21 فبراير 2009

عجز عربي مصطنع


عجز عربي مصطنع
07.01.2009

بقلم: عبدالبارى عطوان

كثير من الزعماء 'غير العرب' تمنيناهم أن يكونوا عربا، في زمن القحط والهوان الذي نعيشه حاليا، بعضهم أفارقة مثل نيلسون مانديلا، وبعضهم أمريكيون لاتينيون مثل هوجو تشافيز رئيس فنزويلا، واليوم نضيف ضيفا جديدا إلى قائمة تمنياتنا اسمه رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا.

السيد اردوغان طاف بالمنطقة العربية لإثارة نخوة الزعماء العرب، وحثهم على التصدي للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، والبحث عن طريقة لوقف المجازر التي يتعرض لها العزل الذين يقصفون بالصواريخ من الجو والبحر والبر، في ظل حصارخانق وانعدام كل أسباب الحياة الأساسية. ومن المؤسف أنه لم يجد أي نخوة أو كرامة لدى معظم الزعماء العرب الذين التقاهم.
بالأمس طفح كيل السيد اردوغان، وكشف عن معدنه الإسلامي الأصيل، عندما شن هجوما غير مسبوق على الدولة العبرية وقياداتها، وأعلن دون تردد انحيازه إلى أشقائه الذين تذبحهم آلة الدمار الاسرائيلية في قطاع غزة، وذّكر اليهود بأن الامبراطورية العثمانية الذي هو أحد أحفادها وفرت لهم الحماية عندما تعرضوا للقتل والاضطهاد، وقال إنهم الآن يطحنون عظام الابرياء والأطفال ويديرون ظهورهم لكل ثقافات التعايش. وأكد أمام اجتماع لحزبه أن ما يجري حاليا في قطاع غزة هو بقعة سوداء في تاريخ اليهود والإنسانية عامة.

هذا الكلام الذي يصدر عن زعيم دولة تركية علمانية تريد الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، وإقامة علاقات وثيقـــة مع الغــرب، لم يصـــدر عن أي زعيم عربي مـــن دول الاعتدال أو الممانعة على حـــد سواء، لانهـــم ما زالوا يمسكون العصا من الوسط، ويخشون سطوة اللوبي الاسرائيلي والغضب الامريكي.


من المؤسف أن جميع الذين يتحركون حاليا لوقف المجازر الوحشية في حق أشقائنا وأهلنا في قطاع غزة هم من غير العرب، وكأن هذه الأمة غير موجودة على خريطة الفعل، لا بل الخريطة الإنسانية، وكأن هذه 'المجازر الوحشية' على حد وصف السيد اردوغان، لا تعني القادة العرب ولا تحرك شعرة كرامة في رؤوسهم.

الزعماء العرب يستطيعون أن يفعلوا الكثير، لو أرادوا وقف هذا العدوان البشع والدموي.

فالمملكة العربية السعودية هزت مصداقية أعظم قضاء مستقل في العالم، ومرّغت سمعته في الأرض عندما هددت بوقف التنسيق الأمني مع بريطانيا إذا لم توقف تحقيقاتها في عمولات ورشاوى صفقة أسلحة اليمامة ، المتورط فيها بعض أبناء الأسرة الحاكمة. أما الجماهيرية الليبية فقد أذلت سويسرا وأوقفت النفط عنها، وهددت بسحب الأرصدة من بنوكها إذا لم تتوقف الحكومة السويسرية عن مقاضاة أحد أبناء الزعيم الليبي بتهمة الاعتداء على بعض الخدم العاملين لدى أسرته أثناء وجوده في سويسرا.

الطائرات الإسرائيلية ذبحت بالأمس أربعين فلسطينيا، معظمهم من الأطفال عندما ألقت بصواريخها على مدرسة تابعة لوكالة غوث اللاجئين التجأوا إليها طلبا للأمان، بعد أن نسفت بيوتهم في جباليا وبيت حانون ومناطق أخرى. صور أشلاء الأطفال تحرك صخور جبال الهــملايا، ولكن يبدو أن قلوب الزعماء العرب أكثر صلابة، وتحصينا من أي تعاطف مع هؤلاء الضحايا وأهاليهم.
دماء هؤلاء في رقبة الرئيس المصري حسني مبارك أولا، ثم كل الزعماء العرب ثانيا، لأنهم مصرّون على صمتهم وادارة ظهورهم لهذه المجازر، في لا مبالاة مخجلة.
نقول الرئيس مبارك أولا، لأنه يغلق الحدود بالكامل، ويعطي أوامره لقواته التي عزز وجودها على الجانب الآخر، بإطلاق النار على كل هارب بحياته وأطفاله إلى أرض مصر المباركة طلبا للأمان.
لا نريد من الرئيس مبارك ان يرسل الدبابات والطائرات، وأن يحارب هذا العدوان الهمجي، وإن كان هذا واجبه، فأهل غزة يقعون تحت مسئولياته القانونية والأخلاقية باعتبارهم كانوا خاضعين للإدارة المصرية عندما جرى احتلال قطاعهم، ما نريده فقط أن يفتح الحدود وأن يسمح للأطباء والمواد الاساسية بالوصول إلى من هم بحاجة ماسة اليها.

باكستان فتحت حدودها للمهاجرين الأفغان، طوال العقود الماضية، ويوجد على أراضيها ثلاثة ملايين منهم، والكونغو الفقيرة المعدمة استقبلت مليوني لاجئ، أما السودان، وقبل اكتشاف النفط، فقد استوعب أكثر من أربعة ملايين اريتري واثيوبي وأوغندي. سورية استقبلت مليوني عراقي، والأردن مليونا ونصف المليون، فلماذا يغلق الرئيس مبارك الحدود بهذه الطريقة الوحشية أمام الأطفال والمدنيين، ويتفرج في الوقت نفسه من منتجعه الفخم في شرم الشيخ على الطائرات والزوارق والدبابات الاسرائيلية وهي تطحن عظام الاطفال والنساء؟
هذه ليست مصر التي نعرفها، فأبناء مصر شرفاء شجعان أبطال كشفواعن معادنهم الأصيلة في كل معارك الامة وانتصروا لكل مظلوم وقدموا آلاف الشهداء.

الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لن يرفع الرايات البيضاء، وسيظل يقاوم هذا العدوان الوحشي بنفسه، وبصدور أبنائه العامرة بالإيمان وقيم العدالة، ومن يراهن على رضوخه للهوان والذل الإسرائيلي يرتكب خطأ فادحا. فهؤلاء هم الذين طردوا الاسرائيليين مهزومين من قطاع غزة قبل خمس سنوات، وهم الذين سيجعلونهم يدفعون ثمنا غاليا في عودتهم الحالية.
إنهم 'صفوة الصفوة' يحملون في دمائهم جينات أمة عربية إسلامية عريقة، لا يترددون في التضحية، ويرفضون الردة، والتنكر لانتمائهم العربي الاسلامي، رغم الخذلان الذي يواجهونه، من قبل من يملكون الجيوش الجرارة، والجنرالات العظام أصحاب أوسمة الشجاعة الذين لم يخوضوا معركة واحدة.

مرة أخرى نقول إن العالم الغربي سقط في اختبار غزة الأخلاقي، فكيف نتوقع منه أن ينجح وهو الذي أيد العدوان على العراق وصفق لمقتل مليون ونصف المليون من أبنائه، وحصاره قبل ذلك؟ إنه عالم منافق مزدوج المعايير لا يمكن إلا أن ينتصر للعدوان والنازيين الإسرائيليين الجدد.
ومع هذا النفاق الغربي سقط أيضا حل الدولتين وخريطة الطريق، وعملية انابوليس، ولم يعد هناك إلا حل الدولة الواحدة فقط ووفق الثوابت العربية والاسلامية.

نطالب بطرد توني بلير المبعوث الدولي وكل المبعوثين الغربيين الذين لا يدينون هذه المجازر، ويترددون في قول الحقيقة بالطريقة التي يجب أن تقال بها. أما مسك العصا من الوسط، والتركيز بشكل ممل ومعيب على صواريخ المقاومة وتحميلها مسئولية ما يحدث مثلما فعل الرئيس الفرنسي ساركوزي فهذا ليس تواطؤا مع العدوان وإنما مشاركة فيه.







لماذا لم نعد نتعجب عند سماع الأخبار التالية:-

· أعلن بعض المحامين المصريين من أذناب النظام الحاكم اليوم 07/01/2009 تقدمهم بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد حسن نصر الله لتحريضه المصريين ضد حكومتهم.

· نشرت صحيفة هآرتس أن مبارك أعلن على وفد الترويكا الأوروبية (التشيك وفرنسا والسويد) الذي زار مصر أول أمس رغبته في عدم انتصار حماس في غزة.

· وسط جو الأحزان لم تتمالك السيدة عائشة عبدالهادي أمينة المرأة بالحزب الوطني‏,‏ ووزيرة القوي العاملة والهجرة نفسها كإنسانة وانهمرت دموعها‏,‏ وهي تزور منزل أسرة الشهيد الرائد ياسر فريج عيسوي بمدينة شبين الكوم عند لقائها زوجة الشهيد ومصافحة أبنائها‏.‏

القدس العربي

ليست هناك تعليقات: