19 أبريل 2009

د· يحيى الجمل :فاروق حسني في أجهزة المخابرات في باريس!





“سيرة” الجمل تكشف أيام خدمة وزير الثقافة فاروق حسني في أجهزة المخابرات في باريس!

بالفعل هي “قصة حياة عادية” جدا، ارتجلها أستاذ القانون والوزير الأسبق د· يحيى الجمل في كتابه، بسيطة وفقيرة في ذاكرتها ولملمة أحداثها وفي لغتها، أو هي من السير التي تكتب على عجالة بظرف أسبوع أو أسبوعين، فتملأ يوميات صاحبها بالثغرات·

إلا أن أهم ما فاجأ القراء وأشغل الساحة الثقافية الآن في مصر ما كشفه الدكتور الجمل في “قصة حياة عادية” الصادر الشهر الماضي وللمرة الأولى عن خدمة وزير الثقافة المصري فاروق حسني في أجهزة المخابرات أيام عمله في السفارة المصرية في باريس في أوائل السبعينات، سنوات الغليان الفكري والمعارضات السياسية المتعددة وتزايد الطلبة والمثقفين أو هروبهم الى مدينة النور·

حكى الجمل هذا “النبأ” المعترض سيرته الشخصية والعملية “العاديتين” بشكل واضح لم يدع مجالا للبس أو سوء فهم، وإن رمز للوزير بحرف “ف·”، وبدا أنه تعمد إيصال هذه المعلومة المهمة والخطيرة - بنعومة - الى قرائه، وقد وصلت، وانشغل بها الشارع المصري والوسط الثقافي وفرح بها مناوئو “النظام الثقافي” الذي يقوده فاروق حسني، ممن يشكلون منذ سنوات جبهة معارضة ثقافية لسياسات الوزير ومؤسساته ومهرجاناته·



أصل الحكاية



ماذا قال د· يحيى الجمل في كتابه؟ وهل هي أسطر تكتفي بالتلميح أم هي تصريح يستدعي معرفة الحقيقة وردود الوزير (وقد ردّ)؟! لنقتطع الفقرات الواردة في كتاب الجمل “قصة حياة عادية” رغم الإطالة، حتى لا يساء الفهم أو حتى نتثبت من فهمنا·

يقول الجمل: “في يوم من الأيام طلب “ف” الذي كان ملحقا بالمكتب معارا من وزارة الثقافة مقابلته (الضمير عائد على الكاتب) على انفراد لحديث مهم فرحب به على الفور·· فقد كان “ف·” شابا لطيفا خدوما الى جوار أنه كان فنانا فيه رقة الفنان، ولم يكن صاحبنا يعتبر نفسه بعيدا عن الفن·

وكان يعرف أن “ف” على صلة وثيقة بالمرحوم سعد وهبة، وكان هو يعرف سعد وهبة ويقرأ له ويقدره، وكان يعرف أيضا أنه وثيق العلاقة بالمرحوم أحمد كامل الذي كان محافظا للاسكندرية وكان هذا الشاب الفنان يعمل في أحد قصور الثقافة وقد أصبح أحمد كامل بعد ذلك مديرا للمخابرات العامة، ثم أطيح به بعد ذلك فيمن أطيح بهم في انقلاب 15 مايو 1971·

وبدأ “ف·” الحديث بطريقته الخاصة وصاحبنا ينصت إليه كل الإنصات بغير مقاطعة خاصة بعد أن تبين من بداية الحديث مدى أهميته·

قال إنه يود أن يصارحني بأن له مهمة خاصة أكثر من كونه ملحقا معارا من وزارة الثقافة، وأنه حضر دورة في المخابرات العامة قبل مجيئه الى باريس وأن أحد مهامه أن يرصد تحركات الطلبة وأن يكتب تقارير لمصر·

أنصت صاحبنا لهذه المفاجأة بقدر غير قليل من الاهتمام ولم يشأ أن يرد مباشرة ولكنه بعد أن فرغ “ف” من حديثه الخطير قال له صاحبنا: لعلك تدرك دقة الأوضاع بين الطلبة في باريس، والأمور هنا ليست هي الأمور في القاهرة، والطلبة هنا يعيشون جوا من الحرية بغير حدود، كذلك فإنهم يعيشون في قلق شديد، كل يوم يسمعون تصريحات عن عام الحسم ثم عن عام الضباب ثم عن امتلاك أمريكا %99 من حلول مشكلة الشرق الأوسط ثم يسمعون عن طرد الخبراء السوفييت ويسمعون عن الصلف والغرور الإسرائيلي ويدركون أن أرض سيناء ما تزال تحت الاحتلال، قلت له أنت تعرف أن الطلبة يعيشون ذلك كله ويشعرون به ويتنفسونه كل صباح ومساء، وأن طلابا هذا حالهم لا بد وأن يكون التعامل معهم بتفهم شديد وبصدر واسع وأعصاب هادئة·

وأبدى “ف” موافقته على هذا التشخيص لأحوال الطلاب في باريس·

ثم قلت له برقة وحسم أرجو أن تعرف أنني عندما اخترت لأكون مستشارا ثقافيا في باريس فإن هذا يعني بالنسبة لمهمتي في مواجهة الطلبة هنا أنني وزير التعليم العالي ووزير الداخلية ومدير المخابرات وأنني المسؤول الوحيد عنهم هنا في فرنسا وساد صمت ثقيل·

وأدرك “ف” أنه لم يحقق بغيته التي كان هدفها إشعاري بأهميته بل وجعلي أخاف منه أو أحسب له حسابا أكثر من حسابه·

ومن يدري لعلني أكون قد أخطأت في فهم مقصده وأنه لم يكن يقصد من وراء حديثه إلا الخير كل الخير، من يدري·

وأنهيت الحديث ببعض العبارات التي خففت من ثقل المفاجأة وأنهيت إليه بعض التكليفات الثقافية وتمنيت له التوفيق في إنجاز ما عهدته به إليه من مهام”· انتهى حديث الجمل·



رد الوزير في “المصوّر”



بعد تعاظم كرة ثلج الماضي المتدحرجة من قلب الجمل، وتداول السيرة على نطاق شعبي واسع، أتى رد الوزير حسني على صفحات المجلة الأسبوعية “المصوّر” ليعلن دون تردد فخره بتلك الخدمة، التي قال إنها كانت بهدف حماية الطلبة من تجنيدهم لجهات معادية، في وقت كانت به باريس مسرحا لأعمال المخابرات الإسرائيلية·

وفي الحوار الذي جمعت فيه “المصور” الوزير فاروق حسني بصاحب السيرة (الجمل) أثنى فيه الأخير على عمل الوزير الذي كان آنذاك ملحقا ثقافيا وشبهه بـ “سومرست موم” حينما قدم هذا الكاتب الإنجليزي “خدمة عظمى” لبلاده في أثناء الحرب العالمية الثانية بتعامله مع جهاز الأمن القومي، كما ذكر أنه لم يقصد الإساءة “مسألة الإساءة لم تكن في ذهني مطلقا”·

بل إن د· الجمل عاد في “المصور” وشكك بذاكرته (التي روت لنا سيرة ضخمة بجزأين!)، بما يشبه التراجع خصوصا بتلك “المعلومة” وظروفها يقول “ولما حدث وأخبرني فاروق حسني بالتكليف بالنسبة له وهذا كرم كبير منه، فلم يكن مطالبا بذلك وقد أكون نسيت إطار التكليف كما أخبرني به لتباعد السنوات··”·

أما الوزير حسني فروى “السيرة” بالتفصيل، ونقتطعها هنا بتفاصيلها:

“لا توجد لدي ملاحظات وكلام الدكتور يحيى كلام جميل وعبر عن فترة رائعة، ولكن لدي ملاحظات أن الفترة كانت حساسة جدا والذي طلبني للتعاون مع المخابرات هو الأستاذ أحمد كامل فقد كان يعرفني من أيام أن كان محافظا للاسكندرية ثم انتقل رئيسا لجهاز المخابرات العامة، ولم أعرف ماذا توسم في شخصي وبعدها أحمد كامل دخل السجن مع مجموعة 15 مايو 1971 وكل حاجة “اتفركشت” وابتعدت عن المخابرات، وبعد فترة وفي أثناء حرب الاستنزاف وكانت المسألة خطيرة وكانت باريس بالذات مسرحا كبيرا للمخابرات الإسرائيلية وهناك مجموعة كبيرة من رجال المخابرات عملوا بشكل جيد في أمور كثيرة ولكن أهم هذه الأمور هو موضوع الصواريخ، ووجدت أحدهم يتصل بي للسفر الى باريس ومع أنني فنان لا أعرف أن أعمل في الخفاء لكنني قبلت لأنه واجب وطني وكان ذلك في فترة محددة من 1972 الى 1973 حتى انتهت الحرب بالانتصار وبعدها انتهت علاقتي بالجهاز تماما والى اليوم·

·· وكان المركز الثقافي ملتقى لمجموعات ليس لها هوية وبجوارنا المطعم الإسلامي ويتحركون ويتعاملون مع أناس لا نعرفهم وكانت المسألة خطيرة جدا وكان المكان مسرحا خطيرا للمخابرات الإسرائيلية وأنا كنت جزءا من عمل متكامل وكان من ضمن المسائل حماية هؤلاء الطلبة من أن يجندوا لصالح الموساد أو يخترقهم هذا الجهاز بأي طريقة، أما متابعة آرائهم ومواقفهم من الحكومة هنا وكتابة التقارير لم تكن دوري الموكل الي والجهاز موجود والوثائق موجودة هناك ودوري كان محددا وأنا افتخر به ومع ذلك لا أحب أن أذكره لأنه دور وطني قمت به في صمت من أجل الوطن”·



من يقتنع في التبرير؟!



هل كان رد الوزير حسني مقنعا بقوله إن خدمته في المخابرات كانت “هدفا وطنيا” لحماية “الطلبة”؟! تقول بعض الأوساط المتابعة إن مثل تلك التبريرات كانت متوقعة إلا أنها غير مقنعة، حيث يربط أغلب العاملين في الأنظمة السياسية في عالمنا العربي خدماتهم للنظام بالوطن، وتضيف تلك المصادر أن فترة بداية السبعينيات كانت مقلقة لنظام سياسي جديد كان يريد فرض سيطرته وتدارك الأمور بقبضة بوليسية قبل انفلاتها، خصوصا وأنه جاء بعد فترة حماس وتوهج وانطفاء مفاجئ لحلم قومي، قد تطيح به أشباحه·

لذا - تضيف المصادر - إن العهد الساداتي لم يكتف “بالداخل” وإنما مد قبضته الى “الخارج” البعيد!

وعلّقت بعض المصادر على تشبيه د· يحيى الجمل لوزير الثقافة بـ “سومرست سوم” بقولها “·· ولماذا لا يكون جورج أرويل”؟!

هل ستتفاعل “معلومة” الجمل أكثر في القادم من الأيام أم أنها ختمت بـ “حوار المصور”·· وانتهت السيرة؟!

لكنها وإن خُتمت ستكون إحدى صور العلاقة العربية المأزومة بين المثقف والسياسي أو إحدى حالات اندماجهما معا حد التلاشي و”الخدمة” المشتركة·
http://kashfhesab1.blogspot.com/2009_01_04_archive.html





ليست هناك تعليقات: