31 يناير 2009

معاهدة السلام ضد مصروالعرب والإسلام

معاهدة 1979.. صنعت سلامًا باردًا وجعلت مصر تتفرج علي جرائم إسرائيل في الحدود وفلسطين ولبنان
23/01/2009 الدستور

> د. عبد الله الأشعل: مصر تستطيع تعديل اتفاقية السلام مع إسرائيل حسب القانون الدولي لأن ما حدث في غزة تهديد مباشر للأمن القومي المصري

> وحيد عبد المجيد : من الضروري أن تتحرك القيادة السياسية لتصحيح خطأ تعجل فيه الرئيس السادات

رضوان ادم

فرضت بنود معاهدة السلام وملحقاتها الموقعة منذ 30 عاما بين الرئيس الراحل السادات ومناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل قيودا بالجملة علي مصر، دون إسرائيل في الحقيقة، وجعلت الأولي تقف مكتوفة الأيدي، حتي عندما تقوم إسرائيل بخروقات متكررة للمعاهدة طوال هذه السنوات. ففيما يتعلق بانتشار القوات المصرية علي الحدود مع إسرائيل، نجد أن المعاهدة فرضت قيودا علي وجود أمني كبير لقوات مصرية في سيناء وعلي الحدود، فالملحق الأمني يقول في مادة منه: نشر 800 جندي يرتدون زي حرس الحدود، علي أن يزود هؤلاء الجنود بسيارات مدرعة شرطية، وأسلحة مضادة للدبابات، وأربع مروحيات لمكافحة عمليات التهريب، وإقامة قاعدة بحرية قرب العريش، مزودة بسفن حربية لمكافحة أي عملية تهريب عبر البحر، وأن تتولي مصر مسئولية حراسة الحدود، دون أي وجود عسكري إسرائيلي، في محور صلاح الدين، وعلي طول الحدود المصرية الفلسطينية حوالي 15 كيلو متراً من مستوطنة كيرم شالوم وحتي مدينة رفح.


وهذه القوة المحدودة التي نصت عليها المعاهدة منذ ثلاثين عاما لا تستطيع أبدا ضبط الموقف علي الحدود، خاصة أن الوضع علي الحدود ليس مستقرا، فتجاوزات الجنود الإسرائيليين متعددة، ووقائع قتل جنود مصريين علي الحدود ليست خافية علي أحد، كما أن هذه القوة المحدودة لا تستطيع مكافحة عمليات التهريب التي تقوم بها عصابات التهريب بسيناء عبر الحدود مع إسرائيل، إضافة إلي أن المعاهدة جعلت من سيناء منطقة غير خاضعة للنفوذ العسكري المصري، فهي تنص علي حظر إنشاء أي مطارات أو موانئ عسكرية في سيناء، وهذا أمر ينتقص من سيادة مصر الوطنية، ويهدد بالطبع أمنها القومي. فالملحق الأول من المعاهدة والخاص بالتدابير الأمنية ينص علي قيود كبيرة علي عمل القوات المصرية وتوزيعها في سيناء بما لا يهدد أمن إسرائيل.. فحسب هذا الملحق تقسم سيناء إلي ثلاث شرائح طولية، هي من الشرق إلي الغرب بالمناطق «أ » و«ب» و«ج»، وهذا يحصر وجود القوات المصرية في مناطق بعيدة عن العمق الإسرائيلي، فمثلا المنطقة «أ» هي الموازية مباشرة لقناة السويس بعرض 58 كم، وفيها سمح لمصر بفرقة مشاة ميكانيكية واحدة تتكون من 22 ألف جندي مشاة مع تسليح يقتصر علي 230دبابة و126 مدفع ميداني و126 مدفع مضاد للطائرات عيار 37 مم و480 مركبة، ثم المنطقة «ب» وعرضها 109 كم وتقع شرق المنطقة السابقة، وفيها يوجد فقط 4000 جندي مصري من سلاح حرس الحدود يتسلحون بأسلحة خفيفة، وأخيرا المنطقة «ج»، وهي سبب كل الكوارث، وهي بعرض 33 كم، وتنحصر بين الحدود الدولية من الغرب والمنطقة «ب» من الشرق، وتشدد المعاهدة علي عدم تواجد أي من القوات المسلحة المصرية، ويقتصر فقط الوجود فيها علي قوة من البوليس.

ويري كثيرون أن معاهدة السلام انتقصت من وزن مصر العربي والإقليمي، فقد نصت الفقرة الخامسة من المادة السادسة من المعاهدة علي: «للاتفاقية الأولوية علي أي اتفاقيات أخري بما فيها اتفاقية الدفاع العربي المشترك»، وهذا حيد دور مصر وقيد قدرتها علي الدفاع عن الدول العربية التي تتعرض لعدوان إسرائيلي، وهذا يوضح الموقف المصري من غزو إسرائيل للبنان عام 1982، وجرائمها ضد الفلسطينيين، في حين أن الأدهي هو ما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة السادسة من المعاهدة التي لا تجيز لمصر الدخول في أي اتفاقات أخري تتناقض مع ما ورد في هذه المعاهدة.

وبعد مرور ما يزيد علي ثلاثين عاما من توقيع هذه المعاهدة، ارتكبت فيها إسرائيل جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي، نجد أن هذا أساسه اعتراف مصر بهذا الكيان العنصري، والفقرة الثالثة من المادة الثالثة من المعاهدة تؤكد اتفاق الطرفين علي أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع المتميز المفروضة ضد حرية انتقال الأفراد والسلع.

وإذا كانت الفقرة الأولي من المادة الثالثة تلزم الطرفين ـ مصر وإسرائيل ـ بتطبيق أحكام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول في وقت السلم، فإن إسرائيل تخالف هذا بإصرارها علي رفض التوقيع علي معاهدة منع الانتشار النووي، وهي تمتلك ما يقارب المائتي قنبلة نووية حسبما هو متداول، مهددة مصر بشكل أساسي والمنطقة كلها، بل وتنتهك إسرائيل المعاهدة وقواعد القانون الدولي فيما يتعلق بتهديدها لأمن وسلامة مصر، وتهدد الحدود المصرية وتقتل جنودا مصريين، رغم أن المادة الثالثة بالمعاهدة تقول: يقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي، ويحترم كل منهما حق الآخر في أن يعيش في سلام داخل حدوده الآمنة والمعترف بها، فيما تقول الفقرة الثانية من المادة نفسها: يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة علي أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر.

وإذا نظرنا إلي الظرف السياسي الذي وقعت فيه المعاهدة، ووفقا لقواعد القانون الدولي تصبح هذه المعاهدة مخالفة لمبادئه العامة، فهي تخالف المادة رقم 52 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تنص علي أن أي معاهدة دولية تكون باطلة بطلانا مطلقا إذا تم إبرامها نتيجة تهديد باستعمال القوة أو استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وقد وقعت معاهدة السلام بعدالحرب بين مصر وإسرائيل، والأخيرة كانت تضغط علي مصر، ومعها بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية، وورقة الضغط كانت استمرار احتلال إسرائيل لسيناء بعد انتهاء الحرب، وقبيل توقيع المعاهدة، وهذا شكل ضغطًا وتهديدًا لمصر، دفع السادات إلي التوقيع أولا علي اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 كإطار تمهيدي ثم توقيعه علي معاهدة السلام في العام التالي، وبالطبع فإن الرعاية الأمريكية للمفاوضات لم تكن من أجل خاطر عيون مصر، وإنما وقوفا إلي جانب مصالح حليفتها الاستراتيجية في المنطقة.

الدكتور عبدالله الأشعل ـ خبير القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية الأسبق ـ يقول: إن معاهدة السلام وقبلها اتفاقية كامب ديفيد حولت مصر إلي جثة هامدة محاصرة خاسرة لدروها وهيبتها منذ ثلاثين عاما في مواجهة الكيان الصهيوني الذي حيد مصر، وانفرد بباقي الدول العربية مغتصبا للأرض، ومرتكبا للمجازر والمذابح، موضحا أن إسرائيل التي تسحق قطاع غزة الآن بالقنابل الفوسفورية وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليا لا تلتزم باتفاقات سلام وإنما تحترم منطق القوة فقط، داعيا النظام الرسمي إلي مراجعة بنود معاهدة السلام مع الجانب الإسرائيلي الذي أقدم في رأيه علي خرق التزاماته بالمعاهدة أكثر من مرة، ومتعمدا علي الانتقاص من السيادة الوطنية بشكل واضح.

ونبه الأشعل إلي أن مصر تستطيع حسب قواعد القانون الدولي أن تعدل اتفاقات السلام مع إسرائيل، مشيرا إلي أن ما يحدث في غزة الآن هو تهديد مباشر للأمن القومي المصري، مؤكدا أن مصر ملتزمة سياسيا وحسب القانون الدولي بفتح المعبر في وجه من اعتبرهم الأشعل ضحايا حرب يتعرضون لإبادة جماعية من جانب إسرائيل التي قال الأشعل إنها ترتكب جرائم حرب تخالف اتفاقية جنيف الدولية الرابعة التي تؤكد قدسية الحق في الحياة كأحد الحقوق الأساسية للإنسان، مضيفا أن المادة الثالثة من هذه الاتفاقية تعتبر الاعتداء علي الحياة، والسلامة البدنية، خاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب من جرائم الحرب المحرمة في جميع الأوقات وجميع الأماكن، مؤكدا أن مصر حرة في فتح المعبر بما يتماشي مصالحها الوطنية العليا، ومصلحتها العليا التي تقتضي ألا تنتظر أن ينفجر الفلسطينيون علي حدودها حسب الأشعل.

ويقول محمد سيف الدولة ـ الخبير القانوني ـ إن مصر لديها مبررات قوية لتعيد النظر في اتفاقات ومعاهدات الصلح مع إسرائيل، موضحا أن هناك بندًا في الملحق الأمني لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية يجيز أن يطلب أحد الأطراف إعادة النظر في الاتفاقية إذا ما شكل الطرف الآخر تهديدا مباشرا له، وأنه إذا رفض الطرف الآخر، فمن حق الطرف الأول - مصر هنا - اللجوء إلي التحكيم الدولي، حسب كلام سيف الدولة الذي نبه إلي أن هناك بندًا يؤكد أن تغير الظروف عن الظرف الذي وقعت في الاتفاقية يعطي الحق لأي طرف في إعادة النظر في الاتفاقية وبنودها.

وأضاف سيف الدولة أنه طبقا لقانون المعاهدات والاتفاقيات المصدق عليه في عام 1969، فإن اتفاقية كامب ديفيد وما تلاها من معاهدة سلام باطلة، لأنها تمت حسب رأيه تحت ضغط أمريكي إسرائيلي مباشر، مؤكدا أنه حتي من الناحية الدستورية، فإن هذه الاتفاقات مع الكيان الصهيوني غير دستورية، لأنها -حسب رؤيته- تتناقض مع بند للدستور المصري يكفل لمصر الحق في الدفاع عن الوطن تحت أي تهديد عسكري، وهو ما يتناقض مع الاتفاقية ومعاهدة السلام.

ومن جانبه قال الدكتور وحيد عبدالمجيد ـ نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية ـ إنه من الضروري أن تتحرك القيادة السياسية لتصحيح ما اعتبره خطأ تاريخيا تعجل فيه الرئيس الراحل السادات، في إشارة إلي معاهدة السلام مع إسرائيل.. داعيا إلي تدرج في هذا التحرك كأن تقلل حسب كلامه مصر من التزاماتها تجاه المعاهدة بقصد إلغائها علي أكثر من مرحلة.. مؤكدا أن إلغاءها بشكل فوري قد يعرض مصر لعدوان غير متوقع من إسرائيل، قد لا يكون في حسباننا، مشيرا إلي أن مصر تستطيع مثلا أن تخفض من مستوي التمثيل الدبلوماسي وأن تقلل هذه العلاقات إلي مستوي قائم بالأعمال ثم تصل إلي مستوي بعثة رعاية مصالح فقط، موضحا أن هذه الخطوة ستلقي تفاهما كبيرا من جانب المجتمع الدولي في ظل العدوان الإسرائيلي علي المدنيين في غزة.

أثارت اتفاقية كامب ديفيد، وبعدها معاهدة السلام، الحركة الوطنية، التي لم تكن منظمة، وقد كانت تعاني ضعفًا لتعرض قوي اليسار إلي ضربات موجعة من الرئيس السادات، الذي دعم الإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية لضرب نشاط تيارات اليسار الماركسي والناصري في الجامعات وغيرها، وهي التيارات التي مثلت صداعا مزمنا للسادات قبل قيام حرب 1973، وبعدها عندما أقدم في 1974 علي سياسة الانفتاح الاقتصادي، وما تلاها من قرارات رفع الأسعار، ولم ينس السادات أن يرد الضربة لهذه التيارات التي اعتبرت السادات منقلبا علي منجزات عبدالناصر الوطنية والعربية، ورغم ذلك خرجت المظاهرات في كل أرجاء مصر بعد كامب ديفيد ومعاهدة السلام، وارتفعت حناجر كل ممثلي القوي الوطنية «يسار، وإخوان، وطلبة، وعمال» وراحت تهتف: «يا سفيرهم اطلع بره.. مصر الثورة هتفضل حرة» و«اكتب علي حيطة الزنزانة.. التطبيع عار وخيانة»، و«ابك ابك يا عروبة.. ع اللي بناك طوبة طوبة»، وقد استقال قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل الذي عارض الاتفاقية وسماها مذبحة التنازلات، التي لا تقر بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وعربيا شهدت عواصم البلدان العربية مظاهرات حاشدة، وبصفة خاصة دول مؤثرة مثل العراق واليمن وسوريا وليبيا والجزائر، التي اعتبرت أن السلام مع إسرائيل يمثل خرقا مصريا لـ«اللاءات الثلاث» لقمة الخرطوم في 1967، التي انتهت إلي: لا لإسرائيل، ولا اعتراف بدولة إسرائيل، ولا مفاوضات مع إسرائيل، ورغم كل هذه المطالبات المستمرة إلي يومنا هذا بإلغاء أو تعديل بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد فلا يزال الرئيس مبارك يتجاهل تلك النقطة تماما ويتعامل مع معاهدة السلام باعتبارها نصًا مقدسًا لا يمكن الاقتراب منه.

ليست هناك تعليقات: