السقوط
18.01.2009
بقلم:
كشفت الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة عن أمرين على جانب كبير من الأهمية أظن أنه لن يكون بوسع أحد أن يجادل فيهما قط، لا فى الحاضر ولا فى المستقبل، أيا كانت النتائج النهائية التى ستفضى إليها تلك الحرب، التى لم تكن قد توقفت بعد حتى كتابة هذه السطور،
الأول: فشل عسكرى كبير مُنى به الجيش الإسرائيلى، مشفوع بسقوط أخلاقى مروع للدولة وللمجتمع الإسرائيلى ككل،
والآخر: صمود أسطورى لفصائل المقاومة الفلسطينية، مشفوع بثبات بطولى لشعب أعزل تُرك يقاتل وحيدا لكنه بدا عاقدا العزم ومصمما على تحرير أرضه من احتلال طال أمده، وعلى تحقيق الاستقلال مهما بلغ الثمن الذى تعين عليه دفعه من دماء وعرق.
الفشل العسكرى للجيش الإسرائيلى، الذى يقال إنه أقوى سادس جيش فى العالم، أصبح واضحا وضوح الشمس، وذلك من شواهد كثيرة أهمها:
١- عجزه عن تحقيق أى من أهدافه المعلنة حتى الآن، على الرغم من قيامه بزج خمسين ألفا من أفضل عناصر قواته البرية والبحرية والجوية، وحصوله على تغطية سياسية ودبلوماسية دولية وعربية سمحت له بالاستمرار فى حملته العسكرية أكثر من ثلاثة أسابيع حتى كتابة هذه السطور.
٢- استخدامه أحدث أنواع الأسلحة التى تحتوى عليها ترسانته العسكرية الضخمة بما فيها الأسلحة المحرمة دوليا، باستثناء السلاح النووى!
أما سقوطه الأخلاقى فيبدو واضحا وضوح الشمس أيضا من شواهد كثيرة أهمها:
١- تعمده ضرب المدنيين، بمن فيهم رجال المطافئ، والإسعاف، ورجال الإعلام، والموظفون الدوليون.
٢- هدم البيوت والمساجد والكنائس والمدارس ومكاتب الصحافة والإذاعة والتليفزيون، بل قصف المقابر والمستشفيات أيضا.
٣- استعداده للاستمرار فى حربه القذرة حتى لو أدت إلى إبادة جماعية لمجمل سكان القطاع، بدليل إقدامه على ضرب وإشعال الحرائق فى مخازن الوكالة الدولية لغوث اللاجئين الفلسطينيين، التى تتولى إطعام سبعمائة وخمسين ألف نسمة هم نصف سكان القطاع!
تكشف الأرقام المتاحة حتى الآن عن حقائق مذهلة أهمها:
١- أن عدد ضحايا الجانب الإسرائيلى من الصواريخ الفلسطينية لم يتجاوز طوال السنوات السبع الماضية ثلاثة قتلى وعدة عشرات من الجرحى، بينما بلغ عدد ضحايا الفلسطينيين من الغارات التى ردت بها إسرائيل على هذا القصف فى الفترة نفسها عدة مئات من الشهداء وآلاف الجرحى.
٢- بلغ عدد ضحايا الحرب الدائرة حاليا على قطاع غزة خلال ثلاثة أسابيع فقط ما يزيد على ألف شهيد فلسطينى وحوالى خمسة آلاف جريح، أكثر من ٩٥% منهم من المدنيين العزل، ونصفهم على الأقل من الأطفال والنساء والمسنين.
وهذه الأرقام تكفى وحدها دليلا على أن الحرب الدائرة حاليا ليست دفاعا مشروعا عن النفس، كما تدّعى إسرائيل، وإنما حرب إبادة جماعية ضد السكان الفلسطينيين، وهو ما باتت تعترف به معظم المنظمات العالمية لحقوق الإنسان وتؤكده بيانات عديدة وقع عليها مؤخرا عدد كبير من الحقوقيين وأساتذة القانون فى جامعات عديدة من بينها جامعات أمريكية وأوروبية.
ولأن أجهزة الدولة الإسرائيلية، التى تعتبر نفسها الديمقراطية الوحيدة المزهرة فى المنطقة، وكذلك منظمات المجتمع المدنى الإسرائيلى، التى تدّعى تفوقها الأخلاقى والحضارى، لم تحرك ساكنا واصطفت كليا خلف جيشها المنقض بلا هوادة على فريسته الفلسطينية، بل قام بعضها بالتحريض على مسح غزة كليا من الخريطة دون هوادة - فلا جدال فى أن جيش «الدفاع» الإسرائيلى ليس وحده الذى سقط أخلاقيا، وإنما أخذ معه فى الهوة السحيقة ذاتها جميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى فى إسرائيل.
لقد كان الجيش الإسرائيلى، ولا يزال، أداة القتل الظاهرة فى المذبحة التى ترتكب الآن فى غزة، ومع ذلك فما كان لآلته العسكرية أن تطلق لنفسها العنان للتصرف بمثل هذه الوحشية لولا تواطؤ الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية وبعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر، ولولا تخاذل النظام الدولى وعجز النظام الرسمى العربى كذلك.
وربما يسهل على المرء فهم مواقف الدول الأخرى، رغم استحالة تبريرها، لكن يصعب عليه جدا فهم موقف النظام المصرى من الأزمة الراهنة، ناهيك عن تبريره أو الاقتناع به.
فقواعد القانون والأخلاق تشير إلى أنه كان يتعين على النظام المصرى أن يتصرف على نحو مختلف تماما، وذلك لأسباب كثيرة منها:
١- أن مصر تولت مسؤولية إدارة قطاع غزة منذ ٤٨ وحتى ٦٧ تسببت خلالها فى وقوعه تحت الاحتلال مرتين.
٢- كانت هذه المسؤولية الأخلاقية والقانونية تفرض على مصر تحرير قطاع غزة أولا ثم الاختيار بين بديلين لتحديد مستقبل القطاع، الأول: تسليمه إلى أهله ليديروه بأنفسهم على مسؤوليتهم الخاصة، والآخر: إعادة وضعه تحت إدارتها المباشرة مثلما كان عليه الحال قبل عام ٦٧ إلى أن يحدث توافق عربى على شكل تسوية القضية الفلسطينية ككل.
ورغم تسليمنا بكثرة الصعوبات على هذا الطريق، فإنه ما كان ينبغى على مصر أبدا أن تدفع الأمور فى اتجاه يفضى بها فى النهاية إلى موقف قابل للتفسير على أنه تواطؤ لضرب المقاومة الفلسطينية.
لا أعتقد أن هناك كلمة أخرى غير التواطؤ يمكن أن تصف سلوك النظام الرسمى المصرى خلال الأزمة الحالية. وليس المقصود بالتواطؤ هنا وجود اتفاق مسبق بالضرورة مع إسرائيل للتخلص من منظمة يعتقد - من المنظورين الإسرائيلى والمصرى - أنها باتت تشكل عقبة كبرى فى طريق الحل رغم اختلاف دوافعهما، بل المقصود أن سلوك النظام المصرى، على الصعيدين الدبلوماسى والإعلامى، صب لصالح إسرائيل منذ اندلاع الأزمة وحتى لحظة كتابة هذه السطور.
ولا أظن أننى أبالغ إذا قلت إن إسرائيل نجحت فى إدارة الأزمة على نحو مكنها من توظيف النظام المصرى كليا فى اتجاه تحقيق الأهداف التى تريدها. دليلى على ذلك ما يلى:
أولا: على الصعيد الدبلوماسى:
١- لم يقم النظام المصرى بتوظيف أى من أدوات الضغط، التى يملكها، كالتهديد بسحب أو استدعاء السفير المصرى من تل أبيب وقطع إمدادات الغاز، إذا لم توقف إسرائيل عدوانها فورا، بل إنه لم يقم حتى بتوجيه إدانة قوية للانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولى الإنسانى، واستخدم لغة دبلوماسية تتسم بالميوعة وحتى بعدم الكفاءة المهنية. وفى هذا السياق يمكن القول إن موقف النظام التركى كان أفضل كثيرا من موقفه، على الرغم من علاقات تركيا الوثيقة بكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
٢- إصراره على تبنى دور الوساطة، حيث قام تحت غطاء الحياد الذى يتطلبه هذا الدور، بطرح مبادرة بالتنسيق مع فرنسا لم يكن لها من هدف سوى منح إسرائيل الوقت الذى تريده للإجهاز على فصائل المقاومة المسلحة.
٣- سعيه، بالتنسيق مع كل من السعودية والأردن، لعرقلة المبادرات الرامية لعقد قمة عربية طارئة خوفا من أن تتخذ القمة مواقف متشددة لا يريدها وليس مستعدا للتجاوب معها، مما ساعد مرة أخرى على منح إسرائيل وقتا إضافيا لتنفيذ مهامها.
ثانيا: على الصعيد الإعلامى:
١- عبَّأ النظام أبواقه، وعلى نحو بالغ الفجاجة، لشن حملة على حماس وتحميلها مسؤولية ما حدث وكأن حماس، وليس إسرائيل، هى العدو.
٢- لم تجد الشخصيات الإعلامية المستقلة أو تلك التى تتبنى وجهة نظر مؤيدة أو متفهمة لموقف حماس حيزا يتناسب مع حجمها فى وسائل الإعلام الرسمية. ولأن الدولة نجحت فى حشد وتعبئة النخب المعادية أيديولوجيا للتيار الدينى فى هذه الأزمة، فقد بدت النخبة الفكرية فى مصر، إجمالا، وكأنها منحازة لإسرائيل مما أساء لصورتها كثيرا فى الخارج.
ولم تتمكن وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص - والتى ما زال دورها محدودا بالقياس إلى وسائل الإعلام المملوكة للدولة، للأسف - من تعويض هذا النقص. ولولا المظاهرات الشعبية العارمة التى نقلتها فضائيات عربية وأجنبية لبدت صورة مصر فى عيون الجماهير العربية حالكة السواد.
لم تكن مصر التى عكسها الإعلام الرسمى هى مصر التى يحبها العالم العربى ويحترمها، بصرف النظر عن اختلافه أو اتفاقه مع مواقف نظامها الحاكم. ففى الوقت الذى كان فيه الشعب الفلسطينى يشير بأصابع الاتهام إلى إسرائيل ويعتبره المسؤول الأول والوحيد لمأساته بينما حمم الجحيم تتساقط فوق رؤوسه، بدت مصر الرسمية، من خلال إعلامها، وكأنها تبرر ما ترتكبه إسرائيل من مذابح من خلال محاولة إلقاء المسؤولية على حماس. فهل هناك إيحاء بالتواطؤ أكثر من هذا؟
لا جدال عندى فى أن النظام المصرى سقط أخلاقيًا فى امتحان غزة، مثلما لم يسقط من قبل. وليس هذا دفاعًا عن حماس بل عن مصر التى أعشقها قبل كل شىء!
18.01.2009
بقلم:
كشفت الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة عن أمرين على جانب كبير من الأهمية أظن أنه لن يكون بوسع أحد أن يجادل فيهما قط، لا فى الحاضر ولا فى المستقبل، أيا كانت النتائج النهائية التى ستفضى إليها تلك الحرب، التى لم تكن قد توقفت بعد حتى كتابة هذه السطور،
الأول: فشل عسكرى كبير مُنى به الجيش الإسرائيلى، مشفوع بسقوط أخلاقى مروع للدولة وللمجتمع الإسرائيلى ككل،
والآخر: صمود أسطورى لفصائل المقاومة الفلسطينية، مشفوع بثبات بطولى لشعب أعزل تُرك يقاتل وحيدا لكنه بدا عاقدا العزم ومصمما على تحرير أرضه من احتلال طال أمده، وعلى تحقيق الاستقلال مهما بلغ الثمن الذى تعين عليه دفعه من دماء وعرق.
الفشل العسكرى للجيش الإسرائيلى، الذى يقال إنه أقوى سادس جيش فى العالم، أصبح واضحا وضوح الشمس، وذلك من شواهد كثيرة أهمها:
١- عجزه عن تحقيق أى من أهدافه المعلنة حتى الآن، على الرغم من قيامه بزج خمسين ألفا من أفضل عناصر قواته البرية والبحرية والجوية، وحصوله على تغطية سياسية ودبلوماسية دولية وعربية سمحت له بالاستمرار فى حملته العسكرية أكثر من ثلاثة أسابيع حتى كتابة هذه السطور.
٢- استخدامه أحدث أنواع الأسلحة التى تحتوى عليها ترسانته العسكرية الضخمة بما فيها الأسلحة المحرمة دوليا، باستثناء السلاح النووى!
أما سقوطه الأخلاقى فيبدو واضحا وضوح الشمس أيضا من شواهد كثيرة أهمها:
١- تعمده ضرب المدنيين، بمن فيهم رجال المطافئ، والإسعاف، ورجال الإعلام، والموظفون الدوليون.
٢- هدم البيوت والمساجد والكنائس والمدارس ومكاتب الصحافة والإذاعة والتليفزيون، بل قصف المقابر والمستشفيات أيضا.
٣- استعداده للاستمرار فى حربه القذرة حتى لو أدت إلى إبادة جماعية لمجمل سكان القطاع، بدليل إقدامه على ضرب وإشعال الحرائق فى مخازن الوكالة الدولية لغوث اللاجئين الفلسطينيين، التى تتولى إطعام سبعمائة وخمسين ألف نسمة هم نصف سكان القطاع!
تكشف الأرقام المتاحة حتى الآن عن حقائق مذهلة أهمها:
١- أن عدد ضحايا الجانب الإسرائيلى من الصواريخ الفلسطينية لم يتجاوز طوال السنوات السبع الماضية ثلاثة قتلى وعدة عشرات من الجرحى، بينما بلغ عدد ضحايا الفلسطينيين من الغارات التى ردت بها إسرائيل على هذا القصف فى الفترة نفسها عدة مئات من الشهداء وآلاف الجرحى.
٢- بلغ عدد ضحايا الحرب الدائرة حاليا على قطاع غزة خلال ثلاثة أسابيع فقط ما يزيد على ألف شهيد فلسطينى وحوالى خمسة آلاف جريح، أكثر من ٩٥% منهم من المدنيين العزل، ونصفهم على الأقل من الأطفال والنساء والمسنين.
وهذه الأرقام تكفى وحدها دليلا على أن الحرب الدائرة حاليا ليست دفاعا مشروعا عن النفس، كما تدّعى إسرائيل، وإنما حرب إبادة جماعية ضد السكان الفلسطينيين، وهو ما باتت تعترف به معظم المنظمات العالمية لحقوق الإنسان وتؤكده بيانات عديدة وقع عليها مؤخرا عدد كبير من الحقوقيين وأساتذة القانون فى جامعات عديدة من بينها جامعات أمريكية وأوروبية.
ولأن أجهزة الدولة الإسرائيلية، التى تعتبر نفسها الديمقراطية الوحيدة المزهرة فى المنطقة، وكذلك منظمات المجتمع المدنى الإسرائيلى، التى تدّعى تفوقها الأخلاقى والحضارى، لم تحرك ساكنا واصطفت كليا خلف جيشها المنقض بلا هوادة على فريسته الفلسطينية، بل قام بعضها بالتحريض على مسح غزة كليا من الخريطة دون هوادة - فلا جدال فى أن جيش «الدفاع» الإسرائيلى ليس وحده الذى سقط أخلاقيا، وإنما أخذ معه فى الهوة السحيقة ذاتها جميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى فى إسرائيل.
لقد كان الجيش الإسرائيلى، ولا يزال، أداة القتل الظاهرة فى المذبحة التى ترتكب الآن فى غزة، ومع ذلك فما كان لآلته العسكرية أن تطلق لنفسها العنان للتصرف بمثل هذه الوحشية لولا تواطؤ الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية وبعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر، ولولا تخاذل النظام الدولى وعجز النظام الرسمى العربى كذلك.
وربما يسهل على المرء فهم مواقف الدول الأخرى، رغم استحالة تبريرها، لكن يصعب عليه جدا فهم موقف النظام المصرى من الأزمة الراهنة، ناهيك عن تبريره أو الاقتناع به.
فقواعد القانون والأخلاق تشير إلى أنه كان يتعين على النظام المصرى أن يتصرف على نحو مختلف تماما، وذلك لأسباب كثيرة منها:
١- أن مصر تولت مسؤولية إدارة قطاع غزة منذ ٤٨ وحتى ٦٧ تسببت خلالها فى وقوعه تحت الاحتلال مرتين.
٢- كانت هذه المسؤولية الأخلاقية والقانونية تفرض على مصر تحرير قطاع غزة أولا ثم الاختيار بين بديلين لتحديد مستقبل القطاع، الأول: تسليمه إلى أهله ليديروه بأنفسهم على مسؤوليتهم الخاصة، والآخر: إعادة وضعه تحت إدارتها المباشرة مثلما كان عليه الحال قبل عام ٦٧ إلى أن يحدث توافق عربى على شكل تسوية القضية الفلسطينية ككل.
ورغم تسليمنا بكثرة الصعوبات على هذا الطريق، فإنه ما كان ينبغى على مصر أبدا أن تدفع الأمور فى اتجاه يفضى بها فى النهاية إلى موقف قابل للتفسير على أنه تواطؤ لضرب المقاومة الفلسطينية.
لا أعتقد أن هناك كلمة أخرى غير التواطؤ يمكن أن تصف سلوك النظام الرسمى المصرى خلال الأزمة الحالية. وليس المقصود بالتواطؤ هنا وجود اتفاق مسبق بالضرورة مع إسرائيل للتخلص من منظمة يعتقد - من المنظورين الإسرائيلى والمصرى - أنها باتت تشكل عقبة كبرى فى طريق الحل رغم اختلاف دوافعهما، بل المقصود أن سلوك النظام المصرى، على الصعيدين الدبلوماسى والإعلامى، صب لصالح إسرائيل منذ اندلاع الأزمة وحتى لحظة كتابة هذه السطور.
ولا أظن أننى أبالغ إذا قلت إن إسرائيل نجحت فى إدارة الأزمة على نحو مكنها من توظيف النظام المصرى كليا فى اتجاه تحقيق الأهداف التى تريدها. دليلى على ذلك ما يلى:
أولا: على الصعيد الدبلوماسى:
١- لم يقم النظام المصرى بتوظيف أى من أدوات الضغط، التى يملكها، كالتهديد بسحب أو استدعاء السفير المصرى من تل أبيب وقطع إمدادات الغاز، إذا لم توقف إسرائيل عدوانها فورا، بل إنه لم يقم حتى بتوجيه إدانة قوية للانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولى الإنسانى، واستخدم لغة دبلوماسية تتسم بالميوعة وحتى بعدم الكفاءة المهنية. وفى هذا السياق يمكن القول إن موقف النظام التركى كان أفضل كثيرا من موقفه، على الرغم من علاقات تركيا الوثيقة بكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
٢- إصراره على تبنى دور الوساطة، حيث قام تحت غطاء الحياد الذى يتطلبه هذا الدور، بطرح مبادرة بالتنسيق مع فرنسا لم يكن لها من هدف سوى منح إسرائيل الوقت الذى تريده للإجهاز على فصائل المقاومة المسلحة.
٣- سعيه، بالتنسيق مع كل من السعودية والأردن، لعرقلة المبادرات الرامية لعقد قمة عربية طارئة خوفا من أن تتخذ القمة مواقف متشددة لا يريدها وليس مستعدا للتجاوب معها، مما ساعد مرة أخرى على منح إسرائيل وقتا إضافيا لتنفيذ مهامها.
ثانيا: على الصعيد الإعلامى:
١- عبَّأ النظام أبواقه، وعلى نحو بالغ الفجاجة، لشن حملة على حماس وتحميلها مسؤولية ما حدث وكأن حماس، وليس إسرائيل، هى العدو.
٢- لم تجد الشخصيات الإعلامية المستقلة أو تلك التى تتبنى وجهة نظر مؤيدة أو متفهمة لموقف حماس حيزا يتناسب مع حجمها فى وسائل الإعلام الرسمية. ولأن الدولة نجحت فى حشد وتعبئة النخب المعادية أيديولوجيا للتيار الدينى فى هذه الأزمة، فقد بدت النخبة الفكرية فى مصر، إجمالا، وكأنها منحازة لإسرائيل مما أساء لصورتها كثيرا فى الخارج.
ولم تتمكن وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص - والتى ما زال دورها محدودا بالقياس إلى وسائل الإعلام المملوكة للدولة، للأسف - من تعويض هذا النقص. ولولا المظاهرات الشعبية العارمة التى نقلتها فضائيات عربية وأجنبية لبدت صورة مصر فى عيون الجماهير العربية حالكة السواد.
لم تكن مصر التى عكسها الإعلام الرسمى هى مصر التى يحبها العالم العربى ويحترمها، بصرف النظر عن اختلافه أو اتفاقه مع مواقف نظامها الحاكم. ففى الوقت الذى كان فيه الشعب الفلسطينى يشير بأصابع الاتهام إلى إسرائيل ويعتبره المسؤول الأول والوحيد لمأساته بينما حمم الجحيم تتساقط فوق رؤوسه، بدت مصر الرسمية، من خلال إعلامها، وكأنها تبرر ما ترتكبه إسرائيل من مذابح من خلال محاولة إلقاء المسؤولية على حماس. فهل هناك إيحاء بالتواطؤ أكثر من هذا؟
لا جدال عندى فى أن النظام المصرى سقط أخلاقيًا فى امتحان غزة، مثلما لم يسقط من قبل. وليس هذا دفاعًا عن حماس بل عن مصر التى أعشقها قبل كل شىء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق