29 مارس 2009

الحقائق المرة في أيدي الأعداء

وبالنسبة للتقدم العلمي فإن عدد براءات الاختراع العربية المقيدة في الولايات المتحدة بين عامي‏1980‏ ـ‏2000,‏ لايتجاوز‏171‏ للسعودية و‏77‏ لمصر‏,52‏ للكويت‏,30‏ لسوريا في حين انها بلغت بالنسبة لإسرائيل في الفترة نفسها‏7652,‏

عدد الكتب المنشورة بالعربية في الدول العربية يقل عن خمس الكتب المنشورة باليونانية في اليونان‏,‏
النفط ـ عنده ـ يحول دون تنمية اقتصادية حقيقية للاقتصاديات العربية‏,‏ وهي فكرة يشاركه فيها عدد غير قليل من الاقتصاديين العرب أنفسهم‏,‏
44673 ‏السنة 133-العدد 2009 مارس 29
الحقائق المرة في أيدي الأعداء
بقلم: د‏.‏ حازم الببلاوي
من الأمثلة الشعبية المشهورةامشي دوغري يحتار عدوك‏,‏ وهي نصيحة غالية‏,‏ فالعدو يحتاج إلي اكتشاف المثالب والنقائص لكي ينفذ منها ويؤذيك‏,‏ والأعداء أنواع‏,‏ فهناك نوع ساذج‏,‏ وهو الذي يثير حولك الأكاذيب ويفتري عليك بالباطل وبالإشاعات غير الصحيحة‏,‏ وهذا النوع من الأعداء قليل الخطر نسبيا‏,‏ إذ انه مايلبث ان يفقد مصداقيته عندما تظهر الحقائق وتتضح أكاذيبه وافتراءاته‏,‏ ولكن هناك نوعا آخرا من الأعداء اشد خطورة‏,‏ فهو لايطلق أكاذيب باطلة وإنما يتصيد أخطاء حقيقية ويبرزها لتعبئة الاجواء والتحريض ضدك‏,‏ ولمثل هذا النوع الخطير من الأعداء يتوجه المثل الشعبي السابق‏,‏ وهو أن الرد القوي والحاسم ضد هذا النوع من الأعداء هو إصلاح الأخطاء وتجنب الانحرافات‏,‏ أي المشي دوغري‏,‏ فهذا هو أقوي سلاح في مواجهة الأعداء‏,‏ علي أن هناك نوعا من الأعداء اشد خطورة من الجميع‏,‏ رغم انه قد يكون عدوا بلا قصد‏,‏ وهذا هو المنافق المصفق لكل شيء‏,‏ فكل شيء جميل وليست هناك أخطاء اصلا وانما كلها انتصارات‏,‏ وخطورة هذا النوع الأخير من العداوة غير المقصودة هو أنه رغم انتفاء نية الإيذاء لديه‏,‏ فإنه بفعله قد يؤذي بشكل أكبر من أخطر الأعداء‏,‏ فهو يساعد
علي إعطاء الانطباع أن كل شيء علي مايرام وبذلك تستمر الأخطاء دون تصحيح‏.‏

وفي مقال حديث للمؤرخ البريطاني برنارد لويس عن العالم العربي في القرن الحادي والعشرين نشر في مجلة الفورين أفيرز‏(‏ مارس ـ أبريل‏2009),‏ نجد نموذجا حيا للنوع الثاني من الأعداء الذين لاينشرون كذبا فاضحا ولكنهم يقدمون حقائق مرة‏,‏ تدس كالسم في الدسم‏.‏

وبرنارد لويس احد أشهر علماء الاستشراق الغربي‏,‏ وهو يهودي ـ بريطاني‏.‏

ولايمكن إعتباره صديقا أو حليفا للعرب‏,‏ وهو اقرب إلي العدواة ولكنه أيضا ليس بالعدو خفيف الوزن الذي يتورط في الأكاذيب الصغيرة أو الروايات الملفقة‏,‏ وإنما هو خصم من العيار الثقيل يطلق نيرانا حقيقية‏,‏ فهو يرجع إلي أمهات الكتب والمراجع ويستند في كتاباته عادة إلي حقائق موثقة‏,‏ ولكنها حقائق مرة وأيضا انتقائية‏,‏ وهو يستخدمها بأكبر قدر من المهارة وغالبا مع سوء النية‏,‏ ولاننسي ان لويس قد عمل طويلا مع المخابرات البريطانية‏,‏ وغالبا مع المخابرات الأمريكية أيضا ـ وله تأثير بالغ عليهما‏,‏ ومن هنا فإن نجاحه يعتمد علي مصداقيته ولذلك فهو لايلجأ إلي الأكاذيب الفجة وإنما يستند ـ عادة ـ إلي حقائق وغالبا حقائق مرة‏,‏ ومختارة بمهارة‏,‏ ويقدمها للرأي العام والمسئولين الغربيين مما يساعد علي تشكيل الصورة العامة للعربي لديهم‏,‏ وهي للأسف صورة غير مريحة‏,‏ فما يقوله لويس ليس أكاذيب بل هي حقائق‏,‏ أو بالادق هي نصف حقائق‏.‏

فماذا يقول لويس في مقاله الأخير؟
يبدأ لويس مقاله بإعطاء خلفية تاريخية عن العالم العربي مشيرا إلي أنه كان خاضعا لما يقرب من قرنين للنفوذ الغربي وقبلها لما يقرب من ثلاثة قرون للدولة العثمانية‏,‏ وبعد منتصف القرن العشرين نالت معظم الدول العربية استقلالها وذلك في زمن الحرب الباردة فانقسمت هذه الدول بين موال للمعسكر الغربي وصديق للمعسكر الاشتراكي‏.‏ وفي صدد القضية الفلسطينية يؤكد ان العرب والفلسطينيين‏,‏ مازالوا يرفضون قيام الدولة اليهودية‏,‏ رغم اعتمادها من كل من عصبة الأمم المتحدة وهيئة الأمم المتحدة‏,‏ لاحظ هنا انه يدس عصبة الأمم في الموضوع رغم أنها لم تصدر في هذا الصدد قرارا أو توصية باسثتناء ماورد في ديباجة قرار الانتداب البريطاني لفلسطين من إشارة لوعد بلفور‏,‏ وحيث كانت الإشارة إلي وطن‏,‏ وليس دولة يهودية‏,‏ كذلك يشير إلي مبادرة السادات للسلام التي جاءت في نظره لأن السادات قدر ان الخطر السوفيتي أكبر علي مصر من الخطر الإسرائيلي‏,‏ لاحظ انه لايريد ان يعترف بأن حاكما عربيا ـ السادات ـ كان يرغب حقا في السلام‏,‏ فالمسألة عنده هي الخوف من الاتحاد السوفيتي وليست رغبة صادقة في السلام‏,‏ فالرغبة الصادقة في السلام‏,‏ في نظر الكاتب‏,‏ هي وقف علي دولة إسرائيل وحدها‏!‏

ثم ينتقل بعد ذلك إلي التعرض للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي‏,‏ مشيرا إلي ا ن مصدر الثروة الرئيسية في المنطقة هو النفط‏,‏ ولكنه يري ان النفط يوجد من المشاكل بقدر ما يوفر من المنافع‏,‏ فالنفط ـ عنده ـ يحول دون تنمية اقتصادية حقيقية للاقتصاديات العربية‏,‏ وهي فكرة يشاركه فيها عدد غير قليل من الاقتصاديين العرب أنفسهم‏,‏ كذلك يستعير لويس بعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية مما هو منشور في تقارير التنمية الإنسانية العربية لاحظ هنا الاستناد إلي وثائق عربية‏,‏ فمجموع الناتج الإجمالي للدول العربية في عام‏1999,‏ هو نحو‏530‏ بليون دولار أي أقل من إنتاج إسبانيا‏,‏ والصادرات غير النفطية للدول العربية وعدد سكانها يتجاوز‏300‏ مليون نسمة‏,‏ يقل عن صادرات فنلنداذات الخمسة ملايين نسمة‏,‏ وعدد الكتب المنشورة بالعربية في الدول العربية يقل عن خمس الكتب المنشورة باليونانية في اليونان‏,‏

وبالنسبة للتقدم العلمي فإن عدد براءات الاختراع العربية المقيدة في الولايات المتحدة بين عامي‏1980‏ ـ‏2000,‏ لايتجاوز‏171‏ للسعودية و‏77‏ لمصر‏,52‏ للكويت‏,30‏ لسوريا في حين انها بلغت بالنسبة لإسرائيل في الفترة نفسها‏7652,‏ وعندما نشرت الصين في عام‏2003,‏ قائمة أحسن خمسمائة جامعة في العالم‏,‏ لم يرد اسم جامعة عربية واحدة ضمن هذه القائمة‏,‏ ولم يرد الكاتب‏,‏ تأكيدا لموضوعيته‏,‏ ان يقتصر علي ذكر السلبيات للعالم العربي‏,‏ فيذكر بمناسبة تأخر وضع المرأة في المنطقة العربية ان هناك تقدما لأوضاع المرأة العربية في كل من تونس والعراق‏.‏

وأخيرا وبصدد نظرته لمستقبل العالم العربي‏,‏ يؤكد لويس ان المنطقة العربية وقد استعارت خلال القرن العشرين مفاهيم القومية والاشتراكية من العالم الخارجي‏,‏ فان الأمرين أصبحا في تراجع واضح وفقدا الكثير من جاذبيتهما في المنطقة العربية‏,‏ وهو يري ان نظم الحكم العربية المعاصرة تتراوح بين نظم تقوم علي الولاء وأخري تعتمد علي الخضوع‏,‏ فلا حرية للرأي ولامشاركة شعبية حقيقية‏,‏ فالملكيات التقليدية في المغرب أو الخليج تستند إلي ولاء الرعايا‏,‏ في حين ان معظم الحكومات العربية الأخري تستخدم الأساليب الديكتاتورية في إخضاع شعوبها‏,‏ ولكنه رغم هذا يعترف أن هناك بوادر للديمقراطية من القوي المعارضة ولكن أغلبها له مواقف معادية للغرب‏,‏ وهو بذلك يعطي صورة سلبية للحاضر السياسي للعرب ويثير مخاوف الغرب من قوي الديمقراطية البازغة؟

هذا هو ملخص مقالة برنارد لويس‏,‏ وهي تعطي صورة قاتمة عن العالم العربي‏,‏ وسوء النية بها لايمكن انكاره‏,‏ ومع ذلك فإنها ليست كاذبة تماما‏,‏ ورغم ان هناك بعض التسريبات غير الدقيقة ـ وان كانت مقصودة فإن معظم ماورد فيها من معلومات غير كاذب‏,‏ وخطورة هذا النوع من المقالات هو انها تقدم العديد من الحقائق المرة التي ليست كذبا محضا‏,‏ وإن كانت انتقائية تختار مايسيء إلي الوطن العربي وتتجاهل مايمكن ان يحسن من صورته‏,‏ فهو بذلك يقدم صورة غير كاذبة عن الواقع العربي‏,‏ ولكنها ملغومة بالإيحاءات السلبية‏.‏

ولكن ماذا تنتظر من الأقلام المعادية‏,‏ وهل وظيفة هذه الاقلام ان تحسن صورتنا؟ وما هي مسئوليتنا نحن‏,‏ أليس في بعض مايقوله الأعداء من حقائق‏,‏ هل ينكر احد ان نظم التعليم عندنا في تراجع في حين تتقدم دول أخري‏,‏ وهل هناك من شك في ان حالة البحث العلمي والتكنولوجي مؤسفة في بلادنا؟ هل ينكر احد أن نظمنا السياسية مازالت بعيدة عن تحقيق تطلعات الشعوب؟

*‏ ماذا نفعل؟
هل نلعن الأعداء؟ هل هذا يكفي؟ ألا يدعونا ذلك إلي التنبه‏,‏ وأن نحبط قصد أعدائنا أن نستفيد من هذه الانتقادات ونراجع أنفسنا‏,‏ وان نأخذ بالمثل الشعبي المشار إليه علي محمل الجد‏,‏ وهو ان نمشي دوغري فهنا فقط يحتار الأعداء ويضربون أخماسا في اسداس‏,‏ أما التجاهل والسكوت‏,‏ ومجرد لعنة الأعداء ونياتهم البائسة‏,‏ فلن يصلح الأحوال‏,‏ إننا نترك التربة خصبة لكل الأعداء من ذوي النيات السيئة‏.‏ والله أعلم‏.‏

‏‏www.hazembeblawi.com‏


ليست هناك تعليقات: