11 فبراير 2009

جدلية العلاقة بين إيران والمقاومة الفلسطينية











جدلية العلاقة بين إيران والمقاومة الفلسطينية

صلاح حميدة
شبكة فلسطين للحوار

لا تكاد الإتهامات لحركة حماس حول علاقتها بإيران تخفت، حتى تتجدد، وخاصة في ظل تصاعد الصراع والمناكفات الداخلية عربياً وفلسطينياً، وتتهم حماس، بأنها أدخلت المارد الإيراني الفارسي الشيعي للبيت العربي من الباب الفلسطيني، بعد أن كان يحاول الدخول إليه من النافذة اللبنانية.

يقدم الذين يهاجمون حركة حماس وعلاقتها بإيران أنفسهم على أنهم حماة العروبة وهل السنة، وتصل اتهاماتهم لحماس بأنها حركة شيعية تتبع للمحور الإيراني الشيعي السوري، في حين يعتبر هؤلاء تاريخياً من أعدى أعداء القوميين والناصريين والبعثيين؟!.

لتوضيح طبيعة العلاقة وتاريخها بين حركة حماس وإيران، وبين جماعة الإخوان المسلمين( أم حماس) والثورة الإيرانية منذ نشأتها، لا بد من سرد بعض الحقائق.

*من المعروف أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة سنية أنشئت عام 1928م، تطالب بإقامة الخلافة الإسلامية، وهي بالتالي سابقة لقيام الثورة الإيرانية بعشرات السنوات.

* قام قادة الثورة الإيرانية بترجمة كتب قادة جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة كتب مفكر الجماعة سيد قطب، ودرسوها لأتباعهم واعتبروها منهجهم للثورة، مع إضافة الصبغة الشيعية عليها، من خلال فكرة ( الولي الفقيه)،إذاً كان التأثير من الإخوان على القائمين على الثورة الإيرانية وليس العكس.

* لم تتطور العلاقة بين الجانبين لتصل إلى صيغة تحالفية، بالرغم من تبني الثورة الإيرانية للقضية الفلسطينية، وإعلانها ليوم القدس العالمي، ومنحها لمنظمة التحرير الفلسطينية سفارة( إسرائيل) لتستخدمها كسفارة لفلسطين، ففي تلك الفترة دعمت إيران حركة فتح بالسلاح والمال والإعلام والسياسة، حتى أن عناصر فتح كانوا يغنون لياسر عرفات:-

( حط إيدك بيد الخميني وانزل علمي) ، ولو سمع أحدهم خطاباً لهاني الحسن أحد مؤسسي حركة فتح حينها وهو يشتم معاوية بن أبي سفيان وولده يزيد لظن أن حركة فتح قد تشيعت.

كما أن علاقة فتح مع الشيعة ومع إيران لم تنقطع، فقد قامت حركة فتح بتدريب النواة الأولى لحزب الله في لبنان، وكان يشرف على ذلك أنيس النقاش القيادي في حركة فتح في حينه، وكان من أبرز من تدربوا في معسكرات فتح من الشيعة، عماد مغنية الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في سوريا قبل عام .

لم تنته علاقة حركة فتح مع الشيعة حتى خلال انتفاضة الأقصى، فقد غيرت حركة فتح لون رايتها لتصبح باللون الأصفر تيمناً بحزب الله اللبناني، وكانوا أول من رفع صور السيد حسن نصرالله بعد حرب تموز، وشكلت مجموعات لكتائب الأقصى بإسم عماد مغنية، وهذه وغيرها، كانت تتلقى الدعم المالي والعسكري من الحزب.

* بالنسبة لحركة حماس، كانت بدايات الإتصال بينها وبين الشيعة، عندما تم إبعاد المئات من قادتها إلى لبنان في بداية التسعينات، بعد عملية أسر الجندي الإسرائيلي نسيم طوليدانو، وبدأت الاتصالات بين الجانبين ، ولكنها بقيت على مستوى منخفض،ولكن حماس فتحت مكتباً لها في طهران، ولم تتهم حماس أبداً أنها تتبع لإيران، فقد كان مكتبها السياسي موجوداً في الأردن، وكان الإتهام لها بأنها تتبع الأردن وتؤيد الخيار الأردني للحل؟!.

بعد وفاة الملك حسين، ساءت العلاقة بين حماس والنظام هناك، فأجبر أعضاء المكتب السياسي للحركة على الإختيار بين البقاء في السجن، أو المغادرة إلى قطر وسوريا وإيران والسودان واليمن، وبقي هؤلاء الأعضاء في تلك الدول في حالة تنقل دائم.

منذ تلك الفترة وحماس تتهم بأنها ضمن المحور السوري - الإيراني - القطري، ويتم تجاهل اليمن والسودان، وأحيانا لا تذكر إلا إيران؟!.

كما أسلفت حماس إبنة جماعة الإخوان المسلمين، الحركة الأكبر والأكثر تنظيماً وتأثيراً على الساحة الفلسطينية، اعتبرت حليفاً طبيعياً لهذه الدول، وبالذات إيران، ففي وضع دولة كبيرة وذات إمكانيات وموارد وطموحات كإيران، ستسارع لاحتضان( حماس ) في الوقت الذي نبذها فيه إخوانها لمعاداتها لحليفهم الأمريكي - الإسرائيلي، مثلما احتضنت حركة فتح قبل ذلك، قبل أن يتم استيعابها وتدجينها في النظام الرسمي العربي.

إعتبر القرار الإيراني بدعم حماس تسليحاً وتدريباً وسياسة قرارأ استراتيجياً، فإيران تعلم علم اليقين أن مفتاح عقول وقلوب المسلمين والعرب في العالم هو في فلسطين، ومن أراد الوصول إلى تلك العقول والقلوب بأسهل الطرق، فما عليه إلا أن يدعم من يقاوم الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، كما أن إيران تعلن ليل نهار أنها تعادي أمريكا وإسرائيل، فكيف ستعاديهما بلا دعم لمن يقاتل إسرائيل بالذات؟.

من الناحية المصلحية الاستراتيجية لدولة تريد أن تلعب دوراً مهماً في المنطقة لا بد لها من تحالفات، وإيران عرفت أن التحالف مع الأقوياء هو الذي يجلب لها الإمتيازات، فاختارت التحالف مع الأقوياء الذين تعلم أنهم هم ورثة المنطقة، فالضعفاء أضحوا أدوات في يد أمريكا وإسرائيل، وأمريكا راحلة من المنطقة على عجل، وإسرائيل لاحقة بها ليس بعيداً جداً.

تعلن حماس ليل نهار أنها ترحب بكل مساعدة تقدم لها من المسلمين والعرب سنتهم وشيعتهم، مسلميهم وغير مسلميهم، عربهم وعجمهم، إضافة للأحرار في العالم على اختلافهم، فحماس تدرك أن قضية فلسطين تحتاج لجهود الجميع، ولذلك فالنباهة وحسن إدارة المعركة تستوجب من حماس استيعاب الجميع لصالح المعركة، فكيف بمن يدعم المقاومة بكل ما تريد؟!.

قررت حماس الإبتعاد عن كافة التناقضات الداخلية في كافة الدول العربية والإسلامية وغيرها، ونأت بنفسها عن كل الصراعات الجانبية، وحصرت معركتها مع الإحتلال على أرض فلسطين، ولذلك استطاعت الوصول إلى صيغة توافق مع النظام السوري الذي ارتكب مجازر بحق الإخوان المسلمين في سوريا، واستطاعت إيجاد صيغة تعاون مع إيران الشيعية التي تختلف معها مذهبياً، وتعمل بجد على إيجاد صيغ مماثلة حتى مع أكثر الدول عداءً لها، كالنظام المصري والسعودي والأردني وغيرهم ممن يمكرون بحماس ويريدون القضاء عليها، ويتحالفون مع إسرائيل لتحقيق هذا الهدف.

إذاً لماذا يتهم خصوم حماس هذه الحركة بأنها(شيعة… شيعة) وأنها عبارة عن أداة في يد إيران، وغيرها من الإتهامات؟

يقول بعض المحللين، أن من يتهمون حماس بهذه الإتهامات يريدون التغطية على تحالفهم المدنس مع إسرائيل وأمريكا، وعمالتهم لها، وأن هذه الأطراف تمارس ما يعرف بالإسقاط النفسي على حماس، فهم يريدون اتهام حماس بما فيهم من عمالة وخيانة وانسياق لأعداء الأمة، وأن أكثر ما يزعجهم هو رفض حماس لركوب قطار الخيانة الأمريكي - الإسرائيلي، الهادف لتصفية القضية الفلسطينية.

ويعتبر هؤلاء المحللون أن هذه الأطراف ليس ما يزعجها لا الشيعة ولا الفرس، فهم كانوا حلفاء لشاه إيران عندما كان عميلاً لأمريكا وإسرائيل، وكان يعلن أنه فارسي وفي عهده احتل الجزر الإماراتية، ولم يفتح أي منهم فمه؟!

بل قام النظام المصري الذي يرفع الآن لواء الحرب على ما يعتبره خطراً إيرانياً، قام هذا النظام باحتضان الشاه الفارسي وكرمه ودفن في مصر؟!.

ويتساءل هؤلاء أيضاً، لو أن إيران اعترفت ب(إسرائيل)، وركبت في القطار الأمريكي، وأعادت سفارة فلسطين حالياً، إلى (إسرائيل) وقطعت كل مساعدة للفلسطينيين، فهل سيبقى الموقف منها هو هو؟!.

بالتأكيد ستصبح إيران حليفاً لهم، وقد يضمونها إلى الجامعة العربية أيضاً.


حركة حماس وأمها جماعة الإخوان المسلمين، حركة ذات إرث كبير، وفكر عميق، حركة غير قابلة للإستيعاب والذوبان والتوظيف، وأكبر دليل على ذلك، أنه بالرغم من التحالف بين حركة حماس وإيران، والدعم السخي من هذه الدولة للمقاومة الفلسطينية، إلا أن أياً من عناصر وجمهور حماس لم يرفع علماً لإيران، ولا صورة لأي قائد إيراني، في حين أن موقفاً دبلوماسياً وإعلامياً لأردوجان، جعل جمهور حماس يحمل أعلام تركيا وصور أردوجان، و رفعت أعلام فنزويلا وهوجو شافيز لموقفه المشرف بقطع علاقات بلاده مع (إسرائيل)، ولم يرفع شيء لسواهم؟!.

قدمت سوريا والسودان وإيران وحزب الله وغيرهم ، أدوات النصر ل(معركة الفرقان)، وعملت هذه الأطراف بصمت وقدمت الكثير، ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو حاقد، ولا بد هنا من شكر كل من قدم شيئاً إيجابياً للشعب الفلسطيني، وأعتقد أن قرار خالد مشعل بالذهاب وشكر الأطراف التي دعمت المقاومة، كان قراراً صائباً، لأنه هناك من جمهور حركة حماس، من يتأثر بالدعاية المضادة للحركة حول علاقتها مع إيران، فيسعى للتماهي معها مذهبياً، فمن المهم أن يعلم كل فلسطيني وكل شخص في العالم أن المقاومة الفلسطينية لا ترفض أي مساعدة مهما كانت، ولكن بلا ثمن سياسي، ولا غير سياسي، كما أنه من المهم أن يعرف الجميع، أن المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، هي محل إجماع غالبية أبناء الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم، ومن الخطأ الجسيم أن تتمحور وتتقولب هذه المقاومة في قوالب محددة، سياسية كانت أو مذهبية، ولتثبت أنها ليست مع طرف أن تقع في شرك طرف آخر، فالمقاومة الفلسطينية أصبحت في وضع تؤثر فيه على الجميع ولا تتأثر منهم، إلا بما لا يحرفها عن فكرها وسياستها.

ليست هناك تعليقات: