17 فبراير 2009

ثغرات في جدار الجيش الإسرائيلي


ثغرات في جدار الجيش الإسرائيلي
فكرة "جيش الشعب" العبري انتهت
العزيمة تتراجع رغم التقدم العسكري لإسرائيل




محيط - خاص

من مركز الزيتونة -
مريم الجمّال

أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتابه الجديد بعنوان "ثغرات في جدار الجيش الإسرائيلي"، الذي يسلط الضوء على أبرز العيوب والمخاطر التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي؛ وذلك في ظلّ الأحاديث التي تردّدت مؤخراً في دوائر صنع القرار حول غياب أنموذج "جيش الشعب" الذي كان يتغنى به كبار قادة الدولة العبرية.

يقع الكتاب، الذي ألفه عدنان أبو عامر، في 358 صفحة من القطع المتوسط. ويتناول أبرز الإخفاقات العسكرية الإسرائيلية، خاصة في الحرب الأخيرة على لبنان. كما يبرز أهم نقاط القوة والضعف لدى الجيش الإسرائيلي، من وجهة نظر الإسرائيليين أنفسهم، في مختلف الجوانب، التسليحية، والبنيوية، والهيكلية، إضافة إلى ما يحدق بالجيش من مخاطر داخلية وخارجية.

وتُظهر الدراسة صورة مغايرة للجيش الإسرائيلي، بخلاف الصورة النمطية التي رسمتها وسائل الإعلام والتي تحيطه بهالة مفتعلة.

وقد اعتمد الكاتب في دراسته، على مصادر ومراجع عبرية، واستعان بالأرقام والجداول الإحصائية، مقدماً معلومات مهمة وجديدة للباحثين وصناع القرار.

تعريف بالجيش الإسرائيلي

استُهل الفصل الأول من الكتاب بلمحة عن نشأة الجيش الإسرائيلي الذي قام سنة 1948 على أنقاض العصابات الصهيونية المسلحة، وعن فكره العسكري المعتمد على أساس الدفاع عن حدود "إسرائيل"، ونقل المعركة إلى أرض العدو، والاعتماد على قوته الاستخبارية وتفوقه العسكري؛ تلاها استعراض لهيكلية الجيش، بفروعه وأقسامه.

ثم تحدث الكاتب عن عبء الميزانية الأمنية، التي تستهلك 30% من ميزانية الدولة؛ حيث يعمد الجيش إلى تهويل الأخطار الأمنية الخارجية لدى الحكومة والمجتمع، كوسيلة ضغط للموافقة على زيادة ميزانيته، التي بلغت سنة 2007 حوالي 12.5 مليار دولار. ويُتهم الجيش بالتبذير في صرفها، خاصة وأن عشرات البنود في الموازنة سرية.


وقد كشف الباحث، مدعماً بالأمثلة والتقارير، أن الترفيع في صفوف الجيش يتم بناء على إنجاز يحققه الجندي في الميدان، يظهر فيه روحاً قيادية عالية، وليس بالضرورة من خلال التدرج والتأهيل اللازمين. وهو ما قد يوجد مشاكل في نموذج القادة، والبنية التأهيلية للجيش.

ثم عرّف الكاتب وحدات الجيش العسكرية بأقسامها وأدوارها، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، مستعرضاً أهم الإخفاقات الاستخبارية التي وقع فيها الجيش أثناء احتلاله وحروبه مع لبنان، والتي تركزت في الفشل في اختراق حزب الله.
بعد ذلك، تطرق الكاتب إلى عملية التجنيد. فـ"إسرائيل" هي البلد الوحيد في العالم حيث الخدمة العسكرية إلزامية للرجال والنساء، ضمن شروط وتصنيفات ومُدد محددة، تنتهي بالتحاق المجند/ المجندة بإحدى فرق الاحتياط. ولكن فعلياً، فإن أكثر من 40% من المجندين لا يستكملون مدّة خدمتهم، لأسباب مختلفة، وهو ما ينعكس سلباً على قدرات الجيش، من حيث عدد الأفراد والتدريبات والجاهزية. إضافة إلى مشاكل أخرى، كتزايد نفوذ الصهاينة المتدينين، والتمييز ضد النساء، وتراجع الدافع للخدمة العسكرية من القتال من أجل البقاء إلى تحقيق مكاسب شخصية.

ثم جاء الحديث عن كل من أسلحة البر والطيران والبحرية، والصناعات العسكرية، وما لحِقَ بها من تطوير وتعديل، لتحافظ على تفوقها العسكري.
وختم الكاتب الفصل الأول، بالحديث عن العقيدة القتالية. فمنذ قيام "إسرائيل" عمدت إلى بناء مفاهيم عسكرية استراتيجية ممنهجة، تقوم على مبدأ الجيش الذي لا يقهر. ولكن تحوّل طبيعة المواجهات من الحروب التقليدية إلى حرب العصابات والاستنزاف المتواصلة مع المقاومة، إضافة إلى التغيير السياسي والتكنولوجي والاجتماعي والإعلامي على مستوى العالم، فرض تحولات في الاستراتيجية العسكرية والسياسة الأمنية الإسرائيلية.

الإخفاقات العسكرية

في الفصل الثاني، استعرض الباحث أبرز الإخفاقات العسكرية للجيش الإسرائيلي. واستهلها بالحديث عن حيثيات هزيمة حرب أكتوبر 1973، وما أثارته من انتقادات وما كشفته من ثغرات استخبارية وعسكرية آنذاك. ثم جاء على ذكر انتفاضتي الشعب الفلسطيني في سنة 1987 وسنة 2000، وما حققتاه من إنجازات عسكرية وسياسية، أثبتت فشل الجيش الإسرائيلي في ردعها وفي منْحِ الإسرائيليين الأمن؛ على الرغم من الممارسات الوحشية التي انتهجتها "إسرائيل" بحق الفلسطينيين، والتي فضحت حقيقة العنصرية والهمجية الإسرائيلية للرأي العام العالمي. ثم عرضَ الدروس التي خرج بها الجيش من الانتفاضتين، ولعل أبرزها قناعة الإسرائيليين بأنه لا يوجد حل عسكري للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأن الاحتلال لا يمكن أن يستمر للأبد. كما طرح الكاتب الأخطاء التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، سياسياً وتنظيمياً، في تعامله مع الانتفاضتين، معدداً الخسائر التي ألحقتاها بـ"إسرائيل"، وكان أهمّها الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وفقدان الشعور بالأمن لدى سائر سكان "إسرائيل".


واستكمل الكاتب عرض إخفاقات الجيش الإسرائيلي أمام حزب الله، خاصة في حرب تموز الأخيرة: سياسياً، فشلت المراهنة على عملية سياسية في لبنان تضعف مكانة حزب الله الداخلية. ومن الناحية الاستخبارية، أخفقت أجهزة الاستخبارات في جمع معلومات عن قوة حزب الله العسكرية، وحجم استعداداته. أمّا على الصعيد العسكري، فقد كشفت الأحداث عن عدم استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب، من ناحية التجهيزات والتدريبات. ميدانياً، شكل اعتماد الجيش على سلاح الجو خطأ فادحاً، كما جرى الحديث عن فشل أداء القيادات العسكرية في ساحة الحرب. أضف إلى ذلك أن القيادة الإسرائيلية لم تكن تملك رؤية واضحة عن حجم وشكل وأهداف حربها على لبنان. هذه الإخفاقات، أضعفت الروح المعنوية الإسرائيلية، واستدعت تقييم للحرب، واستخلاص الدروس منها.

وفي ختام الفصل الثاني عالج الكاتب أسباب إخفاقات الجيش الإسرائيلي. فالجيش بات يعاني من جمود وتخلف الذهنية العسكرية، ومن تراجع عدد الجنود وساعات الخدمة. كما أن استمرار المواجهة بين الجيش والمقاومة لعقود، أدى إلى حالة إحباط لدى الإسرائيليين. وقد عرض الكاتب أقوال 15 شخصية سياسية وصحفية بارزة في "إسرائيل"، أجمعت على فشل الجيش في القضاء على المقاومة، لأنها عقيدة معنوية كامنة في وجدان الشعب الفلسطيني، وليست مجرد بنية مادية تدمّر عسكرياً.

المخاطر الداخلية

تناول الفصل الثالث ما يحدق بالجيش الإسرائيلي من مخاطر داخلية. أبرزها تحوله من جيش حربي يدافع عن حدود الدولة، إلى شرطة قمع تمارس أبشع السلوكيات لقمع الانتفاضة والتنكيل بالمدنيين، الأمر الذي أضعف من قدرات الجيش كقوة مقاتلة في ساحات الحروب. وقد أدرج الكاتب شهادات لجنود إسرائيليين، يعترفون فيها بجرائمهم ضد الفلسطينيين، ويبررونها بحجة الدفاع عن وجودهم، ما يبدد ادعاءات قادتهم بـ"طهارة السلاح".

ثم انتقل إلى الحديث عن مظاهر التفكك في الجيش الإسرائيلي. وسرد عدداً من الثغرات الأمنية كحوادث سرقة السلاح من القواعد العسكرية، وإهمال المركبات العسكرية والأسلحة. ثم عرج على ظاهرة تراجع ثقة المجتمع الإسرائيلي بالجيش، وأزمة الثقة الداخلية بين القادة والجنود، فضلاً عن تزايد حالات التمرد والأمراض النفسية والانتحار بين الجنود. وقد أجبرت هذه الظواهر المَرَضِية هيئة الأركان، على البحث عن صيغ لحل هذه المشاكل، محاوِلة إعادة الانضباط الصارم للجيش، ووقف القطيعة السائدة بين بعض القادة، وزيادة التدريبات العسكرية، وإعادة الثقة والاعتزاز بالجيش، وإبعاد الجيش عن التجاذبات السياسية.

بعد ذلك عالج الباحث، ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في الجيش؛ التي باتت تشكل خطراً لوصولها إلى الوحدات النخبوية في الجيش، وظهورها إعلامياً، وارتفاع نسبة المتهربين من الخدمة إلى 25% سنة 2007. وتتنوع أسباب رفض الإسرائيليين للخدمة، وأهمّها تحوّل المجتمع الإسرائيلي نحو العلمانية والرفاهية، وتراجع الأيديولوجية الصهيونية والقيم الدينية لديه. كما أن توالي الضربات على الجيش، أدى إلى تراجع هيبته، والخوف من المقاومة. وتعمد "إسرائيل" إلى محاربة هذه الظاهرة، بتخوين الرافضين للخدمة ومقاضاتهم، وإعادة المكانة المعنوية للجيش في المجتمع، خاصة وأن حركة رفض الخدمة باتت تلاقي تأييداً واسعاً لدى قطاعات الرأي العام والجمعيات الأهلية والشخصيات الاعتبارية.

واختتم الكاتب الفصل الثالث، بمعالجة إشكالية العلاقة بين الجيش والمستوى السياسي في "إسرائيل". فالمؤسسة العسكرية تحتل مكانة رفيعة في الدولة، لارتباط الأمن بقيام "إسرائيل" واستمرار وجودها. ومع مرور السنوات، وفي ضوء عبر استخلصت من الحروب، تبلورت وسائل رقابة رسمية للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية على الجيش، كلجنة الخارجية والأمن في الكنيست، ومجلس الأمن القومي وجهاز المحاكم، وقامت لجان تحقيق أسهمت في رسم حدود السلطة السياسية على الجيش. إلا أن المؤسسة الأمنية، ظلت صاحبة التأثير الأكبر في إدارة البلاد، ويظهر ذلك من خلال عدد العسكريين الذين تقلدوا مناصب سياسة، الأمر الذي حول الجيش من الجسم التنفيذي للدولة، إلى صاحب القرار فيها. كما أن "إسرائيل" هي الدولة الوحيدة التي يشارك في اجتماعاتها الوزارية قادة الجيش والمخابرات.

التهديدات الخارجية


خصص الكاتب الفصل الرابع، للحديث عن التهديدات الخارجية على الجيش، ويأتي في مقدمتها التهديد الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية. إذ إن المقاومة نجحت في بناء تنظيمات عسكرية زعزعت الأمن الإسرائيلي، وبعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، بات الإسرائيليون يخشون من تحول المقاومة إلى جيش قوي مسلح يهدد وجود "إسرائيل"، خاصة مع ظهور سلاح الصواريخ، الذي يرى فيه الإسرائيليون خطراً استراتيجياً إذا انتقل إلى الضفة. وقد عرض الكاتب الجهود التي بذلتها "إسرائيل" على مدى سبع سنوات للحد من تهديد الصواريخ، والتي انتهت، حتى الآن، بفشله في إيقافها؛ بفضل ثبات المقاومة، وقدرتها على تطوير أدائها، وكسب تأييد الفلسطينيين، مقابل فشل البديل التفاوضي في تحقيق الحدّ الأدنى من مقومات السلام.

بعد ذلك، انتقل الحديث إلى تهديد حزب الله، الذي ما زال يشكل خطراً على "إسرائيل"، بسبب انتصاراته السابقة عليها، وعدائه المستمر معها، وما يملكه من صورايخ تصل لعمقها، وتحالفه مع خصومها (سوريا وإيران). وقد ساد إجماع في أوساط الإسرائيليين بفشل الحرب الأخيرة على لبنان وشراسة مقاتلي حزب الله، الذين كبدوا "إسرائيل" خسائر فادحة، ونجحوا بفرض قواعد اللعبة على الجيش الإسرائيلي.

واستكمل الكاتب الكلام عن "قوس التهديدات" المحيط بـ"إسرائيل"، من التهديد النووي الإيراني، والتهديد السوري، وما تمتلكه الدول المجاورة من صواريخ يمكن أن تصوّب يوماً ما ضدها، وخطر "الجهاد العالمي" الذي يرى "إسرائيل" كأحد أهدافه.

ثم بحث تراجع قوة الردع الإسرائيلية؛ فعلى مدى عقود، نجحت "إسرائيل" في فرض نفسها كقوة عسكرية كبرى ردعت الجيوش العربية عن قتالها. ولكنها فشلت في ردع منظمات المقاومة، بسبب سلسلة الاخفاقات التي أصابت قواتها، وهشاشة قدرتها الداخلية على الممانعة، وتآكل قدرتها العسكرية، وعجزها حتى الآن عن استعادة هيبتها.

بعد ذلك، تناول الكاتب موضوع المساعدات الأمريكية لـ"إسرائيل". فعلى الرغم من أن "إسرائيل" تنتج 12% من السلاح العالمي، إلا أنها تتلقى مساعدات عسكرية ضخمة من الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن الدعم المادي، والاقتصادي، والسياسي، والاستخباري. ويعود ذلك لما بينهما من تحالف استراتيجي ومصالح مشتركة، إضافة إلى تأثير الصهاينة والمحافظين الجدد على القرار الأمريكي. إلا أن هذه المساعدات تتضاءل، لاعتبارات أخلاقية وسياسية واقتصادية، وهو ما قد يسفر عن تراجع "الدور الوظيفي" لـ"إسرائيل" بالنسبة للولايات المتحدة.

وفي ختام الفصل الرابع، عرض الكاتب ما اقترحه خبراء عسكريون من خطوات إصلاحية لعلاج العيوب في الجيش الإسرائيلي. تتركز في إجراء تغييرات في الذهنية العسكرية، ومفهوم الأمن، وبنية الجيش وتأهيله.

وختاماً تقول الدراسة إنه على الرغم من التقدم العسكري الذي شهده الجيش الإسرائيلي في قواته وتسليحه وإمكاناته اللوجستية، ومحافظته على قوة متفوقة على دول المنطقة مجتمعة، إلا أن هذا التقدم ترافق مع تراجع في الإرادة والعزيمة التي تحرك كل هذه القوات والجنود، الأمر الذي شهدت به عدة جبهات حربية في فلسطين وخارجها.


ليست هناك تعليقات: