16 أبريل 2009

إرهاب وهمجية الطغاة :ثورة يوليو -ملك المغرب -الدولة اليهودية





رضوى عاشور تتحدث :
كتابات المعتقلين صفعة على وجه الديكتاتورية

محيط – شيرين صبحي
أكدت د. رضوي عاشور أستاذة الأدب الإنجليزي أن كتابات السجن رافد هام من روافد الأدب العربي الحديث، أسهم فيه بدرجات متفاوتة رجال ونساء، ليبراليون وشيوعيون وإسلاميون وأفراد لم ينتموا لأي من هذه الاتجاهات السياسية، وكتّاب مهمتهم الكتابة، وكتّاب كان نص السجن هو نصهم الوحيد، سجلوا فيه تجربتهم ثم مضوا إلى أشغالهم وتخصصاتهم الأخرى، وتشمل هذه الكتابات شهادات لا حصر لها.
وقدمت د. عاشور في ندوة "أدب السجون" التي نظمها مركز الدراسات العربية الأفريقية، عرضًا لكتابات السجن العربية معتمدة على المرويات من مذكرات وسير ذاتية وروايات أنتجها معتقلون سابقون عن تجربة الاعتقال والسجن السياسي. وذلك في أربعة بلدان عربية هي مصر والمغرب، لأن كم النصوص التي نشرت فيهما يفوق ما أنتج في البلدان العربية الأخرى، بالإضافة إلي دولتي فلسطين ولبنان لتناول تجربة الاعتقال السياسي في السجون الإسرائيلية.
شرق المتوسط

وأشارت إلى عبد الرحمن منيف الذي تميّز عن باقي من تناولوا هذه التجربة بوصفها حالة عربية مشتركة، ففي روايته الأولى "الأشجار واغتيال مرزوق" يحكي منيف عن رجل يفر من بلده جراء ما تعرض له من اعتقال وتعذيب. أما روايته الثانية "شرق المتوسط" وهي الرواية الأشهر عربيًا في هذا الموضوع، فيتناول فيها تجربة الاعتقال السياسي والتعذيب في شرق المتوسط دون تعيين بلد بعينه من بلدانه، وهو ما يفسره تجربة منيف الخاصة.
ولد عبد الرحمن منيف في عمان، الأردن، لأب من الجزيرة العربية وأم عراقية. ودرس المرحلة الابتدائية في عمان والمرحلة الثانوية في بغداد والتحق بالجامعة في القاهرة، وكان يقضي أجازته الصيفية بشكل منتظم مع عائلته الممتدة في السعودية.. تجرده السلطات السعودية من جنسيته (1963) فيستقر في دمشق حتى رحيله (2004). وبسبب خصوصية هذه التجربة تمكن عبد الرحمن منيف من كتابة تجربة القمع والاعتقال السياسي والتعذيب في المنطقة العربية ككل.
أستاذة الأدب الإنجليزي تحدثت عن الكاتب صنع الله إبراهيم وروايته الأولي "تلك الرائحة" التي نشرها عام 1966 وهو في الثلاثين من عمره، وكان قد تعرض للاعتقال لمدة خمس سنوات، وقد كتب يوسف إدريس مقدمة للرواية قال فيها: "إنها ليست قصة، قل إنها صفعة أو صرخة أو آهة منبهة وقوية تكاد تثير الهلع" ثم يضيف إدريس "إن البطل هنا ليس الرجل وليس الشاب، وليست الأحداث أو العصر، البطل هنا هو إحساس عام طاغ لا اسم له، ليس الإحساس بالغربة أو الاشمئزاز أو الضياع أو الثورة أو افتقاد الحنان أو الوجود، إنه إحساس مختلف أريدكم معي أن تقرأو القصة، وتخوضوا التجربة وتحسوه، ولتطلقوا عليه بعد هذا ما شئتم من أسماء".

وأوضحت أن الرواية وصفت لاحقا بأنها رواية الحداثة الأولى في مصر حيث لا حبكة ولا تسلسل زمني، بطل لا اسم له، يدور في الشوارع بلا هدف أو يتمدد على سريره يدخن. لا شيئ ذا بال يحدث في الرواية اللهم الزيارة اليومية المنتظمة لرجل الأمن ليتأكد من تواجد هذا الشخص في منزله ليلاً، وعدة فلاش باكات وبعض الصور الموحية.

وأشارت د. عاشور إلي أن الرواية لا تركِّز على تفاصيل تجربة الاعتقال بقدر ما تنشغل بمترتباتها النفسية، يصبح القهر في السجن وعذاباته متضمناً في النص.

وفي عام 2004 يعود صنع الله إلى تجربة الاعتقال في رواية "يوميات الواحات"، وهي يوميات سجلها المؤلف بين عامي 1962 و1964 على ورق البفرة بخط منمنم أثناء اعتقاله، ونجح في تهريبها معه عند الإفراج عنه.

بين البوح والتوثيق
عاشور أوضحت أن بين تاريخَي نشر "تلك الرائحة" عام 1966 و"يوميات الواحات" عام 2004 صدرت في مصر عشرات الكتب حول تجربة الاعتقال السياسي في مصر، كان أغلبها بقلم يساريين - تحديدًا بقلم شيوعيين- قدموا تجربة الاعتقال بين عامي 1959 و1964 في سجون مختلفة. أعقبتها كتابات أخرى تناولت تجربة السجن في الثمانينيات والتسعينيات، منها على سبيل المثال كتابات لطيفة الزيات وفريدة النقاش ونوال السعداوي وفتحية العسال. وهناك كم قليل من كتابات الإسلاميين مثل كتاب زينب الهضيبي وأحمد رائف، وهما يتناولان تجربة الاعتقال السياسي للإسلاميين في الخمسينيات والستينيات.وأضافت أن كثرة كتابات السجن في مصر، وكتابات الشيوعيين تحديدا قياسًا لغيرهم من الجماعات السياسية، قد ترجع إلى أن نسبة كبيرة منهم كانت من النخبة. ولقد شملت حملة 1959 المئات من المثقفين. (صدر أمر عسكري في 31 ديسمبر 1958 باعتقال 168 شخصا، تبعه قرار آخر في مارس 1959 بالقاء القبض على 436 شخصا. وكان بينهم عدد لا يستهان به من الصحفيين والشعراء والروائيين أو مشروع روائيين، والمسرحيين والمصورين ورسامي الكاريكاتور وممثليين وأكاديميين ومهنيين). وقد سجل بعضهم هذه التجربة بعد انتهائها، في كتب توالى صدورها بدءا من منتصف السبعينيات.
وأشارت عاشور إلي أنه عند مقارنة هذه النصوص نجد تشابهاً في بنيتها، حيث تبدأ في الغالب الأعم بظروف الاعتقال مع قدر من التفصيل يزيد أو يقل للأوضاع السياسية التي أدت إليه، ثم الحديث عن المعتقل وأشكال التعذيب ووصف الحياة اليومية والسجناء والحراس والعلاقة مع الإدارة وأشكال المقاومة, وأخيرا الإفراج.
زهرة في قلب الجحيم
وتوقفت عاشور عند كتاب فوزي حبشي "معتقل كل العصور" والذي قضى فترات متفاوتة ومتعددة في تسعة معتقلات منذ 1948 إلى 1987، مشيرة إلي خصوصية تجربته حيث تم اعتقاله واعتقال زوجته ثريا شاكر المعروفة بثريا حبشي، في ذات الفترة مما أدى إلى حرمان أولادهم الثلاثة منهما طوال فترة الاعتقال (4 سنوات قضتها الأم في المعتقل و5 قضاها الأب).وأشارت إلي الدور الذي لعبه فوزي حبشي في تصميم المسرح وبنائه في سجن المحاريق بالواحات، موضحة أن المسرح هنا ليس سوى نموذج واحد دال على مقاومة السجناء وإحرازهم نصرا ماديا ومعنويا، إذ تمكنوا من إنشاء جامعة حرة تنوعت الدراسة فيها من فصول محو الأمية (حيث كان معظم التلاميذ من حراس المعتقل) إلى السبرنبطيقا والرياضة البحتة، وعقدوا امتحانات وأعطوا شهادات ووأقاموا حفلات تخرج وأصدروا جرائد حائط ومجلة للمسرح وكوّنوا وكالة أنباء وأنشأوا مزرعة وورشات للتصوير والنحت والشعر وصناعة الفخار، وبنوا مسجدا فضلا عن المسرح.
ويحكي فوزي حبشي كيف صمم مسرحا روماني الطراز نصف دائري، مصاطبه متدرجة الارتفاع. ولكن المعتقل في الصحراء، وبناء المسرح يحتاج لطوب فكيف يتم توفير الطوب الضروري؟ ويسترجع حبشي تلك التجربة ويعلق عليها قائلا: استغرق العمل في بناء المسرح أربعة شهور وكان الانهماك في البناء "يشد من أزرنا" ويمنحنا "وسيلة لتأكيد قدرتنا على هزيمة الصحراء والمنفى".. كانت تلك دليلا على أن بوسع الإنسان أن يظل رافع الرأس في أشد الظروف قسوة ووحشية... لقد حولت مجموعة من العراة الحفاة الجائعين المعزولين [في] قطعة نائية من جهنم، أطبقت عليها الجنود والجدران والأشواك، إلى بؤرة للثقافة والتعليم والمعمار والفن والخضرة! كانت برهانا على قدرة الإنسان على التقدم ليغرس زهرة في قلب الجحيم".بعد ثلاثة عشر عاما من انجاز المسرح أعمل فوزي حبشي خياله ومعارفه المعمارية في إنجاز عمل آخر، وكان اعتقل مجددا عام 1975 في سجن أبو زعبل وقرر تجميل ساحة السجن بنافورة. أنجز التصميم وأقنع إدارة السجن بعدم إعاقة هذا المشروع الذي يُجمِّل باحة السجن. تغاضوا عن تهريب المواد اللازمة والتي قامت ثريا حبشي ولم تكن معتقلة هذه المرة، بتوفير اللازم عبر عدة زيارات.
جحيم تازمامارت
بعض الأدبيات المغربية التي كتبت عن المعتقلات تناولتها د. عاشور فتروي قصة رشيد بن عيسى الملازم الشاب في سلاح الجو الملكي المغربي الذي اتهم بالمشاركة في محاولة انقلاب ضد الملك الحسن الثاني عام 1972، ولما كان صغير السن لم يثبت عليه الضلوع بشكل أساسي في المحاولة، حُكم عليه بثلاث سنوات. ولكن بن عيسى بعد انقضاء هذه السنوات، لم يفرج عنه، وقضى في المعتقل إحدى عشرة سنة انتهت بموته.خلّف بن عيسى رسمة لزنزانته الإنفرادية في معتقل تازمامرت، وكان شديد الاعتزاز بهذه الرسمة. وتقول كريستين دوريه سرفاتي إن بن عيسى همس وهو على فراش الموت " أريد لرسمتي أن تخرج من هذا السجن وأن تطوف العالم".توفي بن عيسى في 29 يونيو 1983 وكان على رفاقه أن يبقوا بعدها ثماني سنوات في المعتقل. وعندما أفرج عنهم في صيف عام 1991 حققوا لبن عيسى الشق الأول من رجائه وحملوا معهم رسمته إلى خارج السجن. وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، تمكن رفيق من رفاقه من تحقيق الشق الثاني من الأمنية وأصبحت الرسمة هي غلاف الكتاب الأول الذي ظهر عن تزمامرت بعنوان "الزنزانة رقم 10 " لأحمد مرزوقي، ولأن الكتاب مكتوب بالفرنسية فقد أمكن بيسر وسرعة أن يبدأ رحلته حول العالم. في معتقل تازمامرت بالمغرب، اعتقلت مجموعتان من العسكريين ثم لحق بهم عدد من معتقلي المعارضة المدنيين. اتهم العسكريون بمحاولة الانقلاب على الملك الحسن الثاني. المجموعة الأولى في قضية قصر الصخيرات (1971)، والمجموعة الثانية في محاولة انقلابية استهدفت طائرة الملك في العام التالي (1972).كان معظم السجناء من طلاب مدرسة عسكرية استخدموا بدهاء من قبل مسئوليهم مدبري الانقلاب، ودام التحقيق مدة عامين وحكم على معظمهم بأحكام تتراوح بين السجن ثلاث سنوات وخمس سنوات وعشر سنوات. ولكنهم بقوا في تازمامرت 18 عاما يضاف إليها عاما التحقيق في سجون أخرى. أعدم قادة الانقلابين، أما الثمانية وخمسين الذين نقلوا إلى تاززمامرت فلم يبقى منهم ساعة الإفراج إلا ثمانية وعشرين.كان ثلاثون منهم قد فارقوا الحياة بعد أن فقد البعض عقله أو أصيب بشلل أو بمرض عضال، ولم تشفع له أي من هذه الأمور في مغادرة زنزانته الانفراية، فعاش في ظرف شديد القسوة بلا رعاية طبية أو إنسانية، إلا ما يتفضل به أحد الحراس أحيانا حين يسمح لسجين بالانتقال إلى زنزانة زميله المشلول أو الموشك على الموت ليساعده على الاغتسال وتنظيف زنزانته.بعد تسع سنوات من الإفراج عن نزلاء تزمامرت صدر أول كتاب حول هذه التجربة وهو سيرة أحمد مرزوقي "الزنزانة رقم 10"، وبدأ نشر كتاب آخر مسلسلا في إحدى الجرائد المغربية لمحمد الرايس بعنوان "من الصخيرات إلى تازمامرت: تذكرة ذهاب وعودة إلى الجحيم"،
وفي عام 2000 أصدر الروائي المغربي المقيم في باريس الطاهر بن جلون روايته "هذه العتمة المبهرة" والتي اعتمد فيها على شهادة أحد نزلاء تازمامرت، وقد أثارت الرواية سجالا في الصحف المغربية والفرنسية وطرح سؤال لماذا لم ينبس بن جلون ببنت شفة طوال عشرين عاما عن المعتقلات المغربية؟ لماذا لم ينطق بكلمة مساندة للمعتقلين السياسيين في السجون المغربية؟ وقد أدان الكثيرون ما أقدم عليه بن جلون واعتبروه غير أخلاقي، فهو الأن يستفيد من عذاب هؤلاء السجناء لنشر رواية جديدة ما دام الحديث في الموضوع صار متاحا لا يكلف المرء أي ثمن. وأجاب بن جلون من ضمن ما أجاب، أنه لم يعترض على سياسات الملك الحسن القمعية في حينه لأنه كان حريصا على زيارة أهله في المغرب!.
سنوات الجمر والرصاص
في المغرب أيضا صدر كتابا سيرة لأم وابنتها، أولهما "السجينة" عام 1999 لمليكة أوفقير وثانيهما كتاب "حدائق الملك: أوفقير والحسن الثاني وأنا" عام 2000 لفاطمة أوفقير وهي والدة مليكة. ومن المفارقات أن الجنرال أوفقير زوج فاطمة ووالد مليكة، كان في صدارة السلطة في المغرب لعقود، فكان وزيرا للداخلية حينا ووزيرا للدفاع في حين آخر وقائدا للجيش لبعض السنوات. وعندما اتهم بتدبير انقلاب ضد الملك قتل وتم اعتقال زوجته وأولاده الستة وإحدى القريبات والطاهية، وكانتا مقيمتان مع الأسرة. وأمضى هؤلاء التسعة عشر سنوات في معتقل صحراوي، كل في زنزانة منفردة أضيف إليها ثمان سنوات في الإقامة الجبرية، أربع منها قبل نقلهم إلى المعتقل وأربع بعد خروجهم منه. لم تجر محاكمة ولا توجه اتهام ولا صدرت أية أحكام. توفي الملك الحسن الثاني عام 1999 بعد أن حكم المغرب 38 عاما صارت تعرف في الأدبيات المغربية بسنوات الجمر والرصاص. وفي الأعوام التالية لرحيله صدرت عشرات الكتب التي تتناول تجربة الاعتقال السياسي في المغرب وهي نصوص متنوعة وشديدة الثراء في ما تنقله، أغلبها مكتوب باللغة العربية وبعضها كتب بالفرنسية أو بالأمازيغية.
ومن الدال أن أيا من الباحثين في هذه الندوة لم يتناول كتابات آل أوفقير التي تكاثرت لأن كلا من أفراد الأسرة أراد أن يحكي من منظوره أو لأن حكاية آل أوفقير أصبحت تضمن رواجا مما شجع فردين آخرين من الأسرة على الكتابة. فنشر رءوف أوفقير : الضيوف: عشرون سنة في سجون الملك (2003) (ومؤخرًا تبعته أخته سكينة بإصدار كتابها: الحياة بين يدي: طفولة في سجون الحسن الثاني، 2008). وأشارت د. رضوي عاشور إلي أن مرويات السجن لن تقتصر على الكتب المنشورة إذ سوف يقدم آلاف من المغاربة الذين أضيروا في "سنوات الجمر والرصاص" بشهاداتهم المكتوبة في ملفات والشفهية، وذلك في إطار هيئة الإنصاف والمصالحة التي شكلها الملك محمد السادس في 2004 لتبحث في الانتهاكات التي تمت منذ عام 1956 إلى عام 1999.
وقد بلغ عدد الملفات التي قدمت للجنة 20.046 من مُضار أو أهله، قُبل منها 16.861 يتضمن كل منها حكاية اعتقال تعسفي وتعذيب أو وفاة سجين من سوء المعاملة والتغذية وغياب الرعاية الصحية أو اختفاء قسري يجمعه بقائمة طويلة من "مجهولي المصير". تبحث الهيئة في الملفات بهدف تعويض المضارين وإعادة تأهيلهم أو تستمع إلى شهاداتهم في جلسات علنية. وتبعا للأرقام الرسمية للهيئة تم الاستماع إلى 22 الف شهادة.
ولأن الاعتقالات في المغرب من بين التجارب الأكثر ترويعًا في العالم العربي، يقول محمد بودهان وهو صحفي مغربي:
للتعبير عن أقصى درجات الاستنكار والاستياء، يقول المثل العامي: "يسمعها الشيطان فيغطي أذنيه".
السجون الإسرائيلية
منذ 1948 عام إنشاء دولة إسرائيل، حتى نهاية العام الماضي تعرض 800 الف فلسطيني لتجربة السجن السياسي، وهو ما يشكل 25% من مجمل سكان فلسطين. ومن عام 2000 تم سجن 42 الف فلسطيني، ويوجد حاليا 11 الف سجين فلسطيني موزعين على 30 سجن داخل إسرائيل، منهم 356 طفل (تحت سن 18 سنة) و118 امرأة وأربعة وزراء و34 من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني بما فيهم رئيس المجلس. ومنذ عام 2000 توفي 72 سجينا، منهم 3 من أثر التعذيب و17 جراء عدم تقديم العون الطبي الضروري.
كانت هذه إحصائية قدمتها د. رضوي عاشور، مؤكدة أنه رغم ذلك تبقى كتابات السجن الفلسطينية قليلة نسبيا في ضوء هذه الأعداد، متساءلة هل السبب لأن غالبية المعتقلين ليسوا من فئة المثقفين أو المهنيين، وبعضهم شباب صغار والبعض الآخر لم يتح له من التعليم إلا القليل؟ أم لأن ضغوط واقع الاحتلال تبقى قائمة حتى بعد خروج السجين مما يحول بينه وبين الكتابة عن تجربة سجنه؟

وأوضحت أن من أوائل الكتب المنشورة كان "مذكرات معتقل سياسي" لأسعد عبد الرحمن الذي نشر في نهاية الستينيات في بيروت وسجل فيها تجربة تسلله إلى الضقفة الغربية بعد احتلالها وما تعرض له أثناء الاعتقال من تعذيب.

وتوقفت د. عاشور عند كتاب عائشة عودة "أحلام بالحرية" المنشور عام 2004 ، وكانت عائشة اعتقلت في مارس 1969 وهي في الخامسة والعشرين من عمرها وقضت عشر سنوات في السجن تعرضت فيها لكافة أشكال التعذيب البدني والمعنوي، ولم تتمكن عائشة من كتابة تجربتها وحادثة الاعتداء عليها في السجن إلا بعد أكثر من ثلاثين عاما.

وتحدثت عن سهى بشارة والتي قضت عشر سنوات في معتقل الخيام بجنوب لبنان فقد استخدمت أسلوبا مختلفا لكتابة تجربتها. في كتابها "مقاوِمة" تحرص على تقديم المعتقل وتاريخه وموقعه الجغرافي وتقدم وصفا تفصيليا لمبانيه وأنواع زنازينه، وتنقل إلى القارئ الإجراءات المعتادة في التحقيق والتعذيب والنظام اليومي وأشكال العقاب وما لا يحصى من أشكال المقاومة اليومية لحياة المعتقل.. توثق سهى بشارة بدقة للحياة في معتقل الخيام وبهذا المعنى فكتابها ليس كتاب عن تجربتها بقدر ما هو وثيقة لا غنى عنها من وثائق هذا المعتقل.

دخلت سهى بشارة السجن في الواحد والعشرين من عمرها، لم تغتصب ولكنها ضربت وعذبت بالصعق بالكهرباء وعوقبت لفترات طويلة بالسجن في زنزانة انفرادية ضيقة.
تم الإفراج عن سهى بشارة عام 1996، وبعد أربع سنوات من ذلك التاريخ سقط سجن الخيام مع تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي. وتحول المعتقل إلى متحف يزوره الكافة ويرون بأم أعينهم ظروف معيشة السجناء والزنازين الإنفرادية الضيقة، ولما كان معتقل الخيام شاهدا بليغا على البربرية الإسرائيلية فقد استهدفته الطائرات الإسرائيلية بغارات مكثفة في عدوانها على لبنان في صيف 2006 وحولته إلى أنقاض.
وأكدت د. عاشور في النهاية أن كتابات السجن تفصح عن ملمح أساس من ملامح واقع عربي محاصر بين الغزاة والطغاة، موضحة أن كتابات السجن تعتبر ذاكرة رسمية تؤرخ للعلاقة بين السلطة ومعارضيها، وتشكل هذه الأدبيات "فرصة مؤجلة للدفاع عن النفس، الدفاع الذي لم يكن ممكنا لحظة الاعتقال" كما تقول خديجة مروازي.
واختتمت قائلة أن كتابات السجن على تنوع أساليبها أقرب لنسجية فذة، وراء كل تفصيلة من تفاصيلها عرقٌ ودم وحكاية يقشعر لها البدن.. لوحة فريدة تتجاوز قدرة أي فنان فرد وإن كان بوزن بيكاسو، عمل جماعي يشهد على قدرات الإنسان على التحمل والتجاوز والانتصار رغم كل شيء.










































































ليست هناك تعليقات: