26 أبريل 2009

أنقذوا غزة من الحصار والموت بعد أن عجز العالم عن إنقاذها من المحرقة.


حتى لا ترتهن حياة غزة بوفاق مستحيل!
استمرت المحرقة الإنسانية،
السفير د. عبدالله الأشعل (المصريون) : بتاريخ 25 - 4 - 2009
يبدو أن العالم كله قد ترك مأساة غزة وفق تصرف إسرائيل حتى تكمل إبادة هذا الشعب بعد أن دمرته ودمرت مرافقه ومساكنه ومؤسساته فى يناير. بعد الوقف الرسمى للمحرقة العسكرية استمرت المحرقة الإنسانية، حيث لايزال الحصار مفروضاً والإغارات مستمرة، والاغتيالات لم تتوقف وإغلاق المعابر قائماً رغم مطالبة معظم دول العالم مصر وإسرائيل بفتح المعابر حتى تمر مواد إعادة إعمار غزة، علماً بأن مؤتمر شرم الشيخ قد أسرف فى وعوده المالية امتصاصاً للنقمة الجنائية، وإبرام للذمة السياسية. وهو يعلم أن كل ذلك لن يتحقق ما دام السجن مستمراً لمليون ونصف هم سكان غزة. المشهد الآن يدعو للرثاء، فى ظل المعاناة والاستهداف وسط الدمار والركام بعد أن قررت إسرائيل معاقبة المقاومة على تصديها للاحتلال، مثلما قررت أن قادة المحرقة أبطال؛ وأقسم أولمرت بحمايتهم من أي ملاحقة قضائية، وتجاوب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مع إسرائيل. ومن الغريب أن يحتفل العالم، وكله أسى بعد وقف المحرقة بأيام، يوم 27 يناير، بالذكرى السنوية لمحرقة اليهود فى ألمانيا، التي ادفع العرب ثمنها غالياً، وهو المحرقة اليومية لشعب فلسطين البريئ واغتصاب حقه فى الحياة والأرض، ولم يرمش جفن المحتلين بمحرقة اليهود وهم لا يزالون فى أعقاب محرقة غزة.
والغريب أنه رغم جريمة المحرقة، لا تزال إسرائيل قادرة على فرض شروطها على العالم بمساندة أمريكية مطلقة. فالأصل أن يتم استكمال الإبادة، ولا تردد إسرائيل عن الإعلان أنها تعد لمحرقة أخرى لإكمال الأولى، لأنها وجدت تشجيعاً حتى داخل العالم العربي ولو بشكل غير مباشر.
وشروط إسرائيل هي أن يشكل الفلسطينيون حكومة وحدة وطنية تحظى باعتراف العالم، وحددت واشنطن أنها لن تعترف بأي حكومة لا تؤكد على الاعتراف بإسرائيل. وأظن أنه بعد إعلان نتنياهو أن يعترف الفلسطينييون بيهودية الدولة العبرية، فإن الحكومة المقبلة يجب أن تعترف بذلك، أي التنازل عن كل حقوق الفلسطينيين، وترحيل عرب 1948 إلى الدول المجاورة والرضى بحالة اقتصادية معقولة، ونسيان فكرة الدولة واللاجئين والقدس وغيرها؛ وأن توقع هذه الحكومة على اتفاق سلام مع إسرائيل يضمن هذه المسائل لإسرائيل. إذا حدث ذلك تفتح المعابر، ويرفع الحصار وتدخل مواد الاعمار وتتدفق أموال وعود الإعمار وتتحول غزة إلى خلية نحل توحي بمستقبل زاهر. لكن موقف الفلسطينيين إذا وافقوا طلبات إسرائيل سيكون مقدمة لحرب أهلية طويلة، وإنهاء لكل القيادات السياسية لحماس وفتح، ودخولهم فى فوضى تعود بعدها الأراضي الفلسطينية جاهزة للدولة اليهودية.
واللافت للاهتمام أن الدولة العبرية التي تسعى من خلال مصر لإنجاح الحوار الفلسطيني وتوصله إلى الحكومة الموعودة لا تجادل في أن تستوفى هذه الحكومة توافق على الشروط الإسرائيلية، رغم أنها حتى لو اعترفت بإسرائيل فإن إسرائيل ستطالب حينذاك بمحاكمة رؤوس الفتنة من زعماء المقاومة ومن تلطخت أيديهم بدماء الإسرائيليين.
ولما كان الحوار الفلسطيني فيما يبدو لن يسفر عن شيء، وأن الحكومة الموعودة لا يمكن أن تفي بشروط إسرائيل، فإن معنى ذلك أن سكان غزة يموتون ببطء وتتآكل المقاومة بفضل الحصار والاجتهاد العربي فى منع السلاح والمدد لها وفي استمرارها. ولايجوز للعالم المتحضر أن يسمح برهن حياة سكان غزة بابتزاز سياسي رخيص. فهناك أطراف عربية ترى أن التوافق شرط جوهري لفتح المعابر، وأن الاتفاق الفلسطيني على تسوية وضع غزة فى الإطار الفلسطيني هو الخطوة الأولى فى سبيل إنقاذ غزة، وهو وضع ضاغط بلا شك على حماس وحدها فيما يبدو. هذا الموقف ينسجم مع موقف إسرائيل، ولكن من زاوية مخالفة، حيث لا تريد إسرائيل مقاومة فى غزة حتى يمكن أن تقتنع بأن شعبها ليس مقاوماً ويستحق الحياة بالتالي. ولذلك يجب أن يفصل العالم تماماً بين متطلبات البقاء لشعب يتهدده الفناء، وبين هذه التعقيدات السياسية التي تتاجر بمحنته، سواء من جانب إسرائيل أو غيرها من الأطراف الفلسطينيية والعربية. والنقطة الأساسية هي، كيف يرغم العالم إسرائيل على رفع الحصار وأن يقوم بتدويل المعابر التي تربط قطاع غزة بإسرائيل وبمصر، بحيث يؤدي التدويل إلى ضمان فتح المعابر في جميع الأوقات ودون شروط، واعتبار مناطق المعابر مناطق دولية.
قد تحتج إسرائيل ومصر بفكرة السيادة وهي فكرة غير واضحة ولا قيمة لها إزاء حالة الإبادة التي تتعرض لها غزة.
وقد يحتج البعض بأن تدويل المعابر يخنق المقاومة؛ ولكني أقول أن المقاومة في ظل هذا الوضع تعاني اختناقاً أشد. إن رفض فتح المعابر تحت إشراف دولي يعني استمرار جريمة إبادة سكان غزة، وأن وقف هذه الجريمة ليس له مقابل سياسي؛ إنه ترتيب أشبه بالمدن الحرة التي عرفتها عصبة الأمم والأمم المتحدة، مثل مدن دانزيج وطنجة، وتريستا وغيرها. من الواضح أن اعتراض مصر وإسرائيل على هذا الإجراء دون تقديم بديل لإنقاذ غزة أو ربط هذا الإنقاذ باتفاق فلسطيني، لم يعد مقبولاً أخلاقياً وقانونياً، كما لم يعد سائغاً تلك الساعات التي يفتح فيها معبر رفح لبعض الوقت، مما لا علاقة مطلقاً له بصلب المشكلة.
أنقذوا غزة من الحصار والموت بعد أن عجز العالم عن إنقاذها من المحرقة.

ليست هناك تعليقات: