18 مارس 2009

المستهدف الحقيقي:أنتتحول المنطقة إلى قبائل متحاربة، وحكومات عميلة أشبه بالعصابات المأجورة،

ترويض الأتباع وحرقهم ـ د. رفيق حبيب

د. رفيق حبيب (المصريون) : بتاريخ 17 - 3 - 2009
يظهر تدريجيا أن السياسة الغربية في المنطقة، خاصة السياسة الأمريكية، تريد تغيير جملة الأوضاع الراهنة، بما فيها الحكومات المتحالفة معها. ومعنى هذا أن طابع الحرب المفتوحة، والذي ظهر منذ حرب إسرائيل على لبنان، سوف يصبح الطابع الغالب على أوضاع المنطقة العربية والإسلامية. وبهذا تتحقق مسألة الفوضى، التي سميت خلاقة، وهي في الواقع عملية إحداث فوضى شاملة تمكن القوى الغربية من السيطرة على المنطقة، وجلب الحكومات التي تريدها. والغريب في الأمر، أن هناك ما يشير بوضوح إلى وجود رغبة أمريكية صهيونية أحيانا، وغربية أحيانا أخرى، تشير إلى محاولة تغيير حتى الحكام المتحالفين مع الإدارة الأمريكية، والذين أصبحوا جزءا من الحلف الأمريكي الصهيوني، وبالتالي أصبحوا جزءا من السياسة الغربية في المنطقة. وهذا الموقف يظهر بوضوح تجاه النظام المصري الحاكم، كما يظهر أيضا تجاه النخبة الحاكمة في رام الله. فحتى الآن لا نجد إلا سياسات أمريكية وصهيونية كفيلة بإحراج وإضعاف السلطة في مصر وفي رام الله، رغم أن كلاهما متحالف مع الإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
يضاف لهذا، ما تأكد في العديد من التصريحات الصادرة من العدو الإسرائيلي، عن الدعم العربي الذي حصل عليه في حربه على لبنان، ثم في حربه على قطاع غزة. وقد أعتبر العدو الإسرائيلي هذا الدعم هو تحول نوعي في المواقف العربية، حيث أصبحت مصالح بعض النخب العربية الحاكمة، أو كثير منها، متوافقة مع احتياجات أمن العدو. وهذه كارثة بكل المعايير، لأن مفهوم الأمن هنا قد بات مختلطا مع التقرب والتحالف مع العدو، وأصبح العدو مساهما في تأمين الحكام وبقائهم في الحكم. ولكن الملفت في هذه المسألة، هي تلك التصريحات الإسرائيلية التي فضحت الحكام العرب. وهي بلا شك أسهمت في فضح العديد من الحكومات والنخب، وحرقتهم أمام الرأي العام، وعرت مواقفهم بصورة تؤثر سلبا على أوضاعهم الداخلية. وتلك العملية، أي حرق الحلفاء، تثير الاستفهام والتعجب. فقد رأينا كيف عرضت وزارة خارجية العدو الإسرائيلي لمقالات الكتاب العرب التي اعتبرتها مساندة لموقف إسرائيل في الحرب على قطاع غزة. وهذا العمل في حد ذاته كافي لإفقاد هؤلاء الكتاب لأي مصداقية يمكن أن يتمتعوا بها بين قرائهم. والأهم من ذلك، أن هذا التصرف يمنع أي تأثير لهؤلاء الكتاب على عامة الناس، ويحد من قدرتهم.
وفي ظل هذه السياسات يأتي طلب القبض على الرئيس عمر البشير وتقديمه للمحكمة الجنائية الدولية، في شكل ضربة مزدوجة، وجهت إلى مصر والسودان معا. وهناك تاريخ طويل للتدخل الغربي في السودان، بدأ بجنوب السودان الذي منح في النهاية حق تقرير المصير، وأصبح قابل للانفصال عن الشمال، ثم توجهت التدخلات ناحية الغرب في منطقة دارفور. حيث بدأت حركة تمرد ضد الدولة السودانية، وتحولت إلى اتهام لرئيس السودان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. والحقيقة أن القضية لا تتعلق بسلوك الدولة السودانية نحو شعبها، لأن قضية الجنوب ظلت مشتعلة في عهد كل الحكومات. ورغم أن النظام السياسي العربي، وفي العديد من البلدان العربية يتميز بالاستبداد والخروج على قواعد العدالة، إلا أن القضية بالنسبة للغرب لا تتعلق بحماية فئة من ظلم فئة أخرى، أو حماية فئة من ظلم الدولة لها، بل تتعلق أساسا بمخطط غربي واضح لتفكيك المنطقة، وإشاعة الفوضى، مما يمكن الغرب من فرض سيطرته الكاملة على البلاد العربية والإسلامية. ورغم أن النظام المصري الحاكم متحالف مع الغرب، ورغم أن حكومة السودان قدمت العديد من المبادرات للتقرب من الغرب، إلا أن مخطط تقسيم السودان يسير بخطى سريعة، وهو لا يهدد فقط وحدة الأراضي السودانية، بل يهدد أيضا أمن الدولة المصرية.
وهذه الصورة توحي بأن الغرب غير راغب في استمرار الحكومات العربية المتحالفة معه، بل يريد تغييرها، وتغيير المنطقة برمتها. مما يعني أن التحالف مع الغرب لم يوفر غطاءا آمنا للحكومات والنخب المتحالفة معه. بل أصبح التحالف مع الغرب هو بداية فرض المزيد من الشروط والقيود على الحكومات التي تقبل هذا التحالف. وبهذا تبدأ سلسلة من التنازلات لصالح المصالح الغربية، ولصالح المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة. ورغم كل ما قدم من تنازلات من النظام السياسي العربي الحاكم، إلا أن محاولات تغيير الأنظمة وتفكيك المنطقة مازالت مستمرة. مما يؤكد على أن الدول الغربية لديها تصور مختلف، عن مجرد وجود حكومات متحالفة معها في المنطقة. كما يؤكد على أن هناك سياسة تهدف لتغيير الحلفاء، وعدم استمرارهم في السلطة، حتى لا يكتسبوا أي قوة ذاتية.
ويبدو من سير الأحداث، أن مصر هي الهدف الأكبر والنهائي، ولكن النظام المصري الحاكم لا يتصرف على هذا الأساس، رغم أنه مستهدف برغم تحالفه الأكيد مع السياسات الغربية. ولكن الدولة المصرية، لم تعد قادرة على التحرك، والنظام الحاكم يتصور أن بقاءه مضمون. وهذا الشلل الذي أصاب النظام السياسي العربي، أصبح يشجع على مزيد من التدخل، ويشجع على تفكيك المنطقة، للوصول إلى حالة تخدم المصالح الغربية بشكل نهائي. فإذا كان تحالف الأنظمة الحاكمة لم يعد كافيا للغرب، إذن هناك أهداف أخرى للسياسة الغربية، غير تبعية الأنظمة الحاكمة للسياسات الغربية.
لذا يصبح المستهدف الحقيقي من تلك السياسات الغربية، هو تدمير الأمة العربية والإسلامية وتفريقها، وإغراقها في الحروب الأهلية، وتفتيت الدول القائمة، حتى يتم منع أي احتمالات للوحدة العربية أو الإسلامية في المستقبل، كما يتم منع وصول الحركات الإسلامية للحكم، وتتحول المنطقة إلى قبائل متحاربة، وحكومات عميلة أشبه بالعصابات المأجورة، يتم تغييرها واستبدالها كل فترة. فما يحدث في الواقع، هو عملية تدمير شامل، بما في ذلك تدمير النخب الحاكمة المتحالفة مع الغرب، حتى يتاح للغرب رسم خريطة جديدة للمنطقة.

ليست هناك تعليقات: