت الإشارة إليه والمقترحات الروسية الجديدة حول الملف النووي الإيراني بالتنازل التدريجي عن العقوبات الدولية مقابل إجابة إيران على الأسئلة الموجهة إليها مؤشر بشكل أو بآخر عن صفقة ما أو هو بمثابة جس نبض إيران من رد فعلها في حالة المواجهة العسكرية مع النظام السوري.
7- صانع القرار الإيراني رغم كل خطابه الأيديولوجي الشعبوي ومناوراته العسكرية التي يجريها لمنظومته الصاروخيه التي تصل إلى العمق الإسرائيلي إلا أنه في النهاية يعود إلى الحسابات العقلانية بتقييم الربح والخسارة، والقادة الإيرانيون يصرون على أن تسليحهم دفاعي بالدرجة الأولى وتصريحات المسؤولين تتحدث عن رد إيران القوي إذا ما تعرضت لهجوم أمريكي أو إسرائيلي وليس الهجوم كما صرح به الرئيس أحمدي نجاد مؤخرا لتلفزيون روسيا اليوم([5])، وهي الحقيقة التي توصل إليها جل المحللين الإستراتيجيين والخبراء في الشأن الإيراني.
من هنا فإنه رغم كل الخسائر المتوقعة لإيران بسقوط النظام البعثي في سوريا إلا أنه من المستبعد تأسيسا على ما سبق أن تغامر بالدخول في حرب إقليمية من أجله لإدراكها حقيقة الوقائع على الأرض وعلاقة النظام بشعبه.
([1])جهاد سالم، البنود السرية لمعاهدة المليار دولار بين طهران ودمشق، الوطن العربي، الرابط:
http://www.alwatanalarabi.alqanat.com/arabi/More_details.asp?Sub_ID=158&Section_ID=1
([2]) نجاح محمد علي، قبل الطوفان مخاوف من ضربة عسكرية تستهدف إيران.. بعد سقوط النظام في سوريا، مجلة المجلة، 09 /08/2011.
([3]) هدى الحسيني، الحرس الثوري يجند عرب الأهواز ويرسلهم إلى دمشق، الشرق الأوسط، 4/8/2011.
بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على بداية الثورة السورية وصمودها في وجه كل محاولات القمع من طرف النظام، بل واتساعها وتزايد زخمها طرديا مع تشديد النظام قبضته الأمنية طُرحت الكثير من التساؤلات حول مستقبل الثورة الشعبية وما قد يترتب عنها من تطورات إقليمية ودولية نظرا للأهمية الاستراتيجية لسوريا في المنطقة.
استمرارية الثورة من جهة، وجرائم النظام بحق شعبه من جهة أخرى، والتي أصبحت الخبر الرئيس لمعظم وسائل الإعلام، دفعت بحليفيه الروسي والصيني إلى تغيير لهجتهما التي أصبحت تقترب شيئاً فشيئاً من الموقف الأمريكي والأوربي. كما شهدت المواقف العربية أيضا حراكا يندد بممارسات النظام ممثلة في خطاب الملك عبد الله في المملكة العربية السعودية الذي عبر فيه عن رفضه لما يجري في سوريا، وأعلن عن سحب بلاده سفيرها من دمشق للتشاور، تبعته دول خليجية أخرى بخطوات مماثلة، هذه المواقف لا شك أنها مؤشر على مزيد من الضغوطات والعقوبات على النظام السوري في المستقبل القريب أو حتى تدخل عسكري دولي أو تركي في المستقبل البعيد نسبيا رغم أنه مازال أمرا مستبعداً للرفض الداخلي والخارجي له.
ويبقى الموقف الإيراني الوحيد الثابت في دعمه للنظام السوري، ليس فقط سياسيا ودبلوماسيا وإنما بمشاركة عناصر من الحرس الثوري وحزب الله في قمع الاحتجاجات، ناهيك عن الدعم بالأسلحة وغير ذلك. وهذا ما يطرح تساؤلات عن اتجاهات التحالف السوري الإيراني وهل من الممكن أن يصل إلى مستوى المواجهة العسكرية مع أي (اعتداء) على النظام السوري خاصة وأن النظامين يرتبطان بمعاهدة دفاع مشترك([1])وقد سبق لطهران أن هددت باستهداف القواعد الأمريكية في تركيا إذا ما شنت هجوما على سوريا.
انطلاقا من عمق التحالف بين الطرفين والمكاسب الاستراتيجية التي حققتها إيران من خلال تحالفها مع سوريا طيلة الثلاثة عقود الماضية والخشية من أن يكون أي هجوم عسكري على سوريا خطوة أولى قبل شن هجوم على إيران كما صرح بذلك السفير الروسي لدى النيتو([2]) قد تذهب طهران في تحالفها مع دمشق إلى النهاية، ولكن هذا الأمر يبقى مستبعدا للأسباب التالية:
1- تميز النظام الإيراني باعتماد وسائل غير مباشرة أو بالأحرى أذرع خارجية لتحقيق المكاسب في الدول الأخرى أو لدفعها لاتخاذ مواقف ما لصالحه، والأمثلة على ذلك عديدة لعل أبرزها تحريك بعض القوى الشيعية التي تأثرت بالخميني ونظرية ولاية الفقيه للقيام بأعمال إرهابية في دول الخليج العربي لتغيير أنظمتها إذا أمكن ذلك أو لثنيها عن دعم العراق خلال حربها معه (1980 – 1988)، وكان للحرس الثوري دور في تجنيد وتدريب تلك التنظيمات، وتحريك مجموعات موالية له لمحاولة اغتيال أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح سنة 1985 وقبلها تفجير السفارة الأمريكية في الكويت سنة 1983 ثم اختطاف طائرة كويتية سنة 1988 والتي أُتهم عماد مغنية بالتدبير والتخطيط لها للضغط على الكويت للإفراج عن المتهمين في التفجيرين السابقين، أو تفجير الرابطة الأرجنتينية الإسرائيلية المشتركة في الأرجنتين سنة 1994 واختطاف الرهائن الغربيين في لبنان وتبادلهم في صفقات عسكرية وغيرها من الأعمال.
وما تناقلته وسائل الإعلام من حث حكومة المالكي في العراق لدعم اقتصاد سوريا وقيام إيران بتزويد القوى الأمنية السورية بمعدات تكنولوجية لمساعدتها لوقف الاحتجاجات ومشاركة عناصر من الحرس الثوري في القمع وحتى تجنيد جنود من الأحواز ناطقين بالعربية([3])كلها تؤكد ممارسات النظام الإيراني السابقة التي يجيدها ويحقق بها مكاسب استراتيجية دون أن تترتب عليه خسائر أو أضرار كبيرة، وتترك إيران دائما بعيدة عن المواجهة المباشرة مع الغرب لذلك يعول خامنئي من خلال توجيهاته لدعم النظام السوري على هذه الأساليب لتحقيق أهدافه وإنقاذ النظام قبل أن تتطور إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب.
ومن جهة أخرى فإن تصريحات الناطق باسم الخارجية الإيرانية التي اعتبر فيها ما يجري في سوريا شأناً داخلياً وتحذيره من المشاكل الكثيرة إذا ما حدث أي تدخل خارجي، وتحذيرات إيران وسوريا وحزب الله من زعزعة استقرار دول الخليج كلها مؤشرات على إمكانية تحريك إيران خلاياها النائمة لتنفيذ عمليات إرهابية في هذه الدول، وليس المواجهة المباشرة والزج بجيشها في المعركة.
2- السبب الرئيس الذي اضطر الخميني لتجرع سم وقف الحرب مع العراق كان بسبب الإنهاك الذي لحق بالاقتصاد الإيراني الذي هدد بقاء النظام نفسه ودخول الحرب مرحلة جديدة بعد إسقاط القوات الأمريكية طائرة ركاب مدنيين إيرانية رداً على استهداف إيران لسفن كويتية كانت ترفع العلم الأمريكي لحمايتها فيما كان يعرف يومها بـ (حرب الناقلات)، ونظرا للهزات التي لحقت بالنظام في أعقاب الانتخابات الرئاسية سنة 2009 والعقوبات الاقتصادية المتتالية بسبب برنامج طهران النووي والخسائر المتوقعة من وقوف إيران إلى جانب النظام السوري في أي مواجهة عسكرية مباشرة مع أي هجوم دولي مهما كان شكله فيستبعد أن تزج إيران بجيشها في حرب تدرك أنها محسومة ضدها بنسبة كبيرة.
3- في حرب 2006 رغم الدمار الكبير الذي ألحقته الآلة العسكرية الإسرائيلية بجنوب لبنان والخطر الكبير الذي تهدد الحزب حينها الذي كان القضاء عليه هو هدف إسرائيل من الحرب، ورغم الروابط الدينية التي تجمعها بحزب الله اقتصر الدور الإيراني على الحراك الدبلوماسي دون التدخل المباشر لإنقاذ الحزب، ولا يتوقع منها أن تقوم بدور مختلف في الحالة السورية أيضا خاصة أن الطرف الآخر ليس إسرائيل والأسباب مختلفة أيضا.
4- تصريحات أمين عام حزب الله، حسن نصر الله التي أكد فيها على قوة الحزب وتماسكه واستمراريته ودفاعه عن ثروات لبنان في مياهها الإقليمية، كرد غير مباشر على التحليلات التي تحدثت عن الانعكاسات السلبية لسقوط النظام السوري على الحزب، هي في حد ذاتها تأكيد منه على عدم دخوله في مواجهة عسكرية شاملة إلى جانب سوريا لاعتبارات عديدة تتعلق في جزء منها بتعقيدات الوضع الداخلي اللبناني والمعارضة التي جعلت من نزع سلاح الحزب إحدى أولوياتها السياسية وأي توظيف لسلاح الحزب في مواجهة خارجية وليس للدفاع عن لبنان فقط سيفقد الحزب مصداقيته اللبنانية.
وأقصى ما يمكن أن تقوم به إيران هو حث الحزب على فتح جبهة إسرائيل وهذا الأمر مستبعد أيضا، حيث اقتصر على تنظيم مظاهرات على الحدود مع إسرائيل وفي الجولان في ذكرى النكبة فهمت على أنها تطبيق عملي لتصريحات رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، التي تحدث فيها عن عدم الاستقرار في إسرائيل بدون الاستقرار في سوريا، كما أن استهداف القوى الأمنية السورية لمخيم للاجئين الفلسطينيين في اللاذقية والصمت التام لحركة حماس من الأحداث كلها معطيات تصب في هذا الاتجاه، إضافة إلى ذلك فإن إسرائيل تدرك خلفيات أي تصعيد ضدها وحتى إذا ردت عليه فسيكون في حدود معينة.
5- لازالت إيران تمتلك الورقتين الأفغانية والعراقية للمساومة مع الولايات المتحدة خاصة مع نفوذها القوي هناك وقرب موعد الانسحاب الأمريكي من العراق، وقد تحدثت بعض التقارير عن أن إيران بدأت تهيئ العراق ليكون هو الحليف الوثيق في المنطقة في حال سقط النظام بسوريا. ولذا يلحظ اليوم تصاعد الدور الذي تقوم به الميليشيات المدعومة من قبل إيران في العراق([4])، ومع أن هذا الخيار غير عملي نظرا للفوارق الكبيرة بين البلدين وأهداف إيران في المنطقة العربية والشعبية التي اكتسبتها من خلال تبنيها الظاهري للقضايا العربية وتحقيق مصالحها الاستراتيجية على حساب تلك القضايا بما في ذلك نفوذها في بلاد الرافدين والسلطة المتواجدة الآن في العراق في نظر الرأي العام العربي لا تعدو أن تكون مجرد عميل أتى على ظهر الدبابة الأمريكية ساهم في تخريب العراق وتدميره ولم يسجل له أي موقف من إسرائيل، ويسير وفق أجندة طائفية.
وهذه الخلفية لا مجال لمقارنتها بما كان يروجه النظام السوري عن نفسه كنظام ممانع ومقاوم يدعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان إلى جانب الجمهورية الإسلامية. وضم العراق إلى محور الممانعة كان مجرد محاولة لإقحامه للتغطية على الدور الإيراني هناك، وذلك لأن تصنيف العراق في محور المانعة كان في سياق ما تقوم به المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي في حين أن الدور الإيراني يعتمد على الحكومة العراقية العميلة له وليس المقاومة.
وحديث الإدارة الأمريكية عن دور إيراني في العمليات الأخيرة ضد جنودها إذا ما صح والتفجيرات التي شهدتها عدة مدن عراقية في الأيام القليلة الماضية قد تدخل ضمن المحاولات الإيرانية لمساعدة سوريا حتى تجنبها مزيداً من الضغوط الدولية، وفي حالة انهيار النظام السوري فإن المصلحة الإيرانية مع بقاء الحكومة بهذا الشكل كحاجز لمنع استهدافها وليس قاعدة لتحقيق مكاسب شبيهة بمحور الممانعة السوري.
6- في ظل ما أصبح شبه حقيقة مؤكدة عن وجود علاقات بين الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل ومفاوضات وصفقات مباشرة أو غير مباشرة حتى وإن لم ترتق إلى الاتفاقية، وما تردد أخيرا على سبيل المثال لا الحصر عن علاقات تجارية طيلة العشر سنوات السابقة بين إسرائيل وإيران وفي ظل المصالح الدولية المتضاربة والمتداخلة فلا يستبعد أن تعقد إيران صفقة من هذا القبيل بوساطة روسية وصينية، ولعل التحذير الروسي من أن يكون الهجوم على سوريا مقدمة للهجوم على إيران الذي سبقت الإشارة إليه والمقترحات الروسية الجديدة حول الملف النووي الإيراني بالتنازل التدريجي عن العقوبات الدولية مقابل إجابة إيران على الأسئلة الموجهة إليها مؤشر بشكل أو بآخر عن صفقة ما أو هو بمثابة جس نبض إيران من رد فعلها في حالة المواجهة العسكرية مع النظام السوري.
7- صانع القرار الإيراني رغم كل خطابه الأيديولوجي الشعبوي ومناوراته العسكرية التي يجريها لمنظومته الصاروخيه التي تصل إلى العمق الإسرائيلي إلا أنه في النهاية يعود إلى الحسابات العقلانية بتقييم الربح والخسارة، والقادة الإيرانيون يصرون على أن تسليحهم دفاعي بالدرجة الأولى وتصريحات المسؤولين تتحدث عن رد إيران القوي إذا ما تعرضت لهجوم أمريكي أو إسرائيلي وليس الهجوم كما صرح به الرئيس أحمدي نجاد مؤخرا لتلفزيون روسيا اليوم([5])، وهي الحقيقة التي توصل إليها جل المحللين الإستراتيجيين والخبراء في الشأن الإيراني.
من هنا فإنه رغم كل الخسائر المتوقعة لإيران بسقوط النظام البعثي في سوريا إلا أنه من المستبعد تأسيسا على ما سبق أن تغامر بالدخول في حرب إقليمية من أجله لإدراكها حقيقة الوقائع على الأرض وعلاقة النظام بشعبه.
([1])جهاد سالم، البنود السرية لمعاهدة المليار دولار بين طهران ودمشق، الوطن العربي، الرابط:
http://www.alwatanalarabi.alqanat.com/arabi/More_details.asp?Sub_ID=158&Section_ID=1
([2]) نجاح محمد علي، قبل الطوفان مخاوف من ضربة عسكرية تستهدف إيران.. بعد سقوط النظام في سوريا، مجلة المجلة، 09 /08/2011.
([3]) هدى الحسيني، الحرس الثوري يجند عرب الأهواز ويرسلهم إلى دمشق، الشرق الأوسط، 4/8/2011.
([4]) طارق
الحميد، العراق بديلا عن سوريا لإيران، الشرق الأوسط، 06/07/2011.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق