النص الكامل لحكم مجلس الدولة المصري سنة 1952- الجزء الأول
النص الكامل
لحكم مجلس الدولة المصري
محكمة القضاء الإداري
الدائرة الرابعة (1)
المشكّلة علناً تحت رئاسة حضرة صاحب العزة علي علي منصور بك رئيس المحكمة، وبعضوية صاحبي العزة عبد العزيز الببلاوي بك وحسن أبو علم بك المستشارين وحضرة سيد خلف الله أفندي سكرتير المحكمة.
أصدرت الحكم الآتي:
في القضية المقيدة بالجدول العمومي رقم 195 سنة 4 قضائية المقامة في مصطفى كامل علي عبد الله.
وحضر عنه بالجلسة حضرة الأستاذ سعد الفيشاوي المحامي، والأستاذ سابا حبشي باشا المحامي.
ضد:
المواصلات، وحضر عنها بالجلسة حضرة الأستاذ جلال الدين عبد الحميد المحامي بإدارة قضايا الحكومة.
الوقائع:
أقام المدعي هذه الدعوى بصحيفة موقع عليها من سابا حبشي المحامي أودعها هي والمذكرة الشارحة وحافظة مستندات في 19 يناير من 1950، طلب فيها تعديل راتبه بجعله 100م 12 ج بدلاً من 100م 11ج اعتباراً من مارس سنة 1947 وبجعله 150م13ج اعتباراً من أول يناير سنة1948 مع إلزام المدعي عليها بصرف الفرق المتجمد حتى رفع الدعوى وقدره 483م 56ج وما يستجد حتى تاريخ الحكم في الدعوى مع المصروفات ومقابل الأتعاب وحفظ الحقوق الأخرى كافة. وقال بياناً لدعواه: إنه بعد أن رسب في امتحان شهادة الدراسة الثانوية، قسم ثان، عام 1933، قعدت به ظروفه عن متابعة الدراسة فالتحق بخدمة السكة الحديد سنة 1934 بوظيفة تلميذ بضائع بالمياومة ثم رقي إلى مساعد مخزن وإلى تذكرجي بدل، ولمّا كان الإنصاف عام 1944 بلغ راتبه ثمانية جنيهات، وبعد صرف علاوتين دوريتين بلغ راتبه تسعة جنيهات عدا علاوة الغلاء، وقد تزوج في 25 من مارس سنة 1947م وطلب إلى المصلحة منحه العلاوة المستحقة بسبب الزواج( العلاوة الاجتماعية) وقدرها 1 جنيه شهرياً فلم تجبه إلى طلبه، ثم رزق بولد في أول يناير سنة 1948 م وطالب بفرق علاوة الغلاء 42% من أصل الراتب شهرياً بدلاً من 28% فلم يجب إلى طلبه أيضا، فاضطر إلى رفع الدعوى الحالية وقدم تأييدا لدعواه صورة شمسية لعقد زواج مؤرخ في 21/3/1947م وقال إن الوثيقة الأصلية قدمت إلى مصلحة السكة الحديد، وهذا العقد عبارة عن وثيقة عقد زواج صدر من المحفل الروحاني المركزي للبهائيين بالقطر المصري موثق بتاريخ 20 مارس سنة 1947م الموافق يوم الاستجلال من شهر العلا سنة 103 بهائية بمدينة الإسماعيلية بحظيرة القدس حيث جرى عقد الزواج بين مصطفى كامل عبد الله البالغ من العمر 34 سنة والآنسة بهيجة خليل عياد البالغة من العمر 17 سنة على صداق قدره تسعة عشر مثقالاً من الذهب الإبريز، وتم العقد طبقاً لأحكام الشريعة البهائية وموقع عليه من الزوج ومن والده ووالدته، ومن الزوجة ومن رئيس المحفل الروحاني وسكرتيره ومختوم بخاتم المحفل وأعلى الوثيقة عبارة قوله تبارك وتعالى في كتابه الأقدس:" تزوجوا يا قوم ليظهر منكم من يذكرني بين عبادي هذا من أمري عليكم اتخذوه لأنفسكم معيناً". أما شهادة ميلاد الطفل نبيل، فهي عبارة عن مستخرج من وزارة الصحة العمومية، يفيد ولادة في أول يناير سنة 1948 والتطعيم ضد الجدري. وفي 6/3/1949 ندب حضرة صاحب العزة على علي منصور المستشار لوضع التقرير في الدعوى ولم تكن الحكومة قد قدمت دفاعاً في الموعد القانوني فكلفها حضرة المستشار لمقرر إيداع مذكرة بدفاعها ومستنداتها وملف الخدمة مع تبادل الرد والتعقيب، وانقضى الموعد لتقديم دفاع الحكومة دون دفاع منها فكلفها ذلك بقرار آخر للمرة الثالثة.
أودعت الحكومة مذكرة بدفاعها في 11 من يونيو سنة 1950 قائلة: إن المدعي حين تقدم بعقد زواجه على المذهب البهائي ألفَتْهُ مصلحة السكة الحديد عقداً غريباً لم يسبق له مثيل فطلبت الفتيا في شأنه عن مستشار الدولة الذي أرسل العقد بدوره إلى مفتي الديار المصرية مستوضحاً عن شرعية ذلك الزواج، وما يترتب عليه من آثار، فأفتى فضيلة المفتي بأنه إذا كان المدعي قد اعتنق مذهب البهائيين بعد أن كان مسلماً اعتبر مرتداً عن الإسلام تجري عليه أحكام المرتدين، وكان زواجه بمحفل البهائيين بمن تزوج بها زواجاً باطلاً شرعاً سواء أكان من زوجة بهائية أم غير بهائية، ولا خفاء في أن عقائد البهائيين وتعاليمهم عقائد غير إسلامية يخرج بها معتنقها من ربقة الإسلام، وقد سبق الإفتاء بكفر البهائيين ومعاملتهم معاملة المرتدين، وأضاف الدفاع عن الحكومة أن من عقائد البهائيين الفاسدة:" أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس آخر الأنبياء والرسل، وان الناس لن يبعثوا بصورهم الدنيوية، بل بأرواحهم أو بصور أخرى، غلى غير ذلك مما يتنافى مع عقائد الإسلام الأساسية، وانتهى إلى أن الزواج باطل لا يترتب عليه أي حق، فلا حق له إذاً في المطالبة بالعلاوة الاجتماعية للزواج ولا بإعانة الغلاء بسبب ولادة الطفل، لأن الباطل لا ينتج إلا باطلاً، وشفعت الحكومة دفاعاً بحافظة مستندات بها صورة من فتيا مفتي الديار المصرية وكذا ملف خدمة المدعي.
عقّب المدعي على دفاع الحكومة بمذكرة أودعها في أول يوليه سنة 1950 قال فيها: إن مقطع النزاع في معرفة حكم زواج البهائيين من الناحيتين الشرعية والوضعية؛ وقدم للإجابة على هذا السؤال بموجز عن عقائد البهائيين الأساسية والروح التي تصدر عنها مستنداً إلى مجموعة من كتبهم ونشراتهم قدّمها بحافظة، وأشار إلى انتشار المذهب وسمّاه ديناً، في أكثر من مائة قطر، وإلى أن هيئة الأمم المتحدة اعترفت بالبهائيين كمنظمة عالمية غير حكومية، وإلى أن البهائية بدأت في مصر منذ مائة عام وأصبح عدد معتنقيها يزيد عن الألف أسرة، واستطرد الدفاع عن المدعي إلى القول بأنه لا يتعرض لفتيا المفتي بكفر البهائيين، ولا بأن من كان مسلماً وأصبح بهائياً يعتبر مرتداً، فحكم المرتد في الشريعة الإسلامية أن يقتل وحكم المرتدة أن تحبس، أما زواج المرتد والمرتدة فلم يتعرض لبحثه فقيه من فقهاء الإسلام، وإنما يمكن قياسه بزواج الذميين، والذميون عند الحنفية هم المجوس والكتابيون، إذ المرتد لا يخرج من أن يكون وثنياً أو كتابياً. ومن المعلوم أن ركن الزواج في الإسلام الإيجاب والقبول، وشرط صحته حضور الشاهدين، وان تكون المرأة محلاً للعقد بأن تكون غير محرمة على الرجل حرمة مؤقتة أو مؤبدة. وانتهى المدعي إلى القول بأن كل نكاح كان صحيحاً عند المسلمين لاستيفائه شروط الصحة فهو صحيح عند الذميين، وارتكن في ذلك إلى رأي الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الأحوال الشخصية قسم الزواج ص 252، وأيد بما تحدث به الفقهاء عن أحكام التوريث في مثل الذميين، مشيراً إلى المرجع السابق ص 190 بند 148، ثم انتقل الدفاع عن المدعي إلى التشريع الوضعي فقال: إن المادة 12 من الدستور تقول:"حرية الاعتقاد مطلقة"
وحَوَت حافظة المدعي الثانية كتابا لأقدس ونشرة من البهائية وبياناً بهائياً في التزامات وحقوق الإنسان مقدماً إلى لجنة حقوق الإنسان بهيئة الأمم المتحدة فأحالته إلى قسم حقوق الإنسان دون إشارة إلى الاعتراف بالبهائية، كما قال المدعي فيما سَلَف، وقانون الأحوال الشخصية على مقتضى الشريعة البهائية ودستور المحفل الروحاني المركزي بالقطر المصري وإحصائية عن البهائية في العالم وكتاب ( موعود كل الأزمنة) تأليف" جورج تاوزند" وترجمة بهية فرج الله الكرديـ وذلك بياناً للعقيدة البهائية.
طلبت الحكومة مهلة للرد على دفاع المدعي الأخير، على أن يكون الأجل واسعاً حتى يتيسر الرجوع غلى دار الإفتاء الشرعي، فأعطيت المهلة، ولمّا لم تقدم شيئاً قرر حضرة المستشار المقرر تحديد جلسة 22/5/1951 لمناقشة الطرفين. وفي جلسة المناقشة نبّه الطرفين إلى حكم الشريعة الإسلامية في زواج المرتد بمناسبة ما أثاره دفاع المدعي من أن فقهاء الإسلام لم يتحدثوا عن زواج المرتد وأشار إلى كثير من الأدلة من جميع المذاهب وأشار إلى أماكن النقل في (السرخسي) و(البدائع) للكسائي و(الهداية) لبرهان الدين و( الدر المختار) للحصفكي و (البحر الرائق) لأبي حنيفة، و(الزيلعي) و(المغني) لابن قدامة الحنبلي وتعليق العلامة الكمال بن الهمام و(صاحب الشرح الكبير)، وخلاصة البحث أن أئمة الإسلام وفقهاءه على إجماع في بطلان زواج المرتد وإن اختلف بعضهم في التعرُّفات الأخرى غير النكاح، فقال البعض القليل بأنها موقوفة، فإن أسلم حكم بصحتها وإلا فلا، وحاصل الحكم ومبناه عند أولئك الفقهاء ( أن من يتزوج مرتدة ولا مسلمة ولا كافرة أصلية، لأن النكاح يعتمد الملة، ولا ملة للمرتد فإنه الحكم من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المرتد مستحق القتل، وإنما يمهل أياماً ليتأمل فيما عرض له وقام في ذهنه من شبهة فلا يصح منه عقد النكاح، لأنه لا حياة له حكماً، واشتغاله بعقد النكاح يشغله عما أُمْهِل من أجله وهو التأمل والتدبر.
ثانيها: أن النكاح مشروع لمعنى البقاء-بقاء النسل- وهو لم يشرع لعينه، وإنما شرع لمصالحه، والمرتد مستحق للقتل، فكل ما كان سبباً للبقاء فهو غير مشروع في حقه.
ثالثهما:أن الردة لو اعترضت على النكاح لرفعته، فإذا قارنته تمنعه من الوجود من باب أولى كالرضاع، لأن المنع أسهل من الرفع، فوعد محامو الطرفين ببحث هذه المسألة، وقدّم الدفاع عن الحكومة في جلسة المناقشة صورة أخرى مؤرخة في 3 سبتمبر سنة 1949 وقت أن كان شيخ الأزهر الحالي رئيساً للفتوى- الشيخ عبد المجيد سليم- جاء فيها:" إن البهائية فرقة ليست من فرق المسلمين، إذ أن مذهبهم يناقض أصول الدين وعقائده التي لا يكون المرء مسلماً إلا بالإيمان بها جميعاً بل هو مذهب مخالف لسائر الملل السماوية، ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج بواحد من هذه الفرقة، وزواج المسلمة باطل، بل إن اعتنق مذهبهم من بعد ما كان مسلماً مرتداً من دين الإسلام فلا يجوز زواجه مطلقاً ولو ببهائية مثله".
وأثناء المناقشة طلب حضرة المستشار المقرر إلى الطرفين استيفاء البحث في النقطة الآتية، وهي أن الدستور في المادة 149 ينص على أن الإسلام دين الدولة الرسمي، كما ينص في المادة 12 منه على أن حرية الاعتقاد مطلقة، فكيف يمكن إعمال النصين معاً، وما مجال تطبيق كل منهما وأثر ذلك على الدعوى الحالية؟- لم تقدم الحكومة شيئاً، وعقّب المدعي بمذكرة أودعها في 12 من يونيو سنة 1952 قال فيها: إنه ليس للحكومة أن تتمسك بتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية في هذا الزواج، غذ المعلوم أن أحكام الشريعة الإسلامية غير مطبقة في الوقت الحاضر، والحكم الواجب التطبيق هو حكم الدستور، الذي يقضي بحيرة الاعتقاد وبإطلاقها، على أن الحكومة قد صرفت للمدعي علاوة غلاء المعيشة الخاصة بالابن وهو ثمرة الزواج فكأنها تعترف بالبنوة وتنكر الزوجية ثم صمم على طلباته في شأن تعديل مرتّبه اعتباراً من 21 مارس سنة 1947 بجعله 100م 12ج شهرياً بدلاً من 100م 11ج واعتباراً من أول يناير سنة 1948 بجعله 150م13ج. ثم عدّل طلباته في شأن المرتد فقصره على فرق العلاوة الاجتماعية عن الزواج حتى تاريخ رفع الدعوى وقدره 666م 32 ج مع ما يستجد حتى الحكم في الدعوى مع المصروفات ومقابل الأتعاب، ولم يعقب الدفاع عن الحكومة على مذكرة المدعي الأخيرة.
وبعد وضع التقرير في الدعوى عيِّن لنظرها جلسة 26 نوفمبر سنة 1951، وفيها تلا حضرة المستشار المقرر التقرير وسُمعت ملاحظات محامي الطرفين فقال الحاضر على المدعي:" إن البهائية دين يعتقد وحدانية الله شأنه في ذلك شأن جميع الأديان السماوية، ويعتقد برسالة الرسل أجمعين: موسى وعيسى ومحمد، ويعتقد أن بهاء الله الذي نادى بهذا الدين من المرسلين، هذان هما الركنان الأساسيان للعقيدة الوحدانية والرسل ومنهم بهاء الله". وأضاف محامي الحكومة: إن البهائيين كانوا على دين الإسلام وتطورت أفكارهم فقالوا إن القرآن ليس آخر الكتب السماوية، و"محمد" صلى الله عليه وسلم ليس آخر الأنبياء والرسل، بل يجب لكل عصر أن يأتي نبي جديد بتعاليم جديدة تتفق مع روح العصر، وتعاليم كتاب البهائيين تخالف ما جاء به الدين المعمول به في الدولة- الإسلام- فهم مرتدون ومخالفون للقواعد الأساسية للإسلام.
وعقب محامي المدعي على ذلك أن المدعي بهائياً أباً وأماً، وكذلك الزوجة، فناقشته المحكمة مستوضحة عن حكم الشريعة الإسلامية في ابن المرتد إذا كان أبوه أو جده مرتداً، فطلب تأجيل نظر الدعوى ليبحث في هذه النقطة
وغيرها مما اثأر في الجلسة. فتقرر تأجيل الدعوى لجلسة 21 من يناير سنة 1952 مع الترخيص للطرفين في تبادل المذكرات المكملة وفيها طلب الحاضر عن المدعي أجلاً آخر لاستكمال البحث، وقدّم حافظة مستندات بها شهادة مؤرخة من يناير سنة 1952من سكرتير المحفل الروحاني المركزي للبهائيين بمصر والسودان، ورد بها:"نقرر أنه بالاطلاع على سجلات المحفل تبين أن علي أفندي عبد الله- والد المدعي- مفيد بهذه السجلات الممسوكة منذ عام 1929م كأحد أفراد الطائفة البهائية بمصر" وشهادة أخرى بنفس النص عن خليل عياد أفندي والد زوجة المدعي السيدة بهيجة، ثم قررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 10 من مارس سنة 1952 بطلب الحاضر عن المدعي، وفيها قدم الحاضر عن المدعي مذكرة وطلب التأجيل مرة أخرى للاستعداد، ولم يمانع ممثل الحكومة، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 14 من أبريل سنة 1952 ليستعد محامي المدعي ولتردّ الحكومة على مذكرته الأخيرة. وفيها سمعت ملاحظات محامي الطرفين من جديد، فقال محامي المدعي: إن دفاعه يقوم على أسس ثلاث كما هو واضح في مذكرته الأخيرة:
أولها: أن حكم الشريعة الإسلامية بقتل المرتد وحبس المرتدة غير مطبّق، والقول ببطلان زواج المرتد على المدعي، هذا إذا كان وصف الردة ينطبق على المدعي.
ثانيها: أن الواقع غير ذلك، إذ أنه لم يكن مسلماً وارتد عن الإسلام، بل إنه بهائي أصلاً ولد لأب بهائي، وكلك زوجته ولدت لأب بهائي، ودلل على ذلك بالشهادتين الصادرتين من محفل البهائيين والمقدمتين بالجلسة السابقة.
وثالثها: أن أحكام القانون الوضعي الحالي"الدستور" وارتباطات مصر الدولية تمنع من تطبيق أحكام الردة كلياً وجزئياً، فقد نصت المادة 18 من حقوق الإنسان التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة، ومصر عضو فيها، على أن لكل إنسان الحق في حرية الضمير والتعبير والدين، مادامت مصر قد انضمت لهيئة الأمم المتحدة فهي مرتبطة بنظمها وملزمة بها، كما أشار إلى أن الحكومة قد سلّمت بحقه في صرف إعانة الغلاء عن الولد الذي وُلِد له وصرفت متجمدها ، فردّ الحاضر عنها أنه إن صح ذلك فإعانة الولد لإقرار الوالد بنسبه دون بحث في شرعية الزواج ذاته، وأضاف: إن البهائيين مرتدون عن الإسلام كفرقة حتى ولو ولد المدعي لأب بهائي فهو مرتد، ثم قررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة 2 من مايو سنة 1952 مع الترخيص للطرفين بتبادل مذكرات مكملة في مدى شهر يبدأها المدعي فلم يقدم أحد منهما شيئا.
المحكمة:
بعد تلاوة التقرير وسماع ملاحظات محامي الطرفين، وبعد الاطلاع على ملف الدعوى وأوراقها، وبعد المداولة:
ومن حيث إنه يبين من مساق الواقعات على نحو ما سلف أنه لا خلاف بين الطرفين في أن المدعي بهائي النحلة، وأنه تزوج وفقاً لأحكام الشريعة البهائية في 20 مارس 1947 وأنه كان ثمرة هذه الزيجة ولده نبيل، حيث ولد في أول يناير سنة 1948 وأنه موظف بمصلحة السكة الحديد بوظيفة تذكرجي براتب شهري قدره 9 جنيهات، وانه من بين قرارات مجلس الوزراء في عام 1944 منح علاوة اجتماعية قدرها جنيه مصري واحد شهرياً لكل موظف متزوج، وعلاوة لغلاء المعيشة تزداد كلما زادت أعباء الموظف العائلية فهي لمثل حالة المدعي قبل الذرية28% من الراتب وتصبح بعد الولد الأول 42% لا خلاف على ذلك كله وإنما الخلاف ينحصر بين طرفي النزاع في معرفة قيمة هذا الزواج البهائي من الناحية القانونية والشرعية، إذ في ذلك القول الفصل فيما إذا كان المدعي مستحقاً لهذه العلاوة أم لا.
ومن حيث إن الحكومة تذهب إلى هذا الزواج باطل لا يُنتِج إلا باطلاً مستندة إلى ما أفتى به مفتي الديار المصرية في 13/4/1950 في شأنه حيث قال:" إذا كان المدعي قد اعتنق مذهب البهائيين بعد أن كان مسلماً اعتبر مرتداً عن الإسلام تجري عليه أحكام المرتدين، وكان زواجه بمحفل البهائيين بمن تزوج بها زواجاً باطلاً شرعاً سواء أكان من زوجة بهائية أم غير بهائية"، ولا خفاء في أن عقائد البهائيين وتعاليمهم غير إسلامية يخرج بها معتنقها عن ربقة الإسلام وقد سبق الإفتاء بكفر البهائيين، ومعاملتهم معاملة المرتدين، كما استندت أيضاً غلى فتيا أخرى صادرة في 3 من سبتمبر سنة 1949 وقت أن كان شيخ الأزهر الحالي فضيلة الشيخ/ عبد المجيد سليم رئيساً للجنة الفتوى جاء بها:" إن البهائية فرقة ليست من فرق المسلمين إذ أن مذهبهم يناقض أصول الدين وعقائده التي لا يكون المرء مسلماً إلا بالإيمان بها جميعاً بل هو مذهب مخالف سائر الملل السماوية ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج بواحد من هذه الفرقة، وزواج المسلمة باطل، بما أن من اعتنق مذهبهم من بعد ما كان مسلماً صار مرتداً عن دين الإسلام ولا يجوز زواجه مطلقاً ولو ببهائية مثله".
ومن حيث إن هذا الذي ورد في الفتيا من أن تعاليم البهائية تناقض أصول الدين الإسلامي وعقائده وتخرج معتنقها عن حظيرة الإسلام، ومن أن البهائية مذهب مخالف لسائر الملل السماوية أمرٌ قد استظهرته المحكمة من أقوال الدفاع عن المدعي ومن المستندات التي قدمها هو بنفسه، وآية ذلك:
أولاً- ما ثبت عن لسان محامي المدعي في محضر جلسة 26 من نوفمبر سنة 1951 حيث قال: "إن البهائية دين يعتقد في وحدانية الله، ويعتقد أن بهاء الله الذي نادى بهذا الدين من المرسلين، هذان هما الركنان الأساسيان لعقيدة الوحدانية والرسل ومنهم بهاء الله".
ثانياً- قول البهائيين إن رسولين معينين بلّغا هذا الدين إلى أهل الأرض بعد أن مُحِيَ الدين الإسلامي وأصبح غير صالح لمسايرة التطور الذي وصلته البشرية في العصور الحديثة، وهما:" ميرزا علي محمد" الذي أعلن دعوته عام 1844 بإيران، ومن هذه السنة يبدأ البهائيون تاريخهم وكان لقبه المقدس( الباب) وكانت غايته إعداد الناس لقدوم (بهاء الله) أي التبشيري بقدومه.
ويقولون إنه رسول وأن رسالته كانت تحضيرية" هذا واضح في صحيفتهم 111 من كتاب (موعود كل الأزمنة)، تأليف جورج تاوزند، وهو أحد رجال الكنيسة بأيرلندا والنسخة المقدمة نقلتها إلى العربية بهية فرج الله، ومطبوعة سنة 1946 مقدمة من المدعي بحافظة مستندات وقد طبع الكتاب بإجازة المحفل الروحاني البهائي مصر والسودان، واحتفظ بحقوق الطبع لهذا المحفل ". وقد جاء في الصحيفة 119 من الكتاب نفسه:"وكان مؤثر في إيمان البابيين الأُوَل للباب هو الإخلاص لشخصه، والإيمان الراسخ بنبوته" وجاء في الصحيفة نفسها " ولقد اثبت أولئك الذين تزعموا الإسلام أنهم عاجزون عجزاً مخزياً عن إدراك عظمته والاعتراف بصحة رسالته.. وعمل علماء الإسلام على تفسير تعاليم رسولهم محورين إياها حتى تلائم أغراضهم.. وتمكن علماء الدين الإسلامي من أن يزاولوا باسم نبيهم أهواءهم الدنسة.. وقد تحدت إصلاحات الباب زيغ العصر ونفاقه".وفي الصحيفة 139 ورد: "فقد كان للباب منزلة مستقلة كرسول عظيم قائم بذاته يوحى إليه من العلي القدير"، وجاء بها أيضا: " أنه جاء لإعلان دورة دينية جديدة من شأنها أن تختم الدورة السابقة وان تعطل شعائرها وعاداتها وكتبها ونظمها". أما ثاني رسل البهائية هو ميرزا "حسين علي" الابن الأكبر للوزير "ميرزا بروك" إذ بعد قتل الباب بثلاثة أعوام ناجى نفسه بأنه هو المركز الذي دارت حوله الحركة التي قام بها الباب (ص 138) وقد أعلن دعوته بحديقة بغداد حيث كان في طريقه إلى المنفى بين 21 ابريل و الثاني من مايو سنة 1863، وكان في إعلانه دعوته تحقيق البشرى التي بشّر بها الباب وظهر 0موعود كل الأزمنة).. " وأن العهد القديم قد تحقق وأن ذلك الذي جاء به المبشرون ويبشرون بمقدمه باعتباره الأب الأبدي يوشك أن يحقق لأبنائه الإخاء وأن يحيا على الأرض بينهم" (ص 141 من الكتاب نفسه) ولكما أن صدر الأمر بوضعه بسجن عكا آثر العزلة وانكب على الإملاء والتحرير، وجاء في هذا المؤلف في صفحة 151.. " أن البهائية دين كتابي قبل كل شيء وكتبه مقدسة هي أصل الاعتماد دون الأحاديث الشفوية، وهي كتب الباب وكتب بهاء الله ومنها الكلمات المكنونة وكتاب الإيقان والألواح التي أرسلها بهاء الله إلى الملوك والأمراء والقياصرة، وأهم هذه الكتب ( الكتاب الأقدس)، وقدم المدعي بحافظة مستنداته نسخة منه وصفة جورج تاوزند في كتابه صفحة 157 بأنه يشمل الأحكام والشرائع في ملكوت الله طوال العصر الجديد ويبدو من الاطلاع عليه أنه يجري على نسق آيات القرآنية في مقطوعات على نسق السور القرآنية منها الكبار ومنها الصغار ثم جاء في كتاب جورج تاوزند الصحيفة 50: " والبهائية لا تنتمي إلى ديانة بالذات، ولا هي فرقة أو مذهب وإنما هي دعوة إلهية جديدة"، ثم في الصفحة 162، صعد بهاء الله إلى الرفيق الأعلى في سنة 1892.. وقد عين في وصية مكتوبة ابنه الأكبر عبد البهاء ليكون مبيّناً لكلماته ومركزاً لميثاقه وخليفة له بحيث من توجه إلى مظهر أمر الله نفسه". وجاء في ص298 أن عبد البهاء صعد إلى الرفيق الأعلى في نوفمبر سنة 1921.
ثالثاً- جميع النشرات التي تصدر عن المحفل الروحاني للبهائيين كقانون الأحوال الشخصية ودستور المحفل ونماذج وثائق الزواج نفسها مرسومة في أعلاها بميسم (أكليشيه) به عبارة منقوشة بالخط الفارسي كالخاتم تقرأ:" بهاء يا إلهي" فإذا ما اقترن ذلك ببعض العبارات التي وردت في كتب والتي ترتفع ببهاء الله إلى مرتبة التقديس الإلهي، ومنها قولهم في كتاب "جورج تاوزند" عن البهاء: إن الأب الأبدي يوشك أن يحقق لأبنائه الإخاء وأن يحيا على الأرض بينهم، دلّ ذلك على ما ذهب إليه بعض البهائيين من أن الإله قد حلّ في البهاء.
رابعاً: من بين ما قدمه المدعي في الدعوى كتيب عنوانه:" قانون الأحوال الشخصية على مقتضى الشريعة البهائية"، وهو مستخرج من كتاب " الأقدس" ومطبوع سنة 88 بهائية و1350هـ 1932م. وكل باب من أبوابه مصدر بآية من آيات كتاب( الأقدس) والكثرة الغالبة من أحكامه تناقض أحكام الإسلام وتخالف تعاليم المسيحية واليهودية، فمنها عدم زواج أكثر من اثنين، ومنها أن اختلاف الدين ليس بمانع من الزواج(مادة9) ومعنى ذلك أنه يجوز للمسلمة أن تتزوج من مسيحي أو يهودي أو بهائي أو بشخص من أية ملة وكذا المسيحية. ومنها تحديد المهر بقدر معين من الذهب والإبريز بحيث لا يقل عن تسعة عشر مثقالاً ولا يزيد عن خمسة وتسعين مثقالاً، ومنها تقسيم الميراث على 2520جزءاً، للذرية منها 1080 وللأزواج 390 وللىباء330 وللأمهات270 وللأخوات15، وللمعلمين 10 فإن لم يترك المتوفي أحداً من هؤلاء رجع ثلث التركة إلى لمحفل( المواد من 31 إلى 41)، ومنها أن غير البهائي لا يرث البهائي، وأن الدار المسكونة وملابس المتوفى يختص بها أكبر الأبناء الذكور(م44). ومنها أن يدفن الميت في البلور أو الحجر أو الخشب وتوضع في أصابعه الخواتم المنقوشة. ومنها أن السنة البهائية تنقسم إلى تسعة عشر شهراً، ويبدأ التقويم البهائي من سنة 1844 ميلادية وقت إعلان الباب لدعوته-وهذا عدا ما عرف عنهم ولم ينكروه من ردهم على جبهة العلماء من أن الصوم عندهم تسعة عشر يوماً وجعلوه يبتدئ من شروق الشمس لا من طلوع الفجر، وجعله دائماً في وقت الاعتدال الربيعي، حيث يكون عيد الفطر عندهم يوم النيروز باستمرار بدلاً من شهر رمضان، أيا كان موقعه من فصول العام، كما جعلوا الصلاة تسع ركعات في اليوم والليلة، وحوّلوا قبلة الصلاة من مكة إلى عكا، حيث قضى البهاء مدة سجنه وتوفي هناك.
خامساً: قدّم المدعي أيضا نسخة من دستور المحفل الروحاني البهائي بالقطر المصري- وواضح في صدره:" أن واضعي هذا الدستور تسعة أشخاص من القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والسويس والإسماعيلية ذكروا بأسمائهم كوكلاء للبهائيين وأعلنوا الدستور في أول مايو سنة 1928" وجاء فيه: ومنذ ذلك التاريخ يكون جميع الواجبات والحقوق والامتيازات والمسئوليات التي أوكلها حضرة بهاء الله قاموس الدين البهائي، والتي بيّنَها ومثّلها حضرة عبد البهاء والتي يقوم حضرة شوقي رباني أفندي على حفظها وصيانتها راجعة إلى المحفل الروحاني البهائي وإلى المحافل التي تخلفه في ظل هذا الدستور. وهذا الدستور مكوّن من ثماني مواد وملحق به لائحة داخلية ويشير إلى وجوب تأسيس بيت العدل العام، المنصوص عنه في الآثار المقدسة للأمر البهائي ووجوب الاعتراف التام بحضرة بهاء الله مؤسساً، وبحضرة عبد البهاء مبيِّناً، والتسليم التام والطاعة والخضوع لكل عبارة من العبارات الواردة في وصية عبد البهاء المقدسة، كما أوجبت أن تكون جميع قرارات وأعمال المحفل البهائي المركزي حائزة لرضاء واعتماد ولي أمر الله شوقي أفندي رباني أو بيت العدل العام.
سادساً: من بين مستندات المدّعي نشرة عن البهائية وهي عبارة عن رد على تحذير مذاع من جبهة العلماء مطبوعة سنة1947، وبينما ينكر رد البهائيين على جبهة العلماء ما قالته من أن البهائيين يعتبرون الباب وبهاء الله رسولين من عند الله، وبذلك يجحدون أهم مبادئ العقيدة الإسلامية من أن محمداً عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين والرسل، وأن رسالته باقية صالحة لكل زمان ومكان، فقد جاء في هذا الرد نفسه:" والبهائية دعوة إلهية عامة تدعو الجميع إلى الله". وفي الصحيفة 52:" والبهائية لا تنتمي إلى ديانة بالذات، ولا هي فرقة أو مذهب وإنما هي دعوة إلهية جديدة تحقق الاتحاد والتفاهم بين أهل الأديان".
هذا- فضلاً عما سلف ذكره-نقلاً عن مستنداتهم المقدمة في الدعوى من أن الباب كان نبياً وأنه رسول قائم بذاته يوحى إليه من العلي القدير، وأن البهائية دين كتابي، وأن المعتمد من كتبها المقدسة (كتاب الباب) ومنها كتاب (البيان) وكتب بهاء الله، ومنها الكلمات المكنونة وكتاب (الأقدس) هذا، وقد بان أيضا من الاطلاع على رد البهائيين على تحذير جبهة العلماء المقدم في الدعوى أنهم يجحدون أهم مبادئ العقيدة الإسلامية من أن محمداً عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين والرسل، باقية إلى يوم الدين، صالحة لكل زمان ومكان وذلك بأنهم ذهبوا إلى تفسير الآية الكريمة: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40
إلى أن الختم واقع على مقام النبوة وليس بواقع على مقام الرسالة، ولا عبرة في رأيهم بما قال به مفسرو هذه الآية من علماء الإسلام من أن مقام الرسالة خاص، ومقام النبوة عام، وختم الأعم معناه ختم الأخص. إذ لا حجة في ذلك لدى البهائيين لتعارضه مع المنطق؛ لأن القول بانقطاع الوحي الإلهي وغلق باب الرحمة الإلهية هو من الأقوال التي لا يجد بها البهائيون سنداً في منطق الواقع، ثم قالوا في ردهم: فقد أجمع مفكرو أهل الملل والعقائد على أن الإنسانية في تطورها الحالي في أشد الحاجة إلى الفيض الإلهي(ص22)، ثم قالوا:" ولا يستطيع العقل المنير أن يقول بأن أية شريعة أو قانون يصلح لكل زمان ومكان مفضلاً على أن الله منزّل الشرائع ومصدر الهدى والنور لم يقل بذلك(ص27)، ثم قالوا:"فالبهائية كالإسلام والمسيحية واليهودية وغيرها من الأديان، حلقة من حلقات التاريخ الروحي.. الذي كان سنة الله في كل عصر من عصور رسالاته"(ص51).
ومن حيث إن الدفاع عن المدعي عقّب على فتيا مفتي الديار قائلاً بأنه لا يتعرض لما تضمنته من كفر البهائيين فقد ردّوا على ذلك في ردهم على تحذير جبهة العلماء، وأنه لا يتعرض أيضاً للقول بأن من كان مسلماً وأصبح بهائياً يعتبر مرتداً، وإنما يعترض على ما قررته الفتيا من بطلان زواج البهائي بمن تزوج بها سواء أكانت بهائية أم غير بهائية بحجة أن فقهاء الشريعة الإسلامية لم يتحدثوا عن زواج المرتد ولم يتعرض إليه واحد منهم بالبحث، بل ذهب إلى أنهم لم يكونوا في حاجة إلى هذا البحث لسبب واضح بسيط هو أنهم يرون أن المرتد مستحق القتل، والمرتدة مستحقة للحبس، فلا يُتَصور أن قيام مثل هذا الزواج مع وجوب قتل المرتد وحبس المرتدة، واستطرد الدفاع عن المدعي إلى أنه مادام حكم الشريعة الإسلامية بقتل الرجل وحبس المرأة غير مطبّق الآن، وبذا أصبح من المتصوّر قيام زواج المرتد، ويتعين استنباط حكم له ولا مناص من قياسه على حكم زواج الذمي في الشريعة الإسلامية. والذمي عند فقهائها هو الوثني والكتابي- وزواجه عندهم صحيح متى استوفى الشروط التي يشترطها الإسلام- وهي: الإيجاب والقبول وحضور الشاهدين، وأن تكون المرأة محِلاً للعقد بأن تكون غير محرمة على الرجل حرمة مؤقتة أو مؤبدة، وانتهى إلى اقتباس قول للأستاذ الشيخ أبي زهرة: " بأن كل نكاح كان صحيحاً عند المسلمين لاستيفائه شروط الصحة جميعاً فهو صحيح عند الذميين". ثم أشار إلى رد الحسن البصري على عمر بن عبد العزيز حين سأله قائلاً: ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة، وما هم عليه من نكاح المحارم واقتناء الخنازير والخمور؟ فردّ عليه بقوله:" إنما بذلوا الجزية ليُتركوا وما يعتقدون، وإنما أنت متّبع ولست بمبتدع والسلام"ز ثم انتهى المدعي من ذلك إلى أن زواجه رغم أنه هائي زواج صحيح في نظر الإسلام، وغير صحيح ما يقول به المفتي.
----------------------------------------------------------------
1- البهائية حقائق ووثائق ص 108
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
النص الكامل لحكم مجلس الدولة المصري سنة 1952- الجزء الثاني
البهائية في المحاكم
الجزء الأول
ومن حيث إن حجة المدعي في هذا الصدد داحضة بسقوط الأسس التي قامت عليها، وتنهار بانهيارها، وذلك أن هذا الذي لم يتصوره المدعي ولم يدر له بخلد من أن يبحث علماء الإسلام زواج المرتد لأنه مستحق للقتل، تصوّره علماء الإسلام وقتلوه بحثاً وتمحيصاً، بل إنهم افترضوا المستحيلات وأعدوا لها البحوث ورتّبوا لها الأحكام ليقينهم بأن شريعتهم باقية على الزمن، وما قد يبدو مستحيلاً في زمانهم قد يصبح في زمان مقبل حقيقة واقعة، وأقرب الأمثال لذلك أن محمداً بن الحسن كتب في سبعة وعشرين ألفاً من الأقضية، وأفتى في المستحيلات{..فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الحج 46، هذا وقد أفاض فقهاء الإسلام فقهاء الإسلام في كل عصر في الكلام عن زواج المرتد، وجماع رأيهم أن اختلاف مذاهبهم أنه باطل بطلاناً أصليا وفيما يلي قليل من كثير بغية التمثيل لا حصر ولا لإحاطة:
1 - عند العلاّمة السيد شمس الدين السرخسي في كتابه"المبسوط" الطبعة الأولى بمطبعة السعادة سنة 1324هـ باباً لنكاح لمرتد جاء في أوله جزء في أوله
جزء 5ص48 " ولا يجوز للمرتد أن يتزوج مرتدة ولا مسلمة ولا كافرة أصلية، لأن النكاح يعتمد الملة أي يعتمد على الاعتقاد بملة صحيحة-ولا ملة للمرتد-فإنه ترك ما كان عليه- أي الإسلام- وهو غير مقرّ على ما اعتقده". وقد علّل هذا الحكم بأسباب منها أن النكاح مشروع لبقاء النسل والقيام بمصالح المعيشة، والمرتد مستحق للقتل، وإنما يمهل أياما ليتأمل فيما عرض له وجد في ذهنه من شبهة وزيغ، وإشغاله بأمر النكاح يشغله عما أمهل من أجله وهو التأمل، وكذلك الحال في شأنه المرتدة، وللأسباب نفسها يزيد عليا أنها بالردة صارت محرمة وينبغي في النكاح أن يختص بمحل الحل. وقد جاء في نفس المرجع(ص104ج10) ضمن الكلام على تصرفات المرتد:" ومنها ما هو باطل بالاتفاق في الحال كالنكاح والذبيحة لأن الحل بهما يعتمد الملة ولا ملة للمرتد، فقد ترك ما كان عليه-الإسلام-وهو غير مقرّ على ما اعتمده، أي انتقل إليه".
2- وقد جاء في كتاب(بدائع الصنائع) ج2(ص270) للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي المذهب، طبع شركة المطبوعات العلمية سنة 1327هـ وهو بصدد الكلام عن شرائط جواز النكاح ونفاذه، فقال:" ومنها أن يكون للزوجين ملّة يقرّان عليها، فإن لم يكن أحدهما مرتداً لا يجوز نكاحه أصلاً بمسلم ولا بكافر غير مرتد ولا بمرتد مثله، لأنه ترك ملة الإسلام، ولا يُقَرّ على الردة، ويُجبَر على الإسلام بالقتل، فكانت الردة في معنى الموت، والميت لا يكون محلاّ للنكاح، ولأن ملك النكاح ملك معصوم ولا عصمة مع الردة.. والدليل عليه أن الردة لو اعترضت على النكاح رفعته فإذا قارنته تمنعه من الوجود من طريق الأولى كالرضاع، لأم المنع أسهل من الرفع.
3- كما ورد في كتاب (الهداية شرح بداية المبتدئ) لشيخ الإسلام برهان الدين أبي بكر الميرغاني طبع المطبعة الأميرية سنة 1315هـ جزء2(ص505) في باب "نكاح أهل الشرق ما نصه:" وزلا يجوز أن يتزوج المرتد من مسلمة ولا كافرة ولا مرتدة لأنه مستحق للقتل، والإمهال ضرورة التأمل والنكاح يشغله عنه"، وعلق الكمال بن الهمام على ذلك بقوله:" أما المسلمة فظاهر لأنها لا تكون تحت كافر، أما الكافر لأنه مقتول معنى، وكذا المرتدة لا تتزوج أصلاً لأنها محبوسة للتأمل، ومناط المنع مطلقاً عدم انتظام مقاصد النكاح وهو لم يشرع إلا لها، وقد جاء في المرجع الأعلى للميرغياني في باب أحكام المرتدين ج4(ص396) حيث قسم تصرفات المرتد إلى اقسام وجعل القسم الثاني منها باطلاً بالاتفاق ومثّل له بالذبيحة والنكاح.
4- وفي كتاب (الدر المختار شرح تنوير الابصار) للعلامة محمد علاء الدين الحصكفي طبع المطبعة الأميرية ج2(ص407) في باب نكاح الكافر" ولا يصح أن ينكح مرتد أو مرتدة أحداً من الناس مطلقاً" وفي باب المرتد ج3(310):" ويبطل منه اتفاقاً ما يعتمد الملة وهو خمس: النكاح والذبيحة والصيد والشهادة والغرث". وعلق الشيخ ابن عابدين في حاشيته على قول الحكفي ما يعتمد الملة نقلاً عن الطحاوي- أي ما يكون الاعتماد في صحته على كون فاعله معتقداً ملّة من الملل، والمرتد لا ملّة له أصلاً- لأنه لا يُقَر على ما انتقل إليه.
5- وورد في كتاب (البحر الرائق شرح كنز الدقائق) للعلامة زين الدين بن نجيم الملقب بأبي حنيفة الثاني ج5(ص144) الطبعة الاولى بالمطبعة العلمية، بعد أن تكلم على تصرفات المرتد حال الردة:" والحاصل أن ما يعتمد الملة لا يصح منه اتفاقاً هي خمسة: النكاح، والذبيحة، والصيد، والإرث والشهادة".
6- وذكر الزيلعي في شرحه للكنز ج3(ص288) طبع المطبعة الاميرية سنة 1313هـ نحو ذلك، ومثّل للباطل من تصرفات المرتد بالنكاح، وذكر المؤلف نفسه في باب نكاح الكافر ج2(173) شرحاً لقول المتن:" ولا ينكح مرتداً أو مرتدة أحد لأن النكاح يعتمد الملة ولا ملة للمرتد".
7-كما ورد في كتاب " المغني" لابن قدامة الحنبلي (ص83)ج10 الطبعة الأولى بمطبعة المنار سنة 1348 هـ تحت عنوان بطلان زواج المرتد وبطلان ملكه:" وإن تزوج لم يصح تزوجه لانه لا يُقَر على النكاح وما منع الإقرار على النكاح مع انعقاده كنكاح الكافر للمسلمة، وإن تزوج لم يصح تزوجيه، لأن ولاءه على موليته قد زالت بردته".
8- وقال مثل ذلك صاحب الشرح الكبير المطبوع من المغني(98) من الجزء نفسه.
9- وقال مثله أيضاً الهيتمي بن حجر في شرحه المسمى(حفة المحتاج بشرح المنهاج) ج9(ص100).
ومن حيث إن المدعي، بعد أن استبان في جلسة المناقشة فساد ما يؤسس عليه دعواه من أن فقهاء الشريعة الإسلامية لم يضعوا لزواج المرتد حكماً عمد إلى إقامة الدعوى على إساس آخر، ذلك أن وصف الردة لا ينطبق عليه ولا يلحقه فلا محل لتطبيق أحكام زواج المرتد على زواجه، واستشهد في تعريف الردة قولاً لابن عابدين في حاشيته" رد المحتار على الدر المختار" جاء فيه:"غن المرتد لغة هو الراجح مطلقاً، والمرتد شرعاً هو الراجح عن دين الإسلام، وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد الإيمان،وهو تصديق محمد صى الله عليه وسلم في جميع ماجاء من عند الله مما عُلِمَ بالضرورة. ويستطرد المدعي إلى أنه لم يكن مسلماً في اي وقت من الأوقات، بل إنه ولد بهائي عن أبيه وتبعاً له، واستدل على بهائية أبيه بالشهادة التي قدمها من المحفل المركزي للبهائيين بمصر والسودان، ثم رتب على ذلك كله أنه يعتبر ذمياً لا مرتداً ولا تنطبق فتيا المفتي على حالته حيث وَرَد فيها:ط إن من اعتنق مذهب البهائيين من بعد أن كان مسلماً صار مرتداً عن دين الإسلام، ولا يجوز مطلقاً ولو ببهائية مثله، ثم اشار إلى أن زوجته مولودة لأبوين بهائيين، وأنه لم يكن مسلماً هو ولا زوجته في اي وقت حتى يقال إنه مرتد".
ومن حيث إنه وإن كان للردة معنى شرعي، التكذيب بعد سابقة التصديق، إلا أن مقطع النزاع في الأساس الجديد الذي يحاول المدعي أن يقيم عليه دعواه، هو معرفة حكم ابن المرتد في الشريعة الإسلامية متى كان أبوه أو أمه أو أحد أجداده مسلماً، الأمر الذي كلّفت المحكمة الطرفين ببحثه فتقاعسا عنه وهو ما تؤخر التصدي لع إلى ما بعد مناقشة الأوراق المقدمة من المدعي من المحفل البهائي، إذ هي دليل الواقعة التي يقيم عليها المدعي من المحفل البهائي، إذ هي دليل الواقعت التي يقيم عليها المدعي نظريته الجديدة.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الرجوع إلى شهادة المحفل البهائي المقدمة من المدعي أخيراً أن عبارتها جرت على النحو الآتي:" بناء على الطلب المقدم من حضرة مصطفى كامل عبد الله أفندي-المدعي- بإعطائه شهادة من واقع سجلات المحفل الروحاني المركزي المركزي للبهائيين بمصر والسودان عن قيد والده حضرة علي أفندي عبد الله بها، نقرر أنه بالاطلاع على سجلات المحفل تبين أن حضرة علي افندي عبد الله مقيد بهذه السجلات الممسوكة منذ عام 1929 كأحد أفراد الطائفة البهائية بمصر". وأول ما يلحظ في شأن هذه الشهادة أنه جهلت تاريخ تمذهب والد المدعي بالبهائية، كما أنها لم تعيّن بالضبط الوقت الذي مُسكت فيه سجلات المحفل واكتفت بالقول بأنها ممسوكة منذ عام 1929. وبأخذ الأمر على ظاهر ما فيه، ومع افتراض أن المدعي كان من أوائل من اعتنقوا البهائية في سنة 1929 فإن ما جاء بوثيقة زواج المدعي المؤرخة 20 من مارس سنة 1947 والتي ذكر بها أن عمره 34 سنة، اي أنه مولود عام 1913، إذا ما قرن هذا الأمر بذاك أمكن استخلاص أن سن المدعي وقت أن اعتنق والده البهائية كان 1 سنة، ومقتضى ذلك ولازمه أن وقت أن حملت أم المدعي به كان ابوه مسلما، ووقت أن ولد المدعي كان الاب مسلماً ايضاً، ووقت أن بلغ المدعي سن التكليف كان الاب لايزال على إسلامه، ولا خلاف في أن سن التكليف، وهو سن المحاسبة على ترك فرائض الإسلام هو سن الخامسة عشرة بل إن البهائية نفسها تتخذ هذه السن سناً للبلوغ، كما ورَدَ في قانون أحوالها الشخصية على نحو ما سلف ذكره. ومن ثم يكون المدعي قد علَق في بطن أم لأب مسلم، وولج لأب مسلم. فهو مسلم تبعاً لأبيه وهو(الإبن) قد بلغ مسلماً قبل أن يرتدّ أبوه عن الإسلام، وباعتناقه البهائية فهو مرتدّ بكل معاني الكلمة لغة وشرعاً تحكمه فتيا المفتي من أن من كان مسلماً واعتنق البهائية فهو مرتد وزواجه باطل سواء أكان من مسلمة أو من بهائية، ومن ثم فلا حاجة في هذا المقام إلى بحث ما إذا كانت زوجته مولودة لوالدين بهائيين كما يقول المدعي أم لا، ويكفي الإشارة إلى أن الشهادة المقدمة لم تشر على والدة الزوجة وإنما أشارت على أن اباها خليل عياد أفندي من الطائفة بحسب السجلات الممسوكة بالمحفل منذ سنة 1929. هذا ولايفوت المحكمة أن تشير إلى أن الورثة111 من ملف خدمة المدعي المقدم من الحكومة تدل على أنه وُلِد على التحقيق في 28 من مايو سنة1912 مما يقطع بأنه كان يقارب السابعة عشر حينما ارتد أبوه-على فرض أن تلك الردة كانت في أوائل سة 1929عقب إصدار الدستور البهائي وإنشاء المحفل الروحاني بمصر.
ومن حيث أن حكم الشريع الإسلامية في شأن ابن المرتد قاطع لكل شبهة، دافع للأساس الجديد الذي يحاول المدعي إقامة الدعوى عليه، وذلك أن ابن المرتد مسلم في نظر الإسلام سواء أعلق في بطن أمه قبل الردة أم بعدها، ومن باب أولى ما إذا كان قد ولد قبل ردة أبيه، بل يكفي لاعتبار ابن المرتد مسلماً أن يكون لأحد أبويه أب مسلم مهما علا وبعُد، سواء أمات هذا الجد البعيد على الإسلام أو ارتد عنه حال حياته، ويرى البعض ان ابن المرتد يعلق ويولد ويبلغ مسلماً فإن ظهر منه الكفر وترك الإسلام فهو مرتد أصيل يستتاب ويمهل، فإن لم يتب يعامل معاملة المرتدين من وجوب القتل إن كان ذكراً والحبس والضرب حتى الموت إن كان انثى، وذلك من عدة أوجه أساسية، منها: ان الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، ومنها أنه مَن وُلِد في دار الإسلام ولم يُعرف والده فهو مسلم، إذ حكم الإسلام يثبت ابتداء بطريق تبعية الدار عند الولادة ومن باب أولى إن بقي بدار الإسلام حتى بلغ أشده، وهذا أمر مسلّم متفق عليه في المذاهب الأربعة، وأما أدلة ذلك:
فأولاً: جاء في (ص93)ج10 من كتاب (المغني) لابن قدامة على مختصر الخرقي وهو حنبلي المذهب ما نصه:" فأما أولاد المرتد فإن كانوا ولدوا قبل الردة فإنهم محكوم بغسلامهم تبعاً لآبائهم ولا يتبعونهم في الردة لان الإسلام يعلو وقد تبعوهم فيه ولا يتبعونهم في الكفر ولا يجوز استرقاقهم صغاراً لأنهم مسلمون ولكباراً لأنهم إن ثبتوا على إسلامهم فهم مسلمون وإن كفروا فهم مرتدون حكمهم حكم آبائهم في الاستتابة". هذا رأي الحنابلة في ابن المرتد إن ولد قبل ارتداد ابيه، اما المالكية فيَرَون أن ابن المرتد المسلك حتى ولو ولد حال ردة أبيه ودليله هو:
ثانياً: فقد قال الشيخ أحمد الدردير ( في الشرح الكبير على خليل)ج4(ص305) في باب الردة:" وبقي ولده الصغير مسلماً ولو ولد في حالة ردة أبيه اي حكم بإسلامه ولا يتبعه، ويجبر على الإسلام إن أظهر خلافه، فإن تُرِك اي لم يطلع عليه حتى بلغ وأظهر خلاف الإسلام فيحكم عليه بالإسلام ويجبر عليه ولو بالسيف".
ثالثاً: - أما الأحناف، فقد جاء في (المبسوط) للسرخسي(ص37) في صدد الحديث عما إذا ارتد الزوجان معاً ثم ولدت الزوجة منه:" واما الولد فإن ولدته لأقل من ستة أشهر منذ يوم ان ارتد فله الميراث لأننا تيقنّا أنه كان موجوداً في بطن أمه حين كان الزوجان مسلمين فهو محكوم له بالإسلام ثم لا يصير مرتداً بردة الابوين ما بقي في دار الإسلام لأن حكم الإسلام يثبت ابتداء بطريق تبعية الدار فلأن يبقى فهو أولى به".
أما الشوافع ففي رأيهم جماع الآراءا لسابقة وأكثر، فقد جاء في (متن المنهاج) مع شرحه لابن حجر(ص98) وما بعدها:" وولد المرتد إن انعقد أي علق في بطن أمه قبل الردة و بعدها، وكان أحد أبويه من جهة الاب أو الأم وإن علا أو مات مسلماً فهو مسلم تغليباً للإسلام وإن كان أبواه مرتدين وفي أصوله مسلم فمسلم ايضاً لا يسترقّ، ويرثه قريبه المسلم، ولا يجوز عتقه عن الكفارات إن كان قنّا لبقاً، علقه الإسلام في أبويه، وفي قول وهو مرتد، وفي قول: هو كافر أصلاً لتولده بين كافرين ولك يباشرا غسلاماً حتى يغلظ عليه فيعامل معاملة ولد الحربي، إذ لا أمان له. نعم لا يقر بجزية لأن كفره لم يشند لشبهة دين كان حقاً قبل الإسلام وغلا ظهر أنه مرتد، وقطع به العراقيون، ونقل إمامهم القاضي أبو الطيب الاتفاق من أهل المذهب على كفره ولا يقتل حتى يبلغ ويمتنع عن الإسلام".
ومن ثم فلا حاجة فيما يثيره المدعي من أن وصف الردة لا ينطبق عليه لأنه لم يكن مسلماً ارتد عن الإسلام، إن أنه ولد لاب بهائي لا حجة في ذلك بعد أن ثبت أن البهائي مرتد وأن ابن المرتد إما أنه مسلم فإذا بلغ وأظهر غير الإسلام فيكون قد ارتد بعد البلوغ تجري في شأنه أحكام الردة من حيث وجوب القتل وبطلان التصرفات التي تعتمد الملة وأهمها الزواج، وإما أنه مرتد تبعاً لأبيه أو أبويه، ولكن لا يتقل إلا بعد البلوغ، وبعد أن يستتاب، فإن لم يتب تجري في شأنه أحكام الردة. ومن حيث أنه لا تزال في ذهن المدعي شبهة يجب أن تندفع، تلك هي أنه يحوم حول الذميين بحجة أنه صاحب دين يترك وما هو عليه وتستحق عليه الجزية فيكون زواجه صحيحاً في نظر الإسلام، وفاتَهُ أن أن الدين الذي يُقَرّ معتنقه عليه بالجزية هو الدين الذي كان حقاً قبل الإسلام كما سلف في (متن المنهاج وشرحه) لابن حجر، وأما ما تلا الإسلام من الادعاء بنزول دين جديد فزندقة وكفر، وتفصيل ذلك ما جاء في(المغني) لابن قدامة الحنبلي ص568 ج10 ما يلي:" الذين تقبل منهم الجزية صنفان: أهل كتاب ومن له شبهة كتاب. أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى ومن دانَ بدينهم، كالسامرة يدينون بالتوراة ويعملون بشريعة عيسى، وإنما خالفوهم في فروع دينهم. وفرق النصارى من اليعقوبية والنسطورية والملكية والفرنجة والروم والأرمن وغيرهم، ممن دان بالإنجيل وانتسب إلى عيسى عليه السلام، فكلهم من أهل الإنجيل، ومن عدا هؤلاء فكفار ليسوا من أهل الكتاب.
وأما الذين لهم شبهة كتاب فهم(المجوس) فقد روي عن علي بن أبي طالب قوله:" كان للمجوس علم يعلمونه وكتاب يدرسونه" ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب" كما جاء في (ص570) من المرجع نفسه:"إذا ثبت ذلك فإن أخذ الجزية من اهل الكتاب والمجوس ثابت بالإجماع من غير نكير ولا مخالف مع دلالة القرآن على أخذ الجزية من أهل الكتاب ودلالة السنة على أخذ الجزية من المجوس. وما روي من قول المغيرة لأهل فارس:"أمر نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية. وكذلك من حديث بريدة وعبد الرحمن بن عوف؛ ولا فرق بين كونهم عجماً أو عرباً".
ومن حيث إن المدعي لجأ في مذكرته الأخيرة إلى محاولة إيجاد سند آخر لدعواه فذهب إلى القول بأنه ليس من مصلحة العدالة تطبيق الشريعة الإسلامية على زواج المرتد في الوقت الذي تعطل فيه حكمها بقتل المرتد، غذ أن حكم الشريعة ببطلان زواج المرتد إن هو إلا فرع عن أصل هو استحقاق المرتد للقتل، أما وقد تعطل الأصل فلا وجود ولا بقاء للفرع.
ومن حيث أن هذا الذي يستحدثه المدعي مردود من عدة أوجه:
أولها: أن الطرفين قد احتكما إلى الشريعة الإسلامية في شان زواج البهائي وتصاولا في هذا المضمار وأدلى كل منهما بدلوهن وتركا إلى المحكمة أن تقضي فيما تماريا فيه.
وثانيهما: أن الشريعة الإسلامية هي الأصل لكل تقنين يصدر في هذه البلاد وكانت للمحاكم الشرعية في مصر زهاء ثلاثة عشر قرناً ولاية القضاء كاملة في جميع الأقضية على مختلف أنواعها من شخصية إلى مدنية إلى جناشية، إلى أن كانت الامتيازات الأجنبية التي بدات من السلطان منّة وفضلاً وانقلبت في آخر عهدها إلى أغلال وقيود تحدّ من سلطان الدولة ومن سيادة شريعتها، وقد زال هذا القيد وانفك هذا الغل بحمد الله.
صحيح أنه في أواخر القرن الماضي أنشئت المحاكم الوطنية التي أريد لها أن تمسى بالمحاكم النظامية أو الأهلية، كما انشئت المحاكم المختلطة غذا ذاك وأصدر ولي الأمر إذ ذاك قوانين وضعية لتطبق في تلك المحاكم وقد زالت المحاكم المختلطة وقوانينها بزوال الامتيازات الأحنبية وبقيتي المحاكم الوطنية بقوانينها، ولكن المقطوع بع أن ولي الأمر لم يقصد حين أصدر القوانين المدنية والجنائية وقوانين الإجراءات لكليهما، لم يقصد إلى مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية بل إنه بعد ان أعدّطنوبار باشا" رئيس الوزراء إذ ذاك تلك القوانين الوضعية بوساطة لجان كان معظمها من المشرعين الأجانب أو من الاجانب المتمصرين دفهع بها ولي الأمر قبل إصداره أمره الكريم بالعمل بها إلى شيخ الأزهر، وكان إذ ذاك الشيخ المنياوي وعرضت عليه الكثرة الغالبة منها 2277 مادة فاقرّ انها لا تخالف الشريعة الإسلامية، فهي إما نصوص توافق الشريعة الغراء تماماً أو نصوص توافق الراي الراجح بين فقهاء الشريعة او نصوص توافق الإسلام، ولكنها من قبيل المصالح المرسلة التي ترك الإسلام لأهله الاجتهاد فيها، كل مصر بحسب ظروف زمانه ومكانه كقوانين الإجراءات ومنها قانون المرافعات وقانون تحقيق الجنايات، وصحيح إلى جانب ذلك أن بعض مواد قانون العقوبات لم تعرض غلى هيثئة العلماء إذ ذاك وكل ما يترتب على ذلك من أثر أن تعكلت بعض الحدود الشرعية، فلمّا أن جاء الدستور وأكد تلك الحقيقة الواقعة وهي سيادة الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية، فنص في المادة 149 منه على أن الإسلام هو دين لدولة الرسمي، مما سيجئ الكلام عنه بعد فترة، ومن ثم يكون كل تقنين يعارض اصلاً اساسياً في شريعة الإسلام غير دستوري. هذا، وقد توقع بعض فقهاء الإسلام تعذر قتل المرتد لأي سبب كالهرب والاحتفاء عن الأعين، أو كونه خارج حدود الإسلام، أو كونه داخلها ولكن تحوطه قوة ومنعه يحسن معها التربص به إلى حين مباغتته، ولذلك قالوا: إن مناط قتل المرتد القدرة على ذلك، فقد وَرَد في( المغني )لابن قدامة موفق الدين على (مختصر الخرقي) عند الكلام على حكم بن المرتد:" ومتى قدر على الزوجين المرتدين أو على أولادهما استتيب منهم من كان بالغاً عاقلاً، ومن لم يتب قتل، ومن كان غير بالغ انتظرنا بلوغه، وينبغي أن يحبس حتى لا يهرب". هذا، وقد عُلِم أيضاً أن حد السرقة وهو قطع اليد قد عطّل عام المجاعة، وكان التعطيل في عهد عمر بن الخطاب وهو من أشد المسلمين تاستمساكاً بأحكام الشريعة، حتى أنه حين أمر بإقامة حد الخمر على ابنه، ولحظ أن منفِّذ الحد يترفق بابنه حتى لا يوجعه ثار وأبى إلا أن ينفذه فيه بشدة وعنف قضيا على حياة ابنه بين يديه. ولم يُعرف إذ ذاك ان تعطيل هذا القدر من الحدود للضرورة دعا إلى تعطيل بقية الحدود أو إلى تعطيل أحكام الشريعة الإسلامية التي هي أصل لذلك الفرع.
ومن حيث إن المدعي قد استند ضمن ما استند إليه في صحة دعواه إلى أن أحكام القانون الوضعي تحول دون تطبيق أحكام الردة كلياً أو جزئياً حيث نصّ الدستور وهو القانون الأصلي لكل القوانين في المادة 12 منه على( حرية الاعتقاد نطلقة) وذهب في تفسيرها إلى أنها حرية الاستمرار على عقيدة ما وحرية تغيير تلك العقيدة في أي وقت، لأن حرية تغيير العقيدة هي مظهر من المظاهر الاولية الاساسية لحرية الاعتقاد، وفي إبطال زواج من يغير عقيدته تقييد لتلك الحرية التي نصّ الدستور على أنها مطْلَقة.
ومن حيث إن هذا الذي يذهب إليه المدعي في تفسير هذه المادة هو على العكس تماماً مما قصد إليه واضعوها في لجنة الدستور.
والرجوع إلى الأعمال التحضيرية للدستور طبعة مصر سنة 1940(ص87 ج1) في شأن المادة 12 ونصها الحالي بالدستور(حرية الاعتقاد مطلقة) تجد صياغتها الأولى من لجنة وضع المبادئ العامة للدستور تجري على هذا النسق (حرية الاعتقاد الديني مطلقة فلجميع سكان مصر الحق في أن يقوموا بحرية تامة علانية أو غير علانية بشعائر اية ملة أو دين أو عقيدة مادامت هذه الشعائر لا تنافي النظام العام أو الآداب العامة). هكذا وضعتها اللجنة العامة في الدستور مسترشدة بمشروع كان قد أعده اللورد كرزون وزير خارجية إنجلترا إذ ذام للدستور المصري، ولا خفاء في أن النص لو بقي على حاله لكان من السَعَة والشمول بحيث لأمكن القول في ظله بما يقوله المدعي اليوم من أن إطلاق الدستور لحرية الاعتقاد الديني وكفالته لإقامة شعائر الاديان أيّـاًً كانت، لا الأديان المعترف لها إذ ذاك فحسب، وهي الأديان السماوية، وإنما شعائر أية ملة أو عقيدة أو دين، ولو كان مستحدثاً. هذا الإطلاق والشمول يمكِّن كل صاحب دين أن يخرج من دينه إلى أي دين آخر سواء أكان سماوياً أو غير ذلك معترفاً به من قبل أو مبتدعاً ولساغ له أيضاً أن يأتي هذا الامر مراراً وتكراراً غير ملقٍ بالاً إلى ما لهذه الفوضى من أثر ومساس بحقوق خطيرة كالغرث والنسب والزواج وبحقوق أخرى لا يملك أصحابها الدفاع عنها كالقُصَّر ومعدومي الأهلية، وكان ذلك دون أن يتحمل أية مسئولية مدنية أو جنائية، ولهذا نجد أن فضيلة الشيخ بخيت يقول في جلسة 15 أغسطس سنة1922:" أطلب تعديل المادة العاشرة- هكذا كان ترتيبها- من باب حقوق الأفراد لأنها بحالتها الحاضرة لايقرها دين من الاديان، ولأنها تؤدي إلى الفوضى والغخلال بالنظام، وأطلب أن يكون النص قاصراً على الاديان المعترف بها سواء أكانت سماوية أم غير سماوية، فلا يُسمح بإحداث دين جديد كأن يدّعي شخص مثلاً انه المهدي المنتظر ويأتي بشرع جديد". ولقد أيّد هذا الاقتراح نيافة الانبا يؤنس بقوله:" اقتراح الاستاذ مفيد، ولنا عليه دليل قريب فإن سرجيوس خرج عن دين المسيحية وشرع في استحداث دين جديد وطلب من الحكومة الترخيص له بذلك فرفضت". وهذا دليل على أنه لا يمكن الترخيص لغير الأديان المعترف بها". كما نجد ايضاً الشيخ محمد خيرت راضي بك قد اقترح حذف كلمة(الديني) من الفقرة الاولى فتصبح حرية الاعتقاد مطلقة، وشرح اقتراحه بقوله:" وبغير ذلك يباح لكل شخص أن يترك دينه ويعتنق ديناً ىخر دون أن يتحمل مسئولية ذلك من جزاء مدني وغير مدني، مع أنه لا نزاع في أنه يترتب على تغيير الدين نتائج هامة في الميراث وغيره، ويكفي أن يكفل النص حرية الاعتقاد، ولأن هذا هو كل الغرض المقصود من المادة على ما أعتقد. أما الفقرة الثانية من المادة فقد جعلت إقامة الشعائر الدينية مطلقة من كل قيد وهو يؤدي إلى الإخلال بالنظام".
وهنا تساءل غبراهيم الهلباوي بك في حالة إذا ما أُخِذ بالاقتراح الاخير وأصبحت الفقرة الأولى( حرية الاعتقاد مطلقة ) عن اي اعتقاد يقصد المقترح وهل يدخل فيه الاعتقاد الديني أو"لا". فرد فضيلة الشيخ بخيت بقول:" الاعتقاد شيءُ والدين شيء آخر، فالمسلمون افترقوا إلى ثلاث وسبعين فرقة لكل فرقة اعتقاد خاص، مع أن لهم ديناً واحداً". صحيح أن جلسة 15 أغسطس سنة 1922 انتهت بموافقة أغلبية الحاضرين من لجنة الدستور على الإبقاء على النص الأصلي الذي أعدته لجنة وضع المبادئ العامة، إلا أن ذلك كان عقب ما قرره حضرة عبد العزيز باشا فهمي، حيث قال:" ألفِتُ نظر اللجنة إلى أن هذا النص مأخوذ بحروفه من مشروع اللورد كرزون. وقد اتفقنا على أن نأخذ هذه النصوص في دستورنا حتى لا نُرغَم على وضعها عند المفاوضات". وهذا واضح الدلالة على أن لجنة الدستور لم تكن مختارة حين قبلت أغلبيتها هذا النص بل كان مفروضاً عليها، ورغم ذلك، ورغم تلك السلطة الأجنبية الغالبة استطاعت الاتصالات خارج اللجنة إلى تعديل المادة على النحو الذي اقترحه الشيخ خيرت راضي، وكان ذلك بعد فترة، وفي جلسة 28 أغسطس سنة1922 حيث قال فضيلة الشيخ بخيت:"حسماً للنزاع الي قام بشأن المبدأ الخاص بحرية الأديان أقترح أن تحذف كلمة (الديني) من صدر المادة لتكون: حرية الاعتقاد مطلقة، بدلاً من حرية الاعتقاد الديني مطلقة". ومفاد ذلك في ضوء المناقشات التي جرت حين قدّم هذا الاقتراح لأول مرة في الجلسة السابقة على لسان الشيخ محمد خيرت راضي بك ان قصر عبارة المادة على حرية الاعتقاد ومع حذف كلمة(الديني) مقصود منه ما قرره الشيخ بخيت من أن الاعتقاد شيء والدين شيء آخر، واصبح النص بحاله يحمي المسلم الذي يُغَيِّير مذهبه من شافعي إلى حنفي مثلاً، والمسلم الذي يترك فرقة الشيعة وينضم إلى فرقة أهل السنة أو فرقة الخوارج أو المعتزلة، كما يحمي النص المسيحي الذي يدع الكثلكة ويتمذهب بالبروتستانت، ولكنه لا يحمي المسلم الذي لا يرتد عن دينه من أن يتحمل مسئولية تلك الردة مدنية كانت أم غير مدنية، كما لا يبيح لأي شخص أن يدعي أنه المسيح نزل إلى الأرض أو المهدي المنتظر، أو أنه رسول جديد يهبط عليه الوحي من السماء، أو أنه صاحب كتاب سماوي، غذ لا حماية لها المدعي من الدستور بحسب النص الجديد للمادة 12 منه.
ومن حيث أنه يزيد هذا الامر جلاءً ووضوحاً ما نص عليه الدستور في المادة 149 من أن الإسلم دين الدولة الرسمي، فعبارة مطلقة كهذه تقطع بأن أحكام الإسلام لها السيادة التامة في هذه البلاد ترفع كل ما يعترضها وتزيله، وكل تشريع يصدر مناقضاً لها يكون غير دستوري ويؤيد هذا الرأي التاريخ التشريعي لهذه المادة وذلك أنه في جلسة 3 من مايو سنة 1922 وضعت لجنة المبادئ العامة للدستور هذا النص بناءً على اقتراح من فضيلة الشيخ بخيت:" أريد أن أعرض بعض قواعد تضاف إلى أحكام الدستور فأطلب أولاً أن ينص على أن الدين الرسمي للدولة المصرية الإسلام، فاقترح دولة حسين رشدي باشا أخذ الآراء على هذا الاقتراح، فووفِقَ عليه بالإجماع دون أي اعتراض او تعليق، ثم تكررت تلاوته وتكررت الموافقة الإجماعية في أربع جلسات متتالية، وهذا النص من الإطلاق والشمول والعموم بحيث لا يسمح باي مدخل لريبة المستريب أو لظن المتظنن المسرف. ولا مقنع فيما ساقه المدعي تعليقاً على هذه المادة من أن لا يقصد منها التدخل في ديانات ومعتقدات الافراد الشخصية بعد ما سلف غبداؤه ولا ما يقوله المدعي من أن ما قصد إليه واضع الدستور وعناه هو الرسميات التي تتعلق بالدولة كشخص معنوي، غذ أن ذلك أقرب إلى الهزل منه إلى الجد الذي يُعنى به في مقام الرد.
ومن حيث إنه متى تقرر ذلك كانت أحكام الردة في شأن البهائيين واجبة التطبيق جملة وتفصيلاً بأصولها وفروعها، ولا يغير من هذا النظر كون قانون العقوبات الحالي لا ينص على إعدام المرتد وليتحمل المرتد(البهائي) على الاقل بطلان زواجه إطلاقاً مادامت بالبلد جهات قضائية لها ولاية القضاء بهذا البطلان بصفة أصلية أو بصفة تبعية، كما ولا يغيِّر من هذا النظر أيضاً نص المادة 13 من الدستور وهو:" تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في الديار المصرية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب" وواضح أن وضع هذا النص بدلاً من الفقرة الثانية للمادة السابعة في المشروع الأصلي وفي مشروع كرزون وهو:" ولجميع سكان مصر الحق في أن يقوموا بحرية تامة، علانية أو غير علانية، بشعائر اية ملة أو دين أو عقيدة أو مذهب"، وذلك بعد المناقشات التي أشرنا إليهاز كل ذلك واضح الدلالة على الأخذ بفكرة المعارض من رجال الأديان، إذ ذلك وعلى شعائر العقائد على أنه فروع وفِرَق لتلك الاديان المعترف بها من قبل، وقد كان ذلم بالعاجات المرعية في الديار المصرية وبشرط عدم الإخلال بالنظام والآداب.
ومن حيث إنه تقرر أن الدستور لا يحمي تلك المذاهب المبتدعة التي تحاول أن ترقى بنفسها إلى مصاف الأديان السماوية والتي لا تعدو أن تكون زندقة وإلحادً، فالمحكمة تهيب بالحكومة أن تاخذ للأمر أهبته بما يستأهله من حزم وعزم لتقضي على الفتنة في مهدها، لأن تلك المذاهب العصرية مهما تسللت في رفق وهوادة وفي غفلة من الجميع متخذة من التشدق بالحرية والسلام، ومن تمجيدها لبعض الأديان ستراً لما تخفيه من زيغ وضلال، فإنها لا تلبث أن يُعرف أمرها وينطشف سترها، وقد تكون استمالت إليها الكثيرين من الجهلة والسذَّج، وهنالك قد تثور نفوس المؤمنين حفظاً لدينهم واستجابة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها وتكون هي الفتنة بعينها، التي قصد الدستور وقاية النظام العام من شرورها.
ومن حيث إن المدعي اختتم دفاعه في مذكرته الأخيرة بطرح مسألة أخيرة لبحث الدعوى منها، تلك هي ما سماه ارتباطات مصر الدولية، وحجته في ذلك أن مصر قد وقَّعت ميثاق الأمم المتحدة فهي مرتبطة بأنظمتها، وقد أقرت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة عام 1948 حقوق الإنسان، وجاء بالمادة 18 منه:" لكل إنسان الحق في حرية الفكر والضمير والدين". وهذا الحق يوليه الحرية في تغيير دينه أو معتقده، ويولِيه كذلك الحرية في الإعراب عنهما بالتكلم والممارسة والعبادة وإقامة الشعائر الدينية. وخلص من ذلك إلى القول بإلزام مصر باتباع ذلك كله. وقدَّم المدعي نسخة مما أقرته الجمعية العمومية للهيئة في هذا الشأن يبين منها أنه إعلان للعالم ودعوة إلى جميع الدول سواء المشتركة في الهيئة وغير المشتركة، وقد أذيع هذا الإعلان بموافقة الجمعية العمومية بغية العمل على تَبَنِّيه وعرضه وقراءته وشرحه، وعلى الأخص بالمدارس حتى يمكن التسليم بصلاحية هذه المبادئ والعمل تدريجياً على الغيمان بها، فلد تدَّع الهيئة التي أصدرته أنه ملزم للدول الأعضاء، وما كانت لتستطيع أن تدَّعي ذلك، وليس له بمصر أية قوة ملزمة ما لم يصدر بأحكامه ومبادئه قانون من السلطة التشريعية المحلية، على أن بعض مبادئ هذا الإعلان غير مطبقة في الولايات المتحدة وبها المقر الدائم لتلك الهيئة العالمية، مثال ذلك أن المادة الثانية من الإعلان تنص على أن: " لكل إنسان جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين". والتمييز بسبب اللون في أمريكا أمر معروف بلغ التشدد فيه حداً أُهدِرَت معه جُل حقوق الملوَّنين. أما المساواة الحقة وخير ما كُرِّم به بني الإنسان من نَصَفة وحرية، فقد أتى به الإسلام منذ نيَّف وثلاثة عشر قرناً من غير ما نظر إلى جنس أو لون أو عصبية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13 ، وقال صلى الله عليه وسلم: " لافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي راسه كالزبيبة" صدق رسول الله صلى الله وسلم.
ومن حيث إنه لكل ما لف تكون دعوى المدعي بجميع اسسها من جميع نواحيها ساقطة منهارة، لاسند لها من قانون أو واقع حقيقة بالرفض.
لهذا:
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وإلزام المدعي بمصروفاتها، ومبلغ(300) قرش مقابل أتعاب المحاماة. في 11/6/1952م
و" صدر في مصر القانون رقم 263 لسنة 1960، الذي قضى بحظر وتحريم النشاط البهائي. وقد جرى تسليم دار البهائيين في العباسية بالقاهرة التي يعلوها الهيكل المقدس-وهو مثمن الاضلاع- إلى جمعية المحافظة على القرآن. وحوَّلت الجمعية هذه الدار منذ عام 1960 إلى مقر رئيسي لها، ومركز للدراسات القرآنية".
ومن جملة ما صدر من أحكام تقضي بخروج البهائية عن اي دين نذكر الحكم الصادر عن محكمة القاهرة في القضية رقم 118 لسنة 1975، الذي جاء فيه:" إن البهائية ليست من الأديات المعترف بها، فعقد زواج البهائي باطل في نظر الشريعة الإسلامية، لأنه يشترط في عقد الزواج أن يكون للزواج ملة يُقرَن بها".
النص الكامل
لحكم مجلس الدولة المصري
محكمة القضاء الإداري
الدائرة الرابعة (1)
المشكّلة علناً تحت رئاسة حضرة صاحب العزة علي علي منصور بك رئيس المحكمة، وبعضوية صاحبي العزة عبد العزيز الببلاوي بك وحسن أبو علم بك المستشارين وحضرة سيد خلف الله أفندي سكرتير المحكمة.
أصدرت الحكم الآتي:
في القضية المقيدة بالجدول العمومي رقم 195 سنة 4 قضائية المقامة في مصطفى كامل علي عبد الله.
وحضر عنه بالجلسة حضرة الأستاذ سعد الفيشاوي المحامي، والأستاذ سابا حبشي باشا المحامي.
ضد:
المواصلات، وحضر عنها بالجلسة حضرة الأستاذ جلال الدين عبد الحميد المحامي بإدارة قضايا الحكومة.
الوقائع:
أقام المدعي هذه الدعوى بصحيفة موقع عليها من سابا حبشي المحامي أودعها هي والمذكرة الشارحة وحافظة مستندات في 19 يناير من 1950، طلب فيها تعديل راتبه بجعله 100م 12 ج بدلاً من 100م 11ج اعتباراً من مارس سنة 1947 وبجعله 150م13ج اعتباراً من أول يناير سنة1948 مع إلزام المدعي عليها بصرف الفرق المتجمد حتى رفع الدعوى وقدره 483م 56ج وما يستجد حتى تاريخ الحكم في الدعوى مع المصروفات ومقابل الأتعاب وحفظ الحقوق الأخرى كافة. وقال بياناً لدعواه: إنه بعد أن رسب في امتحان شهادة الدراسة الثانوية، قسم ثان، عام 1933، قعدت به ظروفه عن متابعة الدراسة فالتحق بخدمة السكة الحديد سنة 1934 بوظيفة تلميذ بضائع بالمياومة ثم رقي إلى مساعد مخزن وإلى تذكرجي بدل، ولمّا كان الإنصاف عام 1944 بلغ راتبه ثمانية جنيهات، وبعد صرف علاوتين دوريتين بلغ راتبه تسعة جنيهات عدا علاوة الغلاء، وقد تزوج في 25 من مارس سنة 1947م وطلب إلى المصلحة منحه العلاوة المستحقة بسبب الزواج( العلاوة الاجتماعية) وقدرها 1 جنيه شهرياً فلم تجبه إلى طلبه، ثم رزق بولد في أول يناير سنة 1948 م وطالب بفرق علاوة الغلاء 42% من أصل الراتب شهرياً بدلاً من 28% فلم يجب إلى طلبه أيضا، فاضطر إلى رفع الدعوى الحالية وقدم تأييدا لدعواه صورة شمسية لعقد زواج مؤرخ في 21/3/1947م وقال إن الوثيقة الأصلية قدمت إلى مصلحة السكة الحديد، وهذا العقد عبارة عن وثيقة عقد زواج صدر من المحفل الروحاني المركزي للبهائيين بالقطر المصري موثق بتاريخ 20 مارس سنة 1947م الموافق يوم الاستجلال من شهر العلا سنة 103 بهائية بمدينة الإسماعيلية بحظيرة القدس حيث جرى عقد الزواج بين مصطفى كامل عبد الله البالغ من العمر 34 سنة والآنسة بهيجة خليل عياد البالغة من العمر 17 سنة على صداق قدره تسعة عشر مثقالاً من الذهب الإبريز، وتم العقد طبقاً لأحكام الشريعة البهائية وموقع عليه من الزوج ومن والده ووالدته، ومن الزوجة ومن رئيس المحفل الروحاني وسكرتيره ومختوم بخاتم المحفل وأعلى الوثيقة عبارة قوله تبارك وتعالى في كتابه الأقدس:" تزوجوا يا قوم ليظهر منكم من يذكرني بين عبادي هذا من أمري عليكم اتخذوه لأنفسكم معيناً". أما شهادة ميلاد الطفل نبيل، فهي عبارة عن مستخرج من وزارة الصحة العمومية، يفيد ولادة في أول يناير سنة 1948 والتطعيم ضد الجدري. وفي 6/3/1949 ندب حضرة صاحب العزة على علي منصور المستشار لوضع التقرير في الدعوى ولم تكن الحكومة قد قدمت دفاعاً في الموعد القانوني فكلفها حضرة المستشار لمقرر إيداع مذكرة بدفاعها ومستنداتها وملف الخدمة مع تبادل الرد والتعقيب، وانقضى الموعد لتقديم دفاع الحكومة دون دفاع منها فكلفها ذلك بقرار آخر للمرة الثالثة.
أودعت الحكومة مذكرة بدفاعها في 11 من يونيو سنة 1950 قائلة: إن المدعي حين تقدم بعقد زواجه على المذهب البهائي ألفَتْهُ مصلحة السكة الحديد عقداً غريباً لم يسبق له مثيل فطلبت الفتيا في شأنه عن مستشار الدولة الذي أرسل العقد بدوره إلى مفتي الديار المصرية مستوضحاً عن شرعية ذلك الزواج، وما يترتب عليه من آثار، فأفتى فضيلة المفتي بأنه إذا كان المدعي قد اعتنق مذهب البهائيين بعد أن كان مسلماً اعتبر مرتداً عن الإسلام تجري عليه أحكام المرتدين، وكان زواجه بمحفل البهائيين بمن تزوج بها زواجاً باطلاً شرعاً سواء أكان من زوجة بهائية أم غير بهائية، ولا خفاء في أن عقائد البهائيين وتعاليمهم عقائد غير إسلامية يخرج بها معتنقها من ربقة الإسلام، وقد سبق الإفتاء بكفر البهائيين ومعاملتهم معاملة المرتدين، وأضاف الدفاع عن الحكومة أن من عقائد البهائيين الفاسدة:" أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس آخر الأنبياء والرسل، وان الناس لن يبعثوا بصورهم الدنيوية، بل بأرواحهم أو بصور أخرى، غلى غير ذلك مما يتنافى مع عقائد الإسلام الأساسية، وانتهى إلى أن الزواج باطل لا يترتب عليه أي حق، فلا حق له إذاً في المطالبة بالعلاوة الاجتماعية للزواج ولا بإعانة الغلاء بسبب ولادة الطفل، لأن الباطل لا ينتج إلا باطلاً، وشفعت الحكومة دفاعاً بحافظة مستندات بها صورة من فتيا مفتي الديار المصرية وكذا ملف خدمة المدعي.
عقّب المدعي على دفاع الحكومة بمذكرة أودعها في أول يوليه سنة 1950 قال فيها: إن مقطع النزاع في معرفة حكم زواج البهائيين من الناحيتين الشرعية والوضعية؛ وقدم للإجابة على هذا السؤال بموجز عن عقائد البهائيين الأساسية والروح التي تصدر عنها مستنداً إلى مجموعة من كتبهم ونشراتهم قدّمها بحافظة، وأشار إلى انتشار المذهب وسمّاه ديناً، في أكثر من مائة قطر، وإلى أن هيئة الأمم المتحدة اعترفت بالبهائيين كمنظمة عالمية غير حكومية، وإلى أن البهائية بدأت في مصر منذ مائة عام وأصبح عدد معتنقيها يزيد عن الألف أسرة، واستطرد الدفاع عن المدعي إلى القول بأنه لا يتعرض لفتيا المفتي بكفر البهائيين، ولا بأن من كان مسلماً وأصبح بهائياً يعتبر مرتداً، فحكم المرتد في الشريعة الإسلامية أن يقتل وحكم المرتدة أن تحبس، أما زواج المرتد والمرتدة فلم يتعرض لبحثه فقيه من فقهاء الإسلام، وإنما يمكن قياسه بزواج الذميين، والذميون عند الحنفية هم المجوس والكتابيون، إذ المرتد لا يخرج من أن يكون وثنياً أو كتابياً. ومن المعلوم أن ركن الزواج في الإسلام الإيجاب والقبول، وشرط صحته حضور الشاهدين، وان تكون المرأة محلاً للعقد بأن تكون غير محرمة على الرجل حرمة مؤقتة أو مؤبدة. وانتهى المدعي إلى القول بأن كل نكاح كان صحيحاً عند المسلمين لاستيفائه شروط الصحة فهو صحيح عند الذميين، وارتكن في ذلك إلى رأي الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الأحوال الشخصية قسم الزواج ص 252، وأيد بما تحدث به الفقهاء عن أحكام التوريث في مثل الذميين، مشيراً إلى المرجع السابق ص 190 بند 148، ثم انتقل الدفاع عن المدعي إلى التشريع الوضعي فقال: إن المادة 12 من الدستور تقول:"حرية الاعتقاد مطلقة"
وحَوَت حافظة المدعي الثانية كتابا لأقدس ونشرة من البهائية وبياناً بهائياً في التزامات وحقوق الإنسان مقدماً إلى لجنة حقوق الإنسان بهيئة الأمم المتحدة فأحالته إلى قسم حقوق الإنسان دون إشارة إلى الاعتراف بالبهائية، كما قال المدعي فيما سَلَف، وقانون الأحوال الشخصية على مقتضى الشريعة البهائية ودستور المحفل الروحاني المركزي بالقطر المصري وإحصائية عن البهائية في العالم وكتاب ( موعود كل الأزمنة) تأليف" جورج تاوزند" وترجمة بهية فرج الله الكرديـ وذلك بياناً للعقيدة البهائية.
طلبت الحكومة مهلة للرد على دفاع المدعي الأخير، على أن يكون الأجل واسعاً حتى يتيسر الرجوع غلى دار الإفتاء الشرعي، فأعطيت المهلة، ولمّا لم تقدم شيئاً قرر حضرة المستشار المقرر تحديد جلسة 22/5/1951 لمناقشة الطرفين. وفي جلسة المناقشة نبّه الطرفين إلى حكم الشريعة الإسلامية في زواج المرتد بمناسبة ما أثاره دفاع المدعي من أن فقهاء الإسلام لم يتحدثوا عن زواج المرتد وأشار إلى كثير من الأدلة من جميع المذاهب وأشار إلى أماكن النقل في (السرخسي) و(البدائع) للكسائي و(الهداية) لبرهان الدين و( الدر المختار) للحصفكي و (البحر الرائق) لأبي حنيفة، و(الزيلعي) و(المغني) لابن قدامة الحنبلي وتعليق العلامة الكمال بن الهمام و(صاحب الشرح الكبير)، وخلاصة البحث أن أئمة الإسلام وفقهاءه على إجماع في بطلان زواج المرتد وإن اختلف بعضهم في التعرُّفات الأخرى غير النكاح، فقال البعض القليل بأنها موقوفة، فإن أسلم حكم بصحتها وإلا فلا، وحاصل الحكم ومبناه عند أولئك الفقهاء ( أن من يتزوج مرتدة ولا مسلمة ولا كافرة أصلية، لأن النكاح يعتمد الملة، ولا ملة للمرتد فإنه الحكم من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المرتد مستحق القتل، وإنما يمهل أياماً ليتأمل فيما عرض له وقام في ذهنه من شبهة فلا يصح منه عقد النكاح، لأنه لا حياة له حكماً، واشتغاله بعقد النكاح يشغله عما أُمْهِل من أجله وهو التأمل والتدبر.
ثانيها: أن النكاح مشروع لمعنى البقاء-بقاء النسل- وهو لم يشرع لعينه، وإنما شرع لمصالحه، والمرتد مستحق للقتل، فكل ما كان سبباً للبقاء فهو غير مشروع في حقه.
ثالثهما:أن الردة لو اعترضت على النكاح لرفعته، فإذا قارنته تمنعه من الوجود من باب أولى كالرضاع، لأن المنع أسهل من الرفع، فوعد محامو الطرفين ببحث هذه المسألة، وقدّم الدفاع عن الحكومة في جلسة المناقشة صورة أخرى مؤرخة في 3 سبتمبر سنة 1949 وقت أن كان شيخ الأزهر الحالي رئيساً للفتوى- الشيخ عبد المجيد سليم- جاء فيها:" إن البهائية فرقة ليست من فرق المسلمين، إذ أن مذهبهم يناقض أصول الدين وعقائده التي لا يكون المرء مسلماً إلا بالإيمان بها جميعاً بل هو مذهب مخالف لسائر الملل السماوية، ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج بواحد من هذه الفرقة، وزواج المسلمة باطل، بل إن اعتنق مذهبهم من بعد ما كان مسلماً مرتداً من دين الإسلام فلا يجوز زواجه مطلقاً ولو ببهائية مثله".
وأثناء المناقشة طلب حضرة المستشار المقرر إلى الطرفين استيفاء البحث في النقطة الآتية، وهي أن الدستور في المادة 149 ينص على أن الإسلام دين الدولة الرسمي، كما ينص في المادة 12 منه على أن حرية الاعتقاد مطلقة، فكيف يمكن إعمال النصين معاً، وما مجال تطبيق كل منهما وأثر ذلك على الدعوى الحالية؟- لم تقدم الحكومة شيئاً، وعقّب المدعي بمذكرة أودعها في 12 من يونيو سنة 1952 قال فيها: إنه ليس للحكومة أن تتمسك بتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية في هذا الزواج، غذ المعلوم أن أحكام الشريعة الإسلامية غير مطبقة في الوقت الحاضر، والحكم الواجب التطبيق هو حكم الدستور، الذي يقضي بحيرة الاعتقاد وبإطلاقها، على أن الحكومة قد صرفت للمدعي علاوة غلاء المعيشة الخاصة بالابن وهو ثمرة الزواج فكأنها تعترف بالبنوة وتنكر الزوجية ثم صمم على طلباته في شأن تعديل مرتّبه اعتباراً من 21 مارس سنة 1947 بجعله 100م 12ج شهرياً بدلاً من 100م 11ج واعتباراً من أول يناير سنة 1948 بجعله 150م13ج. ثم عدّل طلباته في شأن المرتد فقصره على فرق العلاوة الاجتماعية عن الزواج حتى تاريخ رفع الدعوى وقدره 666م 32 ج مع ما يستجد حتى الحكم في الدعوى مع المصروفات ومقابل الأتعاب، ولم يعقب الدفاع عن الحكومة على مذكرة المدعي الأخيرة.
وبعد وضع التقرير في الدعوى عيِّن لنظرها جلسة 26 نوفمبر سنة 1951، وفيها تلا حضرة المستشار المقرر التقرير وسُمعت ملاحظات محامي الطرفين فقال الحاضر على المدعي:" إن البهائية دين يعتقد وحدانية الله شأنه في ذلك شأن جميع الأديان السماوية، ويعتقد برسالة الرسل أجمعين: موسى وعيسى ومحمد، ويعتقد أن بهاء الله الذي نادى بهذا الدين من المرسلين، هذان هما الركنان الأساسيان للعقيدة الوحدانية والرسل ومنهم بهاء الله". وأضاف محامي الحكومة: إن البهائيين كانوا على دين الإسلام وتطورت أفكارهم فقالوا إن القرآن ليس آخر الكتب السماوية، و"محمد" صلى الله عليه وسلم ليس آخر الأنبياء والرسل، بل يجب لكل عصر أن يأتي نبي جديد بتعاليم جديدة تتفق مع روح العصر، وتعاليم كتاب البهائيين تخالف ما جاء به الدين المعمول به في الدولة- الإسلام- فهم مرتدون ومخالفون للقواعد الأساسية للإسلام.
وعقب محامي المدعي على ذلك أن المدعي بهائياً أباً وأماً، وكذلك الزوجة، فناقشته المحكمة مستوضحة عن حكم الشريعة الإسلامية في ابن المرتد إذا كان أبوه أو جده مرتداً، فطلب تأجيل نظر الدعوى ليبحث في هذه النقطة
وغيرها مما اثأر في الجلسة. فتقرر تأجيل الدعوى لجلسة 21 من يناير سنة 1952 مع الترخيص للطرفين في تبادل المذكرات المكملة وفيها طلب الحاضر عن المدعي أجلاً آخر لاستكمال البحث، وقدّم حافظة مستندات بها شهادة مؤرخة من يناير سنة 1952من سكرتير المحفل الروحاني المركزي للبهائيين بمصر والسودان، ورد بها:"نقرر أنه بالاطلاع على سجلات المحفل تبين أن علي أفندي عبد الله- والد المدعي- مفيد بهذه السجلات الممسوكة منذ عام 1929م كأحد أفراد الطائفة البهائية بمصر" وشهادة أخرى بنفس النص عن خليل عياد أفندي والد زوجة المدعي السيدة بهيجة، ثم قررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 10 من مارس سنة 1952 بطلب الحاضر عن المدعي، وفيها قدم الحاضر عن المدعي مذكرة وطلب التأجيل مرة أخرى للاستعداد، ولم يمانع ممثل الحكومة، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 14 من أبريل سنة 1952 ليستعد محامي المدعي ولتردّ الحكومة على مذكرته الأخيرة. وفيها سمعت ملاحظات محامي الطرفين من جديد، فقال محامي المدعي: إن دفاعه يقوم على أسس ثلاث كما هو واضح في مذكرته الأخيرة:
أولها: أن حكم الشريعة الإسلامية بقتل المرتد وحبس المرتدة غير مطبّق، والقول ببطلان زواج المرتد على المدعي، هذا إذا كان وصف الردة ينطبق على المدعي.
ثانيها: أن الواقع غير ذلك، إذ أنه لم يكن مسلماً وارتد عن الإسلام، بل إنه بهائي أصلاً ولد لأب بهائي، وكلك زوجته ولدت لأب بهائي، ودلل على ذلك بالشهادتين الصادرتين من محفل البهائيين والمقدمتين بالجلسة السابقة.
وثالثها: أن أحكام القانون الوضعي الحالي"الدستور" وارتباطات مصر الدولية تمنع من تطبيق أحكام الردة كلياً وجزئياً، فقد نصت المادة 18 من حقوق الإنسان التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة، ومصر عضو فيها، على أن لكل إنسان الحق في حرية الضمير والتعبير والدين، مادامت مصر قد انضمت لهيئة الأمم المتحدة فهي مرتبطة بنظمها وملزمة بها، كما أشار إلى أن الحكومة قد سلّمت بحقه في صرف إعانة الغلاء عن الولد الذي وُلِد له وصرفت متجمدها ، فردّ الحاضر عنها أنه إن صح ذلك فإعانة الولد لإقرار الوالد بنسبه دون بحث في شرعية الزواج ذاته، وأضاف: إن البهائيين مرتدون عن الإسلام كفرقة حتى ولو ولد المدعي لأب بهائي فهو مرتد، ثم قررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة 2 من مايو سنة 1952 مع الترخيص للطرفين بتبادل مذكرات مكملة في مدى شهر يبدأها المدعي فلم يقدم أحد منهما شيئا.
المحكمة:
بعد تلاوة التقرير وسماع ملاحظات محامي الطرفين، وبعد الاطلاع على ملف الدعوى وأوراقها، وبعد المداولة:
ومن حيث إنه يبين من مساق الواقعات على نحو ما سلف أنه لا خلاف بين الطرفين في أن المدعي بهائي النحلة، وأنه تزوج وفقاً لأحكام الشريعة البهائية في 20 مارس 1947 وأنه كان ثمرة هذه الزيجة ولده نبيل، حيث ولد في أول يناير سنة 1948 وأنه موظف بمصلحة السكة الحديد بوظيفة تذكرجي براتب شهري قدره 9 جنيهات، وانه من بين قرارات مجلس الوزراء في عام 1944 منح علاوة اجتماعية قدرها جنيه مصري واحد شهرياً لكل موظف متزوج، وعلاوة لغلاء المعيشة تزداد كلما زادت أعباء الموظف العائلية فهي لمثل حالة المدعي قبل الذرية28% من الراتب وتصبح بعد الولد الأول 42% لا خلاف على ذلك كله وإنما الخلاف ينحصر بين طرفي النزاع في معرفة قيمة هذا الزواج البهائي من الناحية القانونية والشرعية، إذ في ذلك القول الفصل فيما إذا كان المدعي مستحقاً لهذه العلاوة أم لا.
ومن حيث إن الحكومة تذهب إلى هذا الزواج باطل لا يُنتِج إلا باطلاً مستندة إلى ما أفتى به مفتي الديار المصرية في 13/4/1950 في شأنه حيث قال:" إذا كان المدعي قد اعتنق مذهب البهائيين بعد أن كان مسلماً اعتبر مرتداً عن الإسلام تجري عليه أحكام المرتدين، وكان زواجه بمحفل البهائيين بمن تزوج بها زواجاً باطلاً شرعاً سواء أكان من زوجة بهائية أم غير بهائية"، ولا خفاء في أن عقائد البهائيين وتعاليمهم غير إسلامية يخرج بها معتنقها عن ربقة الإسلام وقد سبق الإفتاء بكفر البهائيين، ومعاملتهم معاملة المرتدين، كما استندت أيضاً غلى فتيا أخرى صادرة في 3 من سبتمبر سنة 1949 وقت أن كان شيخ الأزهر الحالي فضيلة الشيخ/ عبد المجيد سليم رئيساً للجنة الفتوى جاء بها:" إن البهائية فرقة ليست من فرق المسلمين إذ أن مذهبهم يناقض أصول الدين وعقائده التي لا يكون المرء مسلماً إلا بالإيمان بها جميعاً بل هو مذهب مخالف سائر الملل السماوية ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج بواحد من هذه الفرقة، وزواج المسلمة باطل، بما أن من اعتنق مذهبهم من بعد ما كان مسلماً صار مرتداً عن دين الإسلام ولا يجوز زواجه مطلقاً ولو ببهائية مثله".
ومن حيث إن هذا الذي ورد في الفتيا من أن تعاليم البهائية تناقض أصول الدين الإسلامي وعقائده وتخرج معتنقها عن حظيرة الإسلام، ومن أن البهائية مذهب مخالف لسائر الملل السماوية أمرٌ قد استظهرته المحكمة من أقوال الدفاع عن المدعي ومن المستندات التي قدمها هو بنفسه، وآية ذلك:
أولاً- ما ثبت عن لسان محامي المدعي في محضر جلسة 26 من نوفمبر سنة 1951 حيث قال: "إن البهائية دين يعتقد في وحدانية الله، ويعتقد أن بهاء الله الذي نادى بهذا الدين من المرسلين، هذان هما الركنان الأساسيان لعقيدة الوحدانية والرسل ومنهم بهاء الله".
ثانياً- قول البهائيين إن رسولين معينين بلّغا هذا الدين إلى أهل الأرض بعد أن مُحِيَ الدين الإسلامي وأصبح غير صالح لمسايرة التطور الذي وصلته البشرية في العصور الحديثة، وهما:" ميرزا علي محمد" الذي أعلن دعوته عام 1844 بإيران، ومن هذه السنة يبدأ البهائيون تاريخهم وكان لقبه المقدس( الباب) وكانت غايته إعداد الناس لقدوم (بهاء الله) أي التبشيري بقدومه.
ويقولون إنه رسول وأن رسالته كانت تحضيرية" هذا واضح في صحيفتهم 111 من كتاب (موعود كل الأزمنة)، تأليف جورج تاوزند، وهو أحد رجال الكنيسة بأيرلندا والنسخة المقدمة نقلتها إلى العربية بهية فرج الله، ومطبوعة سنة 1946 مقدمة من المدعي بحافظة مستندات وقد طبع الكتاب بإجازة المحفل الروحاني البهائي مصر والسودان، واحتفظ بحقوق الطبع لهذا المحفل ". وقد جاء في الصحيفة 119 من الكتاب نفسه:"وكان مؤثر في إيمان البابيين الأُوَل للباب هو الإخلاص لشخصه، والإيمان الراسخ بنبوته" وجاء في الصحيفة نفسها " ولقد اثبت أولئك الذين تزعموا الإسلام أنهم عاجزون عجزاً مخزياً عن إدراك عظمته والاعتراف بصحة رسالته.. وعمل علماء الإسلام على تفسير تعاليم رسولهم محورين إياها حتى تلائم أغراضهم.. وتمكن علماء الدين الإسلامي من أن يزاولوا باسم نبيهم أهواءهم الدنسة.. وقد تحدت إصلاحات الباب زيغ العصر ونفاقه".وفي الصحيفة 139 ورد: "فقد كان للباب منزلة مستقلة كرسول عظيم قائم بذاته يوحى إليه من العلي القدير"، وجاء بها أيضا: " أنه جاء لإعلان دورة دينية جديدة من شأنها أن تختم الدورة السابقة وان تعطل شعائرها وعاداتها وكتبها ونظمها". أما ثاني رسل البهائية هو ميرزا "حسين علي" الابن الأكبر للوزير "ميرزا بروك" إذ بعد قتل الباب بثلاثة أعوام ناجى نفسه بأنه هو المركز الذي دارت حوله الحركة التي قام بها الباب (ص 138) وقد أعلن دعوته بحديقة بغداد حيث كان في طريقه إلى المنفى بين 21 ابريل و الثاني من مايو سنة 1863، وكان في إعلانه دعوته تحقيق البشرى التي بشّر بها الباب وظهر 0موعود كل الأزمنة).. " وأن العهد القديم قد تحقق وأن ذلك الذي جاء به المبشرون ويبشرون بمقدمه باعتباره الأب الأبدي يوشك أن يحقق لأبنائه الإخاء وأن يحيا على الأرض بينهم" (ص 141 من الكتاب نفسه) ولكما أن صدر الأمر بوضعه بسجن عكا آثر العزلة وانكب على الإملاء والتحرير، وجاء في هذا المؤلف في صفحة 151.. " أن البهائية دين كتابي قبل كل شيء وكتبه مقدسة هي أصل الاعتماد دون الأحاديث الشفوية، وهي كتب الباب وكتب بهاء الله ومنها الكلمات المكنونة وكتاب الإيقان والألواح التي أرسلها بهاء الله إلى الملوك والأمراء والقياصرة، وأهم هذه الكتب ( الكتاب الأقدس)، وقدم المدعي بحافظة مستنداته نسخة منه وصفة جورج تاوزند في كتابه صفحة 157 بأنه يشمل الأحكام والشرائع في ملكوت الله طوال العصر الجديد ويبدو من الاطلاع عليه أنه يجري على نسق آيات القرآنية في مقطوعات على نسق السور القرآنية منها الكبار ومنها الصغار ثم جاء في كتاب جورج تاوزند الصحيفة 50: " والبهائية لا تنتمي إلى ديانة بالذات، ولا هي فرقة أو مذهب وإنما هي دعوة إلهية جديدة"، ثم في الصفحة 162، صعد بهاء الله إلى الرفيق الأعلى في سنة 1892.. وقد عين في وصية مكتوبة ابنه الأكبر عبد البهاء ليكون مبيّناً لكلماته ومركزاً لميثاقه وخليفة له بحيث من توجه إلى مظهر أمر الله نفسه". وجاء في ص298 أن عبد البهاء صعد إلى الرفيق الأعلى في نوفمبر سنة 1921.
ثالثاً- جميع النشرات التي تصدر عن المحفل الروحاني للبهائيين كقانون الأحوال الشخصية ودستور المحفل ونماذج وثائق الزواج نفسها مرسومة في أعلاها بميسم (أكليشيه) به عبارة منقوشة بالخط الفارسي كالخاتم تقرأ:" بهاء يا إلهي" فإذا ما اقترن ذلك ببعض العبارات التي وردت في كتب والتي ترتفع ببهاء الله إلى مرتبة التقديس الإلهي، ومنها قولهم في كتاب "جورج تاوزند" عن البهاء: إن الأب الأبدي يوشك أن يحقق لأبنائه الإخاء وأن يحيا على الأرض بينهم، دلّ ذلك على ما ذهب إليه بعض البهائيين من أن الإله قد حلّ في البهاء.
رابعاً: من بين ما قدمه المدعي في الدعوى كتيب عنوانه:" قانون الأحوال الشخصية على مقتضى الشريعة البهائية"، وهو مستخرج من كتاب " الأقدس" ومطبوع سنة 88 بهائية و1350هـ 1932م. وكل باب من أبوابه مصدر بآية من آيات كتاب( الأقدس) والكثرة الغالبة من أحكامه تناقض أحكام الإسلام وتخالف تعاليم المسيحية واليهودية، فمنها عدم زواج أكثر من اثنين، ومنها أن اختلاف الدين ليس بمانع من الزواج(مادة9) ومعنى ذلك أنه يجوز للمسلمة أن تتزوج من مسيحي أو يهودي أو بهائي أو بشخص من أية ملة وكذا المسيحية. ومنها تحديد المهر بقدر معين من الذهب والإبريز بحيث لا يقل عن تسعة عشر مثقالاً ولا يزيد عن خمسة وتسعين مثقالاً، ومنها تقسيم الميراث على 2520جزءاً، للذرية منها 1080 وللأزواج 390 وللىباء330 وللأمهات270 وللأخوات15، وللمعلمين 10 فإن لم يترك المتوفي أحداً من هؤلاء رجع ثلث التركة إلى لمحفل( المواد من 31 إلى 41)، ومنها أن غير البهائي لا يرث البهائي، وأن الدار المسكونة وملابس المتوفى يختص بها أكبر الأبناء الذكور(م44). ومنها أن يدفن الميت في البلور أو الحجر أو الخشب وتوضع في أصابعه الخواتم المنقوشة. ومنها أن السنة البهائية تنقسم إلى تسعة عشر شهراً، ويبدأ التقويم البهائي من سنة 1844 ميلادية وقت إعلان الباب لدعوته-وهذا عدا ما عرف عنهم ولم ينكروه من ردهم على جبهة العلماء من أن الصوم عندهم تسعة عشر يوماً وجعلوه يبتدئ من شروق الشمس لا من طلوع الفجر، وجعله دائماً في وقت الاعتدال الربيعي، حيث يكون عيد الفطر عندهم يوم النيروز باستمرار بدلاً من شهر رمضان، أيا كان موقعه من فصول العام، كما جعلوا الصلاة تسع ركعات في اليوم والليلة، وحوّلوا قبلة الصلاة من مكة إلى عكا، حيث قضى البهاء مدة سجنه وتوفي هناك.
خامساً: قدّم المدعي أيضا نسخة من دستور المحفل الروحاني البهائي بالقطر المصري- وواضح في صدره:" أن واضعي هذا الدستور تسعة أشخاص من القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والسويس والإسماعيلية ذكروا بأسمائهم كوكلاء للبهائيين وأعلنوا الدستور في أول مايو سنة 1928" وجاء فيه: ومنذ ذلك التاريخ يكون جميع الواجبات والحقوق والامتيازات والمسئوليات التي أوكلها حضرة بهاء الله قاموس الدين البهائي، والتي بيّنَها ومثّلها حضرة عبد البهاء والتي يقوم حضرة شوقي رباني أفندي على حفظها وصيانتها راجعة إلى المحفل الروحاني البهائي وإلى المحافل التي تخلفه في ظل هذا الدستور. وهذا الدستور مكوّن من ثماني مواد وملحق به لائحة داخلية ويشير إلى وجوب تأسيس بيت العدل العام، المنصوص عنه في الآثار المقدسة للأمر البهائي ووجوب الاعتراف التام بحضرة بهاء الله مؤسساً، وبحضرة عبد البهاء مبيِّناً، والتسليم التام والطاعة والخضوع لكل عبارة من العبارات الواردة في وصية عبد البهاء المقدسة، كما أوجبت أن تكون جميع قرارات وأعمال المحفل البهائي المركزي حائزة لرضاء واعتماد ولي أمر الله شوقي أفندي رباني أو بيت العدل العام.
سادساً: من بين مستندات المدّعي نشرة عن البهائية وهي عبارة عن رد على تحذير مذاع من جبهة العلماء مطبوعة سنة1947، وبينما ينكر رد البهائيين على جبهة العلماء ما قالته من أن البهائيين يعتبرون الباب وبهاء الله رسولين من عند الله، وبذلك يجحدون أهم مبادئ العقيدة الإسلامية من أن محمداً عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين والرسل، وأن رسالته باقية صالحة لكل زمان ومكان، فقد جاء في هذا الرد نفسه:" والبهائية دعوة إلهية عامة تدعو الجميع إلى الله". وفي الصحيفة 52:" والبهائية لا تنتمي إلى ديانة بالذات، ولا هي فرقة أو مذهب وإنما هي دعوة إلهية جديدة تحقق الاتحاد والتفاهم بين أهل الأديان".
هذا- فضلاً عما سلف ذكره-نقلاً عن مستنداتهم المقدمة في الدعوى من أن الباب كان نبياً وأنه رسول قائم بذاته يوحى إليه من العلي القدير، وأن البهائية دين كتابي، وأن المعتمد من كتبها المقدسة (كتاب الباب) ومنها كتاب (البيان) وكتب بهاء الله، ومنها الكلمات المكنونة وكتاب (الأقدس) هذا، وقد بان أيضا من الاطلاع على رد البهائيين على تحذير جبهة العلماء المقدم في الدعوى أنهم يجحدون أهم مبادئ العقيدة الإسلامية من أن محمداً عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين والرسل، باقية إلى يوم الدين، صالحة لكل زمان ومكان وذلك بأنهم ذهبوا إلى تفسير الآية الكريمة: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40
إلى أن الختم واقع على مقام النبوة وليس بواقع على مقام الرسالة، ولا عبرة في رأيهم بما قال به مفسرو هذه الآية من علماء الإسلام من أن مقام الرسالة خاص، ومقام النبوة عام، وختم الأعم معناه ختم الأخص. إذ لا حجة في ذلك لدى البهائيين لتعارضه مع المنطق؛ لأن القول بانقطاع الوحي الإلهي وغلق باب الرحمة الإلهية هو من الأقوال التي لا يجد بها البهائيون سنداً في منطق الواقع، ثم قالوا في ردهم: فقد أجمع مفكرو أهل الملل والعقائد على أن الإنسانية في تطورها الحالي في أشد الحاجة إلى الفيض الإلهي(ص22)، ثم قالوا:" ولا يستطيع العقل المنير أن يقول بأن أية شريعة أو قانون يصلح لكل زمان ومكان مفضلاً على أن الله منزّل الشرائع ومصدر الهدى والنور لم يقل بذلك(ص27)، ثم قالوا:"فالبهائية كالإسلام والمسيحية واليهودية وغيرها من الأديان، حلقة من حلقات التاريخ الروحي.. الذي كان سنة الله في كل عصر من عصور رسالاته"(ص51).
ومن حيث إن الدفاع عن المدعي عقّب على فتيا مفتي الديار قائلاً بأنه لا يتعرض لما تضمنته من كفر البهائيين فقد ردّوا على ذلك في ردهم على تحذير جبهة العلماء، وأنه لا يتعرض أيضاً للقول بأن من كان مسلماً وأصبح بهائياً يعتبر مرتداً، وإنما يعترض على ما قررته الفتيا من بطلان زواج البهائي بمن تزوج بها سواء أكانت بهائية أم غير بهائية بحجة أن فقهاء الشريعة الإسلامية لم يتحدثوا عن زواج المرتد ولم يتعرض إليه واحد منهم بالبحث، بل ذهب إلى أنهم لم يكونوا في حاجة إلى هذا البحث لسبب واضح بسيط هو أنهم يرون أن المرتد مستحق القتل، والمرتدة مستحقة للحبس، فلا يُتَصور أن قيام مثل هذا الزواج مع وجوب قتل المرتد وحبس المرتدة، واستطرد الدفاع عن المدعي إلى أنه مادام حكم الشريعة الإسلامية بقتل الرجل وحبس المرأة غير مطبّق الآن، وبذا أصبح من المتصوّر قيام زواج المرتد، ويتعين استنباط حكم له ولا مناص من قياسه على حكم زواج الذمي في الشريعة الإسلامية. والذمي عند فقهائها هو الوثني والكتابي- وزواجه عندهم صحيح متى استوفى الشروط التي يشترطها الإسلام- وهي: الإيجاب والقبول وحضور الشاهدين، وأن تكون المرأة محِلاً للعقد بأن تكون غير محرمة على الرجل حرمة مؤقتة أو مؤبدة، وانتهى إلى اقتباس قول للأستاذ الشيخ أبي زهرة: " بأن كل نكاح كان صحيحاً عند المسلمين لاستيفائه شروط الصحة جميعاً فهو صحيح عند الذميين". ثم أشار إلى رد الحسن البصري على عمر بن عبد العزيز حين سأله قائلاً: ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة، وما هم عليه من نكاح المحارم واقتناء الخنازير والخمور؟ فردّ عليه بقوله:" إنما بذلوا الجزية ليُتركوا وما يعتقدون، وإنما أنت متّبع ولست بمبتدع والسلام"ز ثم انتهى المدعي من ذلك إلى أن زواجه رغم أنه هائي زواج صحيح في نظر الإسلام، وغير صحيح ما يقول به المفتي.
----------------------------------------------------------------
1- البهائية حقائق ووثائق ص 108
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
النص الكامل لحكم مجلس الدولة المصري سنة 1952- الجزء الثاني
البهائية في المحاكم
الجزء الأول
ومن حيث إن حجة المدعي في هذا الصدد داحضة بسقوط الأسس التي قامت عليها، وتنهار بانهيارها، وذلك أن هذا الذي لم يتصوره المدعي ولم يدر له بخلد من أن يبحث علماء الإسلام زواج المرتد لأنه مستحق للقتل، تصوّره علماء الإسلام وقتلوه بحثاً وتمحيصاً، بل إنهم افترضوا المستحيلات وأعدوا لها البحوث ورتّبوا لها الأحكام ليقينهم بأن شريعتهم باقية على الزمن، وما قد يبدو مستحيلاً في زمانهم قد يصبح في زمان مقبل حقيقة واقعة، وأقرب الأمثال لذلك أن محمداً بن الحسن كتب في سبعة وعشرين ألفاً من الأقضية، وأفتى في المستحيلات{..فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الحج 46، هذا وقد أفاض فقهاء الإسلام فقهاء الإسلام في كل عصر في الكلام عن زواج المرتد، وجماع رأيهم أن اختلاف مذاهبهم أنه باطل بطلاناً أصليا وفيما يلي قليل من كثير بغية التمثيل لا حصر ولا لإحاطة:
1 - عند العلاّمة السيد شمس الدين السرخسي في كتابه"المبسوط" الطبعة الأولى بمطبعة السعادة سنة 1324هـ باباً لنكاح لمرتد جاء في أوله جزء في أوله
جزء 5ص48 " ولا يجوز للمرتد أن يتزوج مرتدة ولا مسلمة ولا كافرة أصلية، لأن النكاح يعتمد الملة أي يعتمد على الاعتقاد بملة صحيحة-ولا ملة للمرتد-فإنه ترك ما كان عليه- أي الإسلام- وهو غير مقرّ على ما اعتقده". وقد علّل هذا الحكم بأسباب منها أن النكاح مشروع لبقاء النسل والقيام بمصالح المعيشة، والمرتد مستحق للقتل، وإنما يمهل أياما ليتأمل فيما عرض له وجد في ذهنه من شبهة وزيغ، وإشغاله بأمر النكاح يشغله عما أمهل من أجله وهو التأمل، وكذلك الحال في شأنه المرتدة، وللأسباب نفسها يزيد عليا أنها بالردة صارت محرمة وينبغي في النكاح أن يختص بمحل الحل. وقد جاء في نفس المرجع(ص104ج10) ضمن الكلام على تصرفات المرتد:" ومنها ما هو باطل بالاتفاق في الحال كالنكاح والذبيحة لأن الحل بهما يعتمد الملة ولا ملة للمرتد، فقد ترك ما كان عليه-الإسلام-وهو غير مقرّ على ما اعتمده، أي انتقل إليه".
2- وقد جاء في كتاب(بدائع الصنائع) ج2(ص270) للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي المذهب، طبع شركة المطبوعات العلمية سنة 1327هـ وهو بصدد الكلام عن شرائط جواز النكاح ونفاذه، فقال:" ومنها أن يكون للزوجين ملّة يقرّان عليها، فإن لم يكن أحدهما مرتداً لا يجوز نكاحه أصلاً بمسلم ولا بكافر غير مرتد ولا بمرتد مثله، لأنه ترك ملة الإسلام، ولا يُقَرّ على الردة، ويُجبَر على الإسلام بالقتل، فكانت الردة في معنى الموت، والميت لا يكون محلاّ للنكاح، ولأن ملك النكاح ملك معصوم ولا عصمة مع الردة.. والدليل عليه أن الردة لو اعترضت على النكاح رفعته فإذا قارنته تمنعه من الوجود من طريق الأولى كالرضاع، لأم المنع أسهل من الرفع.
3- كما ورد في كتاب (الهداية شرح بداية المبتدئ) لشيخ الإسلام برهان الدين أبي بكر الميرغاني طبع المطبعة الأميرية سنة 1315هـ جزء2(ص505) في باب "نكاح أهل الشرق ما نصه:" وزلا يجوز أن يتزوج المرتد من مسلمة ولا كافرة ولا مرتدة لأنه مستحق للقتل، والإمهال ضرورة التأمل والنكاح يشغله عنه"، وعلق الكمال بن الهمام على ذلك بقوله:" أما المسلمة فظاهر لأنها لا تكون تحت كافر، أما الكافر لأنه مقتول معنى، وكذا المرتدة لا تتزوج أصلاً لأنها محبوسة للتأمل، ومناط المنع مطلقاً عدم انتظام مقاصد النكاح وهو لم يشرع إلا لها، وقد جاء في المرجع الأعلى للميرغياني في باب أحكام المرتدين ج4(ص396) حيث قسم تصرفات المرتد إلى اقسام وجعل القسم الثاني منها باطلاً بالاتفاق ومثّل له بالذبيحة والنكاح.
4- وفي كتاب (الدر المختار شرح تنوير الابصار) للعلامة محمد علاء الدين الحصكفي طبع المطبعة الأميرية ج2(ص407) في باب نكاح الكافر" ولا يصح أن ينكح مرتد أو مرتدة أحداً من الناس مطلقاً" وفي باب المرتد ج3(310):" ويبطل منه اتفاقاً ما يعتمد الملة وهو خمس: النكاح والذبيحة والصيد والشهادة والغرث". وعلق الشيخ ابن عابدين في حاشيته على قول الحكفي ما يعتمد الملة نقلاً عن الطحاوي- أي ما يكون الاعتماد في صحته على كون فاعله معتقداً ملّة من الملل، والمرتد لا ملّة له أصلاً- لأنه لا يُقَر على ما انتقل إليه.
5- وورد في كتاب (البحر الرائق شرح كنز الدقائق) للعلامة زين الدين بن نجيم الملقب بأبي حنيفة الثاني ج5(ص144) الطبعة الاولى بالمطبعة العلمية، بعد أن تكلم على تصرفات المرتد حال الردة:" والحاصل أن ما يعتمد الملة لا يصح منه اتفاقاً هي خمسة: النكاح، والذبيحة، والصيد، والإرث والشهادة".
6- وذكر الزيلعي في شرحه للكنز ج3(ص288) طبع المطبعة الاميرية سنة 1313هـ نحو ذلك، ومثّل للباطل من تصرفات المرتد بالنكاح، وذكر المؤلف نفسه في باب نكاح الكافر ج2(173) شرحاً لقول المتن:" ولا ينكح مرتداً أو مرتدة أحد لأن النكاح يعتمد الملة ولا ملة للمرتد".
7-كما ورد في كتاب " المغني" لابن قدامة الحنبلي (ص83)ج10 الطبعة الأولى بمطبعة المنار سنة 1348 هـ تحت عنوان بطلان زواج المرتد وبطلان ملكه:" وإن تزوج لم يصح تزوجه لانه لا يُقَر على النكاح وما منع الإقرار على النكاح مع انعقاده كنكاح الكافر للمسلمة، وإن تزوج لم يصح تزوجيه، لأن ولاءه على موليته قد زالت بردته".
8- وقال مثل ذلك صاحب الشرح الكبير المطبوع من المغني(98) من الجزء نفسه.
9- وقال مثله أيضاً الهيتمي بن حجر في شرحه المسمى(حفة المحتاج بشرح المنهاج) ج9(ص100).
ومن حيث إن المدعي، بعد أن استبان في جلسة المناقشة فساد ما يؤسس عليه دعواه من أن فقهاء الشريعة الإسلامية لم يضعوا لزواج المرتد حكماً عمد إلى إقامة الدعوى على إساس آخر، ذلك أن وصف الردة لا ينطبق عليه ولا يلحقه فلا محل لتطبيق أحكام زواج المرتد على زواجه، واستشهد في تعريف الردة قولاً لابن عابدين في حاشيته" رد المحتار على الدر المختار" جاء فيه:"غن المرتد لغة هو الراجح مطلقاً، والمرتد شرعاً هو الراجح عن دين الإسلام، وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد الإيمان،وهو تصديق محمد صى الله عليه وسلم في جميع ماجاء من عند الله مما عُلِمَ بالضرورة. ويستطرد المدعي إلى أنه لم يكن مسلماً في اي وقت من الأوقات، بل إنه ولد بهائي عن أبيه وتبعاً له، واستدل على بهائية أبيه بالشهادة التي قدمها من المحفل المركزي للبهائيين بمصر والسودان، ثم رتب على ذلك كله أنه يعتبر ذمياً لا مرتداً ولا تنطبق فتيا المفتي على حالته حيث وَرَد فيها:ط إن من اعتنق مذهب البهائيين من بعد أن كان مسلماً صار مرتداً عن دين الإسلام، ولا يجوز مطلقاً ولو ببهائية مثله، ثم اشار إلى أن زوجته مولودة لأبوين بهائيين، وأنه لم يكن مسلماً هو ولا زوجته في اي وقت حتى يقال إنه مرتد".
ومن حيث إنه وإن كان للردة معنى شرعي، التكذيب بعد سابقة التصديق، إلا أن مقطع النزاع في الأساس الجديد الذي يحاول المدعي أن يقيم عليه دعواه، هو معرفة حكم ابن المرتد في الشريعة الإسلامية متى كان أبوه أو أمه أو أحد أجداده مسلماً، الأمر الذي كلّفت المحكمة الطرفين ببحثه فتقاعسا عنه وهو ما تؤخر التصدي لع إلى ما بعد مناقشة الأوراق المقدمة من المدعي من المحفل البهائي، إذ هي دليل الواقعة التي يقيم عليها المدعي من المحفل البهائي، إذ هي دليل الواقعت التي يقيم عليها المدعي نظريته الجديدة.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الرجوع إلى شهادة المحفل البهائي المقدمة من المدعي أخيراً أن عبارتها جرت على النحو الآتي:" بناء على الطلب المقدم من حضرة مصطفى كامل عبد الله أفندي-المدعي- بإعطائه شهادة من واقع سجلات المحفل الروحاني المركزي المركزي للبهائيين بمصر والسودان عن قيد والده حضرة علي أفندي عبد الله بها، نقرر أنه بالاطلاع على سجلات المحفل تبين أن حضرة علي افندي عبد الله مقيد بهذه السجلات الممسوكة منذ عام 1929 كأحد أفراد الطائفة البهائية بمصر". وأول ما يلحظ في شأن هذه الشهادة أنه جهلت تاريخ تمذهب والد المدعي بالبهائية، كما أنها لم تعيّن بالضبط الوقت الذي مُسكت فيه سجلات المحفل واكتفت بالقول بأنها ممسوكة منذ عام 1929. وبأخذ الأمر على ظاهر ما فيه، ومع افتراض أن المدعي كان من أوائل من اعتنقوا البهائية في سنة 1929 فإن ما جاء بوثيقة زواج المدعي المؤرخة 20 من مارس سنة 1947 والتي ذكر بها أن عمره 34 سنة، اي أنه مولود عام 1913، إذا ما قرن هذا الأمر بذاك أمكن استخلاص أن سن المدعي وقت أن اعتنق والده البهائية كان 1 سنة، ومقتضى ذلك ولازمه أن وقت أن حملت أم المدعي به كان ابوه مسلما، ووقت أن ولد المدعي كان الاب مسلماً ايضاً، ووقت أن بلغ المدعي سن التكليف كان الاب لايزال على إسلامه، ولا خلاف في أن سن التكليف، وهو سن المحاسبة على ترك فرائض الإسلام هو سن الخامسة عشرة بل إن البهائية نفسها تتخذ هذه السن سناً للبلوغ، كما ورَدَ في قانون أحوالها الشخصية على نحو ما سلف ذكره. ومن ثم يكون المدعي قد علَق في بطن أم لأب مسلم، وولج لأب مسلم. فهو مسلم تبعاً لأبيه وهو(الإبن) قد بلغ مسلماً قبل أن يرتدّ أبوه عن الإسلام، وباعتناقه البهائية فهو مرتدّ بكل معاني الكلمة لغة وشرعاً تحكمه فتيا المفتي من أن من كان مسلماً واعتنق البهائية فهو مرتد وزواجه باطل سواء أكان من مسلمة أو من بهائية، ومن ثم فلا حاجة في هذا المقام إلى بحث ما إذا كانت زوجته مولودة لوالدين بهائيين كما يقول المدعي أم لا، ويكفي الإشارة إلى أن الشهادة المقدمة لم تشر على والدة الزوجة وإنما أشارت على أن اباها خليل عياد أفندي من الطائفة بحسب السجلات الممسوكة بالمحفل منذ سنة 1929. هذا ولايفوت المحكمة أن تشير إلى أن الورثة111 من ملف خدمة المدعي المقدم من الحكومة تدل على أنه وُلِد على التحقيق في 28 من مايو سنة1912 مما يقطع بأنه كان يقارب السابعة عشر حينما ارتد أبوه-على فرض أن تلك الردة كانت في أوائل سة 1929عقب إصدار الدستور البهائي وإنشاء المحفل الروحاني بمصر.
ومن حيث أن حكم الشريع الإسلامية في شأن ابن المرتد قاطع لكل شبهة، دافع للأساس الجديد الذي يحاول المدعي إقامة الدعوى عليه، وذلك أن ابن المرتد مسلم في نظر الإسلام سواء أعلق في بطن أمه قبل الردة أم بعدها، ومن باب أولى ما إذا كان قد ولد قبل ردة أبيه، بل يكفي لاعتبار ابن المرتد مسلماً أن يكون لأحد أبويه أب مسلم مهما علا وبعُد، سواء أمات هذا الجد البعيد على الإسلام أو ارتد عنه حال حياته، ويرى البعض ان ابن المرتد يعلق ويولد ويبلغ مسلماً فإن ظهر منه الكفر وترك الإسلام فهو مرتد أصيل يستتاب ويمهل، فإن لم يتب يعامل معاملة المرتدين من وجوب القتل إن كان ذكراً والحبس والضرب حتى الموت إن كان انثى، وذلك من عدة أوجه أساسية، منها: ان الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، ومنها أنه مَن وُلِد في دار الإسلام ولم يُعرف والده فهو مسلم، إذ حكم الإسلام يثبت ابتداء بطريق تبعية الدار عند الولادة ومن باب أولى إن بقي بدار الإسلام حتى بلغ أشده، وهذا أمر مسلّم متفق عليه في المذاهب الأربعة، وأما أدلة ذلك:
فأولاً: جاء في (ص93)ج10 من كتاب (المغني) لابن قدامة على مختصر الخرقي وهو حنبلي المذهب ما نصه:" فأما أولاد المرتد فإن كانوا ولدوا قبل الردة فإنهم محكوم بغسلامهم تبعاً لآبائهم ولا يتبعونهم في الردة لان الإسلام يعلو وقد تبعوهم فيه ولا يتبعونهم في الكفر ولا يجوز استرقاقهم صغاراً لأنهم مسلمون ولكباراً لأنهم إن ثبتوا على إسلامهم فهم مسلمون وإن كفروا فهم مرتدون حكمهم حكم آبائهم في الاستتابة". هذا رأي الحنابلة في ابن المرتد إن ولد قبل ارتداد ابيه، اما المالكية فيَرَون أن ابن المرتد المسلك حتى ولو ولد حال ردة أبيه ودليله هو:
ثانياً: فقد قال الشيخ أحمد الدردير ( في الشرح الكبير على خليل)ج4(ص305) في باب الردة:" وبقي ولده الصغير مسلماً ولو ولد في حالة ردة أبيه اي حكم بإسلامه ولا يتبعه، ويجبر على الإسلام إن أظهر خلافه، فإن تُرِك اي لم يطلع عليه حتى بلغ وأظهر خلاف الإسلام فيحكم عليه بالإسلام ويجبر عليه ولو بالسيف".
ثالثاً: - أما الأحناف، فقد جاء في (المبسوط) للسرخسي(ص37) في صدد الحديث عما إذا ارتد الزوجان معاً ثم ولدت الزوجة منه:" واما الولد فإن ولدته لأقل من ستة أشهر منذ يوم ان ارتد فله الميراث لأننا تيقنّا أنه كان موجوداً في بطن أمه حين كان الزوجان مسلمين فهو محكوم له بالإسلام ثم لا يصير مرتداً بردة الابوين ما بقي في دار الإسلام لأن حكم الإسلام يثبت ابتداء بطريق تبعية الدار فلأن يبقى فهو أولى به".
أما الشوافع ففي رأيهم جماع الآراءا لسابقة وأكثر، فقد جاء في (متن المنهاج) مع شرحه لابن حجر(ص98) وما بعدها:" وولد المرتد إن انعقد أي علق في بطن أمه قبل الردة و بعدها، وكان أحد أبويه من جهة الاب أو الأم وإن علا أو مات مسلماً فهو مسلم تغليباً للإسلام وإن كان أبواه مرتدين وفي أصوله مسلم فمسلم ايضاً لا يسترقّ، ويرثه قريبه المسلم، ولا يجوز عتقه عن الكفارات إن كان قنّا لبقاً، علقه الإسلام في أبويه، وفي قول وهو مرتد، وفي قول: هو كافر أصلاً لتولده بين كافرين ولك يباشرا غسلاماً حتى يغلظ عليه فيعامل معاملة ولد الحربي، إذ لا أمان له. نعم لا يقر بجزية لأن كفره لم يشند لشبهة دين كان حقاً قبل الإسلام وغلا ظهر أنه مرتد، وقطع به العراقيون، ونقل إمامهم القاضي أبو الطيب الاتفاق من أهل المذهب على كفره ولا يقتل حتى يبلغ ويمتنع عن الإسلام".
ومن ثم فلا حاجة فيما يثيره المدعي من أن وصف الردة لا ينطبق عليه لأنه لم يكن مسلماً ارتد عن الإسلام، إن أنه ولد لاب بهائي لا حجة في ذلك بعد أن ثبت أن البهائي مرتد وأن ابن المرتد إما أنه مسلم فإذا بلغ وأظهر غير الإسلام فيكون قد ارتد بعد البلوغ تجري في شأنه أحكام الردة من حيث وجوب القتل وبطلان التصرفات التي تعتمد الملة وأهمها الزواج، وإما أنه مرتد تبعاً لأبيه أو أبويه، ولكن لا يتقل إلا بعد البلوغ، وبعد أن يستتاب، فإن لم يتب تجري في شأنه أحكام الردة. ومن حيث أنه لا تزال في ذهن المدعي شبهة يجب أن تندفع، تلك هي أنه يحوم حول الذميين بحجة أنه صاحب دين يترك وما هو عليه وتستحق عليه الجزية فيكون زواجه صحيحاً في نظر الإسلام، وفاتَهُ أن أن الدين الذي يُقَرّ معتنقه عليه بالجزية هو الدين الذي كان حقاً قبل الإسلام كما سلف في (متن المنهاج وشرحه) لابن حجر، وأما ما تلا الإسلام من الادعاء بنزول دين جديد فزندقة وكفر، وتفصيل ذلك ما جاء في(المغني) لابن قدامة الحنبلي ص568 ج10 ما يلي:" الذين تقبل منهم الجزية صنفان: أهل كتاب ومن له شبهة كتاب. أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى ومن دانَ بدينهم، كالسامرة يدينون بالتوراة ويعملون بشريعة عيسى، وإنما خالفوهم في فروع دينهم. وفرق النصارى من اليعقوبية والنسطورية والملكية والفرنجة والروم والأرمن وغيرهم، ممن دان بالإنجيل وانتسب إلى عيسى عليه السلام، فكلهم من أهل الإنجيل، ومن عدا هؤلاء فكفار ليسوا من أهل الكتاب.
وأما الذين لهم شبهة كتاب فهم(المجوس) فقد روي عن علي بن أبي طالب قوله:" كان للمجوس علم يعلمونه وكتاب يدرسونه" ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب" كما جاء في (ص570) من المرجع نفسه:"إذا ثبت ذلك فإن أخذ الجزية من اهل الكتاب والمجوس ثابت بالإجماع من غير نكير ولا مخالف مع دلالة القرآن على أخذ الجزية من أهل الكتاب ودلالة السنة على أخذ الجزية من المجوس. وما روي من قول المغيرة لأهل فارس:"أمر نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية. وكذلك من حديث بريدة وعبد الرحمن بن عوف؛ ولا فرق بين كونهم عجماً أو عرباً".
ومن حيث إن المدعي لجأ في مذكرته الأخيرة إلى محاولة إيجاد سند آخر لدعواه فذهب إلى القول بأنه ليس من مصلحة العدالة تطبيق الشريعة الإسلامية على زواج المرتد في الوقت الذي تعطل فيه حكمها بقتل المرتد، غذ أن حكم الشريعة ببطلان زواج المرتد إن هو إلا فرع عن أصل هو استحقاق المرتد للقتل، أما وقد تعطل الأصل فلا وجود ولا بقاء للفرع.
ومن حيث أن هذا الذي يستحدثه المدعي مردود من عدة أوجه:
أولها: أن الطرفين قد احتكما إلى الشريعة الإسلامية في شان زواج البهائي وتصاولا في هذا المضمار وأدلى كل منهما بدلوهن وتركا إلى المحكمة أن تقضي فيما تماريا فيه.
وثانيهما: أن الشريعة الإسلامية هي الأصل لكل تقنين يصدر في هذه البلاد وكانت للمحاكم الشرعية في مصر زهاء ثلاثة عشر قرناً ولاية القضاء كاملة في جميع الأقضية على مختلف أنواعها من شخصية إلى مدنية إلى جناشية، إلى أن كانت الامتيازات الأجنبية التي بدات من السلطان منّة وفضلاً وانقلبت في آخر عهدها إلى أغلال وقيود تحدّ من سلطان الدولة ومن سيادة شريعتها، وقد زال هذا القيد وانفك هذا الغل بحمد الله.
صحيح أنه في أواخر القرن الماضي أنشئت المحاكم الوطنية التي أريد لها أن تمسى بالمحاكم النظامية أو الأهلية، كما انشئت المحاكم المختلطة غذا ذاك وأصدر ولي الأمر إذ ذاك قوانين وضعية لتطبق في تلك المحاكم وقد زالت المحاكم المختلطة وقوانينها بزوال الامتيازات الأحنبية وبقيتي المحاكم الوطنية بقوانينها، ولكن المقطوع بع أن ولي الأمر لم يقصد حين أصدر القوانين المدنية والجنائية وقوانين الإجراءات لكليهما، لم يقصد إلى مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية بل إنه بعد ان أعدّطنوبار باشا" رئيس الوزراء إذ ذاك تلك القوانين الوضعية بوساطة لجان كان معظمها من المشرعين الأجانب أو من الاجانب المتمصرين دفهع بها ولي الأمر قبل إصداره أمره الكريم بالعمل بها إلى شيخ الأزهر، وكان إذ ذاك الشيخ المنياوي وعرضت عليه الكثرة الغالبة منها 2277 مادة فاقرّ انها لا تخالف الشريعة الإسلامية، فهي إما نصوص توافق الشريعة الغراء تماماً أو نصوص توافق الراي الراجح بين فقهاء الشريعة او نصوص توافق الإسلام، ولكنها من قبيل المصالح المرسلة التي ترك الإسلام لأهله الاجتهاد فيها، كل مصر بحسب ظروف زمانه ومكانه كقوانين الإجراءات ومنها قانون المرافعات وقانون تحقيق الجنايات، وصحيح إلى جانب ذلك أن بعض مواد قانون العقوبات لم تعرض غلى هيثئة العلماء إذ ذاك وكل ما يترتب على ذلك من أثر أن تعكلت بعض الحدود الشرعية، فلمّا أن جاء الدستور وأكد تلك الحقيقة الواقعة وهي سيادة الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية، فنص في المادة 149 منه على أن الإسلام هو دين لدولة الرسمي، مما سيجئ الكلام عنه بعد فترة، ومن ثم يكون كل تقنين يعارض اصلاً اساسياً في شريعة الإسلام غير دستوري. هذا، وقد توقع بعض فقهاء الإسلام تعذر قتل المرتد لأي سبب كالهرب والاحتفاء عن الأعين، أو كونه خارج حدود الإسلام، أو كونه داخلها ولكن تحوطه قوة ومنعه يحسن معها التربص به إلى حين مباغتته، ولذلك قالوا: إن مناط قتل المرتد القدرة على ذلك، فقد وَرَد في( المغني )لابن قدامة موفق الدين على (مختصر الخرقي) عند الكلام على حكم بن المرتد:" ومتى قدر على الزوجين المرتدين أو على أولادهما استتيب منهم من كان بالغاً عاقلاً، ومن لم يتب قتل، ومن كان غير بالغ انتظرنا بلوغه، وينبغي أن يحبس حتى لا يهرب". هذا، وقد عُلِم أيضاً أن حد السرقة وهو قطع اليد قد عطّل عام المجاعة، وكان التعطيل في عهد عمر بن الخطاب وهو من أشد المسلمين تاستمساكاً بأحكام الشريعة، حتى أنه حين أمر بإقامة حد الخمر على ابنه، ولحظ أن منفِّذ الحد يترفق بابنه حتى لا يوجعه ثار وأبى إلا أن ينفذه فيه بشدة وعنف قضيا على حياة ابنه بين يديه. ولم يُعرف إذ ذاك ان تعطيل هذا القدر من الحدود للضرورة دعا إلى تعطيل بقية الحدود أو إلى تعطيل أحكام الشريعة الإسلامية التي هي أصل لذلك الفرع.
ومن حيث إن المدعي قد استند ضمن ما استند إليه في صحة دعواه إلى أن أحكام القانون الوضعي تحول دون تطبيق أحكام الردة كلياً أو جزئياً حيث نصّ الدستور وهو القانون الأصلي لكل القوانين في المادة 12 منه على( حرية الاعتقاد نطلقة) وذهب في تفسيرها إلى أنها حرية الاستمرار على عقيدة ما وحرية تغيير تلك العقيدة في أي وقت، لأن حرية تغيير العقيدة هي مظهر من المظاهر الاولية الاساسية لحرية الاعتقاد، وفي إبطال زواج من يغير عقيدته تقييد لتلك الحرية التي نصّ الدستور على أنها مطْلَقة.
ومن حيث إن هذا الذي يذهب إليه المدعي في تفسير هذه المادة هو على العكس تماماً مما قصد إليه واضعوها في لجنة الدستور.
والرجوع إلى الأعمال التحضيرية للدستور طبعة مصر سنة 1940(ص87 ج1) في شأن المادة 12 ونصها الحالي بالدستور(حرية الاعتقاد مطلقة) تجد صياغتها الأولى من لجنة وضع المبادئ العامة للدستور تجري على هذا النسق (حرية الاعتقاد الديني مطلقة فلجميع سكان مصر الحق في أن يقوموا بحرية تامة علانية أو غير علانية بشعائر اية ملة أو دين أو عقيدة مادامت هذه الشعائر لا تنافي النظام العام أو الآداب العامة). هكذا وضعتها اللجنة العامة في الدستور مسترشدة بمشروع كان قد أعده اللورد كرزون وزير خارجية إنجلترا إذ ذام للدستور المصري، ولا خفاء في أن النص لو بقي على حاله لكان من السَعَة والشمول بحيث لأمكن القول في ظله بما يقوله المدعي اليوم من أن إطلاق الدستور لحرية الاعتقاد الديني وكفالته لإقامة شعائر الاديان أيّـاًً كانت، لا الأديان المعترف لها إذ ذاك فحسب، وهي الأديان السماوية، وإنما شعائر أية ملة أو عقيدة أو دين، ولو كان مستحدثاً. هذا الإطلاق والشمول يمكِّن كل صاحب دين أن يخرج من دينه إلى أي دين آخر سواء أكان سماوياً أو غير ذلك معترفاً به من قبل أو مبتدعاً ولساغ له أيضاً أن يأتي هذا الامر مراراً وتكراراً غير ملقٍ بالاً إلى ما لهذه الفوضى من أثر ومساس بحقوق خطيرة كالغرث والنسب والزواج وبحقوق أخرى لا يملك أصحابها الدفاع عنها كالقُصَّر ومعدومي الأهلية، وكان ذلك دون أن يتحمل أية مسئولية مدنية أو جنائية، ولهذا نجد أن فضيلة الشيخ بخيت يقول في جلسة 15 أغسطس سنة1922:" أطلب تعديل المادة العاشرة- هكذا كان ترتيبها- من باب حقوق الأفراد لأنها بحالتها الحاضرة لايقرها دين من الاديان، ولأنها تؤدي إلى الفوضى والغخلال بالنظام، وأطلب أن يكون النص قاصراً على الاديان المعترف بها سواء أكانت سماوية أم غير سماوية، فلا يُسمح بإحداث دين جديد كأن يدّعي شخص مثلاً انه المهدي المنتظر ويأتي بشرع جديد". ولقد أيّد هذا الاقتراح نيافة الانبا يؤنس بقوله:" اقتراح الاستاذ مفيد، ولنا عليه دليل قريب فإن سرجيوس خرج عن دين المسيحية وشرع في استحداث دين جديد وطلب من الحكومة الترخيص له بذلك فرفضت". وهذا دليل على أنه لا يمكن الترخيص لغير الأديان المعترف بها". كما نجد ايضاً الشيخ محمد خيرت راضي بك قد اقترح حذف كلمة(الديني) من الفقرة الاولى فتصبح حرية الاعتقاد مطلقة، وشرح اقتراحه بقوله:" وبغير ذلك يباح لكل شخص أن يترك دينه ويعتنق ديناً ىخر دون أن يتحمل مسئولية ذلك من جزاء مدني وغير مدني، مع أنه لا نزاع في أنه يترتب على تغيير الدين نتائج هامة في الميراث وغيره، ويكفي أن يكفل النص حرية الاعتقاد، ولأن هذا هو كل الغرض المقصود من المادة على ما أعتقد. أما الفقرة الثانية من المادة فقد جعلت إقامة الشعائر الدينية مطلقة من كل قيد وهو يؤدي إلى الإخلال بالنظام".
وهنا تساءل غبراهيم الهلباوي بك في حالة إذا ما أُخِذ بالاقتراح الاخير وأصبحت الفقرة الأولى( حرية الاعتقاد مطلقة ) عن اي اعتقاد يقصد المقترح وهل يدخل فيه الاعتقاد الديني أو"لا". فرد فضيلة الشيخ بخيت بقول:" الاعتقاد شيءُ والدين شيء آخر، فالمسلمون افترقوا إلى ثلاث وسبعين فرقة لكل فرقة اعتقاد خاص، مع أن لهم ديناً واحداً". صحيح أن جلسة 15 أغسطس سنة 1922 انتهت بموافقة أغلبية الحاضرين من لجنة الدستور على الإبقاء على النص الأصلي الذي أعدته لجنة وضع المبادئ العامة، إلا أن ذلك كان عقب ما قرره حضرة عبد العزيز باشا فهمي، حيث قال:" ألفِتُ نظر اللجنة إلى أن هذا النص مأخوذ بحروفه من مشروع اللورد كرزون. وقد اتفقنا على أن نأخذ هذه النصوص في دستورنا حتى لا نُرغَم على وضعها عند المفاوضات". وهذا واضح الدلالة على أن لجنة الدستور لم تكن مختارة حين قبلت أغلبيتها هذا النص بل كان مفروضاً عليها، ورغم ذلك، ورغم تلك السلطة الأجنبية الغالبة استطاعت الاتصالات خارج اللجنة إلى تعديل المادة على النحو الذي اقترحه الشيخ خيرت راضي، وكان ذلك بعد فترة، وفي جلسة 28 أغسطس سنة1922 حيث قال فضيلة الشيخ بخيت:"حسماً للنزاع الي قام بشأن المبدأ الخاص بحرية الأديان أقترح أن تحذف كلمة (الديني) من صدر المادة لتكون: حرية الاعتقاد مطلقة، بدلاً من حرية الاعتقاد الديني مطلقة". ومفاد ذلك في ضوء المناقشات التي جرت حين قدّم هذا الاقتراح لأول مرة في الجلسة السابقة على لسان الشيخ محمد خيرت راضي بك ان قصر عبارة المادة على حرية الاعتقاد ومع حذف كلمة(الديني) مقصود منه ما قرره الشيخ بخيت من أن الاعتقاد شيء والدين شيء آخر، واصبح النص بحاله يحمي المسلم الذي يُغَيِّير مذهبه من شافعي إلى حنفي مثلاً، والمسلم الذي يترك فرقة الشيعة وينضم إلى فرقة أهل السنة أو فرقة الخوارج أو المعتزلة، كما يحمي النص المسيحي الذي يدع الكثلكة ويتمذهب بالبروتستانت، ولكنه لا يحمي المسلم الذي لا يرتد عن دينه من أن يتحمل مسئولية تلك الردة مدنية كانت أم غير مدنية، كما لا يبيح لأي شخص أن يدعي أنه المسيح نزل إلى الأرض أو المهدي المنتظر، أو أنه رسول جديد يهبط عليه الوحي من السماء، أو أنه صاحب كتاب سماوي، غذ لا حماية لها المدعي من الدستور بحسب النص الجديد للمادة 12 منه.
ومن حيث أنه يزيد هذا الامر جلاءً ووضوحاً ما نص عليه الدستور في المادة 149 من أن الإسلم دين الدولة الرسمي، فعبارة مطلقة كهذه تقطع بأن أحكام الإسلام لها السيادة التامة في هذه البلاد ترفع كل ما يعترضها وتزيله، وكل تشريع يصدر مناقضاً لها يكون غير دستوري ويؤيد هذا الرأي التاريخ التشريعي لهذه المادة وذلك أنه في جلسة 3 من مايو سنة 1922 وضعت لجنة المبادئ العامة للدستور هذا النص بناءً على اقتراح من فضيلة الشيخ بخيت:" أريد أن أعرض بعض قواعد تضاف إلى أحكام الدستور فأطلب أولاً أن ينص على أن الدين الرسمي للدولة المصرية الإسلام، فاقترح دولة حسين رشدي باشا أخذ الآراء على هذا الاقتراح، فووفِقَ عليه بالإجماع دون أي اعتراض او تعليق، ثم تكررت تلاوته وتكررت الموافقة الإجماعية في أربع جلسات متتالية، وهذا النص من الإطلاق والشمول والعموم بحيث لا يسمح باي مدخل لريبة المستريب أو لظن المتظنن المسرف. ولا مقنع فيما ساقه المدعي تعليقاً على هذه المادة من أن لا يقصد منها التدخل في ديانات ومعتقدات الافراد الشخصية بعد ما سلف غبداؤه ولا ما يقوله المدعي من أن ما قصد إليه واضع الدستور وعناه هو الرسميات التي تتعلق بالدولة كشخص معنوي، غذ أن ذلك أقرب إلى الهزل منه إلى الجد الذي يُعنى به في مقام الرد.
ومن حيث إنه متى تقرر ذلك كانت أحكام الردة في شأن البهائيين واجبة التطبيق جملة وتفصيلاً بأصولها وفروعها، ولا يغير من هذا النظر كون قانون العقوبات الحالي لا ينص على إعدام المرتد وليتحمل المرتد(البهائي) على الاقل بطلان زواجه إطلاقاً مادامت بالبلد جهات قضائية لها ولاية القضاء بهذا البطلان بصفة أصلية أو بصفة تبعية، كما ولا يغيِّر من هذا النظر أيضاً نص المادة 13 من الدستور وهو:" تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في الديار المصرية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب" وواضح أن وضع هذا النص بدلاً من الفقرة الثانية للمادة السابعة في المشروع الأصلي وفي مشروع كرزون وهو:" ولجميع سكان مصر الحق في أن يقوموا بحرية تامة، علانية أو غير علانية، بشعائر اية ملة أو دين أو عقيدة أو مذهب"، وذلك بعد المناقشات التي أشرنا إليهاز كل ذلك واضح الدلالة على الأخذ بفكرة المعارض من رجال الأديان، إذ ذلك وعلى شعائر العقائد على أنه فروع وفِرَق لتلك الاديان المعترف بها من قبل، وقد كان ذلم بالعاجات المرعية في الديار المصرية وبشرط عدم الإخلال بالنظام والآداب.
ومن حيث إنه تقرر أن الدستور لا يحمي تلك المذاهب المبتدعة التي تحاول أن ترقى بنفسها إلى مصاف الأديان السماوية والتي لا تعدو أن تكون زندقة وإلحادً، فالمحكمة تهيب بالحكومة أن تاخذ للأمر أهبته بما يستأهله من حزم وعزم لتقضي على الفتنة في مهدها، لأن تلك المذاهب العصرية مهما تسللت في رفق وهوادة وفي غفلة من الجميع متخذة من التشدق بالحرية والسلام، ومن تمجيدها لبعض الأديان ستراً لما تخفيه من زيغ وضلال، فإنها لا تلبث أن يُعرف أمرها وينطشف سترها، وقد تكون استمالت إليها الكثيرين من الجهلة والسذَّج، وهنالك قد تثور نفوس المؤمنين حفظاً لدينهم واستجابة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها وتكون هي الفتنة بعينها، التي قصد الدستور وقاية النظام العام من شرورها.
ومن حيث إن المدعي اختتم دفاعه في مذكرته الأخيرة بطرح مسألة أخيرة لبحث الدعوى منها، تلك هي ما سماه ارتباطات مصر الدولية، وحجته في ذلك أن مصر قد وقَّعت ميثاق الأمم المتحدة فهي مرتبطة بأنظمتها، وقد أقرت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة عام 1948 حقوق الإنسان، وجاء بالمادة 18 منه:" لكل إنسان الحق في حرية الفكر والضمير والدين". وهذا الحق يوليه الحرية في تغيير دينه أو معتقده، ويولِيه كذلك الحرية في الإعراب عنهما بالتكلم والممارسة والعبادة وإقامة الشعائر الدينية. وخلص من ذلك إلى القول بإلزام مصر باتباع ذلك كله. وقدَّم المدعي نسخة مما أقرته الجمعية العمومية للهيئة في هذا الشأن يبين منها أنه إعلان للعالم ودعوة إلى جميع الدول سواء المشتركة في الهيئة وغير المشتركة، وقد أذيع هذا الإعلان بموافقة الجمعية العمومية بغية العمل على تَبَنِّيه وعرضه وقراءته وشرحه، وعلى الأخص بالمدارس حتى يمكن التسليم بصلاحية هذه المبادئ والعمل تدريجياً على الغيمان بها، فلد تدَّع الهيئة التي أصدرته أنه ملزم للدول الأعضاء، وما كانت لتستطيع أن تدَّعي ذلك، وليس له بمصر أية قوة ملزمة ما لم يصدر بأحكامه ومبادئه قانون من السلطة التشريعية المحلية، على أن بعض مبادئ هذا الإعلان غير مطبقة في الولايات المتحدة وبها المقر الدائم لتلك الهيئة العالمية، مثال ذلك أن المادة الثانية من الإعلان تنص على أن: " لكل إنسان جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين". والتمييز بسبب اللون في أمريكا أمر معروف بلغ التشدد فيه حداً أُهدِرَت معه جُل حقوق الملوَّنين. أما المساواة الحقة وخير ما كُرِّم به بني الإنسان من نَصَفة وحرية، فقد أتى به الإسلام منذ نيَّف وثلاثة عشر قرناً من غير ما نظر إلى جنس أو لون أو عصبية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13 ، وقال صلى الله عليه وسلم: " لافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي راسه كالزبيبة" صدق رسول الله صلى الله وسلم.
ومن حيث إنه لكل ما لف تكون دعوى المدعي بجميع اسسها من جميع نواحيها ساقطة منهارة، لاسند لها من قانون أو واقع حقيقة بالرفض.
لهذا:
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وإلزام المدعي بمصروفاتها، ومبلغ(300) قرش مقابل أتعاب المحاماة. في 11/6/1952م
و" صدر في مصر القانون رقم 263 لسنة 1960، الذي قضى بحظر وتحريم النشاط البهائي. وقد جرى تسليم دار البهائيين في العباسية بالقاهرة التي يعلوها الهيكل المقدس-وهو مثمن الاضلاع- إلى جمعية المحافظة على القرآن. وحوَّلت الجمعية هذه الدار منذ عام 1960 إلى مقر رئيسي لها، ومركز للدراسات القرآنية".
ومن جملة ما صدر من أحكام تقضي بخروج البهائية عن اي دين نذكر الحكم الصادر عن محكمة القاهرة في القضية رقم 118 لسنة 1975، الذي جاء فيه:" إن البهائية ليست من الأديات المعترف بها، فعقد زواج البهائي باطل في نظر الشريعة الإسلامية، لأنه يشترط في عقد الزواج أن يكون للزواج ملة يُقرَن بها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق