عملاء الصهاينة..«الطابور الخامس» في فلسطين
|
غلاف مجلة المجتمع العدد 1838 |
- حصلت «كتائب القسّام» (الجناح العسكري لحركة حماس) على معلومات مهمة قبل أيام قليلة من بدء العدوان على غزة في 27/12/2008م عن خلية للعملاء تقوم بجمع معلومات عن رئيس الوزراء إسماعيل هنية، وعن منزله وتحركات مرافقيه، وهذه المعلومات إضافة إلى كثير غيرها، أكدت وجود مخطط يستهدف تنفيذ عدوان صهيوني واسع على قطاع غزة يتزامن مع تحرك عسكري لمجموعات من العملاء على الأرض للانقلاب على الحكومة، واستئصال «حماس».
- قام عدد من العملاء بإطلاق الرصاص من الخلف على رجال المقاومة في منطقة «تل الهوى»، التي هاجمها العدو الصهيوني بشراسة وعنف قبل وقف إطلاق النار بثلاثة أيام.
- قامت مجموعة من العملاء بإبلاغ الصهاينة بمعلومات عن أماكن قيادات حركة «حماس» ومراكزها ومؤسساتها، في حين قامت مجموعات أخرى بوضع إشارات فوسفورية خاصة على مراكز كان يستهدفها العدو الصهيوني مباشرة بغاراته.
- تبيّن أن عمليتَيْ اغتيال القياديَيْن الشيخ نزار ريان وسعيد صيام تمّتا من خلال دور للعملاء، حيث إن منزل «آل سعدية» الذي استُشهِد فيه وزير الداخلية سعيد صيام كان مستأجَراً منذ مدة لا تزيد على الشهرَيْن من طرف شقيق صيام.
إجراءات «حماس»
وفق المعلومات المتوافرة، اتخذت حركة حماس مجموعة من الإجراءات والتدابير ضد العملاء فور بدء العدوان على غزة.. فقد قامت كتائب القسّام بإبلاغ العملاء بضرورة البقاء في منازلهم وعدم القيام بأي خطوة أو تحرُّك، كما قامت باحتجاز مجموعة أخرى خطرة من العملاء.
وأكدت مصادر في غزة أن كتائب القسّام ومجموعات المقاومة أمسكت بعدد من العملاء وهم يقومون بالاتصال مباشرة بالاحتلال، كما أن عدداً من العملاء شوهدوا وهم يرتدون ثياباً عسكرية استعداداً للانتشار في قطاع غزة لاستلام الحُكْم، وفرض الأمر الواقع بعد سقوط حركة حماس، كما كان يقتضي المخطط الصهيوني، الذي فشل بفضل صمود المقاومة.
أما العملاء الذين كانوا يتحركون في الأماكن التي يتوغل فيها الاحتلال في المحاور الساخنة، فكانت المقاومة تطلق الرصاص عليهم بشكل مباشر، علماً بأن المقاومة حذّرت هؤلاء العملاء سابقاً وطلبت منهم إخلاء المنطقة.
العمالة.. بشكل رسمي!
ليست العمالة للاحتلال الصهيوني حكراً على مجموعة من الأفراد المنتشرين في مناطق فلسطينية مختلفة، بل إن اتفاق أوسلو عام 1993م والاتفاقيات الأمنية الفلسطينية الصهيونية والاعتراف بالكيان الصهيوني وإنشاء جهاز الأمن الوقائي والتنسيق الأمني الدائم مع الاحتلال، كل هذا جعل مسألة العمالة نهجاً ومدرسة ومؤسسة، وأصبحت المؤسسات الأمنية والسياسية للسلطة تعمل لخدمة العدو الصهيوني.
ولا شك أن العدوان الصهيوني على غزة كان يهدف إلى إسقاط مشروع المقاومة، واستئصال حماس، أكبر قوة مقاومة، والمجيء بسلطة محمود عبّاس التي تعترف بالكيان الصهيوني، وتتعهّد بحماية أمنه.
لذلك، فإن المؤشرات والمعطيات الميدانية تؤكد أن سلطة عبّاس كانت شريكة في العدوان الصهيوني على غزة، وكانت متواطئة بالكامل، وكانت تقدّم معلومات وتقوم بتحركات وفقاً للقرار الصهيوني، أي باختصار إن أجهزة محمود عباس كانت تابعة وتتحرك بناء على أوامر ميدانية صهيونية.. وهنا التفاصيل:
< العدوان على قطاع غزة كان منسقاً بالكامل مع سلطة محمود عبّاس، الذي صعّد قبل العدوان من مواقفه ضد «حماس»، وقامت وزيرة الخارجية الصهيونية «تسيبي ليفني» بتزويد عباس وفريقه بالمعلومات عن أهداف العدوان وطبيعته ومراحله، كما كان عبّاس على علم بالعدوان من طرف إقليمي. < الجنرال «يوفال ديسكن» رئيس جهاز الأمن العام الصهيوني (الشاباك) وضع محمد دحلان في صورة العدوان وحدوده وطبيعته، وكان دحلان يتعامل مع الاحتلال أثناء العدوان وقبله، ويقوم من خلال المجموعات العاملة معه في قطاع غزة بتزويد الاحتلال بمعلومات. وتقول المعلومات إن دحلان اتصل مباشرة بعدد من الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وطلب منها الوقوف على الحياد، مؤكّداً أن المعركة ليست موجّهة ضدها، وأن الاحتلال لن يستهدف مقراتها بالقصف إذا امتنعت عن المشاركة في القتال إلى جانب حماس، غير أن القوى الفلسطينية رفضت مطلب دحلان. < أرسل محمود عبّاس مجموعة من ضباطه إلى مدينة العريش، وذلك صباح الجمعة 26/12/2008م (قبل العدوان بيوم واحد) ليكونوا على استعداد للعودة إلى غزة، ومن بين هؤلاء دحلان ورشيد أبو شباك رئيس جهاز الأمن في قطاع غزة، وسمير مشهراوي أحد رجال دحلان البارزين. < قام المستشار السياسي لدى سلطة عبّاس ويُدعى (ن. ح) بالاتصال بالجنرال الصهيوني «عاموس جلعاد» بتكليف من محمود عبّاس، وذلك مساء أول أيام العدوان السبت 27/12/2008م، طالباً منه قصف واستهداف مجموعة من الأهداف والمراكز الخاصة بحركة حماس. < أرسلت سلطة محمود عبّاس قوة قوامها 1500 عنصر من أجهزة الأمن إلى منطقة العريش؛ استعداداً للانتشار في قطاع غزة بعد انهيار «حماس». < أبلغ محمد دحلان شخصيات فلسطينية بأن رئيس جهاز الأمن العام الصهيوني (الشاباك) «يوفال ديسكن» طلب منه الاستعداد للعودة إلى غزة مع قوة دولية سوف يُحضِرها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ونواتها قوات فرنسية وبريطانية. < حصل نقاش ساخن وقوي بين الجنرال «عاموس يدلين» قائد جهاز المخابرات العسكرية الصهيوني، والجنرال «يوفال ديسكن».. وقال الأول: «إن جهاز الأمن الوقائي لا يمكن الوثوق به والمعلومات التي يقدّمها ليست صحيحة»، وعاب على «الشاباك» تصديق دحلان وجماعته، مؤكّداً أنهم زوّدوا المخابرات الصهيونية بمعلومات خاطئة استند إليها جيش الاحتلال!
فضيحة وفشل
تؤكّد القراءات السياسية والأمنية أنه كانت هناك خطة صهيونية فلسطينية مشتركة لقلب نظام حكم «حماس» واستئصال المقاومة، وتبيّن أن هذه الخطة وُضِعت منذ أشهر، واستندت إلى مجموعة من المعلومات التي قدّمها عملاء الاحتلال ومخابرات دولة إقليمية، وجهاز الأمن الوقائي التابع لكلٍّ من عبّاس ودحلان.
وتُظهِر المعطيات الميدانية ما يلي:
أولاً: إن أغلبية المعلومات التي حصل عليها الصهاينة كانت قديمة وكاذبة، فالغارة الأولى على غزة التي عُرِفت باسم «الصدمة» لم تؤدِّ إلى القضاء على حركة حماس، لأن أماكن القيادة ومراكزها كانت قد تغيّرت.
ثانياً: إن المعلومات الأساسية عند كلٍّ من الصهاينة واستخبارات دولة إقليمية وأجهزة عبّاس كانت تشير إلى امتلاك «حماس» خمسمائة صاروخ فقط لا يتعدّى مداها 12 كلم، منها عشرة صواريخ من نوع «جراد» مداها 20 كلم.. لكن العدوان الأخير أظهر أن قدرات «حماس» الصاروخية كبيرة، إذ أطلقت 750 صاروخاً تقريباً، منها نحو 300 من نوع «جراد» لمسافة 50 كلم.
ثالثاً: أظهرت الوقائع العسكرية في الميدان أن كتائب القسّام طوّرت وسائلها القتالية وقدراتها التكتيكية التي ظلت مجهولة للاحتلال، وأن مناطق المواجهة كانت مملوءة بالأنفاق والخنادق والألغام، مما أفشل خطط الاحتلال.
رابعاً: اعترف الجنرال الصهيوني «عاموس جلعاد» أمام مسؤول أمني عربي بأن «حماس» فاجأت الاحتلال بأمرَيْن: أولهما نهوضها بسرعة وتجاوزها للغارات، وثانيهما قدراتها الصاروخية.
ومن الواضح أن تراجع دور ونفوذ العملاء في قطاع غزة يرجع في درجة كبيرة منه إلى عملية الحسم العسكري، التي نفذتها «حماس» في قطاع غزة في شهر يونيو 2007م، والتي أدَّت إلى تفكيك جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة، وترحيل قادة وعناصر هذا الجهاز، الذي كان ولا يزال مرتبطاً بالصهاينة، وكشف عشرات المجموعات الأمنية المرتبطة بالاحتلال وتفكيكها.
كما أن «حماس» وضعت يدها على آلاف الوثائق الأمنية السرية التي ساعدتها في تحجيم دور عملاء الاحتلال.. وفي الوقت نفسه، سارت «حماس» على خط موازٍ، حيث طوّرت أداءها الأمني، وأعادت تبديل أماكن قياداتها، ونقلت مراكز السيطرة إلى أماكن جديدة.
إشكالية سياسية
تُعدُّ أزمة العملاء ظاهرة مقلقة للمجتمع الفلسطيني، وتثير الكثير من الخلل والاضطراب داخل المجتمع، فالمصادر البحثية تقدّر عدد عملاء الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة بين 20 إلى 30 ألف عميل.
وقد اجتهد الاحتلال طوال سنوات حكمه واحتلاله للمنطقتيْن في تجنيد العملاء، لكن بعد اتفاق أوسلو عام 1993م أصبحت هذه الظاهرة أكثر خطورة، إذ كان العميل قبلها يُصنَّف على أنه خائن؛ لتعامله مع العدو، لكن اتفاق أوسلو الذي اعترف بالكيان الصهيوني، وشرّع التعاون والتنسيق الأمني معها، ترك آثاراً مختلفة على مسألة العملاء؛ حيث أصبحت العمالة ظاهرة رسمية تديرها أجهزة، وترعاها مؤسسات، وتنظِّمها اتفاقيات أمنية مشتركة برعاية دولية، وأصبحت هناك دوريات وغرف عمليات مشتركة، واجتماعات لتبادل المعلومات عن المقاومة، وآليات ارتباط لملاحقة المقاومين واغتيالهم أو اعتقالهم، وصار من الصعب ملاحقة العملاء الصغار المأجورين الذين يديرهم الاحتلال بشكل مباشر بعيداً عن التنسيق الأمني الرسمي.
وتواجه أجهزة القضاء الفلسطيني والمحاكم صعوبة في مقاضاة الذين تعتقلهم أجهزة أمنية رسمية وتقدّمهم للمحاكمة، فالعمالة تُعرَّف بأنها خيانة وتقديم معلومات لجهة معادية، لكن الكيان الصهيوني - بعد الاتفاقيات، وفي ظل السلطة الفلسطينية - لم يعد جهة معادية، بل أصبح دولة صديقة تربطها بالسلطة اتفاقية سلام، فكيف سيُحاكَم المتهم؟! بل إن تهمة تزويد العدو بالمعلومات لم تعد قائمة، فالكيان الصهيوني «دولة» معترَفٌ بها من جانب السلطة، والتنسيق الأمني معها مشرَّع، وكبار رجال السلطة ومسؤولوها يقدِّمون معلومات مباشرة للاحتلال.. ثم إن الملاحق السرِّية لاتفاق أوسلو تمنع السلطة الفلسطينية من ملاحقة العملاء، وبالتالي أصبحت السلطة تحمي العملاء حتى من الجهات العائلية أو الحزبية، التي تريد الثأر منهم!
وسائل التجنيد
وحرصت سلطات الاحتلال الصهيوني - ولا تزال - على بناء منظومة قوية للعملاء داخل الأراضي المحتلة، بهدف توفير الأمن للصهاينة، وجمع المعلومات، وملاحقة المقاومين ورصدهم وكشفهم، واختراق القوى السياسية والتأثير في قرارها.. كما أن للعملاء دوراً يستهدف المجتمع وأخلاقه مثل نشر المخدرات وإشاعة الرذيلة وإبعاد الناس عن دينهم، وضرب العائلات وبنية المجتمع.
واستخدم الاحتلال وسائل عديدة للإيقاع بالعملاء، منها الإسقاط الجنسي، والإغراء بالمال، والضغط على الطلاب، وابتزاز الباحثين عن عمل وبعض أصحاب المصالح التجارية، أو إسقاط بعض السجناء والمعتقلين والموظفين، أو إغراء وجهاء المجتمع والعائلات بمكاسب ومناصب.
ولمواجهة ظاهرة العملاء لابدَّ من قرار فلسطيني قوي، وغطاء سياسي وقانوني وتوعية دينية ووطنية وأخلاقية وإجماع فلسطيني على إنهاء هذه الظاهرة ومحاصرتها، وعزل العملاء الكبار والبدء بمحاكمات سريعة لهم، وفرض عقوبات كبيرة عليهم، وتعريف المجتمع بأخطار هذه الظاهرة.. وبداية ذلك يتم من خلال تعريف مَنْ هو عدو المجتمع الفلسطيني، ومَنْ هي سلطة الاحتلال، وكيف نتخلص من هذا العدو وبأي الوسائل!!>
(نقلا عن مجلة المجتمع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق