مؤسسات وكلاء السياسة
د. رفيق حبيب –الأسبوع =3-4-2009
انتشرت مؤسسات المجتمع المدني منذ أكثر من عقد من الزمان، والتي تقوم علي تبني سياسات المؤسسات الدولية الداعمة لها، وتتلقي منها الأموال اللازمة، لتقوم بعملها في المجال السياسي، سواء في مجال حقوق الإنسان أو مجال الديمقراطية، أو مجال الأسرة والطفل والمرأة. ومع تعدد هذه المؤسسات وتزايد دورها، أصبحت تسيطر نسبيا علي ما يسمي بالمجتمع المدني، حتي بات المقصود من مؤسسات المجتمع المدني، ينحصر أساسا في المؤسسات الممولة من جهات غربية. وظلت الجمعيات المحلية داخل إطار المجتمع الأهلي، تمييزا لها عن المؤسسات القائمة علي الدعم الغربي.
وتلك المؤسسات الغربية المنشأ والتمويل، تعمل بوصفها مؤسسات وكالة سياسية، مثلها مثل مؤسسات الوكالة التجارية. ولكن المؤسسات التجارية تستورد المنتجات والسلع وتبيعها في الأسواق لمن يريد، أما مؤسسات الوكالة السياسية فهي تروج للبضاعة السياسية الغربية في بلادنا، وتحاول القيام بدور مؤثر علي المجال السياسي، مستندة في ذلك إلي دعم المؤسسات الدولية الممولة لها، وأيضا دعم المؤسسات الدولية عامة، والتي توفر لها الحماية نسبيا في مواجهة النظام الحاكم.
صحيح أن النظام الحاكم حاول كثيرا التدخل في عمل تلك المؤسسات والحد من نشاطها، كما حاول فرض سيطرته عليها حتي تخضع لسياساته ورغباته، إلا أنها ظلت في النهاية مرتبطة بالمؤسسات الداعمة لها، وتعمل علي تطبيق البرامج المتفق عليها مع الجهة الممولة. ورغم كل المحاولات المستمرة لتعديل القوانين، لفرض المزيد من القيود أو الرقابة علي مؤسسات المجتمع المدني، إلا أن تلك المؤسسات تظل في النهاية وكيلا سياسيا عن جهة أجنبية، تعمل وفق تصوراتها، في المجال السياسي. بالطبع لا يعد موقف النظام الحاكم من تلك المؤسسات موقفا وطنيا، لأن النظام الحاكم يحاول حصر العلاقة مع الدول الغربية عليه فقط، حتي يكون النظام هو المتحكم الوحيد في طبيعة هذه العلاقة ومسارها. ولأن النظام الحاكم متحالف مع الإدارة الأمريكية والدول الغربية، لذلك فهو يخضع لشروطهم العديدة في المجال السياسي وحتي في السياسة الخارجية، وربما يرفض أحيانا الخضوع لتلك الشروط، ولكن هذا لا يمثل إلا استثناء. ورغم ذلك، فالنظام لا يريد أن يكون للمؤسسات الغربية والدول الغربية أي وكلاء أو حلفاء داخل البلاد غيره، حتي يؤكد سيطرته علي العلاقات مع الدول الغربية، وحتي يمنع الدول الغربية والمؤسسات الدولية من تمرير أي برامج من دون موافقته أو سيطرته ومتابعته.
ولكن الدول الغربية والمؤسسات الدولية ترفض هذا الوضع، فهي تري أن علاقتها مع النظام أساسية، لأنه لا يمكن العمل داخل البلاد بدونه، كما تري أن علاقتها مع النظام تسمح لها بتمرير العديد من السياسات والمصالح الدولية، ولكنها في الوقت نفسه ترفض سيطرة النظام الحاكم علي البرامج التي تقوم بها، كما ترفض سيطرة النظام الحاكم علي المعلومات التي تصل لها. ولهذا فإن احتياجها للوكلاء مهم وضروري لعملها، بل إن دور الوكلاء هو في النهاية الدور الرئيس في هذه العملية. فالدول الغربية والمؤسسات الدولية تريد بناء رأس حربة، أو مؤسسات محلية، تقوم بجمع المعلومات، وتقدير الموقف العام، وتحديد الأوضاع الداخلية، ومن ثم تحديد أنسب السبل لتطبيق البرامج والسياسات الغربية. والهدف النهائي لذلك، هو تسويق النموذج السياسي الغربي، بل وفرضه علي دول العالم، وتمرير مصالح الدول الغربية وحمايتها، والتأكد من توافق سياسات الدول، خاصة العربية والإسلامية، مع السياسات الغربية في المنطقة، ليس فقط في الواقع الراهن بل وفي المستقبل أيضا. مما يعني ضمان استمرار هيمنة الدول الغربية علي الأوضاع السياسية في المنطقة.
لهذا نري أن المؤسسات المحلية التي تعمل كوكيل سياسي لمؤسسات دولية، تمثل البنية المؤسسية لاختراق المجتمع المصري حاضرا ومستقبلا، كما تمثل الأداة الرئيسية للهيمنة الخارجية. ولن تكون في النهاية حامية لمصالح المجتمع، ولن تكون تابعة لرغبات المجتمع وقيمه.
د. رفيق حبيب –الأسبوع =3-4-2009
انتشرت مؤسسات المجتمع المدني منذ أكثر من عقد من الزمان، والتي تقوم علي تبني سياسات المؤسسات الدولية الداعمة لها، وتتلقي منها الأموال اللازمة، لتقوم بعملها في المجال السياسي، سواء في مجال حقوق الإنسان أو مجال الديمقراطية، أو مجال الأسرة والطفل والمرأة. ومع تعدد هذه المؤسسات وتزايد دورها، أصبحت تسيطر نسبيا علي ما يسمي بالمجتمع المدني، حتي بات المقصود من مؤسسات المجتمع المدني، ينحصر أساسا في المؤسسات الممولة من جهات غربية. وظلت الجمعيات المحلية داخل إطار المجتمع الأهلي، تمييزا لها عن المؤسسات القائمة علي الدعم الغربي.
وتلك المؤسسات الغربية المنشأ والتمويل، تعمل بوصفها مؤسسات وكالة سياسية، مثلها مثل مؤسسات الوكالة التجارية. ولكن المؤسسات التجارية تستورد المنتجات والسلع وتبيعها في الأسواق لمن يريد، أما مؤسسات الوكالة السياسية فهي تروج للبضاعة السياسية الغربية في بلادنا، وتحاول القيام بدور مؤثر علي المجال السياسي، مستندة في ذلك إلي دعم المؤسسات الدولية الممولة لها، وأيضا دعم المؤسسات الدولية عامة، والتي توفر لها الحماية نسبيا في مواجهة النظام الحاكم.
صحيح أن النظام الحاكم حاول كثيرا التدخل في عمل تلك المؤسسات والحد من نشاطها، كما حاول فرض سيطرته عليها حتي تخضع لسياساته ورغباته، إلا أنها ظلت في النهاية مرتبطة بالمؤسسات الداعمة لها، وتعمل علي تطبيق البرامج المتفق عليها مع الجهة الممولة. ورغم كل المحاولات المستمرة لتعديل القوانين، لفرض المزيد من القيود أو الرقابة علي مؤسسات المجتمع المدني، إلا أن تلك المؤسسات تظل في النهاية وكيلا سياسيا عن جهة أجنبية، تعمل وفق تصوراتها، في المجال السياسي. بالطبع لا يعد موقف النظام الحاكم من تلك المؤسسات موقفا وطنيا، لأن النظام الحاكم يحاول حصر العلاقة مع الدول الغربية عليه فقط، حتي يكون النظام هو المتحكم الوحيد في طبيعة هذه العلاقة ومسارها. ولأن النظام الحاكم متحالف مع الإدارة الأمريكية والدول الغربية، لذلك فهو يخضع لشروطهم العديدة في المجال السياسي وحتي في السياسة الخارجية، وربما يرفض أحيانا الخضوع لتلك الشروط، ولكن هذا لا يمثل إلا استثناء. ورغم ذلك، فالنظام لا يريد أن يكون للمؤسسات الغربية والدول الغربية أي وكلاء أو حلفاء داخل البلاد غيره، حتي يؤكد سيطرته علي العلاقات مع الدول الغربية، وحتي يمنع الدول الغربية والمؤسسات الدولية من تمرير أي برامج من دون موافقته أو سيطرته ومتابعته.
ولكن الدول الغربية والمؤسسات الدولية ترفض هذا الوضع، فهي تري أن علاقتها مع النظام أساسية، لأنه لا يمكن العمل داخل البلاد بدونه، كما تري أن علاقتها مع النظام تسمح لها بتمرير العديد من السياسات والمصالح الدولية، ولكنها في الوقت نفسه ترفض سيطرة النظام الحاكم علي البرامج التي تقوم بها، كما ترفض سيطرة النظام الحاكم علي المعلومات التي تصل لها. ولهذا فإن احتياجها للوكلاء مهم وضروري لعملها، بل إن دور الوكلاء هو في النهاية الدور الرئيس في هذه العملية. فالدول الغربية والمؤسسات الدولية تريد بناء رأس حربة، أو مؤسسات محلية، تقوم بجمع المعلومات، وتقدير الموقف العام، وتحديد الأوضاع الداخلية، ومن ثم تحديد أنسب السبل لتطبيق البرامج والسياسات الغربية. والهدف النهائي لذلك، هو تسويق النموذج السياسي الغربي، بل وفرضه علي دول العالم، وتمرير مصالح الدول الغربية وحمايتها، والتأكد من توافق سياسات الدول، خاصة العربية والإسلامية، مع السياسات الغربية في المنطقة، ليس فقط في الواقع الراهن بل وفي المستقبل أيضا. مما يعني ضمان استمرار هيمنة الدول الغربية علي الأوضاع السياسية في المنطقة.
لهذا نري أن المؤسسات المحلية التي تعمل كوكيل سياسي لمؤسسات دولية، تمثل البنية المؤسسية لاختراق المجتمع المصري حاضرا ومستقبلا، كما تمثل الأداة الرئيسية للهيمنة الخارجية. ولن تكون في النهاية حامية لمصالح المجتمع، ولن تكون تابعة لرغبات المجتمع وقيمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق