14 يناير 2009

د. رفيق شكرا لك ...والصرماية للفقي والدقاق وعودة وكل الطابور الخامس


هل حماس السبب؟

د. رفيق حبيب (المصريون) : بتاريخ 13 - 1 - 2009
كثر الحديث من البعض، على أن حركة حماس هي السبب في حرب إسرائيل على قطاع غزة، لأنها لم توافق على تمديد التهدئة التي كانت بينها وبين إسرائيل. وهذا التصور في الواقع، بعيد عن حقائق الأمور على الأرض، من عدة جوانب. فالتهدئة لم تكن بين حركة حماس وإسرائيل، بل كانت بين فصائل المقاومة في قطاع غزة، وعلى رأسها حركة حماس والجهاد الإسلامي واللجان الشعبية والجبهة الشعبية وكتائب الأقصى التابعة نظريا لحركة فتح. والتهدئة قامت على وقف العلميات العسكرية من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وفتح المعابر وإنهاء حصار قطاع غزة، على أن تبدأ التهدئة في قطاع غزة ثم تنتقل بعد ذلك إلى الضفة الغربية، وقد ترك أمر تحديد توسيع التهدئة لتشمل الضفة الغربية إلى الجانب المصري. وخلال فترة التهدئة التزمت الفصائل الفلسطينية التي توافقت على التهدئة بوقف العمليات العسكرية من جانبها. ويلاحظ هنا أن بعض الصواريخ أطلقت من قطاع غزة على البلدات الإسرائيلية أثناء فترة التهدئة، ولكنها لم تطلق من جانب أي فصيل من فصائل المقاومة، كما أنها كانت بعدد قليل للغاية، وكان يطلق في كل مرة صاروخ واحد، ويسقط في منطقة غير مأهولة، ولا تعلن أي جهة مسئوليتها عنه. مما يؤكد على أن من أطلق تلك الصواريخ، إما كان فرد مقاوم غير ملتزم، وهذا احتمال ضعيف، أو كان فصيل أو مجموعة تريد إعطاء ذريعة لإسرائيل. ويلاحظ هنا أن كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح ليست فصيل واحد، بل عدد من الفصائل، ومنها فصائل كانت تتبع الأجهزة الأمنية، وفصائل تنتمي بالفعل للمقاومة. وفي كل الحالات كان هذا الصاروخ الشارد الذي يطلق على فترات بعيدة، غير مؤثر على إسرائيل، ولكن إسرائيل استخدمته كحجة، مما يجعلنا نميل للاعتقاد بأنه كان يطلق بغرض إعطاء ذريعة لإسرائيل.
أما على الجانب الإسرائيلي، فقد استمر الاجتياح وقتل المقاومين، خلال فترة التهدئة، واستمرت إسرائيل في حصار قطاع غزة، كما لم تنقل التهدئة إلى الضفة الغربية، واستمرت في اعتقال واغتيال المقاومين في الضفة الغربية. وبهذا تحولت التهدئة تدريجيا، إلى تهدئة من طرف وواحد، وهو حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وعلى رأسها حركة حماس. ويلاحظ أن حركة حماس حافظت على التهدئة، واعترضت طريق أي شخص حاول إطلاق الصواريخ، بل قامت باعتقال بعض من أراد خرق التهدئة، وهذا جهد وحمل بل أنه عبئ لا يستهان به على حركة مقاومة. وبهذا أكدت حركة حماس وفصائل المقاومة في القطاع، قدرتهم على الالتزام بالتهدئة، والالتزام بما يتم التوصل له من اتفاقات. ولكن مع استمرار إسرائيل في فرض الحصار على قطاع غزة، واستمرار القصف والاغتيال، تزايدت أعداد الضحايا في القطاع، ولم تؤدي التهدئة إلى النتيجة المرجوة منها.
ثم علينا متابعة الأيام الأخيرة من التهدئة، حيث بدأت إسرائيل في شن عمليات ضد المقاومين في قطاع غزة، وقتلت أعدادا منهم، وتوالت عملية القتل، ومعها توالت تصريحات قادة إسرائيل، بأنهم ملتزمون بالتهدئة. وبسبب عمليات القتل والتي طالت عددا من المنتمين لكتائب عز الدين القسام، بدأت الصواريخ تطلق من قطاع غزة على يد الذراع العسكري لحركة حماس، وفصائل المقاومة الأخرى. ومعنى هذا عمليا، أن التهدئة تم خرقها بالكامل قبل انتهائها، وليس عندما انتهت، وأن إسرائيل بدأت عملية خرق واسع للتهدئة في أيامها الأخيرة، وهذه ليست صدفة، بل يبدو الأمر مخططا. ولهذا فالمتابع للمشهد يرى أن التهدئة انتهت بالفعل قبل موعد انتهائها الرسمي، حيث عادة آلة الحرب الإسرائيلية إلى القتل بالجملة، والذي أدى إلى قتل خمسة من مجاهدي كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس في يوم واحد.
وعندما جاء موعد انتهاء التهدئة، عادت حركة حماس إلى الفصائل التي وافقت على التهدئة أصلا، وقررت هذه الفصائل مجتمعة عدم تجديد التهدئة. ولكن على الطرف الآخر، نجد مطالب مصرية من حركة حماس لمد التهدئة لفترة جديدة، ولكن لم نسمع عن مطالب إسرائيلية، ولم نسمع أن إسرائيل وافقت على مد التهدئة، وأنها طالبت مصر بالحصول على موافقة حركة حماس. وهذا يعني عدم وجود عرض بمد التهدئة أصلا، وكل ما كان موجودا، هو ضغط على حركة حماس حتى تطلب هي مد فترة التهدئة. وعندما يأتي الطلب من حركة حماس، سيكون عليها الخضوع لمطالب إسرائيلية جديدة، وعندما لا تقبل حركة حماس هذه المطالب الجديدة، يتم التذرع برفض حماس لمد التهدئة. ومطالب إسرائيل كثيرة، فهي تريد استمرار الحصار حتى سقوط حكومة حركة حماس، وعودة محمود عباس وجماعة رام الله إلى القطاع، وتريد تفكيك البنية التحتية للمقاومة، ومنع وصول الأسلحة لحركات المقاومة، والقائمة طويلة. والأهم من ذلك، أن المطلوب من حركة حماس طلب مد تمديد هدنة لم تلتزم بها إسرائيل، مما يجعل حركة حماس في الوضع الأضعف، أو يجعلها مثل المهزوم تماما. ولكن حركة حماس ومعها فصائل المقاومة رفضت هذا الوضع. ومن المعلوم أن كل تجارب التهدئة لم تلتزم بها إسرائيل، والتزمت بها فصائل المقاومة، مثل تهدئة عام 2005. وهنا يظهر لنا أن إسرائيل تريد تهدئة من طرف واحد، حتى تستطيع استكمال عمليات ضرب حركات المقاومة، وهي تلجأ لضرب تلك الحركات وضرب المدنيين أيضا، بصور مختلفة ودرجات مختلفة، والتهدئة تعني بالنسبة لها الضرب التدريجي، أما الحرب فهي بالنسبة لها تمثل مرحلة الضرب الشامل.
الأهم من ذلك، أن تلك الحرب الوحشية ضد قطاع غزة، كان مخططا لها من قبل، وهي ليست حرب دخلت فيها إسرائيل فجأة. وتوقيت الحرب، في فترة ما قبل الانتخابات الإسرائيلية، وما قبل تولي الرئيس الأمريكي الجديد، يؤكد على أنه لم يكن من الممكن تأجيلها. ولهذا كانت الحرب ستقوم في النهاية وفي نفس التوقيت، مهما كان رد فعل حركة حماس. ولكن العدو يبحث دائما عن ذرائع يستخدمها إعلاميا، مثل كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، والتي دمر بسببها بلد. والحقيقة أن أهداف الحرب تكون غير الذرائع المعلنة، والمشكلة عندما تسوق بعض النخب العربية لتلك الذرائع، وكأنها تسوق لحرب العدو علينا. فحرب إسرائيل ضد قطاع غزة كانت قادمة لا محالة، لأن إسرائيل لا تقبل بوجود حركات المقاومة، ولذلك تريد تدمير حركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة، أو الحد من قدراتهم على الأرض.


ليست هناك تعليقات: