13 فبراير 2009

الخزي والخجل عند معبر رفح، أدلة اتهام وإدانة للموقف المصري،


فضيحة على الهواء
الخميس, 12/02/2009 - 10:41.كفاية
بقلم/ فهمي هويدي


ليست مفهومة تلك القواعد التي على أساسها يُسمح للبعض بالمرور من معبر رفح، في حين يُمنع آخرون ممن تقدّموا لإغاثة المنكوبين في القطاع وتقديم العون لهم، لكن المؤكد أن عملية المنع سببت حرجا كبيرا لمصر، وأساءت إلى سمعتها وموقعها كثيرا، وقد كنت أحد الذين وُجِّه إليهم السؤال أكثر من مرة حول سبب منع الأطباء والمهندسين والإعلاميين وخبراء الإغاثة من الوصول إلى القطاع، لكني في كل مرة كنت أقول إن المسؤول ليس أعلم من السائل، وقد أخبرني أحد الأصدقاء الأتراك أن أخبار المنع هذه حين نُشرت في الصحف التركية، فإن الناس دُهشوا وصُدموا ولم يصدِّقوا أن مصر يمكن أن تقدم على خطوة من ذلك القبيل، لذلك فإنهم اعتبروها أخبارا مدسوسة وملفقة.





لقد بثت قناة «الجزيرة» حلقة صورت فيها الموقف وفضحت بها حقيقة ما يجرى هناك على نحو بدا باعثا على الخزي والخجل.. إذ حين ظل مدير مكتب الجزيرة في بيروت، الزميل غسان بن جدو، واقفا أمام المعبر طيلة عشرة أيام، لم يُسمح له فيها بالدخول، فإنه استثمر وجوده هناك في تقديم حلقة من برنامجه المميز «حوار مفتوح» مع الوفود التي طالها المنع، وتلك التي أمضت أياما تنتظر «الفرج» وتتعلق بأمل تلقي إشارة من القاهرة تسمح لها بالوصول إلى القطاع.. وهي المسألة التي بدت لدى كثير من الواقفين أصعب من الوصول إلى القمر.





جرى بث الحلقة مساء السبت الماضي «7 فبراير الجاري»، وكان المتحدثون فيها خليطا من المهنيين والخبراء والإعلاميين.





الأطباء تحدثوا عن تخصصاتهم التي تحتاجها مستشفيات القطاع، والمهندسون الذين كانوا من كبار أساتذة الجامعات المصرية عرضوا بعضا من الأفكار التي حملوها معهم إسهاما منهم في مواجهة الكارثة.. أحدهم شرح فكرة مبتكرة ومدهشة عن كيفية إقامة بيوت من أكياس البلاستيك المحشوة بالرمل، ورأينا صورا للتصميم والبحث الذي أعدّه بهذا الخصوص، أستاذ آخر تحدث عن كيفية الاستفادة من الأنقاض الموجودة وتوظيفها في إقامة البيوت بأسلوب علمي فهمنا أنه يدخل في اختصاصه، تابعنا أيضا شهادة لأحد العلماء المتخصصين في الأراضي، أراد أن يقدم خبرته في دراسة ما أصاب أراضي القطاع جراء القنابل الفوسفورية والأسلحة المحظورة والقذرة التي استخدمتها إسرائيل في الحرب.





من أغرب ما سمعت في البرنامج شهادة لخبير قانوني قادم من النرويج جاء ومعه زميلان أحدهما نرويجي أيضا والآخر فرنسي، وكانت مهمتهم محاولة تسجيل وتوثيق الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل أثناء الحرب، سواء بحق المدنيين أو بحق الأماكن التي يحرم القانون الدولي استهدافها أثناء الحرب.





وشرح صاحبنا أنه مع الفريق المرافق له كان عليهم أن يقدِّموا تقريرا بهذه المخالفات إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في موعد أقصاه 6 فبراير الجاري، لكي يُدرج ضمن الملفات التي تخضع للدراسة قبل العرض على المحكمة، وقد تم ترتيب هذه الرحلة بالاتفاق مع مختلف الجهات المعنية في النرويج والقاهرة، كما أنهم شرحوا مهمتهم للمسؤولين عن المعبر ونبهوهم إلى أنهم ملتزمون بمواعيد يمكن أن يترتب عليها قرار بعرض الأمر على المحكمة الجنائية الدولية. ولكن ذلك كله لم يشفع لهم، فلم يُسمح لهم بالدخول، على الأقل قبل الموعد الذي ضُرب لهم.





هذا الكلام وأضعاف أضعافه جرى بثه على الهواء مباشرة من أمام المعبر، الأمر الذى شكَّل فضيحة من العيار الثقيل، لم تُكذِّب فقط ادعاء القاهرة بأن المعبر مفتوح للجرحى وجهود الإغاثة، ولكنها وفرت أدلة اتهام وإدانة للموقف المصري، المجرّح أصلا منذ بدأت الحرب، خصوصا أن أحدا لم يقدِّم للممنوعين أى تفسير لإغلاق باب المعبر في وجوههم. وهم الذين تصوروا أن مهمتهم ستقابل بالترحيب والتشجيع من سلطات «الشقيقة الكبرى»،





إننى أخشى أن يكون «الأمن» في هذه الحالة قد قام بدور «الدبة» التي قتلت صاحبها، وهي تحاول أن تهش الذبابة عن صاحبها، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل: إلى متى تظل السياسة في خدمة الأمن وليس العكس؟

ليست هناك تعليقات: