16 مارس 2009

كواهين فلسطين

كواهين فلسطين

وكواهين هنا تعني جمع كوهين نسبة للجاسوس الإسرائيلي الشهير الذي زرعته المخابرات الاسرائيلية الموساد داخل سوريا في ستينيات القرن الماضي تحت اسم كامل أمين ثابت، واسمه الحقيقي إلياهو بن شاؤول كوهين ون أصول حلبية يهودية، والذي وصل إلى مناصب متقدمة داخل النظام السياسي السوري حتى كان المرشح الثالث للرئاسة وقيادياً في الحزب الحاكم، إلى أن تم اكتشاف هويته واعدامه في 18/05/1965.

كوهين هذا يا سادة كان يظهر الوطنية والحرص على المصلحة العامة في العلن، ويخفي مخططه للقضاء على المجتمع الذي أمن له وجعله قيادياً، كوهين هذا كان ينفذ ما رسم له بدقة متناهية وببراعة الجواسيس خدمة للكيان الذي وضع نفسه في خدمته، كوهين هذا كان يفعل ما يفعل من أجل ما يؤمن به، كوهين هذا تذكرته وأنا أتابع أخبار فلسطيننا المغتصبة وما يصدر من مواقف مخزية مخجلة من أشباه الرجال، إنهم كواهين فلسطين وقصتهم مختلفة متشابهة مع كوهين الأصلي.

كواهين فلسطين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا في صف الأعداء، وقبلوا أن يكونوا مطية له، فكرسوا جل جهدهم ووقتهم لتجريم شعبنا وتحقيره وتحميله مسؤولية ما يجري، وليوزعوا صكوك البراءة والغفران للإحتلال وجيشه المجرم، وليتباكوا على عذاباته.

كواهين فلسطين لهم أشكال وألوان متعددة، منهم المسؤول ومنهم الكاتب ومنهم الأمني ومنهم المجرم، منهم الواضح المكشوف، ومنهم من يخفي نفسه وراء أقنعة بدأت بالتساقط، منهم من يخدم الاحتلال لأن هذا دوره المدفوع الأجر، ومنهم من يفعل ذلك مجاناً دون مقابل ربما أملاً في الرضى والقبول أو وضاعة ومذلة.

على رأس قائمة الكواهين يقف محمود عبّاس بتحقيره وتجريمه لشعبنا في كل مناسبة، وبتباكيه المتواصل على عذابات الآخرين، وبتحميله من اختارهم الشعب مسؤولية ما يجري، دون أن يقول كلمة واحدة بحق المحتل الغاصب، وبحق قياداته المجرمة التي عانقها وبحرارة ودماء أطفال فلسطين لم تجف بعد في مجازر متتالية أعمى عباس بصره عنها.

عبّاس الذي وصفه عرفات بكرزاي فلسطين، نكتشف اليوم أن كرزاي كان لقباً مهذباً لطيفاً أمام الدور الذي يقوم به، وكوهين لو كان على قيد الحياة لضرب له التحية لتفوقه عليه، فبعد تحقير الشعب الفلسطيني وتجريمه،ها هو يقف قبل يومين وبالتحديد في البتراء بالأردن يوم 21/06/2006 ليقول وبالحرف: "إن الأزمة الحالية ناتجة عن رفض حماس منذ البداية قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية وخارطة الطريق" وكأن الاحتلال قد طبق كل قرارات الشرعية وبالتالي أعفاه عباس من المسؤولية، مضيفاً: " تريد اسرائيل من حماس قبول الدولتين كما هو وارد في خارطة الطريق لكن حماس لا تقبل هذا المبدأ حالياً لكن ربما ستقبل به في الأيام المقبلة" هكذا وعلناً يقول إن هذا ما تريده "إسرائيل"!، ليكمل عباس جرأته على شعبه، بل وقاحته السياسية ليقول: "نلقي القبض على من يحاولون التسلل ونضبط متفجرات وأسلحة ولكن لا يمكننا ضبط الأمن بنسبة مائة في المائة" واصفاً مقاومة الشعب الفلسطيني بالإرهاب ومساوياً بينها وبين الاحتلال!

عباس الذي وقف متباكياً وللمرة الثانية على عذابات الآخر بعد بكائيته الأولى في العقبة قبل أعوام، لم يذرف دمعة واحدة على أطفال ونساء فلسطين، وعلى العكس من ذلك تبادل العناق والقبلات مع قادة الإحتلال في منظر مخزي مقزز وضيع اسقط كل ذرة شرف وكرامة منه ومن زمرته، وهو ما عبر عنه الكاتب عدنان كنفاني قائلاً: "من كان يتصور أن فلسطينياً مهما كان، ومهما وصلت درجة احتماله للإذلال يظهر بالصورة التي ظهر بها رئيس السلطة الفلسطينية وهو يعانق من تفوح من ثناياه رائحة دم أهله وأقاربه بعناق حميم، ويتبادل معه أحلى الكلام وأحلى التحيات وكل الود والمحبة.؟"، ليضيف الكاتب د.موسى أبو دقة في وصف ما جرى: "كم هو مؤلم قاهر فينا أن يصرح أولمرت عقب لقائه "أبو مازن":سنستمر باستهداف المقاومة الفلسطينية حتى لو كان الثمن قتل الأبرياء. وما قيمة أي اتفاق فلسطيني يراهن على موافقة العدو؟!

كم هي مؤلمة قاهرة تلك الصورة التي نرى فيها الرئيس عباس يأخذ أولمرت بالأحضان، ويتجاذب معه أطراف الحديث والابتسامات، وجثث الشهداء لما تدفن بعد, ودماء الجرحى ما زالت تسيل؟!!

كم هي مؤلمة قاهرة تلك العقلية الصهيونية التي حكمت على كل من يستشهد وهو يفجر نفسه بأنه إرهابي, و لم تحكم على كل من يقتل الأطفال والبراءة والنساء بأنه إرهابي ؟؟

كم هو مؤلم أن يكون رئيس مؤتمر البتراء يهودي متشدد لإسرائيل, في الوقت الذي يوصف كل من يتشدد لفلسطين بالإرهاب!!

كم هو مؤلم أن يعلن الرئيس عباس _في البتراء يوم المجزرة_على الملأ بأنه ضد حكومته التي كلفها, ولم يعلن, ولم يطالب أن يحتوي البيان الختامي على إدانة للأعمال الإرهابية والإجرامية التي ترتكب إسرائيل -بزعامة أولمرت- بحق أطفال فلسطين؟

رأس الكواهين يشرف على مجموعة أصغر من الكواهين، عينهم ممثلين له لينطقوا باسمه، فبدأ بنبيل عمرو المتهم باللصوصية والفساد في تقرير رسمي صادر عن الرقابة الإدارية قبل وفاة عرفات بأسابيع، وهو الذي كتب بعد ايام من تنصيب الحكومة الجديدة مطالباً إياها بالاستقالة، وليستهزيء في لقاءات متكررة بخيار الشعب مؤكداً على عودته وباقي الزمرة للحكم لتطبيق برنامجهم الفاشل، وليكتب من جديد قبل يومين تحت عنوان "الخيارات والأثمان" ما يؤكد نواياه وعمله التطوعي لصالح المحتل.

الممثل "الرئاسي" الآخر في قائمة الكواهين هو ياسر عبد ربه، البائع الساقط في عالم السياسة، والذي لا يمثل حتى نفسه، والذي ارتضى أن يكون بوق الاحتلال المتجول ليهاجم ويحاضر ويقول ما هو المفروض وما هو المرفوض، من؟ ياسر عبد ربه؟ صاحب وثيقة جنيف التي تتنازل عن الأرض والعرض؟ عبد ربه الذي يستحق الطرد من كل مناصبه ومحاكمته ومعاقبته أضحى ممثلاً لعباس وناطقاً باسم تنفيذيته الفاقدة للنصاب والشرعية؟

مندوب "رئاسي" آخر في قائمة الكواهين هو محمد دحلان، مجرم الوقائي وعميل التنسيق الأمني، الذي يتجول بحرية صباح مساء بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والمسؤول الأول والأخير عن فرقة الموت والوقائي الذي يعيث فساداً في قطاع غزة في محاولة مكشوفة لزعزعة الاستقرار والأمن، وهو ما أقر به بصوته في التسجيل الشهير مستخدماً ألفاظاً سوقية لا تليق إلا بمثله، دحلان الذي أصبح بقدرة قادر من أصحاب الثروات والأملاك، ومن أصحاب الحظوة والسطوة، دحلان الذي عذّب وقتل العشرات من أبناء شعبنا في أقبية الوقائي، نعم هو ممثل عبّاس في قائمة الكواهين الطويلة.

قائمة الكواهين طويلة وعلى مستويات عدة، فها هو حافظ البرغوثي يكتب بالأمس تحت عنوان مدفع حمص ليكيل الاتهامات حسب الرغبة والطلب متبنياً وجهة نظر الإحتلال، وقبله كان أبو ردينة الذي حمل الفصائل مسؤولية أعمال الاحتلال من قتل واغتيال!

الكواهين وجدوا من يدافع عنهم في قائمة الأبواق الرسميين، وعلى رأسهم جمال نزال الذي لا يدخر جهداً في تشويه الحقائق وقلبها بل وفي الترويج لأكاذيب كقصة بيع فلسطينية لابنها التي ذكرها دون خجل على الفضائيات، ليقف مدافعاً عن دحلان وعبد ربه وغيرهم كرموز وطنية تاريخية، أي رموز يا سيد نزال؟ رموز الإجرام والتفريط والتنازل؟ رموز التنسيق الأمني وتجريم شعبنا؟ رموز جنيف والخمسة بلدي؟، يا خسارة ما تعلمت في برلين!! لن تغطي عين الشمس بالغربال يا سيد نزال، ولن تكون الإدعاءات بالوطنية المصطنعة والرمزية الكاذبة سبباً لاحترام كواهين فلسطين، وتذكر أن كوهين الأصلي في زمنه كان أيضاً مناضلاً وطنياً وقيادياً ورمزا.

أي منطق يجمع هؤلاء، وأي وقاحة سياسية تلك التي تحركهم؟

كوهين الأصلي لم يصل إلى ربع ربع ما قدمه ويقدمه هؤلاء من خدمات للإحتلال، ولو كان حياً لخجل من نفسه أمام تفاني كواهين فلسطين في خدمة الإحتلال، مع فارق بسيط أن كوهين الأصلي كان منهم ومن صلبهم، أما كواهيننا فهم وللأسف منا!

لا يسعني إلا أن استشهد ببيت شعر لمظفر النواب يقول فيه:

"إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم" وباقي الشعر تعرفونه!

د. إبراهيم حمّامي DrHamami@Hotmail.com

23/06/2006


ليست هناك تعليقات: