12 فبراير 2009

إسماعيل هنية :((التحقنا بحركة حماس لنكون شهداء لا وزراء))



إسماعيل هنية: رجل الدولة والوحدة الوطنية

ياسر قدورة

لا يحتفظ التاريخ العربي بأسماء الكثير من المسؤولين الذين أعلنوا عن استعدادهم الحقيقي للتنحي عن القيادة إذا ما دعت المصلحة الوطنية لذلك، بل إن الكثيرين منهم كانوا على استعداد للتضحية بالمصلحة الوطنية، وبعضهم بالوطن، من أجل البقاء في سدة الحكم.
رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية يسجل سابقة تضاف إلى سجله المشرف. ففي الوقت الذي تزداد فيه شعبيته وترتفع أسهمه بين أبناء شعبه يعلن أنه على استعداد للتخلي عن منصب رئاسة الحكومة إذا كان ذلك سيحقق الوحدة الوطنية أو يرفع الحصارعن الشعب الفلسطيني.
هذا القائد الذي حاز على ثقة شعبه بجدارة في الانتخابات التشريعية على رأس قائمة التغييروالإصلاح، لم يخذل ناخبيه ولم ينكث بوعوده، فالتزم الإصلاح والتغيير ابتداء من موقع رئاسة الحكومة.
ولد إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ عام 1963 في قطاع غزة، من أسرة لاجئة من قرية الجورة في عسقلان.
درس في مدارس ((الأنروا))، وحصل على الثانوية العامة من معهد الأزهر، وتخرج من الجامعة الإسلامية في غزة كلية التربية - قسم اللغة العربية، وبرز في العمل الطلابي، ومن ثم ترأس الكتلة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في غزة.
أبعدته سلطات الاحتلال إلى جنوب لبنان في 17/12/1992، واعتقل في أعوام 1987 و1988و1989.
ثم عمل مديراً لمكتب الشيخ الشهيد أحمد ياسين، رشحته حماس لرئاسة قائمة التغيير والإصلاح، ثم كلف في 21/2/2006 برئاسة الحكومة الفلسطينية.
نجا من محاولة لاغتياله واغتيال الشيخ أحمد ياسين في غزة في 6/9/2003.
للمرة الأولى يرى الشعب الفلسطيني رئيس حكومة لا يحمل بطاقة الـ VIP ويخفض راتبه إلى أقل من النصف ويأبى أن يتسلم ما تبقى منه قبل أن يتسلم الموظفون رواتبهم، ويلغي قراراً بتعيين ابنه مديراً عاماً في وزارة الرياضة والشباب، ولا يغادر المخيم الذي نشأ فيه بعد أن أصبح رئيساً للوزراء، ويؤم الناس في صلاة التراويح ويخطب فيهم الجمعة، ويعود الجرحى ويواسي أسر الشهداء، وفوق ذلك يسابق الأهالي ليكون معهم درعاً بشرية لمقاومة سياسة هدم المنازل التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي.
باختصار، أراد إسماعيل هنية أن يجعل من رئيس الحكومة رجل دولة بكل معنى الكلمة لا رجل مشاريع وصفقات، والأهم في سيرة الرجل خلال فترة وجوده في رئاسة الحكومة أنه وقف سداً منيعاً في مواجهة الإملاءات والشروط الإسرائيلية - الأمريكية التي التزمت بها الرباعية، ورفع شعاراً مدوياً صار مع الوقت السياسة الثابتة للحكومة: ((لن تخترق الحصون، ولن تسقط القلاع، ولن ينتزعوا منا المواقف)).
واستطاع هنية وحكومته أن يخرج القرار السياسي الفلسطيني من دائرة الابتزاز الإسرائيلي، ورفض أن تختزل القضية الفلسطينية بقضية رواتب، فكان خير ضمانة للثوابت الفلسطينية وفي مقدمتها حق عودة اللاجئين دون التفريط بأي شبر من الأراضي المحتلة عام ٤٨، وقد لاقت صرخاته المدوية تأييداً جارفاً من الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج: (لن نعترف.. لن نعترف.. لن نعترف بإسرائيل).
أعلن أنه على استعداد للتنحي إذا كان ذلك هو الثمن المطلوب لرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ((لأننا لسنا من طلاب المناصب)).. ولكنه لم يتنصل من مسؤولياته أو يقف مكتوف اليدين أمام محاولات التجويع، فخرج من غزة على رأس وفد كبير ليجول العواصم العربية والإسلامية فحشد من الدعم العربي والإسلامي خلال فترة أيام ما لم تتمكن حكومات سابقة من إنجازه خلال أعوام، لاسيما المساهمتين القطرية والإيرانية في تغطية رواتب عدد كبير من الموظفين وبناء عدد من المشاريع الضخمة التي تعود بالنفع على الاقتصاد الفلسطيني على المدى الطويل..
إلا أن ذلك لم يرق للبعض الذين رأوا في خطوات فك الحصار عن الحكومة والشعب حصاراً لمشاريعهم الانقلابية فلجأوا إلى توتير الساحة وإثارة الشغب من جديد، وبلغ بهم الحقد والغدر أن أطلقوا الرصاص على الرئيس هنية عند معبر رفح لدى عودته من جولته الخارجية فقتلوا مرافقه وأصابوا ابنه ومستشاره.. كان الرد من هنية في اليوم التالي وسط عشرات الآلاف في ملعب اليرموك: لن ترهبونا، فقد ((التحقنا بحركة حماس لنكون شهداء لا وزراء)).. وأثبت مرة أخرى أنه أكبر من خصومه وأحرص منهم على المصلحة الوطنية مؤكداً: ((إننا نعمل وفق القانون والعدالة لنوفر الأمن للناس))، ثم ودع آلاف المحتشدين والمحبين بالقول: أوصيكم بتقوى الله.. وأوصيكم بالوحدة الوطنية.



ليست هناك تعليقات: