جنود الطاغية .. والعقاب الجماعي
دكتور مهندس / محمد الحسيني إسماعيل
يقول الأستاذ هيكل في الحلقة الثامنة من تسجيلات قناة الجزيرة : " .. عندما كان الأمريكيون يحتاجون إلى درجات من التعذيب للمعتقلين يخشون معها من مواجهة عواقبها أمام شعوبهم ، فكانوا يرسلون هؤلاء المعتقلين إلى أجهزة أشد إجراما ، في أربع عواصم عربية هي : القاهرة / وعمان / ودمشق / والرباط .. حيث وصلت تكنولوجيا التعذيب [1] في هذه العواصم إلى مستوى غير مسبوق في التاريخ ..!!!
ففي الواقع ؛ أصبح إذلال المسلمين وتدمير الإسلام يتم بأيدي أنظمتها الديكتاتورية الحاكمة ، وإذا كان ثمن الوصول إلى السلطة فيما مضى كان يتم بالغدر والخيانة وتلطيخ الأيدي بدماء الشعوب ، فإن ثمن الوصول إلى السلطة في العصر الحديث أصبح .. ليس فقط بالغدر والخيانة وتلطيخ الأيدي بالدماء .. بل للعمالة ـ للصهيو/مسيحية ـ ومعاداة الإسلام ..!!! فالعمالة ومعاداة الإسلام أصبحتا من الأمور الأساسية التي يفرضها فكر وطبيعة الدول التي تملك القوة والسيطرة ( الولايات المتحدة وإسرائيل ) على الأنظمة الحاكمة في عالمنا الإسلامي في الوقت الحاضر ..!!! [ وللتفاصيل يمكن للقاريء المهتم الذهاب إلى مرجع الكاتب السابق : " السقوط الأخير : تاريخ الصراع على السلطة منذ ظهور الإسلام وحتى الوقت الحاضر " ]
· جنود الطاغية غارقون في الوزر مع الطاغية ..
إن أكثر من يتحمل المسئولية مع الحكام الطغاة هم " أدوات السلطة " الذين يسميهم القرآن " الجنود " ويقصد بهم " القوة العسكرية " التي هي أنياب القوة السياسية وأظفارها ، وهي السياط التي ترهب بها الجماهير إن هي تمردت أو فكرت في أن تتمرد ، حيث يقول القرآن المجيد :
(.. إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) )
( القرآن المجيد : القصص {28} : 8 )
ولهذا كان العقاب يشمل الطاغوت وجنوده ..
( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) )
( القرآن المجيد : القصص {28} : 40 )
[ التفسير : ( فأخذناه ـ أي أخذنا فرعون ـ وجنوده فنبذناهم ) طرحناهم ، ( في اليم ) البحر المالح فغرقوا ، ( فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) حين صاروا إلى الهلاك ]
فهذه هي عاقبة الظالمين ( الطاغوت وجنوده ) في الدنيا .. أما عقابهم في الآخرة فيأتي في قوله تعالى ..
( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43) وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ [2] وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (52))
( القرآن المجيد : إبراهيم {14} : 42 - 52 )
ولا بد من التنبيه إلى .. أنه لا معنى لقول جنود الطاغية بطاعة السادة والكبراء ، فلا عذر لهم ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولهذا يأتي قوله تعالى للرد على هذه الذريعة :
( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) )
( القرآن المجيد : الأحزاب {33} : 66 - 68 )
وقد حملت السنة النبوية الكريمة على الحكام والأمراء الظلمة والجبابرة ، الذين يسوقون الشعوب بالعصي الغليظة ، وإذا تكلموا لا يـرد أحد عليهم قولاً .. بأنهم سوف يقحمون في نار جهنم .. فعن معاوية أن النبي صلي الله عليه وسلم قال [3] :
[ ستكون أئمة من بعدي يقولون فلا يرد عليهم قولهم ، يقاحمون في النار كما تقاحم القردة ]
يقاحمون في النار .. أي يدخلهم الله سبحانه وتعالي النار عنوة ..!!! وليس هذا فحسب بل سوف يسكنهم الله سبحانه وتعالي في قاع جهنم والعياذ بالله .. فعن أبي موسى أن رسول الله صلي الله علي وسلم قال [4] :
[ إن في جهنم واديًا وفي الوادي بئر يقال له هبهب ، حق على الله أن يسكنه كل جبار عنيد ]
كما نددت السنة الكريمة بالأمة التي ينتشر فيها الخوف ، حتى لا تستطيع أن تقول للظالم : يا ظالم ..!!! فعن عبد الله بن عمرو مرفوعًا .. قال رسول الله [5]
[ إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم : يا ظالم .. فقد تودع منهم ]
وتودّع منهم : تعني صالحهم وسالمهم وأثني عليهم وأصبح منهم .. والحديث يعني ـ في مجمله ـ أن عدم مواجهة الظالمين تكون سببًا كافيًا لإلحاق اللعنة بالمجتمع ونزع الخيرية منه .
هذا ؛ وقد حملت السنة الشريفة على الذين يمشون في ركاب الطواغيت ، ويحرقون البخور بين أيديهم ، بأنهم من الهالكين .. فعن جابر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال [6] :
[ يا كعب بن عجرة أعاذك الله من إمارة السفهاء قال وما إمارة السفهاء ؟ قال أمراء يكونون بعدي يهدون بغير هداي ويستنون بغير سنتي ، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم ، فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون علي حوضي ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون علي الحوض ، يا كعب بن عجرة الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، والصلاة برهان ، يا كعب بن عجرة الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها ، وبائع نفسه فموبقها ]
وقد كشف القرآن المجيد عن تحالف دنس بين أطراف ثلاثة خبيثة ..
الأول : الحاكم المتأله المتجبر في بلاد الله ، المتسلط على عباد الله ، ويمثله فرعون .
والثاني : السياسي الوصولي ، الذي يسخر ذكاءه وخبرته في خدمة الطاغية ، وتثبيت حكمه ، وترويض شعبه للخضوع له ويمثله هامان .
والثالث :الرأسمالي أو الإقطاعي المستفيد من حكم الطاغية ، فهو يؤيده ببذل بعض ماله ، ليكسب أموالاً أكثر من عرق الشعب ودمه، ويمثله قارون .
ولقد ذكر القرآن المجيد أن هذا الثالوث المتحالف على الإثم والعدوان ، عادة ما يقف في وجه رسالة الرسل والأنبياء ، كما جاء في قوله تعالى :
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) )
( القرآن المجيد : غافر {40} : 23 - 24 )
وبهذا ؛ يستحق هذا الثالوث الخبيث ( الحاكم الطاغية ، والسياسي المنافق ، والإقطاعي المستفيد من حكم الطاغوت ) عقاب المولى سبحانه وتعالي .. فيأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ..
( وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) )
( القرآن المجيد : العنكبوت {29} : 39 - 40 )
[ وما كانوا سابقين : أي فائتين من عذابنا . وقيل ما كانوا سابقين : أي ما كانوا سابقين في الكفر ، بل سبقهم للكفر قرون كثيرة فأهلكناهم ]
والعجيب أن قارون كان من قوم موسى ، ولم يكن من قوم فرعون ، ولكنه بغى على قومه ، وانضم إلى عدوهم فرعون ، وقبله فرعون معه ، دلالة على أن المصالح المادية هي التي جمعت بينهما ، برغم اختلاف العروق والأنساب .
كما ربط القرآن الكريم بين الطغيان وانتشار الفساد .. وهو سبب هلاك الأمم ودمارها .. كما جاء في قوله تعالى :
( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) )
( القرآن المجيد : الفجر {89} : 6 - 14 )
وهكذا ؛ فجزاء طغيان الحاكم وشيوع الفساد هو هلاك الأمم ..
· فقهاء النفط .. وفقهاء السلطة ..
عقب موت الملك فهد ، وتولى أخيه الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في الأول من أغسطس 2005 م. لم يتردد الاعلام السعودي .. وما يسمي بـ " علماء الدين " من إجراء مقارنات تاريخية تعرض على الشاشات التلفزيونية هدفها ترسيخ مفهوم البيعة الإسلامية للنظام السعودي وإقناع الجمهور بأن هذه البيعة التاريخية التي تحصل في القرن الواحد والعشرين ما هي إلا الامتداد لممارسات المسلمين الأوائل ..!!!
وتحت عنوان : " النمط اليهودي للإسلام السعودي المفرغ من جوهره " .. تقول الدكتورة مضاوي الرشيد ـ أستاذ علم أصول الأديان / جامعة لندن ـ في مقال لها نشر في جريدة القدس العربية بتاريخ 15/8/2005 .. عن هذه البيعة :
" .. لقد وصلت الوقاحة الفكرية والاستهزاء بالمسلمين .. وبالانبياء .. وبالتاريخ القديم إلى درجة إجراء مقارنة بين بيعات الأنبياء وبيعة حالية لا تعتمد على أي بعد تاريخي أو شرعي .. فمنذ متى كان المسلم يبايع أسرة أو أفرادها بالجملة .. وفي أي نص ديني ثبتت بيعة القياصرة والملوك ..!!! لقد فرغت السعودية البيعة من مفهومها ولم يبق منها الا الطقس الديني ..!!! إن استغلال النظام السعودي للدين وشرعيته نجح في تحويل دين سماوي جمع بين جوهر عالمي يصلح لكل زمان ومكان ، وطريقة حياة نظمتها قوانين وقيود معروفة للجميع ، إلى دين يختزل في ـ مجرد ـ طقوس دينية تعرض على الجميع .. وبهذا التحول استطاع النظام السعودي أن يقرب بين الإسلام الممارس في السعودية والدين اليهودي المعروف بأنه نمط واضح من أنماط الديانات التي يغلب فيها الطقس الديني على كل شيء آخر ..
وهكذا ؛ استطاع النظام السعودي أن يحول الدين الإسلامي إلى طقوس سياسية بحتة ، مهمتها الأولى والأخيرة ترسيخ شرعية نظام ـ غير شرعي ـ بطريقة مرئية تكون أقوى بكثير من قدرة الكلمة على فعل هذه المهمة .. " .
( انتهى )
والمعروف في السعودية أن الزواج والطلاق والإرث وربما بعض السرقات التافهة والأمور الاخلاقية كلها تخضع للشريعة الاسلامية ، أما الأمور التجارية والاقتصادية فتخضع لسلسلة من الأنظمة الوضعية المرتبطة بمراسيم ملكية ومصالح أمراء آل سعود ، وكذلك مؤخراً القضايا الاعلامية حيث لها محاكمها الخاصة بها وهلم جرا . وهكذا ؛ يفصل النظام السعودي بين الدين والدولة ، فالدين يبقي مطبقاً اجتماعيا فقط ، أما شؤون الدولة الاقتصادية والسياسية فهي تدار دون اعتبار للدين .. وهو ما يعني أن النظام السعودي أثبت علمانيته سياسيا .. على الرغم من أنه لا يصرح بهذا علنا مثل بعض الأنظمة العربية ..
وقد لعب فقهاء النفط دورا خطيرا في واقع المسلمين لصالح القوى الحاكمة في الخليج والسعودية ، والذين يعدون امتدادا لفقهاء الأمس الذين واكبوا الأمويين والعباسيين والأيوبيين والمماليك والعثمـانيين وغيرهم وباركوا ممارساتهم وسياساتهم باسم الإسلام .. وهو ما أدى إلى الإسلام الانهزامي الذي يحاول البعض فرضه علـى واقـع المسلمين ومحو صورة الإسلام الحق من الوجود . فعلى مر الزمان كانت نصوص السمع والطاعة هي السلاح الذي يشهره فقهاء السلاطين في وجه كل فئة إصلاحية تحاول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقد أوقعت مثل هذه النصوص الحركة الإسلامية المعاصرة في مآزق فكرية وحركية كثيرة جعلتها سهلة الاحتواء والإجهاض من قبل القوى الحاكمة المتربصة بها ..!!!
· الانظمة الطاغوتية .. وتهميش المؤسسات الدينية ..
وفيما يلي نعرض لأهم أسباب تهميش واحتواء دور المؤسسات الدينية المصرية ( وما يجري في مصر يجري في باقي الأنظمة العربية وإن اختلفت مسميات المؤسسات الدينية ) ..
أولا : عدم استقلالية علماء الأزهر ( أي علماء الدين ) مالياً وحل الأوقاف الأهلية ، مما أضعفهم وجعلهم مرتبطين بالحكومة أي بالنظام الحاكم . فقد قضى جمال عبد الناصر على دور الأزهر وجعله مقعداً كسيحا لا يستطيع حراكاً .. بإصدار قانون حل الأوقاف الأهلية - القانون رقم 152 / 1957 ـ الخاص باستبدال الأراضي الزراعية الموقوفة على جهات البر العام ، وتسليمها للجنة العليا للإصلاح الزراعي ، وبهذا تم القضاء على أهم مصادر تمويل المؤسسة الدينية . وبهذا أصبحت الدعوة الإسلامية بلا سند مادي ترتكز عليه ..!!! الأمر الذي أثر بصورة واضحة ومباشرة على استقلال علماء الدين مادياً وفكرياً . وهكذا ؛ أصبح النقد أو المعارضة من جانب رجال الدين لا تعني سوى انقطاع سبل عيشهم .. وفقدان وظائفهم .. والأمثلة على هذا كثيرة ..!!!
ومن السخريات ؛ لم تطبق هذه القوانين على أوقاف الكنائس حيث ترك لكل كنيسة أوقافها في حدود مائتي فدان ومازاد عن هذا كانت الدولة تأخذه وتدفع ثمنه بسعر " السوق السوداء " وهو ما أدى في السبعينات لمناداة عدد من الأصوات بمساواة أوقاف المسلمين بأوقاف المسيحيين ..!!!
ثانيا : تدخل السلطة في تعيين شيخ الأزهر ( علماء الدين ) وكل المناصب العليا في الأزهر . ويتم الاختيار ـ أولا وأخيرا ـ من منظور مدى الولاء للسلطة ، ويكفي أن يعترف شيخ الجامع الأزهر الحالي في مصر ـ محمد السيد طنطاوي ـ بأنه موظف لدى السلطة ..!!! والمعروف أن الموظف ملتزم بشرع ولي نعمته .. وهو الذي يصر ـ دائما ـ على ترويض القرآن الكريم والسُنة الشريفة لمجاملة الحكومات الغربية والحصول على رضا السلطة ..!!! وكمثال آخر لفقيه السلطة ( وهو العالم الذي باع آخرته بدنياه ) الشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الجامع الأزهر في الفترة [ 1954 – 1958 ] ؛ فهو الذي أصدر فتواه الشهيرة بأحقية الدولة في التجريد من شرف المواطنة ـ سحب الجنسية ـ وكان يقصد بهذه الفتوى اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر بعد النظام الملكي ( أنظر المقال السابق : الزعيم جمال عبد الناصر / الوجه الآخر ) ..!!!
السبب الثالث : انتشار مذهب الإرجاء ( أنظر الملحق الثاني ) ، وشيوع التصوف في العالم العربي والإسلامي . ومن لوازم هذا المنهج التواكل وعدم الخروج على الحاكم مهما بلغ ظلمه وقد خدم مذهب الإرجاء الحكام على مر العصور أيما خدمة .. من تسكين الجماهير وتخديرهم وكانت النتيجة ( دع الملك للمالك ) وقد سرى هذا المذهب في جسد الأمة حتى صارت مرتعاً لتسلط الحكام ..!!! وسلوك حكام المنطقة خير شاهد ..!!!
السبب الرابع : وجود طابور خامس من علماء الدين يعملون لحساب النظام مع بث الفرقة ونشر الشائعات عن العلماء الذين لا يسيرون في فلك المنظومة السلطوية . فبعد أن صارت مرتبات العلماء وكادرهم الوظيفي بأيدي الحكومة سهل على النظام اختراقهم وتجنيد بعض النفوس الضعيفة من العلماء .. فراحوا يكتبون التقارير السرية ضد توجهات زملائهم القكرية والسياسية والتي توصي بإيقاف شيخ واعتقال آخر وتلميع ثالث ..!!! بل أن هذا الأمر معمول به في الجمعيات الخيرية الشرعية التابعة لوزارة الشؤون الإجتماعية فهناك بين أعضاء مجالس إدارات هذه المؤسسات الإسلامية من يعمل لصالح الأمن ويرسل التقارير الأمنية عن نشاط زملائه المشايخ ، مما تسبب في فصل بعض العلماء من قيادة هذه الجمعيات .. وأحدث الفرقة بين المشايخ ..!!!
السبب الخامس : تركيز وسائل الإعلام الحكومية على رسم صورة نمطية ساخرة لرجل الدين ، مما أدى لاهتزاز صورة عالم الدين في قلوب وعقول الأجيال المتعاقبة ( أذكر على سبيل المثال مجلة روز اليوسف المصرية ؛ كانت تخصص كاريكاتورا بعنوان " الشيخ متلوف " تسخر به من رجل الدين الإسلامي وهو بزيه الرسمي ) ..!!! وقد كان ، لكل هذه الاسباب مجتمعة ، أسوأ الأثر في شخصية عالم الدين ، وعلى طريقة تفكيره الشرعية وفتواه ..!!!
· ثقافة شعوب ومجتمعات العار .. والعقاب الجماعي ..
بمراجعة التاريخ .. نجد أن أول حاكم مسلم تحدث عن وظيفته كان الخليفة الراشد أبو بكر الصديق ( 11 هـ ) ، الذي قال : " وليت عليكم ولست بخيركم إن رأيتم خيرا فأعينوني وإن رأيتم شرا فقوموني ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم " .
ثم يأتي من بعده الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ( عام 20 هـ ) .. فوقف خطيبا على منبر الرسول ( r ) في المدينة ، وتحدث عن دور الرعية في صلاح الحاكم وإصلاحه فقاطعه إعرابي قائلا : " والله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بالسيف يا عمر " .. فانبسطت أسارير عمر ، وتوجه إلى الله حامدا وشاكرا ، وذكر كلمته المشهورة : " الحمد لله الذي جعل من رعية عمر ، من يقوّمه بحد السيف إذا أخطأ .. "
وهكذا إذا طغى الحاكم على الرعية بعد هذا فالرعية تصبح هي المسئولة المسئولية المباشرة .. في عدم تقويم الحاكم ..!!! ولهذا ؛ أصبح من المعروف جيدا .. ومن الأمور المتفق عليها .. أن الشعوب هي التي تصنع الحكام الطغاة ..!!!
فالإمامة في الإسلام هو عقد مشروط ، طرفاه الحاكم من ناحية ، والجماعة من ناحية أخرى . ولا ينعقد إلا بإيجاب أفراد الأمة أو ممثليهم ؛ والقبول من جانب الحاكم .
وهو عقد مشروط
بإقامة الدين ،
وتحقيق العدل ،
ونشر الأمن ،
وتحصين البلاد ،
وحفظ النفس التي حرم الله إلا بالحق ،
وعدم أخذ المال بالباطل ،
والرجوع إلى أهل الشورى فيما لم يقطع به القرآن والسنة برأي .
فإذا أخل الحاكم بشروط عقد الإمامة ، فإن ذلك يمنع من استدامة العقد .
وقد أقرت الشريعة الإسلامية مبدأ تقييد سلطة الحاكم ومسئوليته عن عدوانه وأخطائه ، وعن كل عمل يتجاوز به سلطانه ، أو يخرج به عن حدود الولاية . فإذا ثبت تعمد الحاكم العدوان فإنه يكون بذلك مرتكبا لجريمة الخيانة في حق الأمة ، وجاز لممثلي الأمة محاسبته عن كل ضرر يترتب عن عصيانه ، ومحاكمته وعقابه عن كل عدوان ينشأ كنتيجة لهذا العصيان . والإخلال بمقتضيات عقد الإسلام ، أو عقد الذمة ، أو عهد الأمان ، أو عقد الإمامة أو الحكم .. تقع كلها تحت مسمى " جرائم الحرابة " . [ ولمزيد من التفاصيل يمكن للقاريء المهتم الذهاب إلى مرجع الكاتب السابق : " السقوط الأخير : تاريخ الصراع على السلطة منذ ظهور الإسلام وحتى الوقت الحاضر " / الفصل الرابع : توريث الحكم وعقد الإمامة في الإسلام ]
وهكذا ؛ فالرعية ـ في الفكر الإسلامي ـ مسئولة مسئولية مباشرة عن سلوك الحاكم وعلاقته بهم .. وهم يحملون الوزر الأكبر في ظلم الحاكم لهم .. ولهذا فهم يبوءون بغضب الله وعذابه ..!!! فعن رسول الله ( r ) قال [7] ..
[ إنه من كان قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل فيهم العامل الخطيئة فنهاه الناهي تعذيرا فإذا كان من الغد جالسه وواكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس فلما رأى الله تعالى ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض على لسان داود وعيسى بن مريم { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأخذن على أيدي المسيء ولتأطرنه على الحق أطرا ( أي تجبروه وتقيدوه على فعل الحق ) أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم ]
أو كما قال رسول الله ( r ) [8] عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) :
[ قال لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله شراركم على خياركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم ]
ونعود إلى ثقافة العار حيث يشعر الفرد بالجرح وبالجزع وبالمهانة فقط إذا تم كشفه أمام أهله أو أمام العالم . أو بمعنى آخر أن الفرد يشعر بالعار إذا كشفت فضيحته أمام الغير . وفي عالمنا العربي المعاصر كشفت أنظمتنا الحاكمة عورتنا ـ هذا إن كان لدينا عورة وباقي إحساس في الوقت الحاضر ـ بأننا " شعوب جبانة " تؤثر السلامة ولا تستطيع مواجهة هذه الأنظمة الطاغوتية الحاكمة .. وبالتالي فقدت القدرة على التعبير عن نفسها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. كما فقدت القدرة على التغيير ، وبالتالي فقدت العون الإلهي في الخروج من الهاوية .. كما جاء في قوله تعالى :
) .. إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ .. (11) (
( القرآن المجيد : الرعد {13} : 11 )
ففي مجتمعات ثقافة العار ، تكمم الأفواه ولا يستطيع الناس أن تناقش مشكلاتها الحساسة بصراحة ، وأمانة ، وموضوعية . ولذلك لا يتم احتواؤها أو حلها ..
ويقول جمال حمدان في كتابه " شخصية مصر " :
" إن سلبية المواطن الفرد إزاء الحكم جعلت الحكومة هي كل شيء في مصر ، والمواطن نفسه لا شيء ، فكانت مصر دائما هي حاكمها ، وهذا أس وأصل الطغيان الفرعوني والاستبداد الشرقي المزمن حتى اليوم .. أكثر مما هو نتيجة له . فهو بفرط الاعتدال أصبح مواطنا سلسا ذلولا ، بل رعية ومطية لينة ، لا يحسن إلا الرضوخ للحكم والحاكم ، ولا يجيد سوى نفاق السلطة والعبودية للقوة ، وما أسهل حينئذ أن يتحول من مواطن ذلول إلى عبد ذليل .. "
وقد ذم القرآن الشعوب المطيعة للجبابرة .. فلم يقصر القرآن حملته على الطغاة المتألهين وحدهم ، بل أشرك معهم أقوامهم وشعوبهم الذين اتبعوا أمرهم وساروا في ركابهم ، وأسلموا لهم أزمّتهم ، وحملهم المسئولية معهم .. ولذلك كان العقاب جماعيا للطاغية وشعبه أو قومه ..
فعندما بعث الله سبحانه وتعالي هودا عليه السلام في قوم عاد .. لم يستجيبوا له .. واتبعوا أوامر جبابرتهم .. كما جاء في قوله تعالى :
( وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59))
( القرآن المجيد : هود {11} : 59 )
وأرجو أن يتنبه القاريء إلى كلمة " عاد " .. والتي تعني العودة إلى ما كان عليه المرء من فعل أي أن كلمة " عاد " تعني تكرارية الحدث . وهو ما يعني أن بعض المجتمعات البشرية سوف تعيد ما فعله قوم عاد .. أي سوف تتبع الجبابرة في عصيان أمر الله .. والجحود برسالاته .. فتكون النتيجة بسنن الله اللامتغيرة ، في الأمم والجماعات والأفراد ، كما جاء في قوله تعالى :
( وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58))
( القرآن المجيد : هود {11} : 58 )
ولا يجوز القول ـ في الوقت الحاضر ـ بعدم وجود " النبي هود عليه السلام " .. لأن القرآن المجيد " كلمة الله الخالدة " موجود بين أيدينا ( أي أن بين أيدينا جميع دروب الأنبياء والرسل ) .. وبهذا نستحق العقاب .. كما استحق قوم عاد العقاب من قبل ..
وعن نوح عليه السلام .. يقول المولى سبحانه وتعالي عن قومه :
( قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21))
( القرآن المجيد : نوح {71} : 21 )
وكما نرى فإن الاتباع هنا مرتبط بطغيان الثروة والسلطة ( ماله وولده ) ، وباقي القصة معروف .. فقد أغرق المولى سبحانه وتعالي عصاة قوم نوح بالطوفان ..
ويقول جل شأنه عن قوم فرعون :
( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54))
( القرآن المجيد : الزخرف {43} : 54 )
أي أن الطاغوت لا يتبعه إلا القوم الفاسقون .. وماذا كانت النتيجة ..؟!
( .. فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) )
( القرآن المجيد : الزخرف {43} : 97-98 )
وهكذا ؛ حَمّل المولى سبحانه وتعالي الشعوب المسئولية لأنها هي التي تصنع الفراعنة والطغاة .. ولا تسريب ـ بعد ذلك ـ في أن تقود الطغاة شعوبها إلى جهنم .. والعياذ بالله ..
إن المعركة الأولى للدعوة الإسلامية والصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية في عصرنا هي معركة الحرية ، حتى يمكن التحرر من سيطرة فكر الطغاة ، فيجب على كل الغيورين على الإسلام أن يقفوا صفًا واحدًا للدعوة إليها ، والدفاع عنها ، فلا غنى عنها ولا بديل لها .
ويقول المستشرق الأمريكي " و. ك. سميث " ( الخبير بشؤون باكستان ) :
[ إذا أعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية فإن الإسلام سوف ينتصر في هذه البلاد ، وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية وبين دينها ]
وأخيرا ينبغي ألا يفوت على الأحزاب السياسية ضرورة التوجه بالخطاب السياسي لتوعية رجال الطاغوت وتبصيرهم بمصيرهم المشئوم .. وبالتالي التخلي عن الطاغوت .. فعن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال [9] :
[ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ ]
فهل وعى جنود الطاغوت بأنهم باعوا آخرتهم بدنيا الطاغوت ..!!! ولا عذر لجنود الطاغية بالقول بطاعة السادة والكبراء ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولهذا يأتي قوله تعالى :
( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) )
( القرآن المجيد : الأحزاب {33} : 66 - 68 )
أي جنود الطاغوت في النار مع الطاغوت .. يقودهم إليها ..!!! وبعد تخلي رجال الطاغوت عنه .. سيظهر الطاغوت على حقيقته .. كفأر مذعور ..!!! فمثل هذه الشخصيات المختلة عقليا .. تخفي جبنها وراء قسوتها .. وتتبدى شجاعتها فقط وهي في حماية كلابها ..!!!
وأخيرا .. لم يحدث عبر التاريخ أن نال شعب حريته بالاستجداء والمناشدة . وما من حاكم عبر التاريخ ، بل وفى الدنيا كلها ، تنازل بمحض إرادته واختياره عما ملكت يداه من سلطة وسلطان . بل يجب على الشعوب التحرك لانتزاع حقوقها من هذه الطواغيت ..!!! وعندما نطالب النظام الحاكم بالحكم بالشريعة ، أو القول بالشعار السائد : الإسلام هو الحل ، فإن جوهر هذا الخطاب ـ في واقع الأمر ـ هو : الحرية والديمقراطية وتقوى الله هى الحل .
ومن المعروف حاليا أن النظم العربية القمعية الديكتاتورية تستمد شرعيتها من التأييد الخارجي للولايات المتحدة مقابل استمرار بقائها في السلطة ، وأن من مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل استمرار بقاء هذه النظم الديكتاتورية على كراسيها ، أما الضغط الأمريكي الساعي للإصلاحات الديموقراطية في المنطقة العربية ( أو العالم الإسلامي بصفة عامة ) ، فهو ادعاء كاذب لا يرقى لأن يُنظر إليه خارج المصالح المشتركة لأمريكا وإسرائيل في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي .
فالواقع ؛ أن الضغط الأمريكي الساعي للإصلاحات الديموقراطية يتم في إطار استمرار زيادة الابتزاز للأنظمة العربية القمعية . فعلى سبيل المثال ؛ يراهن المسؤولون السعوديون على البقاء في الحكم بامتثالهم لقرارات الولايات المتحدة الأمريكية ، باستيراد أسلحة فاسدة بميزانيات خيالية ( لدعم الاقتصاد الغربي ) ، والعمل على خفض سعر النفط عن طريق ضخ أكبر كمية منه تحت دعوى " الحفاظ على مصالح دول العالم " ـ كما يقول بهذا الإعلام السعودي ـ وأيضاً التوسع في البنية التحتية لزيـادة إنتاج النفط لاستمرار تدفق النفط الرخيص في المستقبل ..!!!
فمصالح الولايات المتحدة تعني عَصْر الأنظمة الديكتاتورية لآخر ريال ، وآخر قطرة نفط ، وآخر قرار سياسي في صالح وجود إسرائيل وصهينة المنطقة العربية وهيمنة الغرب عليها ثم لتذهب بعد هذا الأنظمة العربية ـ آل سعود أو غيرها ـ إلى الجحيم ..!!!
· الطريق إلى الفناء ..
لقد شكلت الثروة النفطية في البلاد العربية مئات المليارات من الدولارات ، لكن وبكل أسف قامت الأنظمة الحاكمة بتبديد هذه الثروات ـ كما يقول المراقبون ـ بين السفه في الإنفاق والبذخ الذي لا يتصوره عقل ، وبين الإنفاق على الحروب وصفقات السلاح الفاسد . فعلى سبيل المثال ؛ قامت الأنظمة الحاكمة العربية بأنفاق حوالي 300 بليون دولار في العشر سنوات الأخيرة ( 1996-2005 م ) على صفقات السلاح الفاسد .. وأكرر " صفقات السلاح الفاسد " وهو السلاح الذي لا يعمل إلا في حالة قيام حروب بين المسلمين بعضهم وبعض .. كما سبق وأن بينت كيفية تنفيذ ذلك في نظم الأسلحة الحديثة في مرجعي السابق : " الإسلام والغرب .. المواجهة والحل " ..!!!
كما قامت الأنظمة العربية الحاكمة بنهب ثروات هذه البلاد [10] بعد أن تغلبت على الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها ..!!! وعلى الرغم من الثراء الفاحش في السعودية ودول الخليج ، فإن تقرير مجلة البحوث الأمنية الصادرة عن مركز البحوث والدراسات في كلية الملك فهد الأمنية في الرياض في السعودية ، الذي نشر في نهاية أبريل 2005 م ، جاء فيه أن عدد الأطفال المتسولين في السعودية بلغ ثمانين ألف ، 69% منهم من السعوديين ..!!! وهكذا ؛ الحاكم في النظم العربية يتحرك وهو يعلم بأنه يملك الأرض وما عليها من ثروات .. كما يملك من عليها من ناس لا قيمة لحياتهم ولا حقوق لهم ..!!!
وفي مقابل بذخ الأنظمة الحاكمة في الإنفاق الذي لا يتصوره عقل ( أنظر مقال الكاتب السابقة : الحرب أو التنصر أو اعتناق الإسلام / سيناريو المواجهة مع الغرب ) ، نجد الشعب الفلسطيني الشقيق يتضور جوعا في ظل حكومة حماس المنتخبة ( وقت صدور هذه الطبعة ) .. فهو يعيش على : " الزعتر والدقة .. كما يقول بهذا اسماعيل هنية رئيس وزراء حماس ..!!! بينما سعر برميل النفط تجاوز السبعين دولار ( أسعار عام 2006 م ) ، كما تجاوز سعر البرميل الـ ( 120 ) دولارا في عام 2008 [11] ..!!! وعلى حسب بعض الدراسات لو أن كل دولة عربية أنفقت ربع دولار فقط من البرميل على حكومة حماس لحصدت حكومة حماس 2 مليار كل شهر بحيث تقضي على هذه المجاعة .. وتواجه إسرائيل وهي على أرض صلبة .. ولكن هي المؤامرة المعلنة من الأنظمة الحاكمة على الشعب الفلسطيني لصالح العدو الإسرائيلي ..!!!
والمعروف ـ عن تقرير لمجلة نيويوركر الأمريكية ـ أن الأجهزة الأمريكية تقوم بتسليم بعض المعتقلين لديها في سجن جوانتانامو إلى عدد من الحكومات العربية ( مصر / الأردن / سوريا / تونس ) بهدف استخدام أساليب التعذيب والقهر لديها لانتزاع اعترافات المعتقلين ، وتمثل هذه فضيحة مركبة تكشف عن مدى تبعية تلك الحكومات لأمريكا ، وكأنها أحد أجهزتها السرية ، كما تكشف أيضًا عن المستوى اللا أخلاقي الذي تدنت إليه هذه الحكومات ..!!!
ونأتي إلى مهزلة قيام الحكام العرب بوضع معظم هذه الثروات المنهوبة من الشعوب العربية المقهورة في بنوك الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ولا تستثمرها في مجال التكنولوجيا العربية ، حيث تقوم الأخيرة بإقراضها إلى الدول النامية لتصنع بها ـ أي بأموال العرب ـ أزمة الديون العالمية ..!!!
وتشير صحيفة " إنتر ناشيونال هيرالد تريبيون " في تقرير نشرته في منتصف يناير 2006 م ، أن المستفيد الأول من طفرات أسعار النفط [11] هي الولايات المتحدة الأميركية ، وأن هذه الطفرات هي التي تنعش الاقتصاد الأميركي . وقد أشار تقرير لصندوق النقد الدولي ( نشر في بداية أكتوبر 2005 م ) أن عائدات النفط العربية في العام 2005 م وصلت إلى أربعمائة خمسة وسبعون مليار دولار..!!! وأشارت صحيفة إنتر ناشيونال هيرالد تريبيون في نفس التقرير السابق إلى وجود أكثر من 67 مليار دولار في سندات الخزينة الأميركية تعتمد على الطفرة الثانية في أسعار نفط الدول العربية . وهكذا ؛ يذهب خير طفرات أسعار النفط العربي للولايات المتحدة الأمريكية بينما تلعق الشعوب أصابعها بالفتات .. ولا تقوم الأنظمة الحاكمة باستثمار هذه الأموال في المنطقة العربية لصالح هذه الشعوب المعدمة ..!!!
والمعلوم ـ في الوقت الحاضر ـ أن بعض الدول الخليجية تقوم بتفريغ العمالة العربية تمهيدا لمجيء أجانب ذوي بشرة بيضاء وعيون زرقاء من بلدان غير عربية ، والنتيجة بعد بضع سنوات أن ثقافة ودين وحضارة هذه المنطقة وهويتها سوف تنتهي ..!!!
ويوجد ضغوط كبيرة ـ في الوقت الحالي ـ من قبل الدول الغربية على " الأمم المتحدة " لإصدار قانون يقضي بأن كل من يسكن المنطقة العربية لمدة أربعة أو خمسة سنوات أن يكون مواطنا عربيا .. ويجب أن يكون له حق التصويت ..!!! فإذا علمنا أن بعض البلدان الخليجية تصل العمالة الأجنبية ـ غير العربية ـ فيها أحيانا إلى 70 % أو80 % ، فإن هؤلاء غدا سوف يكونون كتلة متفجرة في وجه هذه المنطقة بكاملها . وأكثر من ذلك ؛ فمن المحتمل أن تأتي أساطيل هذه البلدان التي ينتمي إليها هؤلاء القوم إلى الخليج لتدافع عن حقوقهم .. فهؤلاء كانوا مواطنين عندهم ، وجاءت الأساطيل ـ تحت ذريعة ـ الدفاع عن حقوقهم في المنطقة العربية .. لتنتهي ملكية المنطقة إلى الأجانب ..!!! وهكذا تقود الأنظمة العربية شعوب المنطقة ـ بخطا متسارعة ـ نحو التخلف والفناء ..!!!
ولا عجب في هذا ؛ فقد يسلم هؤلاء القوم الجدد ويحسن إسلامهم .. ويصدق عليهم وعلينا قوله تعالى ..
( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) )
( القرآن المجيد : فاطر {35} : 16 - 17 )
وإلى حديث آخر إن شاء الله تعالى ..
موقع الكاتب على الإنترنت :
www.truth-4u.com
أو الموقع التبادلي www.truth-2u.com
****************
هوامش المقالة :
[1] أصدر مرجعا شيعيا عراقيا ( في يناير 2005 ) فتوى دينية بإهدار دم كل من مارس التعذيب من أعضاء حزب البعث العراقي . وطالما أن الفتوى دينية ـ وليست سياسية ـ فلا يصح أن يهدر دم البعثي الذي قام بالتعذيب ، بينما يعفى من العقاب أي فرد آخر ينتمي إلى تنظيم حزبي آخر . فالفتوى الدينية عامة تشمل كل من قام بالتعذيب . ويرى البعض بضرورة تعميم هذه الفتوى – وإن كان بصورة أقل- ضد كل من يزور الانتخابات أو يكذب على الأمة .
[2] يقول محمد نجيب في مذكراته : " كنت رئيسا لمصر " ( ص 203 ) : ترك أحد الضباط الأحرار شقته المتواضعة واستولى على قصر من قصور الأمراء في جاردن سيتي ، حتى يكون قريبا من إحدى الأميرات التي كان قصرها قريبا من ذلك القصر الذي استولى عليه .. وكان لا يتورع أن يهجم على قصرها بعد منتصف الليل وهو في حالة شبه إغماء بسبب الخمر ..!!! وكثيرا ما طلبتني الأميرة في الفجر لانقاذها من ذلك الضابط ، الذي تصور على حد تعبيرها أنه ملك جديد ..!!! وعندما حاولت أن أثنيه عما يفعل .. قال : اننا نسترد جزءا مما دفعناه لسنوات طويلة ( وهو ما يعني ـ من وجهة نظر هذا الطاغوت الغبي ـ أن على الحكام السابقين تسديد الديون له شخصيا وليس للشعب ) ..!!! ويضيف محمد نجيب ( ص 207 ) " لقد سرق بعض الضباط الأحرار فلوس معونة الشتاء ، وسرقوا هدايا وبضائع قطارات الرحمة وباعوها علنا ، وسرقوا فلوس التبرعات الخاصة بالشئون الاجتماعية ، وسرقوا تحف ومجوهرات القصور الملكية .. " .. فهؤلاء هم ضباط مصر الأحرار .. أبطال ثورة يوليو 1952 ..!!!
[3] الراوي: معاوية بن أبي سفيان - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم : 3615 . رقم الحديث : 71223 .
[4] ( إن في جهنم واديا .. ) رواه الطبراني بإسناد حسن كما قال المنذري في الترغيب ، والهيثمي في : المجمع 5 /197 والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 4 /332 .
[5] الراوي : عبدالله بن عمر - خلاصة الدرجة : [ إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما ] - المحدث : المنذري - المصدر : الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم : 3/234 . حديث رقم : 202887 .
[6] الراوي : جابر بن عبدالله - خلاصة الدرجة : صحيح - المحدث : ابن حجر العسقلاني - المصدر : الأمالي المطلقة - الصفحة أو الرقم : 213 . رقم الحديث : 33866 .
[7] الراوي : أبو موسى - خلاصة الدرجة : رجاله رجال الصحيح - المحدث : الهيثمي - المصدر : مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم : 7/272 . حديث رقم : 235574 .
[8] الراوي : أبو هريرة و عمر بن الخطاب - المصدر: تخريج الإحياء - الصفحة أو الرقم : 2/379 . حديث رقم : 60530 .
[9] رواه أبي إمامة . ابن ماجه ـ كتاب الفتن ، حديث رقم 3956 .
[10] يبلغ احتياطي النفط العالمي أكثر من تريليون برميل تمتلك دول الخليج وإيران 60% منه ، فالمملكة العربية السعودية وحدها تمتلك 25% من الاحتياطي العالمي ، ويمتلك العراق 11% ، بينما الكويت 10% ، والإمارات 10% ، وإيران 12% من الاحتياطي العالمي . وفي مراجع أخرى ؛ تحتفظ بلدان الخليج والسعودية بحوالي 53 في المائة من احتياطيات العالم المعروفة من النفط ، وتنتج أكثر من ثلث الإنتاج العالمي اليومي . فالمملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الأولى ، باحتياطي قدره ( 261 مليار ) برميل ، تليها الإمارات العربية المتحدة ( 98 مليارا ) والكويت ( 96.5 مليار ) . كما تحتفظ بلدان الخليج بـ 14 في المائة من الاحتياطيات العالمية من البترول ، وتعتبر غنية أيضاً بالغاز الطبيعي ، إذ تحتفظ قطر وحـدها بثالث أكبر الاحتياطيات في العالم .
[11] عند مراجعة مراحل تطور أسعار النفط في الفترة من 1948 إلى 1973 نجدها تراوحت بين 2 إلى 3 دولار للبرميل ، ولم تبدأ بالتغير إلا مع بداية حرب أكتوبر 1972 م ، فقد قفز سعر البرميل من 2 دولار إلى 7 دولار نتيجة استخدام النفط سلاح اقتصادي وهي ما تسمى بالطفرة أو الصدمة النفطية الأولى .
ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980 ارتفعت الأسعار إلى 35 دولار للبرميل ثم تراجعت بعدها إلى أن استقرت الأسعار عند مستوى 16 دولار للبرميل ، وبعد اشتعال حرب الخليج الثانية ( حرب تحرير الكويت 1991م ) ارتفعت عند مستوى 24 دولار ثم تراجعت بمجرد تحرير الكويت واستقرت عند مستوى 13-15 دولار للبرميل . ثم بدأت الأسعار في الارتفاع بعد عام 1999 نتيجة أسباب اقتصادية وجيوسياسية وفنية وبيئية حتى وصلت إلى مستوى 70 دولار للبرميل في نهاية صيف 2005 م . وهو ما يعرف بالطفرة النفطية الثانية .
أما الطفرة الثالثة .. فحدثت في أبريل 2008 ( على خلفية : قوة النمو في الأسواق الصاعدة ، ولا سيما في الصين والشرق الأوسط ) حيث قفز سعر النفط إلى قمة جديدة عند 123 دولار للبرميل ، باعثا موجة من المخاوف والتوقعات من أن تصل أسعار النفط حاجز الـ 200 دولار للبرميل ، بعد تقرير توقع ذلك السعر في غضون عامين .
http://truth-2u.com/articles.php?ID=100&do=view
دكتور مهندس / محمد الحسيني إسماعيل
يقول الأستاذ هيكل في الحلقة الثامنة من تسجيلات قناة الجزيرة : " .. عندما كان الأمريكيون يحتاجون إلى درجات من التعذيب للمعتقلين يخشون معها من مواجهة عواقبها أمام شعوبهم ، فكانوا يرسلون هؤلاء المعتقلين إلى أجهزة أشد إجراما ، في أربع عواصم عربية هي : القاهرة / وعمان / ودمشق / والرباط .. حيث وصلت تكنولوجيا التعذيب [1] في هذه العواصم إلى مستوى غير مسبوق في التاريخ ..!!!
ففي الواقع ؛ أصبح إذلال المسلمين وتدمير الإسلام يتم بأيدي أنظمتها الديكتاتورية الحاكمة ، وإذا كان ثمن الوصول إلى السلطة فيما مضى كان يتم بالغدر والخيانة وتلطيخ الأيدي بدماء الشعوب ، فإن ثمن الوصول إلى السلطة في العصر الحديث أصبح .. ليس فقط بالغدر والخيانة وتلطيخ الأيدي بالدماء .. بل للعمالة ـ للصهيو/مسيحية ـ ومعاداة الإسلام ..!!! فالعمالة ومعاداة الإسلام أصبحتا من الأمور الأساسية التي يفرضها فكر وطبيعة الدول التي تملك القوة والسيطرة ( الولايات المتحدة وإسرائيل ) على الأنظمة الحاكمة في عالمنا الإسلامي في الوقت الحاضر ..!!! [ وللتفاصيل يمكن للقاريء المهتم الذهاب إلى مرجع الكاتب السابق : " السقوط الأخير : تاريخ الصراع على السلطة منذ ظهور الإسلام وحتى الوقت الحاضر " ]
· جنود الطاغية غارقون في الوزر مع الطاغية ..
إن أكثر من يتحمل المسئولية مع الحكام الطغاة هم " أدوات السلطة " الذين يسميهم القرآن " الجنود " ويقصد بهم " القوة العسكرية " التي هي أنياب القوة السياسية وأظفارها ، وهي السياط التي ترهب بها الجماهير إن هي تمردت أو فكرت في أن تتمرد ، حيث يقول القرآن المجيد :
(.. إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) )
( القرآن المجيد : القصص {28} : 8 )
ولهذا كان العقاب يشمل الطاغوت وجنوده ..
( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) )
( القرآن المجيد : القصص {28} : 40 )
[ التفسير : ( فأخذناه ـ أي أخذنا فرعون ـ وجنوده فنبذناهم ) طرحناهم ، ( في اليم ) البحر المالح فغرقوا ، ( فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) حين صاروا إلى الهلاك ]
فهذه هي عاقبة الظالمين ( الطاغوت وجنوده ) في الدنيا .. أما عقابهم في الآخرة فيأتي في قوله تعالى ..
( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43) وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ [2] وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (52))
( القرآن المجيد : إبراهيم {14} : 42 - 52 )
ولا بد من التنبيه إلى .. أنه لا معنى لقول جنود الطاغية بطاعة السادة والكبراء ، فلا عذر لهم ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولهذا يأتي قوله تعالى للرد على هذه الذريعة :
( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) )
( القرآن المجيد : الأحزاب {33} : 66 - 68 )
وقد حملت السنة النبوية الكريمة على الحكام والأمراء الظلمة والجبابرة ، الذين يسوقون الشعوب بالعصي الغليظة ، وإذا تكلموا لا يـرد أحد عليهم قولاً .. بأنهم سوف يقحمون في نار جهنم .. فعن معاوية أن النبي صلي الله عليه وسلم قال [3] :
[ ستكون أئمة من بعدي يقولون فلا يرد عليهم قولهم ، يقاحمون في النار كما تقاحم القردة ]
يقاحمون في النار .. أي يدخلهم الله سبحانه وتعالي النار عنوة ..!!! وليس هذا فحسب بل سوف يسكنهم الله سبحانه وتعالي في قاع جهنم والعياذ بالله .. فعن أبي موسى أن رسول الله صلي الله علي وسلم قال [4] :
[ إن في جهنم واديًا وفي الوادي بئر يقال له هبهب ، حق على الله أن يسكنه كل جبار عنيد ]
كما نددت السنة الكريمة بالأمة التي ينتشر فيها الخوف ، حتى لا تستطيع أن تقول للظالم : يا ظالم ..!!! فعن عبد الله بن عمرو مرفوعًا .. قال رسول الله [5]
[ إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم : يا ظالم .. فقد تودع منهم ]
وتودّع منهم : تعني صالحهم وسالمهم وأثني عليهم وأصبح منهم .. والحديث يعني ـ في مجمله ـ أن عدم مواجهة الظالمين تكون سببًا كافيًا لإلحاق اللعنة بالمجتمع ونزع الخيرية منه .
هذا ؛ وقد حملت السنة الشريفة على الذين يمشون في ركاب الطواغيت ، ويحرقون البخور بين أيديهم ، بأنهم من الهالكين .. فعن جابر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال [6] :
[ يا كعب بن عجرة أعاذك الله من إمارة السفهاء قال وما إمارة السفهاء ؟ قال أمراء يكونون بعدي يهدون بغير هداي ويستنون بغير سنتي ، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم ، فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون علي حوضي ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون علي الحوض ، يا كعب بن عجرة الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، والصلاة برهان ، يا كعب بن عجرة الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها ، وبائع نفسه فموبقها ]
وقد كشف القرآن المجيد عن تحالف دنس بين أطراف ثلاثة خبيثة ..
الأول : الحاكم المتأله المتجبر في بلاد الله ، المتسلط على عباد الله ، ويمثله فرعون .
والثاني : السياسي الوصولي ، الذي يسخر ذكاءه وخبرته في خدمة الطاغية ، وتثبيت حكمه ، وترويض شعبه للخضوع له ويمثله هامان .
والثالث :الرأسمالي أو الإقطاعي المستفيد من حكم الطاغية ، فهو يؤيده ببذل بعض ماله ، ليكسب أموالاً أكثر من عرق الشعب ودمه، ويمثله قارون .
ولقد ذكر القرآن المجيد أن هذا الثالوث المتحالف على الإثم والعدوان ، عادة ما يقف في وجه رسالة الرسل والأنبياء ، كما جاء في قوله تعالى :
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) )
( القرآن المجيد : غافر {40} : 23 - 24 )
وبهذا ؛ يستحق هذا الثالوث الخبيث ( الحاكم الطاغية ، والسياسي المنافق ، والإقطاعي المستفيد من حكم الطاغوت ) عقاب المولى سبحانه وتعالي .. فيأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ..
( وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) )
( القرآن المجيد : العنكبوت {29} : 39 - 40 )
[ وما كانوا سابقين : أي فائتين من عذابنا . وقيل ما كانوا سابقين : أي ما كانوا سابقين في الكفر ، بل سبقهم للكفر قرون كثيرة فأهلكناهم ]
والعجيب أن قارون كان من قوم موسى ، ولم يكن من قوم فرعون ، ولكنه بغى على قومه ، وانضم إلى عدوهم فرعون ، وقبله فرعون معه ، دلالة على أن المصالح المادية هي التي جمعت بينهما ، برغم اختلاف العروق والأنساب .
كما ربط القرآن الكريم بين الطغيان وانتشار الفساد .. وهو سبب هلاك الأمم ودمارها .. كما جاء في قوله تعالى :
( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) )
( القرآن المجيد : الفجر {89} : 6 - 14 )
وهكذا ؛ فجزاء طغيان الحاكم وشيوع الفساد هو هلاك الأمم ..
· فقهاء النفط .. وفقهاء السلطة ..
عقب موت الملك فهد ، وتولى أخيه الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في الأول من أغسطس 2005 م. لم يتردد الاعلام السعودي .. وما يسمي بـ " علماء الدين " من إجراء مقارنات تاريخية تعرض على الشاشات التلفزيونية هدفها ترسيخ مفهوم البيعة الإسلامية للنظام السعودي وإقناع الجمهور بأن هذه البيعة التاريخية التي تحصل في القرن الواحد والعشرين ما هي إلا الامتداد لممارسات المسلمين الأوائل ..!!!
وتحت عنوان : " النمط اليهودي للإسلام السعودي المفرغ من جوهره " .. تقول الدكتورة مضاوي الرشيد ـ أستاذ علم أصول الأديان / جامعة لندن ـ في مقال لها نشر في جريدة القدس العربية بتاريخ 15/8/2005 .. عن هذه البيعة :
" .. لقد وصلت الوقاحة الفكرية والاستهزاء بالمسلمين .. وبالانبياء .. وبالتاريخ القديم إلى درجة إجراء مقارنة بين بيعات الأنبياء وبيعة حالية لا تعتمد على أي بعد تاريخي أو شرعي .. فمنذ متى كان المسلم يبايع أسرة أو أفرادها بالجملة .. وفي أي نص ديني ثبتت بيعة القياصرة والملوك ..!!! لقد فرغت السعودية البيعة من مفهومها ولم يبق منها الا الطقس الديني ..!!! إن استغلال النظام السعودي للدين وشرعيته نجح في تحويل دين سماوي جمع بين جوهر عالمي يصلح لكل زمان ومكان ، وطريقة حياة نظمتها قوانين وقيود معروفة للجميع ، إلى دين يختزل في ـ مجرد ـ طقوس دينية تعرض على الجميع .. وبهذا التحول استطاع النظام السعودي أن يقرب بين الإسلام الممارس في السعودية والدين اليهودي المعروف بأنه نمط واضح من أنماط الديانات التي يغلب فيها الطقس الديني على كل شيء آخر ..
وهكذا ؛ استطاع النظام السعودي أن يحول الدين الإسلامي إلى طقوس سياسية بحتة ، مهمتها الأولى والأخيرة ترسيخ شرعية نظام ـ غير شرعي ـ بطريقة مرئية تكون أقوى بكثير من قدرة الكلمة على فعل هذه المهمة .. " .
( انتهى )
والمعروف في السعودية أن الزواج والطلاق والإرث وربما بعض السرقات التافهة والأمور الاخلاقية كلها تخضع للشريعة الاسلامية ، أما الأمور التجارية والاقتصادية فتخضع لسلسلة من الأنظمة الوضعية المرتبطة بمراسيم ملكية ومصالح أمراء آل سعود ، وكذلك مؤخراً القضايا الاعلامية حيث لها محاكمها الخاصة بها وهلم جرا . وهكذا ؛ يفصل النظام السعودي بين الدين والدولة ، فالدين يبقي مطبقاً اجتماعيا فقط ، أما شؤون الدولة الاقتصادية والسياسية فهي تدار دون اعتبار للدين .. وهو ما يعني أن النظام السعودي أثبت علمانيته سياسيا .. على الرغم من أنه لا يصرح بهذا علنا مثل بعض الأنظمة العربية ..
وقد لعب فقهاء النفط دورا خطيرا في واقع المسلمين لصالح القوى الحاكمة في الخليج والسعودية ، والذين يعدون امتدادا لفقهاء الأمس الذين واكبوا الأمويين والعباسيين والأيوبيين والمماليك والعثمـانيين وغيرهم وباركوا ممارساتهم وسياساتهم باسم الإسلام .. وهو ما أدى إلى الإسلام الانهزامي الذي يحاول البعض فرضه علـى واقـع المسلمين ومحو صورة الإسلام الحق من الوجود . فعلى مر الزمان كانت نصوص السمع والطاعة هي السلاح الذي يشهره فقهاء السلاطين في وجه كل فئة إصلاحية تحاول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقد أوقعت مثل هذه النصوص الحركة الإسلامية المعاصرة في مآزق فكرية وحركية كثيرة جعلتها سهلة الاحتواء والإجهاض من قبل القوى الحاكمة المتربصة بها ..!!!
· الانظمة الطاغوتية .. وتهميش المؤسسات الدينية ..
وفيما يلي نعرض لأهم أسباب تهميش واحتواء دور المؤسسات الدينية المصرية ( وما يجري في مصر يجري في باقي الأنظمة العربية وإن اختلفت مسميات المؤسسات الدينية ) ..
أولا : عدم استقلالية علماء الأزهر ( أي علماء الدين ) مالياً وحل الأوقاف الأهلية ، مما أضعفهم وجعلهم مرتبطين بالحكومة أي بالنظام الحاكم . فقد قضى جمال عبد الناصر على دور الأزهر وجعله مقعداً كسيحا لا يستطيع حراكاً .. بإصدار قانون حل الأوقاف الأهلية - القانون رقم 152 / 1957 ـ الخاص باستبدال الأراضي الزراعية الموقوفة على جهات البر العام ، وتسليمها للجنة العليا للإصلاح الزراعي ، وبهذا تم القضاء على أهم مصادر تمويل المؤسسة الدينية . وبهذا أصبحت الدعوة الإسلامية بلا سند مادي ترتكز عليه ..!!! الأمر الذي أثر بصورة واضحة ومباشرة على استقلال علماء الدين مادياً وفكرياً . وهكذا ؛ أصبح النقد أو المعارضة من جانب رجال الدين لا تعني سوى انقطاع سبل عيشهم .. وفقدان وظائفهم .. والأمثلة على هذا كثيرة ..!!!
ومن السخريات ؛ لم تطبق هذه القوانين على أوقاف الكنائس حيث ترك لكل كنيسة أوقافها في حدود مائتي فدان ومازاد عن هذا كانت الدولة تأخذه وتدفع ثمنه بسعر " السوق السوداء " وهو ما أدى في السبعينات لمناداة عدد من الأصوات بمساواة أوقاف المسلمين بأوقاف المسيحيين ..!!!
ثانيا : تدخل السلطة في تعيين شيخ الأزهر ( علماء الدين ) وكل المناصب العليا في الأزهر . ويتم الاختيار ـ أولا وأخيرا ـ من منظور مدى الولاء للسلطة ، ويكفي أن يعترف شيخ الجامع الأزهر الحالي في مصر ـ محمد السيد طنطاوي ـ بأنه موظف لدى السلطة ..!!! والمعروف أن الموظف ملتزم بشرع ولي نعمته .. وهو الذي يصر ـ دائما ـ على ترويض القرآن الكريم والسُنة الشريفة لمجاملة الحكومات الغربية والحصول على رضا السلطة ..!!! وكمثال آخر لفقيه السلطة ( وهو العالم الذي باع آخرته بدنياه ) الشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الجامع الأزهر في الفترة [ 1954 – 1958 ] ؛ فهو الذي أصدر فتواه الشهيرة بأحقية الدولة في التجريد من شرف المواطنة ـ سحب الجنسية ـ وكان يقصد بهذه الفتوى اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر بعد النظام الملكي ( أنظر المقال السابق : الزعيم جمال عبد الناصر / الوجه الآخر ) ..!!!
السبب الثالث : انتشار مذهب الإرجاء ( أنظر الملحق الثاني ) ، وشيوع التصوف في العالم العربي والإسلامي . ومن لوازم هذا المنهج التواكل وعدم الخروج على الحاكم مهما بلغ ظلمه وقد خدم مذهب الإرجاء الحكام على مر العصور أيما خدمة .. من تسكين الجماهير وتخديرهم وكانت النتيجة ( دع الملك للمالك ) وقد سرى هذا المذهب في جسد الأمة حتى صارت مرتعاً لتسلط الحكام ..!!! وسلوك حكام المنطقة خير شاهد ..!!!
السبب الرابع : وجود طابور خامس من علماء الدين يعملون لحساب النظام مع بث الفرقة ونشر الشائعات عن العلماء الذين لا يسيرون في فلك المنظومة السلطوية . فبعد أن صارت مرتبات العلماء وكادرهم الوظيفي بأيدي الحكومة سهل على النظام اختراقهم وتجنيد بعض النفوس الضعيفة من العلماء .. فراحوا يكتبون التقارير السرية ضد توجهات زملائهم القكرية والسياسية والتي توصي بإيقاف شيخ واعتقال آخر وتلميع ثالث ..!!! بل أن هذا الأمر معمول به في الجمعيات الخيرية الشرعية التابعة لوزارة الشؤون الإجتماعية فهناك بين أعضاء مجالس إدارات هذه المؤسسات الإسلامية من يعمل لصالح الأمن ويرسل التقارير الأمنية عن نشاط زملائه المشايخ ، مما تسبب في فصل بعض العلماء من قيادة هذه الجمعيات .. وأحدث الفرقة بين المشايخ ..!!!
السبب الخامس : تركيز وسائل الإعلام الحكومية على رسم صورة نمطية ساخرة لرجل الدين ، مما أدى لاهتزاز صورة عالم الدين في قلوب وعقول الأجيال المتعاقبة ( أذكر على سبيل المثال مجلة روز اليوسف المصرية ؛ كانت تخصص كاريكاتورا بعنوان " الشيخ متلوف " تسخر به من رجل الدين الإسلامي وهو بزيه الرسمي ) ..!!! وقد كان ، لكل هذه الاسباب مجتمعة ، أسوأ الأثر في شخصية عالم الدين ، وعلى طريقة تفكيره الشرعية وفتواه ..!!!
· ثقافة شعوب ومجتمعات العار .. والعقاب الجماعي ..
بمراجعة التاريخ .. نجد أن أول حاكم مسلم تحدث عن وظيفته كان الخليفة الراشد أبو بكر الصديق ( 11 هـ ) ، الذي قال : " وليت عليكم ولست بخيركم إن رأيتم خيرا فأعينوني وإن رأيتم شرا فقوموني ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم " .
ثم يأتي من بعده الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ( عام 20 هـ ) .. فوقف خطيبا على منبر الرسول ( r ) في المدينة ، وتحدث عن دور الرعية في صلاح الحاكم وإصلاحه فقاطعه إعرابي قائلا : " والله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بالسيف يا عمر " .. فانبسطت أسارير عمر ، وتوجه إلى الله حامدا وشاكرا ، وذكر كلمته المشهورة : " الحمد لله الذي جعل من رعية عمر ، من يقوّمه بحد السيف إذا أخطأ .. "
وهكذا إذا طغى الحاكم على الرعية بعد هذا فالرعية تصبح هي المسئولة المسئولية المباشرة .. في عدم تقويم الحاكم ..!!! ولهذا ؛ أصبح من المعروف جيدا .. ومن الأمور المتفق عليها .. أن الشعوب هي التي تصنع الحكام الطغاة ..!!!
فالإمامة في الإسلام هو عقد مشروط ، طرفاه الحاكم من ناحية ، والجماعة من ناحية أخرى . ولا ينعقد إلا بإيجاب أفراد الأمة أو ممثليهم ؛ والقبول من جانب الحاكم .
وهو عقد مشروط
بإقامة الدين ،
وتحقيق العدل ،
ونشر الأمن ،
وتحصين البلاد ،
وحفظ النفس التي حرم الله إلا بالحق ،
وعدم أخذ المال بالباطل ،
والرجوع إلى أهل الشورى فيما لم يقطع به القرآن والسنة برأي .
فإذا أخل الحاكم بشروط عقد الإمامة ، فإن ذلك يمنع من استدامة العقد .
وقد أقرت الشريعة الإسلامية مبدأ تقييد سلطة الحاكم ومسئوليته عن عدوانه وأخطائه ، وعن كل عمل يتجاوز به سلطانه ، أو يخرج به عن حدود الولاية . فإذا ثبت تعمد الحاكم العدوان فإنه يكون بذلك مرتكبا لجريمة الخيانة في حق الأمة ، وجاز لممثلي الأمة محاسبته عن كل ضرر يترتب عن عصيانه ، ومحاكمته وعقابه عن كل عدوان ينشأ كنتيجة لهذا العصيان . والإخلال بمقتضيات عقد الإسلام ، أو عقد الذمة ، أو عهد الأمان ، أو عقد الإمامة أو الحكم .. تقع كلها تحت مسمى " جرائم الحرابة " . [ ولمزيد من التفاصيل يمكن للقاريء المهتم الذهاب إلى مرجع الكاتب السابق : " السقوط الأخير : تاريخ الصراع على السلطة منذ ظهور الإسلام وحتى الوقت الحاضر " / الفصل الرابع : توريث الحكم وعقد الإمامة في الإسلام ]
وهكذا ؛ فالرعية ـ في الفكر الإسلامي ـ مسئولة مسئولية مباشرة عن سلوك الحاكم وعلاقته بهم .. وهم يحملون الوزر الأكبر في ظلم الحاكم لهم .. ولهذا فهم يبوءون بغضب الله وعذابه ..!!! فعن رسول الله ( r ) قال [7] ..
[ إنه من كان قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل فيهم العامل الخطيئة فنهاه الناهي تعذيرا فإذا كان من الغد جالسه وواكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس فلما رأى الله تعالى ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض على لسان داود وعيسى بن مريم { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأخذن على أيدي المسيء ولتأطرنه على الحق أطرا ( أي تجبروه وتقيدوه على فعل الحق ) أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم ]
أو كما قال رسول الله ( r ) [8] عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) :
[ قال لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله شراركم على خياركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم ]
ونعود إلى ثقافة العار حيث يشعر الفرد بالجرح وبالجزع وبالمهانة فقط إذا تم كشفه أمام أهله أو أمام العالم . أو بمعنى آخر أن الفرد يشعر بالعار إذا كشفت فضيحته أمام الغير . وفي عالمنا العربي المعاصر كشفت أنظمتنا الحاكمة عورتنا ـ هذا إن كان لدينا عورة وباقي إحساس في الوقت الحاضر ـ بأننا " شعوب جبانة " تؤثر السلامة ولا تستطيع مواجهة هذه الأنظمة الطاغوتية الحاكمة .. وبالتالي فقدت القدرة على التعبير عن نفسها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. كما فقدت القدرة على التغيير ، وبالتالي فقدت العون الإلهي في الخروج من الهاوية .. كما جاء في قوله تعالى :
) .. إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ .. (11) (
( القرآن المجيد : الرعد {13} : 11 )
ففي مجتمعات ثقافة العار ، تكمم الأفواه ولا يستطيع الناس أن تناقش مشكلاتها الحساسة بصراحة ، وأمانة ، وموضوعية . ولذلك لا يتم احتواؤها أو حلها ..
ويقول جمال حمدان في كتابه " شخصية مصر " :
" إن سلبية المواطن الفرد إزاء الحكم جعلت الحكومة هي كل شيء في مصر ، والمواطن نفسه لا شيء ، فكانت مصر دائما هي حاكمها ، وهذا أس وأصل الطغيان الفرعوني والاستبداد الشرقي المزمن حتى اليوم .. أكثر مما هو نتيجة له . فهو بفرط الاعتدال أصبح مواطنا سلسا ذلولا ، بل رعية ومطية لينة ، لا يحسن إلا الرضوخ للحكم والحاكم ، ولا يجيد سوى نفاق السلطة والعبودية للقوة ، وما أسهل حينئذ أن يتحول من مواطن ذلول إلى عبد ذليل .. "
وقد ذم القرآن الشعوب المطيعة للجبابرة .. فلم يقصر القرآن حملته على الطغاة المتألهين وحدهم ، بل أشرك معهم أقوامهم وشعوبهم الذين اتبعوا أمرهم وساروا في ركابهم ، وأسلموا لهم أزمّتهم ، وحملهم المسئولية معهم .. ولذلك كان العقاب جماعيا للطاغية وشعبه أو قومه ..
فعندما بعث الله سبحانه وتعالي هودا عليه السلام في قوم عاد .. لم يستجيبوا له .. واتبعوا أوامر جبابرتهم .. كما جاء في قوله تعالى :
( وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59))
( القرآن المجيد : هود {11} : 59 )
وأرجو أن يتنبه القاريء إلى كلمة " عاد " .. والتي تعني العودة إلى ما كان عليه المرء من فعل أي أن كلمة " عاد " تعني تكرارية الحدث . وهو ما يعني أن بعض المجتمعات البشرية سوف تعيد ما فعله قوم عاد .. أي سوف تتبع الجبابرة في عصيان أمر الله .. والجحود برسالاته .. فتكون النتيجة بسنن الله اللامتغيرة ، في الأمم والجماعات والأفراد ، كما جاء في قوله تعالى :
( وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58))
( القرآن المجيد : هود {11} : 58 )
ولا يجوز القول ـ في الوقت الحاضر ـ بعدم وجود " النبي هود عليه السلام " .. لأن القرآن المجيد " كلمة الله الخالدة " موجود بين أيدينا ( أي أن بين أيدينا جميع دروب الأنبياء والرسل ) .. وبهذا نستحق العقاب .. كما استحق قوم عاد العقاب من قبل ..
وعن نوح عليه السلام .. يقول المولى سبحانه وتعالي عن قومه :
( قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21))
( القرآن المجيد : نوح {71} : 21 )
وكما نرى فإن الاتباع هنا مرتبط بطغيان الثروة والسلطة ( ماله وولده ) ، وباقي القصة معروف .. فقد أغرق المولى سبحانه وتعالي عصاة قوم نوح بالطوفان ..
ويقول جل شأنه عن قوم فرعون :
( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54))
( القرآن المجيد : الزخرف {43} : 54 )
أي أن الطاغوت لا يتبعه إلا القوم الفاسقون .. وماذا كانت النتيجة ..؟!
( .. فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) )
( القرآن المجيد : الزخرف {43} : 97-98 )
وهكذا ؛ حَمّل المولى سبحانه وتعالي الشعوب المسئولية لأنها هي التي تصنع الفراعنة والطغاة .. ولا تسريب ـ بعد ذلك ـ في أن تقود الطغاة شعوبها إلى جهنم .. والعياذ بالله ..
إن المعركة الأولى للدعوة الإسلامية والصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية في عصرنا هي معركة الحرية ، حتى يمكن التحرر من سيطرة فكر الطغاة ، فيجب على كل الغيورين على الإسلام أن يقفوا صفًا واحدًا للدعوة إليها ، والدفاع عنها ، فلا غنى عنها ولا بديل لها .
ويقول المستشرق الأمريكي " و. ك. سميث " ( الخبير بشؤون باكستان ) :
[ إذا أعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية فإن الإسلام سوف ينتصر في هذه البلاد ، وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية وبين دينها ]
وأخيرا ينبغي ألا يفوت على الأحزاب السياسية ضرورة التوجه بالخطاب السياسي لتوعية رجال الطاغوت وتبصيرهم بمصيرهم المشئوم .. وبالتالي التخلي عن الطاغوت .. فعن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال [9] :
[ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ ]
فهل وعى جنود الطاغوت بأنهم باعوا آخرتهم بدنيا الطاغوت ..!!! ولا عذر لجنود الطاغية بالقول بطاعة السادة والكبراء ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولهذا يأتي قوله تعالى :
( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) )
( القرآن المجيد : الأحزاب {33} : 66 - 68 )
أي جنود الطاغوت في النار مع الطاغوت .. يقودهم إليها ..!!! وبعد تخلي رجال الطاغوت عنه .. سيظهر الطاغوت على حقيقته .. كفأر مذعور ..!!! فمثل هذه الشخصيات المختلة عقليا .. تخفي جبنها وراء قسوتها .. وتتبدى شجاعتها فقط وهي في حماية كلابها ..!!!
وأخيرا .. لم يحدث عبر التاريخ أن نال شعب حريته بالاستجداء والمناشدة . وما من حاكم عبر التاريخ ، بل وفى الدنيا كلها ، تنازل بمحض إرادته واختياره عما ملكت يداه من سلطة وسلطان . بل يجب على الشعوب التحرك لانتزاع حقوقها من هذه الطواغيت ..!!! وعندما نطالب النظام الحاكم بالحكم بالشريعة ، أو القول بالشعار السائد : الإسلام هو الحل ، فإن جوهر هذا الخطاب ـ في واقع الأمر ـ هو : الحرية والديمقراطية وتقوى الله هى الحل .
ومن المعروف حاليا أن النظم العربية القمعية الديكتاتورية تستمد شرعيتها من التأييد الخارجي للولايات المتحدة مقابل استمرار بقائها في السلطة ، وأن من مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل استمرار بقاء هذه النظم الديكتاتورية على كراسيها ، أما الضغط الأمريكي الساعي للإصلاحات الديموقراطية في المنطقة العربية ( أو العالم الإسلامي بصفة عامة ) ، فهو ادعاء كاذب لا يرقى لأن يُنظر إليه خارج المصالح المشتركة لأمريكا وإسرائيل في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي .
فالواقع ؛ أن الضغط الأمريكي الساعي للإصلاحات الديموقراطية يتم في إطار استمرار زيادة الابتزاز للأنظمة العربية القمعية . فعلى سبيل المثال ؛ يراهن المسؤولون السعوديون على البقاء في الحكم بامتثالهم لقرارات الولايات المتحدة الأمريكية ، باستيراد أسلحة فاسدة بميزانيات خيالية ( لدعم الاقتصاد الغربي ) ، والعمل على خفض سعر النفط عن طريق ضخ أكبر كمية منه تحت دعوى " الحفاظ على مصالح دول العالم " ـ كما يقول بهذا الإعلام السعودي ـ وأيضاً التوسع في البنية التحتية لزيـادة إنتاج النفط لاستمرار تدفق النفط الرخيص في المستقبل ..!!!
فمصالح الولايات المتحدة تعني عَصْر الأنظمة الديكتاتورية لآخر ريال ، وآخر قطرة نفط ، وآخر قرار سياسي في صالح وجود إسرائيل وصهينة المنطقة العربية وهيمنة الغرب عليها ثم لتذهب بعد هذا الأنظمة العربية ـ آل سعود أو غيرها ـ إلى الجحيم ..!!!
· الطريق إلى الفناء ..
لقد شكلت الثروة النفطية في البلاد العربية مئات المليارات من الدولارات ، لكن وبكل أسف قامت الأنظمة الحاكمة بتبديد هذه الثروات ـ كما يقول المراقبون ـ بين السفه في الإنفاق والبذخ الذي لا يتصوره عقل ، وبين الإنفاق على الحروب وصفقات السلاح الفاسد . فعلى سبيل المثال ؛ قامت الأنظمة الحاكمة العربية بأنفاق حوالي 300 بليون دولار في العشر سنوات الأخيرة ( 1996-2005 م ) على صفقات السلاح الفاسد .. وأكرر " صفقات السلاح الفاسد " وهو السلاح الذي لا يعمل إلا في حالة قيام حروب بين المسلمين بعضهم وبعض .. كما سبق وأن بينت كيفية تنفيذ ذلك في نظم الأسلحة الحديثة في مرجعي السابق : " الإسلام والغرب .. المواجهة والحل " ..!!!
كما قامت الأنظمة العربية الحاكمة بنهب ثروات هذه البلاد [10] بعد أن تغلبت على الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها ..!!! وعلى الرغم من الثراء الفاحش في السعودية ودول الخليج ، فإن تقرير مجلة البحوث الأمنية الصادرة عن مركز البحوث والدراسات في كلية الملك فهد الأمنية في الرياض في السعودية ، الذي نشر في نهاية أبريل 2005 م ، جاء فيه أن عدد الأطفال المتسولين في السعودية بلغ ثمانين ألف ، 69% منهم من السعوديين ..!!! وهكذا ؛ الحاكم في النظم العربية يتحرك وهو يعلم بأنه يملك الأرض وما عليها من ثروات .. كما يملك من عليها من ناس لا قيمة لحياتهم ولا حقوق لهم ..!!!
وفي مقابل بذخ الأنظمة الحاكمة في الإنفاق الذي لا يتصوره عقل ( أنظر مقال الكاتب السابقة : الحرب أو التنصر أو اعتناق الإسلام / سيناريو المواجهة مع الغرب ) ، نجد الشعب الفلسطيني الشقيق يتضور جوعا في ظل حكومة حماس المنتخبة ( وقت صدور هذه الطبعة ) .. فهو يعيش على : " الزعتر والدقة .. كما يقول بهذا اسماعيل هنية رئيس وزراء حماس ..!!! بينما سعر برميل النفط تجاوز السبعين دولار ( أسعار عام 2006 م ) ، كما تجاوز سعر البرميل الـ ( 120 ) دولارا في عام 2008 [11] ..!!! وعلى حسب بعض الدراسات لو أن كل دولة عربية أنفقت ربع دولار فقط من البرميل على حكومة حماس لحصدت حكومة حماس 2 مليار كل شهر بحيث تقضي على هذه المجاعة .. وتواجه إسرائيل وهي على أرض صلبة .. ولكن هي المؤامرة المعلنة من الأنظمة الحاكمة على الشعب الفلسطيني لصالح العدو الإسرائيلي ..!!!
والمعروف ـ عن تقرير لمجلة نيويوركر الأمريكية ـ أن الأجهزة الأمريكية تقوم بتسليم بعض المعتقلين لديها في سجن جوانتانامو إلى عدد من الحكومات العربية ( مصر / الأردن / سوريا / تونس ) بهدف استخدام أساليب التعذيب والقهر لديها لانتزاع اعترافات المعتقلين ، وتمثل هذه فضيحة مركبة تكشف عن مدى تبعية تلك الحكومات لأمريكا ، وكأنها أحد أجهزتها السرية ، كما تكشف أيضًا عن المستوى اللا أخلاقي الذي تدنت إليه هذه الحكومات ..!!!
ونأتي إلى مهزلة قيام الحكام العرب بوضع معظم هذه الثروات المنهوبة من الشعوب العربية المقهورة في بنوك الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ولا تستثمرها في مجال التكنولوجيا العربية ، حيث تقوم الأخيرة بإقراضها إلى الدول النامية لتصنع بها ـ أي بأموال العرب ـ أزمة الديون العالمية ..!!!
وتشير صحيفة " إنتر ناشيونال هيرالد تريبيون " في تقرير نشرته في منتصف يناير 2006 م ، أن المستفيد الأول من طفرات أسعار النفط [11] هي الولايات المتحدة الأميركية ، وأن هذه الطفرات هي التي تنعش الاقتصاد الأميركي . وقد أشار تقرير لصندوق النقد الدولي ( نشر في بداية أكتوبر 2005 م ) أن عائدات النفط العربية في العام 2005 م وصلت إلى أربعمائة خمسة وسبعون مليار دولار..!!! وأشارت صحيفة إنتر ناشيونال هيرالد تريبيون في نفس التقرير السابق إلى وجود أكثر من 67 مليار دولار في سندات الخزينة الأميركية تعتمد على الطفرة الثانية في أسعار نفط الدول العربية . وهكذا ؛ يذهب خير طفرات أسعار النفط العربي للولايات المتحدة الأمريكية بينما تلعق الشعوب أصابعها بالفتات .. ولا تقوم الأنظمة الحاكمة باستثمار هذه الأموال في المنطقة العربية لصالح هذه الشعوب المعدمة ..!!!
والمعلوم ـ في الوقت الحاضر ـ أن بعض الدول الخليجية تقوم بتفريغ العمالة العربية تمهيدا لمجيء أجانب ذوي بشرة بيضاء وعيون زرقاء من بلدان غير عربية ، والنتيجة بعد بضع سنوات أن ثقافة ودين وحضارة هذه المنطقة وهويتها سوف تنتهي ..!!!
ويوجد ضغوط كبيرة ـ في الوقت الحالي ـ من قبل الدول الغربية على " الأمم المتحدة " لإصدار قانون يقضي بأن كل من يسكن المنطقة العربية لمدة أربعة أو خمسة سنوات أن يكون مواطنا عربيا .. ويجب أن يكون له حق التصويت ..!!! فإذا علمنا أن بعض البلدان الخليجية تصل العمالة الأجنبية ـ غير العربية ـ فيها أحيانا إلى 70 % أو80 % ، فإن هؤلاء غدا سوف يكونون كتلة متفجرة في وجه هذه المنطقة بكاملها . وأكثر من ذلك ؛ فمن المحتمل أن تأتي أساطيل هذه البلدان التي ينتمي إليها هؤلاء القوم إلى الخليج لتدافع عن حقوقهم .. فهؤلاء كانوا مواطنين عندهم ، وجاءت الأساطيل ـ تحت ذريعة ـ الدفاع عن حقوقهم في المنطقة العربية .. لتنتهي ملكية المنطقة إلى الأجانب ..!!! وهكذا تقود الأنظمة العربية شعوب المنطقة ـ بخطا متسارعة ـ نحو التخلف والفناء ..!!!
ولا عجب في هذا ؛ فقد يسلم هؤلاء القوم الجدد ويحسن إسلامهم .. ويصدق عليهم وعلينا قوله تعالى ..
( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) )
( القرآن المجيد : فاطر {35} : 16 - 17 )
وإلى حديث آخر إن شاء الله تعالى ..
موقع الكاتب على الإنترنت :
www.truth-4u.com
أو الموقع التبادلي www.truth-2u.com
****************
هوامش المقالة :
[1] أصدر مرجعا شيعيا عراقيا ( في يناير 2005 ) فتوى دينية بإهدار دم كل من مارس التعذيب من أعضاء حزب البعث العراقي . وطالما أن الفتوى دينية ـ وليست سياسية ـ فلا يصح أن يهدر دم البعثي الذي قام بالتعذيب ، بينما يعفى من العقاب أي فرد آخر ينتمي إلى تنظيم حزبي آخر . فالفتوى الدينية عامة تشمل كل من قام بالتعذيب . ويرى البعض بضرورة تعميم هذه الفتوى – وإن كان بصورة أقل- ضد كل من يزور الانتخابات أو يكذب على الأمة .
[2] يقول محمد نجيب في مذكراته : " كنت رئيسا لمصر " ( ص 203 ) : ترك أحد الضباط الأحرار شقته المتواضعة واستولى على قصر من قصور الأمراء في جاردن سيتي ، حتى يكون قريبا من إحدى الأميرات التي كان قصرها قريبا من ذلك القصر الذي استولى عليه .. وكان لا يتورع أن يهجم على قصرها بعد منتصف الليل وهو في حالة شبه إغماء بسبب الخمر ..!!! وكثيرا ما طلبتني الأميرة في الفجر لانقاذها من ذلك الضابط ، الذي تصور على حد تعبيرها أنه ملك جديد ..!!! وعندما حاولت أن أثنيه عما يفعل .. قال : اننا نسترد جزءا مما دفعناه لسنوات طويلة ( وهو ما يعني ـ من وجهة نظر هذا الطاغوت الغبي ـ أن على الحكام السابقين تسديد الديون له شخصيا وليس للشعب ) ..!!! ويضيف محمد نجيب ( ص 207 ) " لقد سرق بعض الضباط الأحرار فلوس معونة الشتاء ، وسرقوا هدايا وبضائع قطارات الرحمة وباعوها علنا ، وسرقوا فلوس التبرعات الخاصة بالشئون الاجتماعية ، وسرقوا تحف ومجوهرات القصور الملكية .. " .. فهؤلاء هم ضباط مصر الأحرار .. أبطال ثورة يوليو 1952 ..!!!
[3] الراوي: معاوية بن أبي سفيان - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم : 3615 . رقم الحديث : 71223 .
[4] ( إن في جهنم واديا .. ) رواه الطبراني بإسناد حسن كما قال المنذري في الترغيب ، والهيثمي في : المجمع 5 /197 والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 4 /332 .
[5] الراوي : عبدالله بن عمر - خلاصة الدرجة : [ إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما ] - المحدث : المنذري - المصدر : الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم : 3/234 . حديث رقم : 202887 .
[6] الراوي : جابر بن عبدالله - خلاصة الدرجة : صحيح - المحدث : ابن حجر العسقلاني - المصدر : الأمالي المطلقة - الصفحة أو الرقم : 213 . رقم الحديث : 33866 .
[7] الراوي : أبو موسى - خلاصة الدرجة : رجاله رجال الصحيح - المحدث : الهيثمي - المصدر : مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم : 7/272 . حديث رقم : 235574 .
[8] الراوي : أبو هريرة و عمر بن الخطاب - المصدر: تخريج الإحياء - الصفحة أو الرقم : 2/379 . حديث رقم : 60530 .
[9] رواه أبي إمامة . ابن ماجه ـ كتاب الفتن ، حديث رقم 3956 .
[10] يبلغ احتياطي النفط العالمي أكثر من تريليون برميل تمتلك دول الخليج وإيران 60% منه ، فالمملكة العربية السعودية وحدها تمتلك 25% من الاحتياطي العالمي ، ويمتلك العراق 11% ، بينما الكويت 10% ، والإمارات 10% ، وإيران 12% من الاحتياطي العالمي . وفي مراجع أخرى ؛ تحتفظ بلدان الخليج والسعودية بحوالي 53 في المائة من احتياطيات العالم المعروفة من النفط ، وتنتج أكثر من ثلث الإنتاج العالمي اليومي . فالمملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الأولى ، باحتياطي قدره ( 261 مليار ) برميل ، تليها الإمارات العربية المتحدة ( 98 مليارا ) والكويت ( 96.5 مليار ) . كما تحتفظ بلدان الخليج بـ 14 في المائة من الاحتياطيات العالمية من البترول ، وتعتبر غنية أيضاً بالغاز الطبيعي ، إذ تحتفظ قطر وحـدها بثالث أكبر الاحتياطيات في العالم .
[11] عند مراجعة مراحل تطور أسعار النفط في الفترة من 1948 إلى 1973 نجدها تراوحت بين 2 إلى 3 دولار للبرميل ، ولم تبدأ بالتغير إلا مع بداية حرب أكتوبر 1972 م ، فقد قفز سعر البرميل من 2 دولار إلى 7 دولار نتيجة استخدام النفط سلاح اقتصادي وهي ما تسمى بالطفرة أو الصدمة النفطية الأولى .
ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980 ارتفعت الأسعار إلى 35 دولار للبرميل ثم تراجعت بعدها إلى أن استقرت الأسعار عند مستوى 16 دولار للبرميل ، وبعد اشتعال حرب الخليج الثانية ( حرب تحرير الكويت 1991م ) ارتفعت عند مستوى 24 دولار ثم تراجعت بمجرد تحرير الكويت واستقرت عند مستوى 13-15 دولار للبرميل . ثم بدأت الأسعار في الارتفاع بعد عام 1999 نتيجة أسباب اقتصادية وجيوسياسية وفنية وبيئية حتى وصلت إلى مستوى 70 دولار للبرميل في نهاية صيف 2005 م . وهو ما يعرف بالطفرة النفطية الثانية .
أما الطفرة الثالثة .. فحدثت في أبريل 2008 ( على خلفية : قوة النمو في الأسواق الصاعدة ، ولا سيما في الصين والشرق الأوسط ) حيث قفز سعر النفط إلى قمة جديدة عند 123 دولار للبرميل ، باعثا موجة من المخاوف والتوقعات من أن تصل أسعار النفط حاجز الـ 200 دولار للبرميل ، بعد تقرير توقع ذلك السعر في غضون عامين .
http://truth-2u.com/articles.php?ID=100&do=view
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق