حرائق القاهرة .. وجرائم الرشوة
المستفيد من تدمير منطقتين سكنيتين وإخلائهما من سكانهما لأغراض 'البيزنس
أسامة أيوب -الأسبوع =3-4-2009
مثلما كشفت فضيحة الرشوة الكبري في وزارة الإسكان عن توطن الفساد ووصوله إلي طبقة القيادات العليا في الحكومة، إذ أن المتهم الأول الذي ألقت الرقابة الإدارية القبض عليه متلبسا في مكتبه يشغل منصب مساعد نائب الوزير، وإذ من المتوقع - حتي كتابة هذه السطور - أن تتسع دائرة الاتهام لتشمل عددا من كبار موظفي الوزارة.
فإن الحرائق الثلاثة المروعة التي شهدتها القاهرة ليلة الاثنين الماضي ليست بمعزل عن هذا الفساد.
إن ألسنة النيران التي طالت عنان سماء العاصمة وحاصرت وروعت الأهالي في سوق 'التونسي'، و'عزبة بلال' بحي الشرابية ودمرت المنطقتين بالكامل .. بدت وكأن الفساد يخرج لنا لسانه متحديا بكل فجاجة
.. بينما كشف حريق متجر الملابس الشهير بحلوان عن إهمال أصحاب مثل هذه المنشآت في اتباع إجراءات الأمن والسلامة بقدر تقاعس الأجهزة الحكومية المعنية عن المتابعة والرقابة.
ورغم ما قد تثيره تلك الحرائق من شكوك حول أسباب اندلاعها بهذه القوة وفي وقت واحد تقريبا، ومن ثم حول المستفيد من تدمير منطقتين سكنيتين وإخلائهما من سكانهما لأغراض 'البيزنس'، خاصة ان التحقيقات وحتي كتابة هذه السطور لم تنته ولم تتوصل للجاني الحقيقي .. غير الماس الكهربائي أو 'عقب' السيجارة.
فإن أغلب الظن ان نتائج التحقيقات سوف تلقي بالمسئولية علي القضاء والقدر ودون الإشارة إلي المتهم الحقيقي وهو الفساد الأب الشرعي للفوضي والإهمال والتخبط وسوء الإدارة والأخطر من كل ذلك 'العشوائية' التي استطرقت في كل أوجه الحياة في مصر ولم تعد مقصورة علي تلك المناطق السكنية بعينها.
بل إن تفشي ظاهرة العشوائيات السكنية في القاهرة وأرجاء مصر .. ليس إلا انعكاسا لعشوائية الإدارة وعشوائية التشريعات والقرارات مع غيبة كاملة للتخبط والرقابة.
ان عشوائية الإدارة هي المسئول الأول عن تفاقم ظاهرة العشوائيات حتي صارت مئات في مصر وعشرات في العاصمة من بينها عزبة بلال التي احترقت، بينما تقف الحكومة عاجزة عن التصدي للظاهرة ولم يعد لديها حل لإزالة هذا العار الوطني إلا انتظار احتراقها أو إحراقها!
ومن المفارقات انه قبل ساعات من اشتعال تلك الحرائق .. كان أعضاء مجلس الشوري يحذرون من ظاهرة العشوائيات باعتبارها قنبلة قابلة للانفجار في أية لحظة .. وان كانوا يقصدون الانفجار الأمني والاجتماعي .. متهمين الحكومة بالمسئولية عن سوء التخطيط العمراني .. في حين انتقد النائب صبري الشبراوي الفوضي السائدة في مختلف مجالات الحياة في مصر .. مشيرا إلي أن العشوائية هي السمة السائدة في إدارة البلاد.
الوحيد في مجلس الشوري 'وأحسبه في مصر كلها' الذي رفض اتهام الإدارة بالعشوائية هو رئيس المجلس السيد صفوت الشريف، والذي استوقفني تعقيبه علي اتهامات النائب بقوله: ربما 'لاحظ ربما هذه' كان هناك تخطيط عمراني سييء في مرحلة ما 'لاحظ أيضا مرحلة ما'، إلا أنه لا يجب اتهام مصر بتاريخها الراسخ بالعشوائية.
تعقيب رئيس مجلس الشوري يستدعي بالضرورة تعقيبا آخر، إذ ان اتهام الإدارة في مصر بالعشوائية لا يعني اتهام مصر، وإذ لا فارق بين سوء التخطيط العمراني والعشوائية، وإذ لا خلاف علي تفشي عشوائية الإدارة في كل المواقع، مثلما لا خلاف علي مسئولية الحكومة عن تفشي ظاهرة العشوائيات وسوء التخطيط ليس 'في مرحلة ما' ولكن في مراحل متتابعة بلغت ذروتها في المرحلة الحالية!
وليست جريمة الرشوة الكبري في وزارة الإسكان والتي تورط فيها قيادات الوزارة إلا دليلا واضحا علي الفساد ومن ثم عشوائية الإدارة والتي أفرزت مثل هذه النوعية من القيادات الفاسدة المرتشية والتي يجري اختيارها وفقا للأهواء وبمعزل عن المعايير المهنية والأخلاقية التي يلزم توفرها في شاغلي المناصب القيادية.
ولأن واقعة الرشوة في وزارة الاسكان ليست الأولي ولن تكون الأخيرة في هذه الوزارة أو غيرها، وحيث لاتزال وقائع الفساد التي ارتكبها قيادات في وزارات الزراعة والثقافة والإعلام ماثلة في الأذهان، وهي وقائع تؤكد وتدعم ما تواتر من اتهامات للإدارة في مصر بالعشوائية والمسئولية عن تفشي الفساد وسوء الإدارة.
مع تكرار جرائم الفساد والرشوة التي يرتكبها مسئولون كبار .. يتكرر السؤال عن مسئولية الوزراء عن فساد مساعديهم باعتبار أن من صميم مهام مناصبهم حسن اختيار المساعدين ومتابعة ومراقبة أدائهم، ومن ثم مدي مسئولية الحكومة كلها عن وقائع الفساد الكبري وفقا لمبدأ المسئولية التضامنية.
أما السؤال الأهم فهو: لماذا لا يستقيل الوزير الذي يدان مساعدوه في جرائم فساد ورشوة؟!!
المستفيد من تدمير منطقتين سكنيتين وإخلائهما من سكانهما لأغراض 'البيزنس
أسامة أيوب -الأسبوع =3-4-2009
مثلما كشفت فضيحة الرشوة الكبري في وزارة الإسكان عن توطن الفساد ووصوله إلي طبقة القيادات العليا في الحكومة، إذ أن المتهم الأول الذي ألقت الرقابة الإدارية القبض عليه متلبسا في مكتبه يشغل منصب مساعد نائب الوزير، وإذ من المتوقع - حتي كتابة هذه السطور - أن تتسع دائرة الاتهام لتشمل عددا من كبار موظفي الوزارة.
فإن الحرائق الثلاثة المروعة التي شهدتها القاهرة ليلة الاثنين الماضي ليست بمعزل عن هذا الفساد.
إن ألسنة النيران التي طالت عنان سماء العاصمة وحاصرت وروعت الأهالي في سوق 'التونسي'، و'عزبة بلال' بحي الشرابية ودمرت المنطقتين بالكامل .. بدت وكأن الفساد يخرج لنا لسانه متحديا بكل فجاجة
.. بينما كشف حريق متجر الملابس الشهير بحلوان عن إهمال أصحاب مثل هذه المنشآت في اتباع إجراءات الأمن والسلامة بقدر تقاعس الأجهزة الحكومية المعنية عن المتابعة والرقابة.
ورغم ما قد تثيره تلك الحرائق من شكوك حول أسباب اندلاعها بهذه القوة وفي وقت واحد تقريبا، ومن ثم حول المستفيد من تدمير منطقتين سكنيتين وإخلائهما من سكانهما لأغراض 'البيزنس'، خاصة ان التحقيقات وحتي كتابة هذه السطور لم تنته ولم تتوصل للجاني الحقيقي .. غير الماس الكهربائي أو 'عقب' السيجارة.
فإن أغلب الظن ان نتائج التحقيقات سوف تلقي بالمسئولية علي القضاء والقدر ودون الإشارة إلي المتهم الحقيقي وهو الفساد الأب الشرعي للفوضي والإهمال والتخبط وسوء الإدارة والأخطر من كل ذلك 'العشوائية' التي استطرقت في كل أوجه الحياة في مصر ولم تعد مقصورة علي تلك المناطق السكنية بعينها.
بل إن تفشي ظاهرة العشوائيات السكنية في القاهرة وأرجاء مصر .. ليس إلا انعكاسا لعشوائية الإدارة وعشوائية التشريعات والقرارات مع غيبة كاملة للتخبط والرقابة.
ان عشوائية الإدارة هي المسئول الأول عن تفاقم ظاهرة العشوائيات حتي صارت مئات في مصر وعشرات في العاصمة من بينها عزبة بلال التي احترقت، بينما تقف الحكومة عاجزة عن التصدي للظاهرة ولم يعد لديها حل لإزالة هذا العار الوطني إلا انتظار احتراقها أو إحراقها!
ومن المفارقات انه قبل ساعات من اشتعال تلك الحرائق .. كان أعضاء مجلس الشوري يحذرون من ظاهرة العشوائيات باعتبارها قنبلة قابلة للانفجار في أية لحظة .. وان كانوا يقصدون الانفجار الأمني والاجتماعي .. متهمين الحكومة بالمسئولية عن سوء التخطيط العمراني .. في حين انتقد النائب صبري الشبراوي الفوضي السائدة في مختلف مجالات الحياة في مصر .. مشيرا إلي أن العشوائية هي السمة السائدة في إدارة البلاد.
الوحيد في مجلس الشوري 'وأحسبه في مصر كلها' الذي رفض اتهام الإدارة بالعشوائية هو رئيس المجلس السيد صفوت الشريف، والذي استوقفني تعقيبه علي اتهامات النائب بقوله: ربما 'لاحظ ربما هذه' كان هناك تخطيط عمراني سييء في مرحلة ما 'لاحظ أيضا مرحلة ما'، إلا أنه لا يجب اتهام مصر بتاريخها الراسخ بالعشوائية.
تعقيب رئيس مجلس الشوري يستدعي بالضرورة تعقيبا آخر، إذ ان اتهام الإدارة في مصر بالعشوائية لا يعني اتهام مصر، وإذ لا فارق بين سوء التخطيط العمراني والعشوائية، وإذ لا خلاف علي تفشي عشوائية الإدارة في كل المواقع، مثلما لا خلاف علي مسئولية الحكومة عن تفشي ظاهرة العشوائيات وسوء التخطيط ليس 'في مرحلة ما' ولكن في مراحل متتابعة بلغت ذروتها في المرحلة الحالية!
وليست جريمة الرشوة الكبري في وزارة الإسكان والتي تورط فيها قيادات الوزارة إلا دليلا واضحا علي الفساد ومن ثم عشوائية الإدارة والتي أفرزت مثل هذه النوعية من القيادات الفاسدة المرتشية والتي يجري اختيارها وفقا للأهواء وبمعزل عن المعايير المهنية والأخلاقية التي يلزم توفرها في شاغلي المناصب القيادية.
ولأن واقعة الرشوة في وزارة الاسكان ليست الأولي ولن تكون الأخيرة في هذه الوزارة أو غيرها، وحيث لاتزال وقائع الفساد التي ارتكبها قيادات في وزارات الزراعة والثقافة والإعلام ماثلة في الأذهان، وهي وقائع تؤكد وتدعم ما تواتر من اتهامات للإدارة في مصر بالعشوائية والمسئولية عن تفشي الفساد وسوء الإدارة.
مع تكرار جرائم الفساد والرشوة التي يرتكبها مسئولون كبار .. يتكرر السؤال عن مسئولية الوزراء عن فساد مساعديهم باعتبار أن من صميم مهام مناصبهم حسن اختيار المساعدين ومتابعة ومراقبة أدائهم، ومن ثم مدي مسئولية الحكومة كلها عن وقائع الفساد الكبري وفقا لمبدأ المسئولية التضامنية.
أما السؤال الأهم فهو: لماذا لا يستقيل الوزير الذي يدان مساعدوه في جرائم فساد ورشوة؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق