«الحرس القديم» يدخل على خط الدفع باتجاه التأزيم مع الحركة الإسلامية
10/02/2009
عمان - السبيل
لا تخفي أوساط سياسية وإعلامية أن مراجعة تجري في بعض دوائر صنع القرار للعلاقة بين الحكومة وأجهزتها المختلفة من ناحية، والحركة الإسلامية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) من ناحية أخرى.
وعلى الرغم من أن "حرب التسريبات" الرسمية أخذت أبعادا مختلفة تنوعت بحسب آراء ومواقف الأطراف المختلفة من المراجعة، إلا أن الواضح حتى الآن أن ثمة خلافا نشب في دوائر صنع القرار حول العلاقة المستقبلية مع الحركة الإسلامية.
الخلاف برز بين طرفين، يدفع الأول نحو التراجع عن سياسة الانفتاح النسبي على الحركة الإسلامية وعلى الحوار معها، والتي قادها في المرحلة الماضية مدير المخابرات العامة السابق، وبين فريق آخر يدفع باتجاه الإبقاء على أجواء الحوار والانفتاح مع التقليل مما تسميه العديد من الأطراف "الامتيازات" التي حصل عليها الإسلاميون في الأشهر القليلة الفائتة.
واللافت أن الأطراف المختلفة تتعامل مع العودة عن قرارات منع خطباء جماعة الإخوان المسلمين، والسماح لعدد محدود منهم بالخطابة، والسماح كذلك لمسيرات ومهرجانات الحركة في مختلف مناطق المملكة انتصارا لقطاع غزة الذي تعرض لعدوان صهيوني همجي، على أنها "امتيازات" وليست حقوقا لجهة سياسية تعترف مختلف الأطراف بأن لها ثقلها السياسي والشعبي، وهو ما يرى البعض أنه يثير تساؤلات قديمة جديدة عن ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، لا دولة "الأعطيات والامتيازات".
يرى الطرف الذي يدفع للعودة لمربع التضييق على الحركة الإسلامية أن الحركة "استفادت" كثيرا من الحرب الأخيرة على قطاع غزة، من خلال نجاحها بحشد الرأي العام الأردني بغالبيته خلفها. ويرى ذات التيار أن منح الإسلاميين "منابر الخطابة" مكنهم من إيصال رسالتهم للشارع مباشرة.
يأتي ذلك على الرغم من اعتراف وزير الداخلية عيد الفايز في حوار مع صحيفة "العرب اليوم" نهاية الشهر الماضي بأن مسيرات الحركة الإسلامية "كانت الأكثر انضباطا".
في الجانب المقابل فإن التيار الذي يؤمن بالحوار مع الحركة الإسلامية، يدفع باتجاه استمرار الحوار معها من جهة، ولكن مع التقليل من "الامتيازات" التي حصلت عليها، والتي أشير إليها سابقا.
الجديد أن مؤشرات التضييق على الحركة الإسلامية ربما تكون بدأت، كما يقول بعض قادتها. فأمين سر جماعة الإخوان المسلمين والقيادي البارز فيها جميل أبو بكر كشف عن أن وزارة الأوقاف منعت مجددا حتى الآن ثمانية من خطباء الإخوان الذين سمح لهم بالعودة للخطابة مؤخرا.
الخطباء الممنوعون قيادات بارزة في الحركة ومن ضمنهم وزير الأوقاف الأسبق والنائب السابق عن الحركة الإسلامية الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني، والنائب الأسبق الدكتور أحمد الكوفحي، والنائب السابق عبد المجيد الخوالدة. كما أن عددا من خطباء الإخوان تم "لفت نظرهم" من قبل مسؤولي الأوقاف إلى أن عليهم الالتزام بأحكام قانون الوعظ والإرشاد، وهو ما فهم منه أنه توجيه إلى ضرورة "التوقف عن تناول تداعيات الحرب على قطاع غزة وانتصار المقاومة هناك".
ملامح التضييق كما يراها أبو بكر تمثلت أيضا في منع العديد من الفعاليات الشعبية للحركة الإسلامية بحجة العودة لتطبيق قانون الاجتماعات العامة، كما أعلن وزير الداخلية الذي قال مؤخرا أن القانون "جرى تجميده" خلال أحداث غزة.
غير أن القيادي الإسلامي يرى في منع فعاليات الحركة "عودة لمنهج التضييق" الذي مورس ضد الحركة سابقا. وملامح التضييق الأخرى برأي أبو بكر تمثلت في "افتعال" الهجوم عليها وعلى قادتها تحت قبة البرلمان.
هذا المشهد الذي يراه أبو بكر " مؤشرا للعودة عن أجواء الانفتاح على الحركة الإسلامية" دفعه للقول إن "قوة الحركة الإسلامية قوة للوطن أمام الأخطار التي تواجهه". ويتابع: "الأردن اليوم هو أكثر الدول المهددة من الكيان الصهيوني، سواء على صعيد الاستيطان ومصادرة الأراضي من جهة، أو على صعيد الحروب التي يخوضها من جهة أخرى".
ويخلص أبو بكر إلى القول ان من يصيغون الخطط والخطابات للتضييق على الحركة الإسلامية لا يقومون سوى "بجهد ضائع". وقال: "الحركة الإسلامية تستفيد من كافة الأحداث الكبرى لأنها مع الأمة وفي خندقها"، ويرى أن الانحياز للأمة "قوة للأردن وليس إضعافا له".
وتؤكد تسريبات أكدها لـ "السبيل" سياسيون رفيعو المستوى وبرلمانيون قريبون من مؤسسات صنع القرار أن ثمة شخصيات سياسية ساءها الانفتاح على الحركة الإسلامية خلال الأشهر الماضية، وشجعها وجود خلاف على طريقة التعامل معها للدفع باتجاه التأزيم معها طمعا في تقوية الطرف الداعي لإقصاء الحركة والعودة عن منهج الحوار معها.
وبرأي هؤلاء السياسيين فإن ما حدث في البرلمان من دخول للحرس القديم على خط "افتعال" أزمة بيان "مجابهة التطبيع" وما تبعه من بيان لكتلة التيار الوطني، يندرج في هذا الإطار.
على صعيد العلاقة بين الأردن وحركة حماس، تشير معلومات إلى أن مؤسسات صنع القرار اتفقت على الفصل بين ملفي الحركة الإسلامية في الأردن، وملف حركة حماس.
وبحسب المعلومات فإن التوجه الذي اتخذ حاليا هو تجميد الاتصالات الرسمية بحماس، ولكن دون تأزيم العلاقة معها لاعتبارات تتعلق بالتأييد الكبير الذي حازته الحركة عربيا وإسلاميا بعد العدوان على غزة من جهة، وانتظارا لطريقة التعامل الأمريكية مع ملف عملية السلام ومع حركة حماس من جهة ثانية، وانتظارا لنتائج الانتخابات الإسرائيلية ومن سيحكم (إسرائيل) مستقبلا من جهة ثالثة.
أمام هذا المشهد ثمة من يروّج بأن الأردن عاد لقواعده في معسكر الاعتدال، وأنه غير راغب بالوقوف في منطقة الوسط بين معسكري الممانعة والاعتدال، كما ظهر الموقف الأردني في بداية الحرب على غزة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق