25 يناير 2009

علي طريق عالمية الإسلام الثانية


هل وعت الحركات الإسلامية دروس حماس في غزة؟


جمال زواري أحمد
(نقلا عن مركز الإعلام الفلسطيني)
إن تحقيق الانتصار في معركة غزة ، بعد انتهاء الشوط الأول منها، ورغم فداحة الثمن المقدم خلالها والذي كان مؤشرا مهما على انهزام العدو وفشله في إنجاز مهمته وبلوغ أهدافه التي أعلن عنها في بداية العدوان ، فصب جام حقده على الدائرة الأضعف في كل الحروب ألا وهم المدنيون من الأطفال والنساء والشيوخ، للتغطية على اندحاره في المواجهة الميدانية مع المقاومين.

قلت: إن هذا الانتصار جاء نتيجة لعدة عوامل، استطاعت من خلالها حركة حماس أن تكسب الجولة، وأن تتجاوز بنجاح الكثير من المخططات التي رسمت لها والفخاخ التي نصبت في طريقها، مقدمة بذلك تجربة رائدة محملة بأبلغ الدروس العملية التي ينبغي على الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي أن تعيها جيدا وأن تقرأها بطريقة صحيحة، وأن تستفيد منها في مسيرتها الدعوية والسياسية، وأن تمارس جملة من المراجعات بسببها ووفق ميزانها، مع إقرارنا باختلاف البيئة والظروف والمعطيات ، فنحن لا نطالب هذه الحركات باستنساخ التجربة كما هي، وإنما ضرورة استيعاب المحاور الكبرى والخطوط العامة التي ظهرت بجلاء في تسيير حماس لمعركة غزة ولعل أهمها:

1) وضوح الأهداف:

إن الآهداف كانت واضحة وجلية لدى كل مكونات الحركة من قيادتها إلى جنودها إلى قواعدها في كل المناطق والميادين، يسطيع كل واحد أن يعبر وأن يدافع عنها مهما كان موقعه في الحركة ، يثبت هذا ذاك التناغم الكبير الموجود بين كل هذه المكونات، والذي حفظ الحركة وصفها من الدخلاء الذين يعملون على دق أسافين التمزيق والتقسيم والتفرقة والتشكيك والتشويه والوقيعة بين الشعب الحاضن والحركة، أو بين القيادة والجندية، أو بين الداخل والخارج، او بينها جميعا، وقد باءت كل هذه المحاولات بالفشل ورجعت إلى نحور أصحابها، نتيجة أن الاهداف كانت واضحة لدى الجميع بما لم يدع مجالا لأعداء الحركة وخصومها للاستثمار في مناطق الفراغ التي كان يمكن أن يحدثها غموض الاهداف وضبابيتها أو استئثار فئة دون الآخرين بمعرفتها ، وهو درس مهم للحركات الاسلامية حتى تعمل على وضوح أهدافها للجميع في ساحات عملها وتحركها المختلفة، والابتعاد عن أساليب الحركات السرية والكهفية التي تمارس نوعا من التقية السياسية، بل حتى النفاق السياسي، بحيث تظهر عكس ما تبطن مما يساعد على انتشار أجواء الشك والريبة والخوف حولها ومنها ومن مشروعها..

2) الالتحام بالشعب (الجماهيرية):

إن الالتحام بالشعب والتفاني في خدمته في كل الأوقات، وتبني مطالبه ، والدفاع عن قضاياه، نتجت عنه تلك الصور الرائعة من الاحتضان الجماهيري للحركة ولمشروعها المقاوم، وثبت ان هذا الآحتضان لم يأت من فراغ ، ولم يكن ضربة حظ ، وإنما هو ثمرة لحمل هموم هذه الجماهير العريضة في أوقات الشدة والرخاء، وهو درس مهم كذلك للحركات الاسلامية التي تبحث لها عن موضع قدم لدى شعوبها، فما عليها إلا الالتحام بهذه الشعوب وخدمتها والتخندق معها والانحياز لها دوما، لأنها في الأساس هي حركات مجتمع لتغيير ظروفه إلى الأفضل، وهو سبب وجودها أصلا، فلتتخلص الكثير من هذه الحركات من المبالغة في النخبوية الأمر الذي جعلها في بعض الأحيان منبتة عن شعبها ، وقلص امتداداتها الجماهيرية.

3) التوريث القيادي :

وقد نجحت فيه حماس بامتياز مما ساعدها على حسن تسيير معركة غزة بكل مراحلها، وفي كل الميادين، وعلى كل المستويات ، بحيث نلاحظ توالد أجيال قيادية ، وانتقال جزء من دفة هذه القيادة لها بشكل سلس وطبيعي، ويستغرب الكثير من الملاحظين لهذا الكم الهائل من الكوادر القيادية، وظهورها المتتالي ، مع استيعابها الجيد ، وقدرتها على التعبير بشكل دقيق عن مشروعها والمنافحة عنه بطريقة حضارية، وقوة في الخطاب تدعو للتقدير والإعجاب والاحترام، وهو أمر تفتقر إليه أغلب الحركات الاسلامية ــ للأسف الشديد ــ بل هناك مشكلة حقيقية في هذا الجانب على وجه التحديد لدى أغلبها، إذ نرى بوضوج الهوة السحيقة الموجودة بين الأجيال القيادية فيها ، مما ولد عند بعضها صراعا نتجت عنه انشقاقات وانسحابات ، فأصبحنا نضع أيدينا على قلوبنا كلما حان موعد مؤتمر لهذه الحركة أو تلك ، نظرا للمخاض العسير الذي يصاحب انتقال القيادة ــ إن كان هناك انتقال ــ بحيث نرى تشبث الجيل القيادي الأول بمواقعه ورفضه لكل أشكال الشورى والتداول ، إن كانت على حساب تموقعه ، وتذرعه بالشرعية التاريخية والتأسيسية التي تخول له ـ حسب تصوره ـ البقاء الدائم في هذه المواقع المتقدمة لعدم ثقته في الأجيال اللاحقة ، وقدراتها القيادية ، فكانت نتيجة ذلك الكثير من الهزات لهذه الحركات ، وجعلها تقع في ما تعيبه على أنظمتها الحاكمة ، فدرس حماس يدعوها بإلحاح إلى ضروره التوريث القيادي ، والانتقال الميسر ، وبدون ضحايا للقيادة ، والتخلص نهائيا من إشكالية صراع الأجيال.

4) البراغماتية الإيجابية:

قد يعارض البعض هذه التسمية ، فلا بأس لا يهم المصطلح ، فلا مشاحة في الاصطلاح كما يقال ، فقد استطاعت حماس وقيادتها أن توظف كل ما توفر لديها من إمكانيات ، بل وأحسنت استثمار حتى تصارع وتناقض المشاريع في المنطقة ، وتجاذب المحاور ، وأتقنت اللعب في الهوامش المتاحة هنا وهناك ، ومارست نوعا من البراغماتية الإيجابية لصالح المشروع والقضية ، فقد وطدت علاقتها بالنظام السوري، وجعلت من سوريا أفضل مأوى للكثير من قياداتها رغم الأجواء المتعكرة بين هذا النظام والإخوان المسلمين السوريين ، وحاولت مد الجسور مع روسيا في وقت سابق رغم غضب المقاومة الشيشانية ، وهكذا..، فقد حققت جملة من النجاحات وكسبت الكثير من النقاط في هذا المجال ، أحرى بالحركات الاسلامية أن تستفيد منها ويتخلى بعضها عن اليبوسة السياسية والثقافية خاصة في مجال العلاقات ، وتمارسها بنوع من المرونة ، وتتخلص من التهمة التي تتهم بها دوما ـ ولها وجه من الحقيقة ـ أن أقصى ما تنجح فيه هذه الحركات هو توسيع دائرة أعدائها وخصومها ، وفشلها الذريع في اكتساب الأصدقاء والحلفاء حتى وإن اختلفوا معها فكريا وسياسيا وثقافيا ودينيا ، فقد حان الوقت للحركات الاسلامية أن تشكل أحلاف فضول جديدة كي تستطيع أن تتكيف مع واقعها ، وأن لا تقهرها الظروف المتسارعة ، عملا بقاعدة العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله: (الظروف تستطيع تكييفنا ، ولاتستطيع ـ بإذن الله ـ إتلافنا).

5) النجاح في معركة البدائل:

وقد عملت حماس على أن تمارس الشمول ـ الذي تنظر له أغلب الحركات الاسلامية ـ عمليا في الميدان من خلال نجاحها في معركة البدائل ، لأن الطبيعة تأبى الفراغ، فأنت لما تنتقد غيرك في أي مجال من المجالات ، لابد أن تقدم البديل ، لأن الناس لا يعيشون في أبراج عاجية بمعزل عن العالم الذي أصبح قرية مفتوحة , وقد وظفت حماس مادتها الفنية والرياضية والثقافية والدعوية والشبابية والاعلامية والنقابية والعسكرية كذلك أحسن توظيف سواء في المعركة الحالية أو معاركها السياسية التي سبقت ، ومافرطت في أي جانب من الحوانب من ناحية الاهتمام حتى الشعارات واللافتات والقبعات وطبيعة احتفالاتها ومهرجاناتها. هذا النجاح في معركة البدائل جعلها تنجح في استيعاب وتجنيد العدد الكبير من الناس، الأمر الذي جعلها رقما صعبا في الساحة الفلسطينية يصعب تجاوزه او إلغاؤه باعتراف العدو قبل الصديق ، وهو رسالة مهمة لابد أن تلتقطها الحركات الاسلامية بالاهتمام اكثر بمعركة البدائل في كل المجالات السياسية والثقافية والاعلامية والدعوية وغيرها ، دون الاقتصار على جانب معين و إغفال بقية الجوانب ، مما يجعل مشروعها اعرج يفشل في أول جولة من جولات المنافسة والصراع.

هذه خمسة دروس كبرى مستخلصة من معركة غزة ساهمت في انتصار حركة حماس ونجاحها وهناك غيرها لا شك ينبغي للحركات الاسلامية أن تستوعبها وتستفيد منها في إطار سيرها العام في أقطارها وساحات عملها المختلفة.


ليست هناك تعليقات: